أمنيات لاعقي الأحذية العسكرية و الإسلاميون والصراع على السلطة في السودان
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
التيار الإسلامي في السودان، خلال تجربته في الحكم منذ انقلاب 1989 بقيادة "الجبهة الإسلامية القومية"، قدّم نموذجًا متميزًا في تفاعل الدين مع السياسة، لكنه واجه إخفاقات كبيرة لا يمكن إغفالها. أحد الانتقادات الأساسية لهذا التيار يتعلق بفلسفة الدولة التي حاول تطبيقها، والتي شملت خلط الدين بالسياسة، مما أدى إلى تقويض أسس الحكم المدني الديمقراطي والابتعاد عن مبادئ التعددية السياسية.
النقد الفلسفي
التناقض بين الشمولية والإيمان بالتعددية: من الناحية الفلسفية، التيار الإسلامي في السودان حاول تقديم نموذج حكم يقوم على مبدأ "شمولية الإسلام" كنظام شامل للحياة، بما في ذلك السياسة. إلا أن هذا التصور يتناقض مع مبدأ التعددية السياسية والفكرية التي تتطلب احترام التنوع الثقافي والديني والسياسي في المجتمع. فرض رؤى دينية محددة على مجتمع متعدد الثقافات أدى إلى انقسامات سياسية ودينية وأعاق محاولات بناء مجتمع يتسم بالتسامح والمساواة.
لقد فشل في تحقيق العدالة الاجتماعية على الرغم من الشعارات التي رفعها الإسلاميون حول تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن تجربتهم في الحكم كشفت عن فجوات كبيرة في هذا الجانب. الفقر والفساد والاستبداد كانت سمة بارزة في حكمهم. يمكن القول إن التيار الإسلامي فشل في تحقيق مبادئ العدل والمساواة التي يدعو إليها الدين الإسلامي ذاته. بدلًا من ذلك، تم استخدام الشريعة كأداة للسيطرة السياسية وليس لتحقيق المصلحة العامة.
إقصاء الآخر باسم الدين التيار الإسلامي في السودان اعتمد على خطاب ديني-سياسي يؤكد على حصرية الإسلام كمصدر للتشريع، مما أدى إلى إقصاء التيارات الفكرية والسياسية الأخرى. هذه الحصرية الفكرية تتعارض مع فلسفة الدولة الحديثة القائمة على الاعتراف بالتعددية والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم السياسي. من هنا، يتبين أن التيار الإسلامي أوقع البلاد في أزمة هوية، حيث فرض نموذجًا واحدًا دون مراعاة تنوع المجتمع السوداني.
وهنا الإشكالية في مفهوم الحرية والديمقراطية: الفلسفة السياسية الإسلامية، كما طُبقت في السودان، قدمت مفهومًا مقيدًا للحرية والديمقراطية. حيث تم استخدام الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى السلطة، لكنها لم تُستخدم كآلية لترسيخ الحرية الفردية وحرية التعبير. تم قمع الصحافة، وقيدت الحريات المدنية تحت مسمى "حماية الشريعة"، مما أدى إلى إفراغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي.
قضية الاستقواء بالجيش
التجربة السياسية للتيار الإسلامي في السودان لم تقتصر فقط على هذه التحديات الفلسفية، بل تضمنت أيضًا الاستقواء بالجيش كأداة للحفاظ على السلطة. هذا الموقف يعكس استغلالًا متكررًا للمؤسسات العسكرية في الصراع السياسي، وهو ما يعبر عن مشكلة أعمق تتعلق بإدارة السلطة في السودان.
تسييس الجيش التيار الإسلامي استخدم الجيش كأداة للبقاء في السلطة، وهو ما تجلى بوضوح في فترة حكم البشير، حيث تم عسكرة السياسة السودانية بشكل كبير. هذا الربط بين الجيش والسياسة يؤدي إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية المدنية وتحويل الجيش من مؤسسة وطنية مستقلة إلى أداة سياسية تخدم مصالح فئة معينة.
إضعاف سلطة القانون المدني ولكن عندما يتدخل الجيش في السياسة بتشجيع من التيار الإسلامي أو غيره، يتم تقويض سيادة القانون وإضعاف النظام القضائي المدني. هذا التدخل يعزز ثقافة العنف السياسي ويضعف الحوار الوطني السلمي. ومن هنا، يتضح أن التيار الإسلامي في السودان ساهم في خلق بيئة سياسية متوترة غير مستدامة، بسبب اعتماده على القوة العسكرية بدلاً من الحلول السياسية الديمقراطية.
إعادة إنتاج الديكتاتورية ورغم الانتفاضة الشعبية في السودان والإطاحة بنظام البشير في 2019، لا تزال البلاد تواجه تحديات متعلقة بالانتقال الديمقراطي، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى التاريخ الطويل لتدخل الجيش في السياسة. الإسلاميون الذين سعوا للتشبث بالسلطة عبر الجيش، ساهموا في ترسيخ نظام ديكتاتوري وليس نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا، مما أدى إلى انحسار الحريات وتراجع التنمية.
تجربة التيار الإسلامي في الحكم بالسودان تكشف عن إخفاقات متعددة على مستوى الفلسفة السياسية والاجتماعية، فضلاً عن الاعتماد المتزايد على الجيش كأداة لحسم الصراع السياسي. هذه الإخفاقات أدت إلى إضعاف الدولة السودانية، وزيادة حدة الانقسامات الداخلية، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية. من الضروري تبني مقاربة جديدة تعتمد على فصل الدين عن السياسة، وإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية بعيدًا عن تأثير الجيش، لضمان مستقبل أفضل للسودان.
الاستقطاب المفرط والسياسات التهديدية: خطاب التيار الإسلامي بعد الحروب عادة ما يكون مهددًا للتيارات المدنية واليسارية. هذه الاستراتيجية التي تعتمد على التخويف بدل الحوار تشكل خطرًا على أي محاولة لتحقيق الاستقرار أو التقدم السياسي. الإسلاميون يسعون للعودة إلى السلطة بأي ثمن، وهذا يُثير حفيظة القوى المدنية التي تؤمن بأن السلطة يجب أن تبنى على حوار وطني شامل، يضمن حقوق الجميع.
فشل تجربة الإسلاميين في الحكم: التاريخ السياسي للعديد من الدول العربية بعد الربيع العربي أثبت أن التيارات الإسلامية فشلت في تحقيق التنمية أو إرساء قواعد دولة القانون. تجربة الإخوان المسلمين في مصر مثلًا، تظهر كيف أن التيار الإسلامي واجه صعوبة في إدارة شؤون الدولة بطريقة عادلة ومنفتحة. هذا الفشل يعزز منطق اليسار في دعوة لعدم عودة التيارات الإسلامية للسلطة.
القيم الإنسانية و من منظور يساري، التيارات الإسلامية غالبًا ما تتعارض مع مبادئ الحقوق والحريات الشخصية. فاليسار يدافع عن قيم إنسانية أساسية مثل الحرية الفردية، المساواة بين الجنسين، وحقوق الأقليات. بينما تسعى التيارات الإسلامية لفرض أيديولوجية دينية قد تقيّد هذه الحريات وتضعف سيادة القانون. هذا يشكل نقطة أساسية للصراع الفكري، حيث يدافع اليسار عن مجتمع تعددي حر بينما يريد الإسلاميون فرض نموذج واحد.
التعددية السياسية و يركز اليسار على أهمية التعددية السياسية والديمقراطية. التيارات الإسلامية، رغم أنها قد تشارك في الانتخابات، إلا أنها تروج لفكرة أن الإسلام يجب أن يكون مصدرًا وحيدًا للتشريع. هذا يتعارض مع روح الديمقراطية التي تقتضي فصل الدين عن الدولة. ولذلك، يحذر اليسار من العودة إلى نموذج سياسي قائم على التفرد الديني.
الفساد والانقسامات و العديد من التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة أظهرت انقسامات داخلية وصراعات على النفوذ والسلطة، بالإضافة إلى اتهامات بالفساد. القوى المدنية ترى أن هذا يُعزز الحجة بعدم السماح لهم بالعودة للحكم دون مراجعة شاملة لأفكارهم وسياساتهم.
إن الدعوة لعدم عودة التيار الإسلامي إلى السلطة ليست فقط مسألة أيديولوجية، بل هي مبنية على دروس تاريخية ومخاوف عملية تتعلق بمستقبل الديمقراطية في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التیارات الإسلامیة التعددیة السیاسیة مما أدى إلى إلى السلطة أن التیار فی الحکم
إقرأ أيضاً:
تسجيل مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي
كتب- محمد شاكر:
أعلنت وزارة الثقافة عن تسجيل مبنى مركز الجزيرة للفنون، مقر متحف الخزف الإسلامي، ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي، وذلك في ختام أعمال الاجتماع العاشر للمرصد الحضري التابع لمنظمة الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، والمنعقد في بيروت خلال الفترة من ٢٨ إلى ٣٠ يوليو ٢٠٢٥.
ويمثل المبنى واحدًا من أبرز المعالم المعمارية ذات القيمة المتميزة، من حيث الطراز الإسلامي المملوكي والتوظيف الثقافي، حيث شُيِّد في الأصل كقصر سكني للأمير عمرو إبراهيم، قبل أن يُعاد توظيفه كمتحف عام ١٩٩٩، ليصبح مركزًا فنيًا وثقافيًا يجمع بين التراث المعماري والوظيفة الفنية.
ويضم المتحف، التابع لقطاع الفنون التشكيلية برئاسة الدكتور وليد قانوش، عدة قاعات متخصصة، منها: قاعة الخزف الفاطمي، وقاعة الخزف التركي، وقاعة الخزف المصري المملوكي، وقاعة الخزف الإيراني، بالإضافة إلى مكونات القصر الأصلية التي تحوي مجموعة نادرة من الخزف السوري والعراقي، وغيرها من التحف الفنية المميزة.
وقد مثّل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، جمهورية مصر العربية في الاجتماع، حيث شارك ضمن وفود الدول العربية في مناقشة سُبل تعزيز التعاون المشترك لصون الإرث الحضاري العربي، والتحديات التي تواجهه، وعلى رأسها الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والتوسع العمراني غير المنضبط.
وهنأ الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري على هذا الإنجاز، مشيدًا بالدور الفاعل الذي يقوم به الجهاز، ومؤكدًا أن هذا التسجيل يُعد إضافة نوعية إلى رصيد مصر الثقافي والمعماري على المستوى العربي، ويعكس التقدير الإقليمي لما تمتلكه مصر من مخزون حضاري متنوع.
ومن جانبه، قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري:
“يهدف تسجيل التراث المعماري والعمراني في الدول العربية إلى حماية الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة. ويُعد هذا التسجيل خطوة محورية نحو حماية هذه العناصر ، كما يُسهم في التعريف بها على المستويين المحلي والعالمي، ويُعزز من مكانتها كمكوّن حي في ذاكرة الأمة.”
ويقع القصر ضمن جزيرة الزمالك التراثية، التي سبق أن أدرجها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري ضمن المناطق المتميزة معماريًا وذات الطابع الفريد، نظرًا لما تضمه من مبانٍ تاريخية وتنوع في الطرز المعمارية، فضلًا عن موقعها الجغرافي المميز وسهولة الوصول إليها.
وقد اختُتم الاجتماع، اليوم الأربعاء الموافق ٣٠ يوليو، بالإعلان عن قائمة المواقع التي تم اعتمادها رسميًا ضمن سجل التراث المعماري والعمراني العربي، الذي أعدّه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بجامعة الدول العربية، وكان من بينها مبنى مركز الجزيرة للفنون ومتحف الخزف الإسلامي، ممثلًا لمصر.
اقرأ أيضا:
تراجع أقصى حمل لاستهلاك الكهرباء إلى 38 ألفًا و700 ميجاوات
خبير جيولوجي: زلزال روسيا الأخير الأقوى منذ 2011 وموجات تسونامي تهدد سواحل المحيط الهادئ
الأرصاد تُعلن تراجع الحرارة والقاهرة تسجل 35 درجة
فرص عمل في الأردن برواتب تصل إلى 550 دينارًا.. التخصصات والتقديم
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
متحف الخزف الإسلامي التراث المعماري والعمراني العربي وزارة الثقافة المرصد الحضري التابع لمنظمة الألكسو لمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلومتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
تسجيل مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
37 26 الرطوبة: 25% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك