عمليات يافا اليمنية العسكرية
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
الخامسة فجر السابع من أكتوبر 2024م والتي تصادف الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى، على أحد جبال مران الشاهقة، تشاهد بضعة بيوت قديمة أشبه بالرماح بطرازها اليمني العتيق وأحواشها المفتوحة المعطرة برائحة الذرة البيضاء مع نهاية كل موسم صراب .
يفرغ الحاج الحاج أحمد من صلاة الفجر ويواصل الدعاء لابنه الصغير المجاهد علي ولرفاقه المجاهدين ولأبنائه الثلاثة الشهداء .
علي هو أصغر أبناء الحاج أحمد المتبقي لديه بعد استشهاد أشقائه الثلاثة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.. يقوم برفع سجادته وتحين منه التفاتة لنافذة الغرفة الخشبية المفتوحة ليشاهد أضواء الصباح قادمة من الجبال البعيدة لتعلن بواكير صبح يوم جديد .
يشم رائحة دخان موقد البيت الشعبي، فيغادر الغرفة ويشاهد أم علي تحمل في يدها صحن الصبوح .
صباح الخير يا أم علي.. ما الصبوح اليوم ؟
تجيبه وهي تضعه على مائدة نحاسية قديمة: صبيع ذرة وسمن وحليب .
يبدآن بالأكل يحدثها انه الصبوح المفضل لعلي .
تسمع اسم ابنها الصغير علي فتسأله على الفور: هل اتصل علي قدنا فاقد لصوته لي من صوته اكثر من شهر؟
يجيبها: لا يا أم علي تعرفين انه لا يوجد لديهم هواتف وسيتصل بنا متى ما سنحت له الفرصة .
* * *
الساعة السادسة صباح يوم السابع من أكتوبر 2024م، في أحد مقرات القوات اليمنية المسلحة السرية يتواجد عدد من قادة عمليات الفتح الموعود والجهاد المقدس يلتفون حول القائد الشاب الذي يشير بيده باتجاه لوحة ضوئية تحاكي خارطة أهداف إسرائيلية، هل تشاهدون تلك الأهداف؟ سيكون لدينا أهداف عديدة طوال اليوم بداية ستقوم الطائرات المسيَّرة بمهاجمة الأهداف من عدة اتجاهات فور دخولها مجال الأراضي بعد انفصال سرب الطائرات ليتم تشتيت وإلهاء نظام دفاعهم الجوي ” مقلاع ” وبالتقنية الجديدة التي أدخلها ابو الحسين ورفاقه المجاهدون في الطائرات فلن يقدر العدو من التصدي لها بحول الله .
يدور بجانبه باتجاههم محدثاً إياهم: فلنتوكل على الله ولتبدأوا المهمة الأولى ويصدح مع الحاضرين بشعار البراءة .
* * *
في العلوم العسكرية هنالك تكتيك يسمى الضربة المزدوجة الصادمة أو تكتيك المصادمة أو هجوم الصدمة: وهو مناورة هجومية في المعارك، والذي تقوم فيه القوات المهاجمة بالهجوم بقوات كبيرة من أماكن مختلفة .
كان هذا التكتيك ينفذ قديمًا عادة باستخدام سلاح الفرسان، وأحيانًا باستخدام المشاة المدجّجة بالسلاح، غالبًا ما كان الفرسان .
عرف حديثاً في سلاح الطيران بالهجوم على أهداف متعددة من أماكن مختلفة بنفس الوقت وسمي بالضربة الجوية المزدوجة.
* * *
الساعة السابعة صباح يوم السابع من أكتوبر 2024م في ملجأ عسكري سري تحت الأرض بخمسة طوابق يتواجد بنيامين نتنياهو – رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ويوآف غالانت – وزير دفاع الكيان المحتل، تبدو علامات الإجهاد والسهر بادية على الاثنين .
كان يوآف غالانت جالساً على أريكة سوداء يشاهد نتنياهو يجوب الغرفة يمينا ويساراً بيدين متصلبتين من شدة التوتر .
يتوقف فجأه ويلتفت باتجاه غالانت الذي يرمقه باستنكار قائلا: ماذا هنالك؟
يجيبه نتنياهو بسرعة: لم يأت أي رد إلى الآن يبدو أن جميعهم سيكتفون بالاحتفاء بهذه الذكرى المشؤومة.
فجأة يسمعان طرقات سريعة على باب الغرفة ويدلف مساعد غالانت ذو العينين الرماديتين ووجه ممتقع ويقول بصوت مرتعش : هجوم يمني بطائرات مسيرة على أهداف عسكرية في تل ابيب وايلات .
ينتفض جسد غالانت ويصرخ: لماذا لم ترصدها أنظمتنا الدفاعية الجوية وتتصدى لها؟
لم يجبه المساعد الذي غادر مطأطئاً رأسه ليشاهد نتنياهو وقد سقط على الاريكة السوداء وهو يتحدث بصوت هامس إنه يوم ملعون من بدايته.. يلتقط غالانت كلامه ويرتعد جسده محدثاً نفسه : ماذا هنالك بعد في هذا اليوم الأسود؟
* * *
يغادر الحاج أحمد مسجد القرية الصغير باتجاه منزله بعد أدائه صلاة العشاء، يتحدث مع من خرجوا من المسجد قليلا عن مشاركتهم في مسيرات اليوم والدعاء لأبطال قواتنا المسلحة.. يدخل للمنزل ويشاهد أم علي التي لا تزال حينها على سجادتها، يفتح التلفاز يشاهد قناة المسيرة وهي تعلن بياناً جديداً للقوات المسلحة اليمنية، يصيح لأم علي فرحاً: بيان للقوات المسلحة يا أم علي، حيث يظهر العميد يحيى سريع المتحدث الرسمي، معلنا تنفيذ عمليتين عسكريتين في يافا وأم الرشراش المحتلتين بصاروخين باليستيين وعدد من الطائرات المُسيرة .
ينتهي البيان ووسط دعوات الحمد والشكر يرن هاتف الحاج احمد : ألو يا أبي . .
يلتفت الأب لزوجته بكل سعادة قائلا : انه ابو الحسين…
انتهى . . .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
غرفة مشتركة
سعيد الحاتمي -
وصلت متأخرا..
كان أغلب المتسلقين قد توزعوا على فنادق المدينة الصغيرة.
حجزت غرفة مشتركة في أحد النزل. وجود السباق الجبلي أوجد ضغطا على أماكن السكن القليلة المتوفرة. لذلك دون تردد قبلت بهذا السرير الشاغر في غرفة ضيقة. حين وصلت كانت السماء تنفض على الجبل بقايا غيمة عابرة. أشار السائق إلى مبنى صغير تطل إضاءته الخافتة من بين الأشجار اللامعة. «هذا هو نزل سيدة الجبل». أخرجت حقيبتي وودعته على وعد بأن يأتي ليحملني فجر يوم السباق. كانت بعض التعديلات يتم إضافتها على الواجهة، والممرات في الحديقة الصغيرة في المدخل.
كرهت أن أقطع على موظف الاستقبال حالة اندماجه الشديد مع ما يشاهده في هاتفه. لكنني منهك بسبب سفري الطويل وكان لا بد لي أن أدخل لأنام. وضعت حقيبتي ووقفت أمام المنضدة في زاوية البهو الصغير.
- مساء الخير. لدي حجز مسبق لديكم.
- أووه. وصلت أخيرا. حمارك بطيء جدا يا صديقي. أنت آخر الواصلين، كنا على وشك أن نلغي إقامتك. ليس هناك مفتاح للغرف. ادخل بهدوء. شريكك وصل قبل الغروب بقليل. قد يكون الآن يتقلب في أحلامه، حاول ألا توقظه. ليلة سعيدة.
أخبرني برقم الغرفة ثم عاد ليتابع ما كان يشاهده قبل أن أصل. ولأن جميع النزلاء قد خلدوا للنوم، فقد كانت إضاءة السلم المتصل مباشرة بمكان الاستقبال خافتة جدا، ومقطوعة جاز ليلية تتهاطل من مكان ما. صعدت بحذر يقودني الدرابزين الخشبي إلى الطابق الأعلى. الغرفة تقع في عند نهاية الدرج مباشرة. لم يكن الباب مغلقا ولم يكن مفتوحا. دخلت بهدوء. كما طلب مني موظف الاستقبال. كدت أن أتعثر على المدخل بحذاء عدو جبلي وضعه خلف الباب مباشرة. استعنت لأصل إلى السرير بالإضاءة الخفيفة التي يسربها باب الحمام الصغير الملحق بالغرفة. ترك قطع ملابسه موزعة على المساحة الصغيرة بين السريرين. هناك منضدة صغيرة وضع عليها حقيبة ظهر صغيرة. أزحت عصا التسلق التي تركها على سريري. خلعت حذائي ثم تمددت على الفراش. شعرت برغبة في الاستحمام، لكنني تجنبت الفكرة خشية أن أزعج هذا الجسد الضئيل الذي بعثر أشياءه في كل الغرفة ونام بعمق على مقربة مني.
كان صوت قطرات المطر المتقطعة وهي ترتطم بزجاج النافذة يصل بسهولة إلى الداخل. لذلك واجهت صعوبة مبدئية في في النوم، إذا ما أضفت عليه معاناتي المستمرة في التأقلم على المبيت في الأماكن الجديدة.
- «هل وصلت عائشة إلى أسرتها؟»
- «لا أرجوك. ليس الآن.. يجب أن أنام، يومين فقط عن السباق». أقول لذاكرتي. لكن الأوان قد فات.
التقينا هذا الصباح بعد حاجز التفتيش الأخير في المطار. كانت عائدة إلى بلادها بعد خمس سنوات متواصلة في الغربة. فتاة في منتصف عقدها العشريني، تآكلت ملامحها من العمل المنزلي. مدت لي ببطاقة الصعود وهي تحاول أن تعيد وضع حقيبة ظهرها القماشية على كتفها.
-«سيدي. أين تقع البوابة ( B3)».
- نحن في نفس الطائرة على ما يبدو، بإمكانك أن تتبعيني.
لا يحتاج المرء إلى المزيد من الجهد ليواجه ذلك التوهان العميق الذي كانت تعيشه تلك اللحظة، جلسنا متجاورين على مقعد طويل أمام بوابة الصعود. فتحت حقيبتها وأخرجت قاموسًا للمصطلحات الطبية «هل أنت عاملة صحية؟» لا يا سيدي. كنت قبل هذا الصباح عاملة منزلية. ولكنني بعد أسبوع سأكون طالبة تمريض. خلال خمس سنوات عشتها هنا جمعت من المال ما أستطيع به أن أساعد أسرتي لدفع تكاليف دراسة التمريض. أبي يدبغ الجلود وأمي تصيد الأسماك النهرية في قريتنا البعيدة. لدي شقيق صغير اسمه حسن. وصل إلى الحياة بعد شهر من مغادرتي المنزل، بلغ الخامسة من العمر ولم نلتق حتى الآن، سأريك صورته. مدت يدها وأخرجت هاتفها.
حين فتحوا البوابة توادعنا كصديقين واختفت بين الجموع.
دوت زخة مطر ناعم على النافذة وارتج الإفريز قليلا. كانت الستارة القماشية مفتوحة ويمكن للإضاءة في الخارج أن تدخل وتتجول بخفوت على جدران الغرفة وبين السريرين. حين انقلبت لأراقب رأيته متقرفصا في فراشه وينتصب جزأه العلوي كتمثال. يبدوا كأنه قام مفزوعا من كابوس أو أنه يعاني من وجع ما يمنعه من النوم. لا يتحرك وينظر جهة الباب.
«مرحبا يا صديقي لقد وصلت متأخرًا وأتمنى ألا أكون قد أزعجتك» انتظرته أن يرد ولكنه لم يلتفت، الضوء يهبط على جسده فيستقر ظله على الجدار، تشي نحافته واستقامة جذعه الصلب بهيئة عداء يجوب قارات العالم خلف السباقات الجبلية. «هل تزعجك برودة الغرفة؟ يمكنك تعديل برودة جهاز التكييف، أنا أيضا لا أحب البرد». أيضا لم يرد.
شعرت وكأن صوتي لا يذهب بعيدا، يخرج من فمي ويذوب في الفراغ قبل أن يصل إلى أذنيه. أكرر مناداته. ولكن الصدى يعود منكسرا في كل مرة. هل هو نائم ويعيش الآن حلمًا؟. أعرف هذه الحالة جيدا. عشتها مرات كثيرة، ومنذ أن كنت صبيا. نمت في أحد المرات بعد الغروب مباشرة، وكان منزلنا يقع على حافة حقل قمح كبير لجدي. بعد أن تجمعوا للعشاء افتقدتني أمي وجاءت لتوقظني بطريقة غاضبة. قمت مفزوعًا من فراشي وخرجت من الغرفة. توقعتني ذهبت لأغسل وجهي من مغسلة على مدخل البيت جهة الداخل، بينما أنا مشيت نائما وخرجت. لم أستيقظ إلا في وسط حقل جدي، حين عدت إلى البيت وجدتهم يبحثون عني. قلت لهم أنني ذهبت لأطمئن أن كل شيء على ما يرام في حقل القمح.
«إن كنت تعاني من ألم ما، قد أستطيع مساعدتك، هناك عيادة في أول الشارع، لمحتها عند قدومي، يمكنني مرافقتك إن أردت» رفع رأسه ونظر إلى السقف ثم عاد ليتمدد على فراشه، دون أن ينتبه إلى وجود شخص آخر ينام في السرير الذي يحاذيه. حتى نومه كان مختلفا، لم يكن يشخر أبدا وبالتأكيد لن يمكنك سماع ذرات الهواء وهي تدخل وتغادر رئتيه.
حين كنت طالبًا في المرحلة الابتدائية أحضروا لنا طالبا جديدا بعد بداية العام الدراسي بشهر. جلس بجانبي، كان مهندما ونظيفا بشكل لا يشبه البقية أبدا. لكنه كان لا يتكلم إلا نادرا، ينصت، ويبتسم، لم يكن انطوائيا رغم قلة حديثه، بل مفعما، ومندمجا في كل شيء، ومع ذلك كان عدد الكلمات التي تغادر فمه في اليوم قليل جدا. بعد أسبوع من حضوره تغيب عن المدرسة بسبب مرض طارئ فاستغل معلم الصف الفرصة وأخبرنا بسر صمته الطويل. «أخوكم هو الابن الوحيد لأبوين أبكمين، ويقضي أغلب وقته في المنزل لا يتحدث مع أحد، لذلك لم يتعلم الكثير من الكلام» حين شاهد الصدمة في وجوهنا طلب منا أن نساعده جميعا، ليطلق سراح الكلمات التي تتخلق في دماغه.
نمت قبل الفجر بقليل. لم تكن غفوة مريحة على كل حال. فالسرير كان ضيقا جدا وبالكاد يسمح لك بالتقلب، صحوت على شعاع النهار يقتحم الغرفة وصوت شريكي الذي لا يتكلم وهو يفتح أدراج الدولاب ثم يغلقها، فتحت عيني ورأيته يبحث في كل مكان. نفض فراشه أكثر من مرة. بحث في حقيبة ملابسه وحقيبة ظهره. أخرج جيوب بنطاله القصير وأعادها. أخذت أراقبه دون أن أتحرك.
«أين وضعتها؟» قال بحيرة وانحنى يبحث تحت السرير. نطق أخيرا، ولكنه لم ينتبه إلى حركتي وأنا استيقظ أو أقول له صباح الخير، ولا حين سألته عن ما يبحث عنه. عاد ثانية إلى دورة المياه وسمعته يبحث هناك ثم خرج. لم يظهر وكأنه تفاجأ بوجودي. بادرته بالتحية، لكنه لم يرد واكتفى بمد يده للسلام «لقد أزعجتك يا صديقي، أرجو أن تعذرني، ولكنني أبحث عن...» وأشار إلى أذنيه.
حين نظرت إلى سريري الذي كنت قد بدأت في ترتيبه كانت هناك سماعتان طبيتان تستقران على طرفه.
سعيد الحاتمي قاص عماني