"كتابات من واقع الحرب".. ندوة بحثية بمؤتمر أدباء مصر
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أقيمت بجامعة المنيا الجديدة مساء اليوم ندوة "كتابات من واقع الحرب"، ضمن فعاليات مؤتمر أدباء مصر في دورته ال٣٦ تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي"، دورة الأديب الراحل جمال الغيطاني.
بدأت الندوة باستعراض الباحث الدكتور أحمد إبراهيم الشريف لرسائل الشهيد أحمد جعفر أحد أبطال حرب أكتوبر، التي كان يرسلها إلى أهله أو كانوا يرسلونها إليه خلال فترة الحرب، والتي عثر عليها مخضّبة بدماء الشهيد.
وقال الشريف، خطابات الشهيد ورسائله التي رأيتها وقرأتها تحمل وجهي الموت والحياة في آن، ففي الرسائل نجد حديث الشهيد المصري لحبيبته، وعلى ظهر الرسالة نجده قد رسم دبابة، وهو ما يعكس طبيعة الروح المصرية في ذلك الوقت وكيف كان يتعامل مع الحرب.
وأضاف ، هناك جزء آخر من الرسائل وهو رسائل الأهل إلى البطل الشهيد، وهي رسائل تكشف حجم الارتباط وتعلق الأهل بالأبناء على خط النار وعلى الجبهة.
وواصل الشريف، الرسائل بها الكثير من المشاعر، ولكني سأحكي قصة أهل الشهيد أحمد جعفر الذين حاولوا الحصول على رفاته لدفنه لتتمكن الأسرة من زيارته، وهذا الجزء من الحكاية سأقصه كما سمعته، حيث ذهب الوالد وحاول العثور على مكان دفن ولده الشهيد، وفجأة حينما حاول القيام استند إلى قبر فعثر على سلسلة أو ما شابه ذلك ليكتشف أنّ هذه المقبرة لإبنه الذي جاء بحثا عن رفاته.
وقال الباحث الكاتب أحمد محمد عبده، خلال مشاركته في الندوة ، بعض العائلات في مصر رفضت ترك منازلهم وقت الحرب وقدمت في بحثي المعنون ب" المرأة في قلب الحرب"، ٦ نماذج لسيدات من شرق وغرب مصر، ونبدأ بالسيدة خضرة أم إبراهيم من قرية أبو عطوة بالإسماعيلية، والتي أطلق عليها بعد ذلك أم الصاعقة، وهي سيدة كانت في الخامسة والعشرين من عمرها تعيش في قرية مثلها مثل باقي قرى مصر.
وواصل الباحث، دور خضرة أم إبراهيم تمثل في إنقاذها لجنود مصر المصابين ونقلهم على العربة الكاروا لتنقلهم إلى المستشفى، وهذه الحكاية عليها شهادات من عدد من القادة الميدانيين، وقد حكوا قصة خضرة أم إبراهيم التي اطلق عليها لقب أم الصاعقة.
وأضاف النموذج الثاني أم رفاعي، وهي إحدى فلاحات عزب منطقة فايد، وكانت لها كلمة مشهورة تقولها لجنود مصر وهي "إن مشالتكوش مصر نشلكم في عنينا"، كانت هذه السيدة تخبئ الجنود المصريين في بيتها على مسؤوليتها.
وهناك فلاحة أخرى من فايد أيضا ويمكننا أن نطلق عليها الهدهد لأنها كانت تقوم بدور استطلاعي وتقدم معلومات عن جنود العدو واماكن تمركزهم.
أما النموذج الرابع فهو خاص بالسيدة سلمي شميط من سيناء التي مات زوجها في العام ١٩٦٧ والتي أخذت على نفسها عهدا للثأر، وبدأت في زرع الألغام في طرقات العدو اليهودي انتقاما لزوجها، وهناك شخصية فاطمة أم علي إبراهيم في أبو رديس في سيناء، وهي الشخصية الخامسة، التي قضت ستة أشهر تمد بعض الجنود في الحرب بالزوادة خلال اختبارهم في أحد الانفاق، وهذه بعض النماذج للنساء المصريات في حرب أكتوبر.
قال الباحث والكاتب سيد نجم، لا بد أن أسجل وأنا أحد جنود أكتوبر، أن هذا المؤتمر بداية حقيقية للأحتفال بحرب أكتوبر.
وأضاف نجم، لا بد أن نفرق بين أدب الحرب وبين أدب التجارب الحربية، ومصطلح أدب التجربة الحربية يقوم على عدة عناصر منها عنصر الزمان وعنصر المكان وعنصر الكاتب، وعنصر الزمان يتمثل في ما قبل المعارك وأثناء المعارك وبعد المعارك، والعنصر الثاني عنصر الشخصية يتمثل في الجندي في أرض المعركة أو الأم أو الولد الصغير أو الطفل، وإضافة للمدني والعسكري في أدب الحرب هناك العنصر الثالث الوسط بين المدني والعسكري مثل الكاتب جمال الغيطاني شخصية المؤتمر هذ العام، وكلها شخصيات يمكنها أن تكون موجودة في أدب المعارك.
قال الشاعر شعبان يوسف، كل عام نحتفل بنصر أكتوبر، ولكن هذا المؤتمر تكريس للاحتفال بنصر أكتوبر، وأرى أن عنوان أدب الحرب عنوان عام، ونحن منذ ٤٨ وكل مرحلة تأخذ لها عنوان، وصولا إلى أدب الانتصار الآن.
وأضاف يوسف، خلال تقديم ورقته البحثية المعنونة ب"خمسون عاما من الانتصار"، أدبيات الانتصار كثيرة ومنها الشعر والرسم وغيره من أشكال الفن، إضافة إلى رسائل الجنود هي أيضا أدب، العبارات التي كتبت على البيوت هي أيضا أدبيات انتصار.
وواصل لا يمكننا أن نغفل روح الانتصار الموجودة في مختلف الكتابات الإبداعية التي ظهرت بعد نصر أكتوبر، ويمكنني القول أن جمال الغيطاني فارس كتابة الاتشراف للانتصار، وذلك في مجموعته القصصية أرض أرض، وفيلم حكايات الغريب والزويل وغيرها من كتابات جمال الغيطاني.
وأضاف يوسف متأثرا، أذكر حينما كنت صغيرا استشهاد أحد شباب جيراننا، وحينها حمل أهل المنطقة نعش رمزي، وطافوا به الأحياء مرددين شعارات النصر لمصر وغيرها من الشعارات التي تثير الحماسة وتحرض على النصر، والحقيقة أنا من دعاة الأمل والتفاؤل.
واختتم بقوله، تحية للثقافة الجماهيرية التي أقامت هذا الحدث وهو تكريس لنصر أكتوبر، ونحن نحتفل بنصر أكتوبر منذ اليوم الأول للنصر وإلى الآن.
٢٠٢٤١١٢٦_١٨٣٠٤٤ ٢٠٢٤١١٢٦_١٨٣٠٤١ ٢٠٢٤١١٢٦_١٨٣٠٣٩المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مؤتمر أدباء مؤتمر ادباء مصر أدب الحرب نصر اكتوبر جمال الغیطانی
إقرأ أيضاً:
“غزة الصغيرة”.. مشروع التصفية الكبرى؟
حين أطلق الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، ضمن ما سُمّي بـ”السيوف الحديدية”، لم يكن الهدف مجرد الرد على عملية عسكرية نفذتها المقاومة.
الأيام الأولى للعدوان، ثم ما تلاها من قصف وتجويع ونزوح، كشفت ملامح مشروع أكبر: خطة لتفكيك غزة وتصفية القضية الفلسطينية، بما بات يُعرف اليوم اختزالًا باسم “غزة الصغيرة”.
هذا المقال لا يتعامل مع “غزة الصغيرة” كمجرد سيناريو عسكري، بل كمخطط استراتيجي إحلالي، يُعيد إنتاج النكبة بشكل ممنهج. فما هي معالم هذا المشروع؟ وما أهدافه؟ وهل يمكن أن ينجح رغم كل التعقيدات؟
أولًا: ما هو مشروع “غزة الصغيرة”؟ “غزة الصغيرة” هو الاسم الرمزي لخطة تهدف إلى تقليص القطاع إلى شريط ضيق في أقصى الجنوب (رفح وخان يونس)، وتحويله إلى كتلة بشرية منهكة، مقطوعة عن الامتداد الفلسطيني الطبيعي، ومحاصَرة بجدران أمنية وأطواق تجويع. يقوم المشروع على خمس مراحل متداخلة:
1. تفريغ الشمال عبر القصف المستمر وتدمير البنية التحتية لتهجير السكان جنوبًا.
2. إنشاء منطقة عازلة بطول القطاع تُمنع العودة من خلالها ويُفرض واقع أمني دائم.
3. حصر السكان في جيب جنوبي مكتظ يُدار بغطاء إنساني أو دولي، دون سيادة وطنية.
4. فصل غزة عن الضفة الغربية سياسيًا وجغرافيًا، لنسف وحدة المشروع الوطني.
5. فرض واقع إنساني كارثي يدفع باتجاه قبول حلول مذلة: التهجير، التوطين، أو الحكم الذاتي المشوّه. ما نراه ليس فقط تدميرًا ماديًا، بل هندسة سكانية – جيوسياسية لإعادة تعريف غزة وظيفيًا وجغرافيًا.
ثانيًا: البعد السياسي – غزة الصغيرة كنواة لتصفية القضية منذ عام 1948، لم يجرؤ الاحتلال على تهجير جماعي بهذا الحجم وبهذا العلن. العدوان الحالي تجاوز منطق الحرب، ليتحول إلى معمل تفكيك سياسي للوجود الفلسطيني، حيث تُستبدل الهوية المقاومة بـ”النجاة” الفردية.
أهداف الخطة السياسية أعمق من ظاهرها: إخراج غزة من المعادلة الوطنية كمركز للمقاومة والتمثيل السياسي. فرض كيان فلسطيني هش تُشرف عليه جهة وظيفية لا تملك الأرض ولا القرار. تفكيك وحدة الجغرافيا الفلسطينية ومن ثم وحدة الذاكرة والهوية. تهيئة البيئة الإقليمية لشرق أوسط جديد، تُنفى منه فلسطين، وتُجرّم فيه المقاومة.
تسريبات من مراكز أبحاث إسرائيلية (مثل مركز “بيغن–السادات”) تؤكد أن خطة ما بعد الحرب تهدف إلى خلق “واقع دائم بلا حماس، وبلا تهديد استراتيجي”، ما يعني قضم غزة سياسيًا، لا فقط عسكريًا.
ثالثًا: الواقع الميداني – غزة تحت المقصلة حسب تقارير الأمم المتحدة: 1.9 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا داخل قطاع غزة. 90% من البنية التحتية في الشمال والوسط مدمرة. 85% من المستشفيات خارج الخدمة. أكثر من مليون ونصف فلسطيني محاصرون في رفح، بلا مياه أو كهرباء أو دواء.
رفح لم تعد مدينة، بل تحولت إلى أكبر مخيم لاجئين على وجه الأرض. لكنها، رغم القهر، لم تتحول إلى قبر للهوية؛ بل إلى فضاء جديد للعناد الفلسطيني.
رابعًا: العوائق الكامنة – لماذا قد تفشل الخطة؟ رغم البطش الإسرائيلي، يواجه مشروع “غزة الصغيرة” خمسة عوائق استراتيجية:
1. بقاء المقاومة: فصائل المقاومة ما زالت تنشط من قلب مناطق يزعم الاحتلال أنه “طهّرها”.
2. الرفض الشعبي الفلسطيني: الناس، رغم النزوح، يصرّون على العودة ورفض أي حلول بديلة.
3. الانكشاف الدولي غير المسبوق: الاحتلال يُحاكم اليوم أخلاقيًا وقانونيًا بتهم الإبادة الجماعية.
4. الفيتو المصري: القاهرة ترفض التهجير إلى سيناء، لإدراكها خطورته على أمنها القومي.
5. اليقظة العربية المتصاعدة: رغم هشاشة الأنظمة، تعود الشعوب العربية لتبني فلسطين قضيةً أولى.
خامسًا: المأساة الإنسانية – غزة بلا قلب ولا مأوى “في النكبة مشينا حفاة من المجدل إلى غزة، واليوم نمشي حفاة من غزة إلى الموت”، تقول أم فادي، وهي عجوز هجّرتها الحرب.
ما يجري هو كارثة إنسانية كاملة الأركان: الطفل يفتش عن ماء في الركام، والأم تلد فوق التراب، والمُقاتل يدفن رفاقه ثم يعود لموقعه.
لكن ما لا يراه الاحتلال: أن هذا الألم لم يُنتج استسلامًا، بل عنادًا وجوديًا. فاللاجئ يكتب على خيمته: “سنعود، ولو من رمادنا”.
سادسًا: السيناريوهات المحتملة – ماذا بعد الدم؟
1. نجاح مؤقت للخطة: قد يُفرض واقع ميداني، لكنه هش، وسرعان ما ينهار بفعل المقاومة أو انفجار شعبي.
2. فشل تراكمي تدريجي: عودة السكان، وفشل الإدارة البديلة، يُعيد غزة إلى المعادلة الوطنية.
3. تفجير إقليمي واسع: أي تهجير نحو سيناء سيشعل المنطقة، ويغيّر قواعد الاشتباك الإقليمي.
ختامًا: غزة لا تُصغّر.. بل تتسع فينا يريدون حشر غزة في خيمة، لكنها تسكن قلب كل حرّ. يريدون اختزالها في أزمة إنسانية، لكنها تحيا كرمز للكرامة. يريدون تصغيرها، فكبُرت بدم شهدائها.
“غزة الصغيرة” ليست مجرد مشروع احتلالي، بل اختبار للضمير العالمي: هل يُسمح بإبادة مدينة على الهواء مباشرة، دون عقاب؟ وهل يبقى الحق حيًا في عصر الصمت المُصور؟ غزة تعيد تعريف النكبة كواقع مستمر، لكنها أيضًا تعيد تعريف الكرامة كمقاومة لا تموت.
إذا أرادوا تصغير فلسطين، فإن دماء غزة تُكبرها.. تُكبرها حتى تُعيد رسم خريطة الحرية. غزة لن تُهزم، لأنها تشبهنا في لحظتنا الأصدق: لحظة الصمود، مهما عظمت الكلفة.
الدستور الجزائرية