مراكش– قبل حوالي 10 سنوات، كان المغرب قد أطلق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وهدفها حسب ما جاء في ديباجتها "توطيد النزاهة والحد من الفساد في أفق سنة 2025، من خلال جعله في منحى تنازلي بشكل ملموس، وبصفة مستمرة، وتعزيز ثقة المواطنين، وتحسين نزاهة مناخ الأعمال، وتموقع المغرب دوليا بالوصول إلى مستوى 60 من 100 في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2025، وربح 20 رتبة في مؤشر مناخ الأعمال، و25 رتبة في مؤشر التنافسية العالمي في السنة ذاتها"، وهو هدف لا يزال بعيد المنال قبل التاريخ المنشود.

ويترقب المغاربة أهداف هذه الإستراتيجية، خصوصا بعد إصدار الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تقريرها عن سنة 2023، والذي وقف على مجموعة من الاختلالات، وهو أول تقرير من نوعه يشمل سنة كاملة بعد دخول القانون 46.19 حيز التنفيذ على إثر تعيين أعضاء مجلس الهيئة وأمينها العام.

وتفاعلت الحكومة المغربية مع التقرير بانزعاج واضح، كرس الجدل الذي يتكرر كلما أصدرت مؤسسة رقابية دستورية تقريرا عن أحد المواضيع الكبرى في المغرب.

وبموازاة التقرير، أصدرت الهيئة تقريرين، شمل الأول الالتزامات الدولية للمغرب في مكافحة الفساد، والثاني تأطيرا لأفعال الفساد المجرمة جنائيا.

الراشدي للجزيرة نت: وضع الفساد في المغرب يشكل واقعا بنيويا (مواقع التواصل) وضع غير مرضٍ

أوضح تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة أن المغرب بحصوله على 38 نقطة من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 يكون قد تراجع 5 نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو الذي انعكس على ترتيب البلاد، حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة لعام 2018، إلى الرتبة 97 في 2023، مشيرا إلى أن مجموعة الدول التي وضعت الوقاية من الفساد ومكافحته على رأس أولوياتها الوطنية استطاعت أن ترقى بترتيبها إلى مستويات متقدمة جدا.

وأبرز التقرير تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد السياسي، ومؤشري تطبيق القانون والحكومة المنفتحة، المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون، ومؤشرات استقلال القضاء وحرية الصحافة والخدمات على الإنترنت.

وأشار محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة في حديث للجزيرة نت، إلى استمرار الوضعية غير المرضية للفساد بالمغرب، مبينا أنها تشكّل واقعا بنيويا يعمّق الفجوة تجاه التزامات السلطات العمومية والجهود المبذولة.

وأكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي للجزيرة نت على أهمية التقرير الذي استعمل منهجية علمية وموضوعية، وسجل تراجع مؤشرات مكافحة الفساد في المغرب، بحسبه.

وتوقف الغلوسي عند بعض القطاعات التي تعرف انتشار الرشوة، خاصة مجال الأعمال والاستثمار، منبها إلى خطورة التغاضي عن نتائجه وعدم التعاطي معه بالجدية اللازمة.

#مع_الرمضاني
بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يوضح معنى مؤشر إدراك الفساد ويعتبر نتائجه بالمغرب "غير مرضية" pic.twitter.com/ZqpZP1Rurn

— 2M.ma (@2MInteractive) October 17, 2024

تكاليف الفساد

في حين يبرز التقرير أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة، يجمع الخبراء على أن الفساد يمتص ما بين 4 إلى 6% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل خسارة  20 مليار درهم سنويا، وهو ما يؤثر على تقدم العملية التنموية في البلد، ويكبح طموحاتها في تحقيق أفضل النتائج، مما يفرض فتح نقاش عمومي حوله، بحسب الغلوسي.

وركّز التقرير على مناخ الأعمال، إذ إن 68% من مقاولي المغرب يعتبرون أن الفساد منتشر أو منتشر جدا، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمشتريات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، هي المجالات الثلاثة الأكثر تضررا من الفساد.

في المقابل، أبرز التقرير حصيلة الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة التابع لرئاسة النيابة العامة، والذي مكّن من تسجيل 243 عملية ضبط للمشتبه فيهم في حالة تلبس، كما سلط الضوء على قضايا الجرائم المالية، والتي بلغ عددها سنة 2022 ما مجموعه 716 قضية.

وغالبا ما يرتبط الفساد في الأذهان بالرشوة فقط، لكن التقرير الموضوعاتي عدد أفعال الفساد المجرمة في الاختلاس، والإهمال الخطير المؤدي إليه، وجرائم الغدر، والحصول غير القانوني على الفوائد والمنافع، والرشوة واستغلال النفوذ وغسل الأموال، مستندا إلى سندات قانونية واجتهادات قضائية.

كما خص بالذكر جريمة الرشوة الانتخابية، وتسخير الممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية، وإساءة استعمال أموال الشركة، وجريمة التفالس، والغش الضريبي، والتهريب الجمركي، والحصول أو إطلاع الغير على معلومات متميزة لم تصل إلى علم الجمهور.

مصطفى بايتاس الناطق باسم الحكومة المغربية: محاربة الفساد تدار وفق عمل تشاركي تساهم فيه الحكومة (الجزيرة) جدل

كما كان متوقعا، أحدث التقرير جدلا واسعا، وصل إلى حد التعقيب عليه من قِبل الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، الذي رفض "المزايدة على الحكومة في مجال محاربة الفساد".

وأكد بايتاس، في ندوة صحفية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أن الحكومة تشتغل بعمق في محاربة الفساد، مبرزا ارتفاع عدد المتابعات القضائية المتعلقة بالجرائم المالية، والمصادقة على مرسوم الصفقات العمومية بمضامين جديدة تضمن الشفافية والنزاهة، معبرا عن اندهاشه من عدم الانتباه الى كل تلك الجهود.

وشدد المتحدث على أن معركة محاربة الفساد تدار وفق عمل تشاركي تساهم فيه الحكومة إلى جانب باقي المؤسسات الدستورية، داعيا كل من لديه ملفات أو معطيات عن الفساد إلى التوجه إلى القضاء.

من جهته، أبرز الراشدي للجزيرة نت سوء الفهم الخاص بهذا الموضوع، مؤكدا أنه لا يمكن تبخيس عمل الحكومة الحالية أو الحكومات السابقة في مجال مكافحة الفساد.

وثمّن المتحدث تسلّم الهيئة من الحكومة مسودات مشاريع محاربة الفساد لإبداء الرأي فيها، والخاصة بتضارب المصالح وإعادة التصريح بالممتلكات، وأيضا المتعلقة بحماية الموظفين المبلغين عن الفساد.

لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى عدم عقد رئيس الحكومة اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد منذ تنصيبها سنة 2017، بالرغم من مراسلته في شأنها، وهي التي تلعب دورا حاسما في التنسيق والتكامل المؤسساتي في مجال مكافحة الفساد، وإلى ضعف تفاعل الحكومة مع توصيات الهيئة بصفتها مؤسسة دستورية رقابية، يضيف الراشدي.

في حين سجل الغلوسي أن التقرير أثار انزعاج بعض القوى المستفيدة من واقع الفساد، وطالب بتجريم الإثراء غير المشروع، والتعجيل بتعديل قانون التصريح الإجباري بالممتلكات، والمصادقة على قانون تضارب المصالح، وحماية الموظفين المبلغين وإعادة النظر في القوانين المنظمة للانتخابات، مما يعزز الترسانة القانونية ويساهم في مكافحة الفساد، انسجاما مع المواثيق الدولية.

محمد الغلوسي: تقرير هيئة النزاهة أثار انزعاج بعض القوى المستفيدة من واقع الفساد (الجزيرة) توصيات

وعن التفاؤل بإمكانية إحراز تقدم ملموس في مجال مكافحة الفساد خلال السنوات المقبلة، أجاب الراشدي أنه لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم بهذا الخصوص، وأكد على أن الوضعية غير مرضية، وتتطلب جهودا إضافية، مبرزا أن الظروف أصبحت ناضجة سنة بعد أخرى.

وشدد المتحدث على ضرورة إطلاق دينامية جديدة تستند إلى الإنجازات، وتهدف إلى إنتاج الأثر، في إطار التماسك والتلاقي بين جميع المعنيين، لتحقيق الانتقال إلى عهد جديد مطبوع بمنحنى تنازلي قوي ومستدام لظاهرة الفساد، وهي ضرورية لتحرير كامل لكل طاقات التنمية والازدهار، علاوة على الاستثمار الأمثل لاتفاقيات مكافحة الفساد المصادق عليها بما يقوي التزام المغرب على الصعيد الدولي.

وأكد أن توفر المغرب على إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد أمر إيجابي، لكن فعاليتها تأثرت بشكل ملحوظ بمحدودية منظومة حوكمتها، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق. فبعد الدينامية القوية التي ميزت سنة 2019 بعد تبني توصيات التقرير الأول للهيئة، سرعان ما عرفت فتورا ملحوظا، بما رسخ العودة إلى تغييب البعد القطاعي (عمل الوزارات المعنية بدون تنسيق)، مما حال دون النجاعة المطلوبة وتحقيق النتائج المتوخاة من هذه الإستراتيجية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الهیئة الوطنیة للنزاهة مکافحة الفساد محاربة الفساد للجزیرة نت الفساد فی فی المغرب فی مجال فی مؤشر

إقرأ أيضاً:

وزير “الموارد البشرية” يُشيد بتكامل الجهود الوطنية في مكافحة الإتجار بالأشخاص

البلاد (الرياض)

أشاد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، بتكامل الجهود الوطنية في التصدي لجرائم الاتجار بالأشخاص، مؤكدًا أن المملكة أولت هذا الملف أهمية قصوى من خلال منظومة تشريعية وتنفيذية تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنسجم مع المعايير الدولية، وتستهدف حماية الإنسان وصون كرامته، وضمان بيئة عمل عادلة وآمنة. وأوضح بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، أن هذه الجريمة تعد من أشد الانتهاكات خطورة على الحقوق الإنسانية، وتستوجب استجابة مؤسسية شاملة، تبدأ بالوقاية، وتمر بالحماية، وتنتهي بالمحاسبة، مشيرًا إلى أن الوزارة تبنت مجموعة من السياسات والبرامج لمكافحتها، يأتي في مقدمتها اعتماد “السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري”، كأول سياسة من نوعها على مستوى دول الخليج، والتي تستهدف القضاء على أبرز صور الاتجار، من خلال تعزيز ظروف العمل اللائق، وتمكين الفئات الأكثر عرضة للاستغلال، وتوفير بيئة تنظيمية تضمن العدالة وعدم التمييز. وأبان أن الوزارة تعمل على تطوير آليات الإبلاغ والرصد، وتوسيع نطاق الفحوصات الاستباقية، وتنفيذ حملات وطنية للتوعية بحقوق العاملين وواجبات أصحاب العمل، إلى جانب تقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي للضحايا المحتملين، مشيرًا إلى أن الوزارة نفذت خلال الربع الأول من عام 2025 أكثر من 61,500 فحص ميداني، واستقبلت 124 بلاغًا، مما يعكس فعالية أنظمة الرصد والاستجابة. وأكد الراجحي أن الوزارة، بالتعاون مع الجهات الممثلة في اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص، تعمل على تنفيذ خطة وطنية شاملة، تشمل بناء القدرات، وتطوير أدوات الحماية والإحالة، مشددًا على أن جهود المملكة في هذا الملف تنبع من التزامها الراسخ بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان، وضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تضع الإنسان في صميم التنمية وسياسات الحماية.

مقالات مشابهة

  • "ارتفاعات قوية" في أسعار الأسهم خلال 2024 (بنك المغرب)
  • البعثة الأممية تعقد مع الحكومة الإيطالية أول اجتماع لمجموعة دعم مكافحة الألغام في ليبيا
  • نزاهة تكشف أرقام مكافحة الفساد خلال شهر يوليو
  • أوكرانيا تعيد استقلالية هيئات مكافحة الفساد
  • هيئة مكافحة الفساد تناقش عدداً من طلبات الحماية
  • هيئة مكافحة الفساد تناقش عدداً من طلبات الحماية وتتخذ بشأنها القرارات اللازمة
  • مكافحة الفساد.. الشناوي يهنئ مدكور بتوليه رئاسة هيئة قضايا الدولة
  • الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط.. تدشين فريق نسائي للتفتيش البيئي البحري بمحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية
  • وزير “الموارد البشرية” يُشيد بتكامل الجهود الوطنية في مكافحة الإتجار بالأشخاص
  • بروكسل تحذر أوكرانيا: تجميد 50 مليار يورو إذا استمرّ التدخل في مكافحة الفساد