الثورة نت:
2025-05-25@08:21:54 GMT

الوعي.. سلاح وتوفير للكلفة

تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT

 

قيل لأحدهم: هل كان فلانا قادراً على استغلالك واستغفلاك وسرقة منزلك في وضح النهار لو كنت على علم ويقين مسبقاً بانه سارق ولديه رصيد حافل بالسرقات، قال: لا، ولا كنت أدخلته منزلي واستضفته وأمنت جانبه ، قيل له : إذن عليك أن تدفع ثمن هذه الغفلة وان تتلافاها مستقبلا حتى لا تتكبد الخسائر وتبدو ساذجاً ،على هذا الحال سرقت منازلنا و أوطاننا و أمننا واستقرارنا على غفلة من أمرنا، ولا زلنا لم نتعلم من المراحل ولم نع الأخطار المحدقة بنا لنندفع في مواجهتها.


الوعي المسبق بالحقائق كان سيوفر علينا الكثير من الكلفة والتضحيات كأمة لا تزال تكتوي بنار المشاريع والمخططات التآمرية، و رغم توالي النكبات فإن المصاب الراهن جلل ، و ما يحدث الآن ليس طارئاً أو مفاجئاً حتى نواسي خيبتنا وضعفنا وقلة حيلتنا بذريعة عدم الاستعداد للمواجهة ، ألم يكن الكتاب الذي بين يدينا محذرا لنا ، و الضربات التي توالت علينا خلال قرون وعقود كفيلة بأن تزيدنا قوة ونزعة للخلاص!.
من لا يقدر قيمة الوعي الصحيح المتمثل بمعرفة العدو و تأصيل وترسيخ العداء له ومعرفة أساليبه ووسائله و طريقة مواجهته ، وما كان سيفعله هذا الوعي إن جاء مبكراً على الصعيد المعنوي والمادي ، ودوره المؤثر في هذه المعركة ، فعليه أن يعيد التأمل في المشهد العربي الإسلامي الراهن، كيف سهونا على غفلة من التاريخ عن العدو الذي يتربص بنا ، وكيف دفعنا هذا السهو إلى أن نحلق في تفاصيل واهتمامات ومعارك وحروب جانبية ، وكيف أن التفريط بالوعي الإلهي عموماً بمختلف مساراته كان هو العنوان الأبرز لهذه الخيبة والضعف ، لقد كان القشة التي قصمت ظهور بعران الأمة على امتداد جغرافيا العروبة والإسلام .
اليوم ومع اشتداد وتيرة الإجرام الذي يمارسه اليهود الصهاينة بحق اخوتنا في فلسطين ولبنان ، ومع انكشاف حجم الكراهية والحقد الذي يضمرونه لعرقنا كعرب ولهويتنا كمسلمين ، يجب ان يكون الموقف مبني على حقيقتين ، أولها انه ما كان لهذا الإجرام والتوحش ان يحدث لو أننا وضعنا هذا العدو في أولويات مشروعنا باعتباره يعد العدة لنا ، وما كنا تركنا أهلنا هناك دون نصرة بدوافع دينية وإنسانية تفرضها معطيات المواجهة وواحدية العدو ، وثانيها ان هذا التوحش والإجرام أيضا الذي يستفرد بأخوتنا هناك ، لن نكون بمنأى عنه وسيطالنا بذات القدر وأكثر وهو ما يوجب علينا أن نتحرك لتلافيه ونحصن أنفسنا على مستوى الإعداد الداخلي وكذلك التحالفات.
رهاننا على حقيقة ما يفعله الوعي وما يمكن أن يوفره من تكاليف لذاته في مواجهة الحروب الباردة و الناعمة ، وما يمكن أن يخلقه أيضا على كل الأصعدة الحياتية ومن ضمنها المسار العسكري كبيرا ومن واقع تجربة عاشتها اليمن منذ مطلع العام ٢٠١٥م ، كيف كان المنهج في تشخيصه سليما لبناء الوعي وتأهيله للمواجهة و التنبؤ بمسار الأحداث ، لدرجة أنه لم تعد هناك من مفاجآت لدينا من توالي هذه الحروب وبروز المواقف والمتواضعات ، وكيف تملكنا الفطنة في نزع فتائلها و تقطيع أوصالها التي كانت تدفق الى مجتمعاتنا ، وكيف أصبحنا جاهزون نفسيا وجسديا و تحضيرا لإفشالها، وتلك نتيجة طبيعية لمعادلة الوعي ، إذ لا يمكن لأمة تعي حجم أخطارها وأهمية دورها في هذه الحياة دون أن تشحذ الهمم وتعد العدة على مختلف المجالات.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الآن، كيف يمكن أن يفهم شخصا مثل البرهان هذه التضحيات؟

إن لم نتمكن من ترجمة شعور الإكبار والإجلال والرهبة الذي ننظر به إلى الشهداء والتضحيات التي قدمت في هذه الحرب، إن لم نترجمه إلى شعور بالإحترام والتقديس تجاه الدولة ممثلة في الدستور والقوانين التي تحكمها، بل إلى ممارسة، فنحن لم نتعلم أي شيء من هذه التضحيات.

حقيقة هناك هوة واسعة بين ما يقدم من تضحيات في الحروب والثورات وبين الواقع الذي يفترض أن هذه التضحيات قد تمت من أجله. ولا يتعلق الأمر بمجرد النسيان أو الأنانية والأطماع الضيقة، وإنما بعجز فكري في الأساس. بعبارة أخرى، المشكلة هنا ليست مشكلة أخلاق بقدر ما هي مشكلة فكر.

يبدو لي أن هناك عجز متأصل في البشر عن القدرة على استيعاب هذه التضحيات فكريا. فنحن نتعاطى معها من خلال الإنفعالات الشعورية، لا من خلال اللغة والفكر؛ ننفعل بمشاعرنا وقد نبكي، ولكن الإنفعال بطبيعته شيء لحظي لا يدوم. لا توجد لدينا قوالب لغوية ومفاهيمية كافية لترجمة التضحيات العظيمة التي نعايشها ونراها أو نسمعها، وكل ما لا يمكن الإحاطة به لغويا في شكل فكرة أو مفهوم، لا يدوم.

هذه مشكلة فلسفية معروفة. ما لا توجد كلمات لتعبر عنه قد يكون موجودا، ولكننا قد لا نراه، وإذا رأيناه وأدركناه سيكون إدراكا مشوشا ووجوده مجرد وجود ذهني قد لا ينتقل من شخص إلى شخص آخر إلا بصعوبة، ناهيك عن رسوخه في الوعي العام. ولكن ما يوجد في اللغة، الفكرة التي تتجسد في شكل كلمات ومفهوم وتعريف، تبقى وتمارس فعلها في الفكر بخلق روابط وعلاقات جديدة مع الأفكار وتخلق مفاهيم جديدة ومعاني جديدة وبالتالي تخلق واقعا جديدا.

ما يحدث أمام أعيننا الآن هو حدث عظيم، هذه الحرب بكل ما فيها من وقائع مادية محسوسة أو وقائع معنوية ذاتية في الأنفس تحتاج إلى إدراك وإلى تعبير مكتوب لتبقى. مثلا، الهجوم على بيت القائد العام ومحاولة اغتياله واقعة مادية، ردة فعل الحرس الرئاسي وقرارهم بالدفاع حتى الموت هذه واقعة ذاتية أو معنوية. هؤلاء العساكر الذين حموا البرهان بأرواحهم لم يفعلوا ذلك حبا في البرهان كشخص، وإنما لأنه يمثل الدولة. ولكن لماذا التضحية من أجل الدولة؟ ماذا تعني دولة؟ هل هي مباني وقصور وسيارات وموظفين؟

لا أحد يقدم روحه من أجل طوب وحديد ومصالح أشخاص. يمكننا، ويجب علينا، افتراض أنهم ضحوا من أجل قيم ومعاني أسمى يجب أن تتجسد في الدولة حتى لو كانت غير موجودة فيها الآن يجب أن يتم خلقها لإيجاد المعنى لهذه التضحيات.

الآن، كيف يمكن أن يفهم شخصا مثل البرهان هذه التضحيات؟

سيفهم منها، لا بقدر ما شعر وانفعل تجاه أشخاص يعرفهم وله معهم ذكريات، وإنما بقدر ما يملك من كلمات لإستيعاب هذه الواقعة، بقدر ما يملك من لغة. فإذا لم تملك اللغة التي تمكنك من التفكير في الواقعة، فأنت قد تكون شعرت بها، ولكنك لم تفهمها. والفهم في السياق الحالي ليس فهما من أجل الفهم، وإنما لكي تتم ترجمته على مستوى الدولة؛ فنحن نتكلم عن حرب تخوضها الدولة.

كنت أحيانا أتساءل، كيف لشخص قاتل ودفن رفاقه الذين استشهدوا أمامه، أن ينسى كل ذلك ويخون أو يتنكر للقضية التي حارب من أجلها؟ وفقا لما تقدم، المشكلة هنا ليست مجرد مشكلة ضمير وأخلاق، ولكنها أيضا مشكلة فقر لغوي وفكري. صحيح الإنسان كائن معقد والعالم أكثر تعقيدا، ولكن إذا لم تفهم قضية ما بشكل صحيح فمن السهل أن تتخلى عنها أو أن تخونها.

الآن، تخيل شعبا كاملا مر بهذه التجربة، تجربة الحرب بكل مآسيها وملاحمها، ولكنه لا يستطيع استيعاب كل ذلك داخل اللغة، لا يفهمه بواسطة كلمات وأفكار ومفاهيم، بواسطة قوالب صلبة تمسك وتخزن وأيضا تعالج (بالمعنى المستخدم في مجال الكمبيوتر).
(هذا الاستطراد خاص للصديق Omar Salam )
وهذا أيضا مثال على ما نقوله، فمعنى كلمة process المستخدمة في مجال الكمبيوتر، يشير إلى عمليات معينة ذات طابع منطقي حسابي. إن لم تكن موجودة في لغتك اليومية، فالمفهوم كذلك لن يكون موجودا في ذهنك.

لا يتعلق الأمر هنا بفقر أو غنى اللغة العربية ووجود كلمات تؤدي نفس المعنى، وهذا الجدل المعروف. بل بالواقع الذي نعيشه، فإذا لم توجد في لغتك الحية المستخدمة الآن، والتي هي جزء لا يتجزأ من عالمك المادي، كلمة بنفس المعنى، فلن تسعفك مفردة قديمة هي بطبيعتها جزء من واقع آخر في زمن ماضي، كانت يوما ما جزءا من لغة حية في واقع حي هو الذي يعطيها معناها، لا واقعك الحالي.

بالعودة إلى موضوعنا، ألخص وأقول، على الرغم من أن هناك الكثير في هذه الحرب الذي نعجز عن التعبير عنه، وقد نشعر أحيانا بأن الصمت حياله هو أبلغ تعبير، سواء كان مأساويا لأبعد حد، أو كان مثاليا ومبهرا لأبعد حد، فإن هذا بالذات هو ما نحتاج أن نتكلم فيه وعنه وحوله، وأن نترجم هذا الكلام بعد ذلك إلى أفعال تجسر الهوة ما بين التضحية والواقع.

وهذه مهمة قد يقوم بها البعض بشكل تلقائي، ويمكن أيضا العمل عليها بشكل منهجي بواسطة مؤسسات توظف الكتابة والإعلام والفن والتربية والتعليم لأجل هذه الغاية.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ما هي واجبات الحج.. وكيف يكون الإحرام من الميقات؟ علي جمعة يوضح
  • الآن، كيف يمكن أن يفهم شخصا مثل البرهان هذه التضحيات؟
  • حدث في 8ساعات| وزيرة تستعد لمغادرة منصبها.. وتوفير وحدات سكنية لمختلف المواطنين
  • طريقة شحن عداد الكهرباء عبر الهاتف وكيف تعرف أن جهازك يدعم NFC؟
  • قبلان: ارادة الشعب الجنوبي اقوى من سلاح العدو الاسرائيلي واعتداءاته
  • شرب الماء مع الليمون على معدة فارغة يمكن أن يضرك
  • ضغوط مالية تُجبر “أرامكو” على إعادة الحسابات: دراسة لبيع أصول وتوفير السيولة
  • فحص وتوفير العلاج لــ 1600 حالة بقافلة للصحة في بنى سويف
  • أسيوط تُحيي 840 آلة جراحية متوقفة.. خطوة رائدة لتعزيز الخدمة الصحية وتوفير الملايين
  • تسريع التنفيذ ودفع التعويضات وتوفير الخدمات.. مدبولي يتابع مشروع رأس الحكمة