د. إبراهيم بن سالم السيابي
لا ندري إذا كان البعض يتذكر ما أطلق عليه الربيع العربي وثورات الربيع العربي، وهي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، وما تبعها من أحداث وسقوط لبعض الأنظمة العربية، وكذلك إجراء بعض الإصلاحات في بعض الدول والتي قوبلت بالاستحسان من شعوب بعض الدول، ولسنا هنا بصدد تقييم نتائج هذه الأحداث ولا حتى الخوض في أسبابها.
نحن اليوم بصدد الحديث عن ربيع آخر ولكنه ربيع سنطلق عليه ربيع السنوار، السنوار هذا القائد الفلسطيني، الذي ينسب إليه التخطيط والتفنيذ لطوفان الأقصى ، والذي قضى شهيدًا وهو يدافع لآخر رمق عمَّا أعتقد أنه لن يناله إلّا بالقوة، كما أخذ بالقوة، استشهادًا بقول الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر عندما قال "ما أحذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة"، في خضم كفاحه ضد إسرائيل.
السنوار، لم يفاوض لأجل العيش مرفهًا في إحدى العواصم هو وأسرته مع حصوله على الأرصدة الضخمة من النقود في حسابه، ضامنًا لحياته وحياة أسرته؛ بل ظل على خط النار يقود المعارك في مقدمة الصفوف طالبًا للحرية والكرامة مهما كلف الأمر، ورحل عن هذه الدنيا جسدا وبقي رمزا، ليس لأبناء بلده فحسب، ولكن للعالم اجمع، خاصة عندما تناقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي اللحظات الأخيرة لاستشهاده وهو يرفع يديه معلناً بأن الأبطال تظل أيديهم مرفوعة مع الحق والشرف والأمانة.
فما هو ربيع السنوار؟
1- وضع للعالم أجمع معادلات جديدة للعلاقات بين الشعوب، فلم يعد ينطوى على أحد كلام العلاقات المنمق عن العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بين البلدان، فجميع العلاقات تبنى من أجل مصالح الشريك الأساسي والمصلحة معه ولتترك العلاقات والمصالح المشتركة جانبا فلم يعد لها قيمة في هذه المعادلات.
2- أسقط كبرياء بعض الدول التي كانت تتغنى بقيادة العالم، وأن كلامها هو الفصل في العالم وأنها تهيمن بقوتها وجبروتها على هذا العالم، فالأحداث والعدوان على غزة بعد طوفان الأقصى، فضح هذه الدول ومن في صفها، فا هي دولة العدوان تمضي في غيها وجرائمها التي لم يسبق لها مثيل وعلى مرأى من العالم أجمع، دون حتى الاكتراث برأيها؛ بل إنه ألزمها بتقديم كافة وسائل الإسناد والمساعدة بالتالي المشاركة مع هذا الكيان في جرائم حرب الإبادة التي تتنهج قتل المدنين العزل من الأطفال والنساء العزل.
3- اظهر حالة الانفصام بين القيادة والشعوب الذي يعيشه هذا العالم الذي يدعى التقدم والديمقرطية، والذي طالما اتهم بلدان العرب بهذه التهم، حيث تتظاهر شعوب هذه الدول ضد حرب الإبادة وتتطالب بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المتمثلة في إقامة دولة مستقلة على أراضيه، بينما تقف قيادات هذه الشعوب مع هذا الكيان رغما عن إرادة هذه الشعوب.
4- وأد حلم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب بدون حداد، فهذه الرغبة كانت لا تخص الشعوب بل كانت بعض القيادات السياسية، وحتى في رغبة هذه القيادات الآن في المضي في هذا الأمر فإنهم لن يجدوا أي متطبع من هذه الشعوب فقد قضي الأمر والشعوب العربية مع فرقتها مع تنوع أفكارها وأختلاف توجهاتها لن تضع يدها مرة أخرى مع هؤلا القتلة المجرمين.
5- أعاد للشعوب العربية روح القومية العربية التي ربما، قد كانت نائمة في قلب كل عربي ولكنه لم يمت بالرغم الفرقة بالرغم التشرد، بالرغم ما يحاط به من مؤامرات من الداخل والخارج، ولكن يبقى العربي الأصيل ودمه ووجدانه يثور، عندما يتعرض أخوانه إلى الظلم أو تتعرض مقدساته للتدنيس، فيعود ثائرا، فلمدة عام كامل وهو يتسمرون أمام شاشات التلفاز يتابعون الأحداث في كل وسيلة، ولسان حالهم يلهج بالدعاء بأن ينصر الله المقاومة ويخفف عن أهل غزة معاناتهم.
6- أطلق آخر رصاصة في نعش، من كان يروج لاختلاف المذاهب والفرقة وفضح أمر أولئك الذين كانوا يعزفزن على وتر التفرقة، فظهرت لأول مرة أقوال المشايخ وقادة هذه المذاهب وهم ينبذون الفرقة ويدعون الى توحيد الصف والجماعة، وأن صراع هذه الأمة صراع الحق ضد الباطل وهو صراع وجود وصراع عقيدة.
7- أعاد اسم دولة فلسطين إلى العالم أجمع، وليس اعترافاً بدولة فلسطين في الأمم الممتحدة وكذلك اعتراف عدة دول أخرى بدولة فلسطين إلا نتائج هذا الربيع، حيث كان اسم هذه الدولة وقضيتها العادلة ليست في طي النسيان.
8- السنوار وهو يرفع في آخر لحظات حياته يده اليسرى يقاوم ويرمي طائرة العدو، بينما اليد الأخرى مضرجة بدماء طلبِ الحرية، أعاد صياغة مفاهيم هذا العالم وذكر شعوبها، بقيمة الأوطان وتراب الأوطان وأن لاقيمة لحياة الإنسان دون وطنه واستعادة أرضه المحتلة من الغير.
9- نبه السنوار في ربيعه بضررورة مراجعة الموسسات الدولية، وإعادة قراءة القانون الدولي مرة أخرى؛ بل إعادة تدريسه في المؤسسات الأكاديمة بصيغة مختلفة وإعادة صياغة بنوده من جديد.
10- أخيرًا كتب السنوار آخر رسائله للعالم العربي، بأن العربي مهما بلغ من الضعف، ومهما بلغ من قلة الحيلة، فإنه قد يسترجع أيامه وتاريخه عندما يتذكر بأنه يدافع عن شرفه وعن كرامته وأن التاريخ لا يسجل في صفحاته ولا يتذكر إلا من يدافع عن أمته وشعبه ووطنه، فعليكم قراءة التاريخ من جديد.
في الختام.. نكتب، وأقلامنا تقطر دمًا على الشهداء في غزة ولبنان، شهداء هذا العدوان الوحشي الغادر، وتنفطر قلوبنا على أولئك المشردين والمحاصرين في غزة بلا طعام أو شراب أو مأوى أو علاج.
ندعو الله أن يكون في عونهم ويشد من أزر أولئك المقاتلين الذين يقاتلون من أجل الشرف والحرية وضد قوى البغي والعدوان، ويؤيدهم بنصره وليس ذلك على الله بعزيز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إعلاميون: ضرورة أن يخاطب الإعلام العربي العالم ولا يتخلّى عن الهوية
دبي: سومية سعد
أكد عدد من الإعلاميين المتخصصين أن وصول الإعلام العربي إلى العالمية ليس هدفاً سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً، ويتطلب الأمر تكاملاً بين البنية التحتية، والتحرير، والتسويق، والكوادر، والتقنيات.. والأهم وجود إرادة حقيقية لأداء دور عالمي، من دون التخلي عن الجذور والهوية.
وأكدوا أن الوصول بالإعلام العربي إلى مستوى عالمي يتطلب تضافراً حقيقياً بين عناصر عدة، من بينها التمويل المستدام والاستقلالية المهنية والتنوع في المحتوى واللغات، والابتكار الرقمي وتطوير الكوادر والتوسع الجغرافي والتعاون الدولي، واستراتيجية تسويقية مدروسة.
يشير طاهر بركة، المذيع في«قناة العربية» إلى أن العالم العربي يشهد محاولات جادة للدخول إلى المشهد الإعلامي العالمي، خاصة عبر منصات مثل قناة «الجزيرة» بنسختها الإنجليزية، التي استطاعت تحقيق بعض الحضور الدولي، غير أن هذه التجارب ما زالت محدودة التأثير، وغالباً ما تبقى محصورة ضمن جمهور عربي أو من المهتمين بالقضايا العربية، من دون أن تتحول إلى مصدر رئيسي للخبر لدى الجمهور الغربي. ويرى أن نجاح منصة إعلامية عربية في المنافسة العالمية لا يعتمد على التمويل أو التكنولوجيا فقط، بل يستدعي وجود رؤية تحريرية مستقلة وخطاب إعلامي يتجاوز الحواجز الثقافية والجغرافية، وضرورة التحلي بالصدقية والحياد، والقدرة على متابعة الأخبار العالمية بكفاءة تضاهي متابعة القضايا المحلية. كما يشدد على أهمية تطوير المحتوى، بحيث لا يقتصر على نقل الخبر بل يشمل تحليلات معمقة وتقارير استقصائية وبرامج تفاعلية تقدم بلغات متعددة لتصل إلى جمهور أوسع.
أما فضيلة المعيني، رئيسة جمعية الصحفيين الإماراتية، فترى أن تحقيق التمويل المستدام للإعلام العربي يتطلب تنويع مصادر الدخل، والابتعاد عن الاعتماد المفرط على الدعم الحكومي، بعقد شراكات مع مؤسسات دولية والاستثمار في مشروعات إعلامية، وإطلاق حملات تمويل جماهيري تعزز استقلالية العمل الإعلامي. لأن استقلالية المنصة الإعلامية وحياديتها عنصران أساسيان لبناء ثقة الجمهور، ما يستوجب وجود قواعد تحريرية واضحة تضمن حرية الصحفيين وتحميهم من التأثيرات السياسية. وترى أن منافسة المنصات العالمية ممكنة، بشرط أن يتحقق إعلام عربي حر ومستقل وطموح، وعندها فقط يمكن أن تتحول منصة عربية إلى مصدر أساسي للخبر عالمياً.
وتؤكد الإعلامية فرزانة حسن، ضرورة تنويع المحتوى الإعلامي، بحيث يشمل برامج وأخباراً تقدم بالعربية، إلى جانب لغات عالمية مثل الإنجليزية والفرنسية، مع التركيز على القضايا ذات الاهتمام العالمي، لتوسيع قاعدة الجمهور وتعزيز الحضور الدولي للإعلام العربي.
كما تدعو إلى اعتماد التحول الرقمي والابتكار، باستخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات تحليل البيانات، لصناعة محتوى تفاعلي يتماشى مع متطلبات جمهور مواقع التواصل.
منال محمد، مديرة العلاقات العامة والتسويق في شرطة دبي، ترى أن تعزيز التعاون الدولي عامل أساسي في تطوير الإعلام العربي، بإقامة شراكات مع مؤسسات إعلامية عالمية، تسمح بتبادل الخبرات والتدريب ورفع المستوى الفني والمعرفي.
كما تشدد على أهمية بناء علامة تجارية إعلامية عربية قوية ومعترف بها دولياً، عبر استراتيجيات تسويق فعالة تشمل الترويج والمشاركة في المؤتمرات والفعاليات الإعلامية الكبرى.
ويشير المستشار الإعلامي أحمد طقش، إلى أن عدم وصول الكثير من المنصات العربية إلى العالمية، لا يعود إلى ضعف الإمكانات، بل إلى غياب الطموح نحو العالمية، حيث تركز كثير من هذه المنصات على مخاطبة جمهورها العربي المحلي وتلبية اهتماماته، وهذا ليس فشلاً بل هو تميز، مادامت تقدم محتوى عالي الجودة يعكس هوية ثقافية واضحة.
كما يرى أن السعي نحو الانتشار لا ينبغي أن يكون هدفاً على حساب عمق الرسالة الإعلامية، لعدم الوقوع في فخ الترويج لمضامين سطحية سعياً وراء الشعبية.
أما الإعلامية حمدة الكتبي، فتؤكد أهمية تطوير الكوادر الإعلامية عبر برامج تدريب مستمرة تركز على مهارات الصحافة الحديثة والتحقيقات الاستقصائية، ما يسهم في رفع مستوى الأداء المهني. كما ترى أن التوسع الجغرافي للإعلام العربي عبر إنشاء شبكة مراسلين دولية ومكاتب في العواصم العالمية، سيعزز قدرة المنصات على تقديم متابعة حية وموثوقة للأحداث العالمية.