لا مكان آمن بغزة.. مصر تجدد مطالبتها لإسرائيل باحترام القانون الدولي
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
عُقد مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة في القاهرة الاثنين ٢ ديسمبر ٢٠٢٤، وشارك فيه أكثر من ١٠٠ وفد يمثلون الدول ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية والمؤسسات المالية الدولية والمنظمات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية وأنطونيو جوتيريش، سكرتير عام الأمم المتحدة.
وعكست النقاشات التي دارت خلال المؤتمر التزام المشاركين الثابت بالاستجابة للكارثة الإنسانية الحالية في قطاع غزة، والتخفيف من محنة الشعب الفلسطيني ووضع حد لمعاناته الشديدة، كما سلطت المناقشات الضوء على الجهود المصرية المبذولة على مختلف الأصعدة الإنسانية وأكدت على الحاجة لدعم هذه الجهود.
وشدد المؤتمر على أهمية الزيادة الفورية للمساعدات الإنسانية وايصالها بصورة فعالة ومستدامة الي الفلسطينيين المحتاجين في غزة، بما في ذلك، الغذاء والماء، والإمدادات الطبية، والوقود والمأوى.
كما ألقى الضوء على الحاجة لاستراتيجية قوية للتعافي المبكر وتطبيقها بمجرد أن تسمح الظروف بذلك، بما يمهد الطريق لجهود إعادة الإعمار طويلة المدي بقيادة الحكومة الفلسطينية وبدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وتم خلال المؤتمر الاعراب عن القلق العميق تجاه الوضع الإنساني الكارثي في غزة. حيث انتجت العمليات العسكرية الإسرائيلية الراهنة التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك مرافق الأمم المتحدة وموظفيها، خسائر فادحة في الأرواح والضحايا المدنيين، وترتب عليها حجم دمار غير مسبوق، وذلك مع استمرار الحصار ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتهجير أكثر من ١٬٩ مليون فلسطيني.
وتستمر إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في تقييد النفاذ الإنساني إلى قطاع غزة، وتبقى معابرها إما مغلقة أو تعمل بقدرة محدودة للغاية. كذلك، فرضت إسرائيل حصارا فعليا على شمال غزة من خلال بناء جدار عازل، ما جعل المدنيين إما محاصرين في الداخل وغير قادرين على الوصول إلى الخدمات والاحتياجات الأساسية، أو عالقين وغير قادرين على العودة إلى منازلهم.
لا يوجد مكان آمن في غزة، ويتم ارتكاب هذه الانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني على الرغم من النداءات العديدة التي وجهها المجتمع الدولي، وقرارات مجلس الأمن التي تطالب بنفاذ كاف للمساعدات الإنسانية ووقف فوري ودائم لإطلاق النار، ويتم ارتكاب هذه الانتهاكات أيضا على الرغم من التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية.
وفي هذا السياق، تجدد مصر مطالبتها لإسرائيل بالاحترام الكامل لالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي الإنساني، وباعتبارها القوة القائمة بالاحتلال. وستستمر مصر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين. كما تشدد مصر على الحاجة إلي توفير المساعدات الانسانية وتهيئة الظروف الملائمة لتوزيعها وضمان وصولها إلى المدنيين المحتاجين اليها فى كافة انحاء قطاع غزة وضمان تسهيل النفاذ الإنساني السريع والآمن دون عوائق أو عقبات من خلال كافة المعابر. كما قدمت مصر منذ بداية الحرب أكثر من ٩٤٠٦٤ طنا من المساعدات الإنسانية، والخدمات الطبية لأكثر من ٩١٧٧٠ فلسطينيا، بالإضافة إلى المساعدة في إجلاء أكثر من ٧٤ ألف من مزدوجي الجنسية ومواطني الدول الثالثة.
عكست المناقشات خلال المؤتمر الدور المحوري والعمل البطولي للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وجميع العاملين في المجال الإنساني والطبي في قطاع غزة. وأعربت العديد من الوفود عن خالص تعازيها لمن فقدوا أرواحهم خلال هذا النزاع، وأعادوا التأكيد على أهمية تطبيق منظومة لفك الاشتباك لضمان حماية العاملين في المجال الإنساني وضمان حرية تنقلهم بأمان وسلامة في جميع أنحاء غزة.
في هذا السياق، يجب حماية الدور المحورى الذي لا غنى عنه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، باعتبارها أقدم وأكبر وكالة تعمل في القطاع، وتوفر الإمدادات والخدمات الأساسية لإنقاذ أرواح الفلسطينيين، كما يجب أن يتضمن ذلك توفير الدعم والتمويل اللازمين للحفاظ على دورها الأساسي وغير القابل للاستبدال.
ستواصل مصر دعم الشعب الفلسطيني، ونضاله المشروع من أجل نيل حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، وتحقيق تطلعاته المشروعة في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، ومتواصلة الأراضي وقابلة للحياة على أساس خطوط عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
تتوجه جمهورية مصر العربية بالشكر والتقدير للدول والمنظمات التي شاركت في المؤتمر دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني، وتثمن دعمها السياسي وتعهداتها المالية لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة عبد الفتاح السيسي لأمم المتحدة مؤتمر القاهرة الوزاري أنطونيو جوتيريش المزيد المزيد الأمم المتحدة قطاع غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال في القانون الدولي: بين الإرهاب والعنصرية وأزمة الضمير الدولي
يشكّل الاحتلال أحد أخطر انتهاكات القانون الدولي، لما ينطوي عليه من حرمان شعبٍ بأكمله من حقوقه الأساسية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير. وتُعدّ القضية الفلسطينية المثال الأبرز والأطول زمنًا لهذا الاحتلال، الذي اتسم بطابع استيطاني عنصري، بلغ حد الاقتلاع القسري لشعبٍ من أرضه لصالح إحلال سكان أجانب. ووسط صمت دولي طال أمده، بدأ الضمير العالمي بالاستيقاظ تدريجياً، ما يُحتّم على السياسات الدولية، خاصة الأوروبية والأمريكية، أن تتغيّر وتواكب متطلبات العدالة الدولية.
أولاً: الاحتلال كجريمة وفق القانون الدولي
تُصنف اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 سياسات الاحتلال والاستيطان والتهجير القسري بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وحين يتحول الاحتلال إلى مشروع لإلغاء الوجود الوطني والثقافي لشعب، فإنه يُلامس حدود جريمة الفصل العنصري (الأبارتهايد) كما عرّفتها الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصري لعام 1973.
ثانياً: قرار محكمة العدل الدولية 2024
مثّل قرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024 محطة قانونية مفصلية في تكريس الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية، إذ أكد بوضوح أن:
الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، جميعها أراضٍ محتلة بموجب القانون الدولي.
استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأراضي يُشكّل انتهاكًا فاضحًا لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
وطالبت المحكمة في قرارها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي دون قيد أو شرط، وهو ما يُلزم الدول الأطراف بعدم تقديم أي دعم لإدامة هذا الاحتلال.
وقد أعاد هذا القرار التذكير بالمبادئ الأساسية التي أقرتها الأمم المتحدة منذ نشأتها، والتي لطالما تجاهلتها السياسات الغربية المزدوجة المعايير.
ثالثاً: قرارات الشرعية الدولية وحق الفلسطينيين في الدولة
إلى جانب فتوى المحكمة، فإن الشرعية الدولية قد أكدت عبر عشرات القرارات على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وعلى رأسها:
القرار 181 (قرار التقسيم – 1947)، الذي نص على إنشاء دولتين: يهودية وعربية، وهو ما لم يُنفذ إلا لصالح طرف واحد، بينما حُرم الفلسطينيون من دولتهم حتى اللحظة.
القرار 242 (1967)، الذي دعا إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة.
القرار 338 (1973)، الذي أكد وجوب تنفيذ القرار 242.
القرار 2334 (2016)، الذي نصّ بوضوح على عدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، واعتبره عقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين.
كل هذه القرارات تعكس إجماعًا قانونيًا وأخلاقيًا دوليًا حول الحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
رابعاً: أزمة الضمير الدولي وضرورة التحول في السياسات الغربية
رغم هذا السجل الحافل بالقرارات الدولية، إلا أن السياسات الغربية – خصوصًا الأمريكية والأوروبية – استمرت لعقود في دعم الاحتلال، سياسيًا وعسكريًا، وتجاهلت أبسط الحقوق الفلسطينية.
ومع ذلك، بدأت مؤشرات اليقظة تظهر في أوساط الرأي العام الغربي، خصوصًا بعد الجرائم المتواصلة في قطاع غزة، وتزايد الضغوط الشعبية في أوروبا والولايات المتحدة لمحاسبة إسرائيل، وفرض العقوبات على الشركات المتورطة في المستوطنات.
إن هذا الوعي الأخلاقي الناشئ يجب أن يُترجم إلى تحول ملموس في نمط السياسة الأوروبية والدولية، من خلال:
1. الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 دون مواربة.
2. دعم تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، بما في ذلك العمل على إنهاء الاحتلال فعليًا.
3. فرض عقوبات قانونية على الاستيطان والاحتلال، على غرار ما فُرض على أنظمة الفصل العنصري سابقًا.
4. وقف التواطؤ الغربي مع انتهاكات إسرائيل، سواء في الأمم المتحدة أو في صفقات السلاح والدعم اللوجستي.
ونخلص للقول إن العدالة ليست موقفًا أخلاقيًا فحسب، بل هي التزام قانوني دولي. والسكوت عن الاحتلال الإسرائيلي، في ظل هذا السجل من القرارات والفتاوى الدولية، يُعد تواطؤًا وإخلالاً بمنظومة القانون الدولي.
إن قرار محكمة العدل الدولية لعام 2024 شكّل فرصة تاريخية أمام العالم لإعادة ضبط البوصلة، واستعادة جوهر القانون الدولي، والاعتراف بأن الاحتلال هو أبشع أشكال الإرهاب المنظم والعنصرية المعاصرة. وعلى السياسات الغربية أن تتجاوز ازدواجية المعايير، وأن تنحاز إلى العدالة، ليس بالكلمات، بل بالأفعال والإجراءات الرادعة، فذلك وحده ما يُمهّد الطريق لتحقيق سلامٍ عادلٍ وشاملٍ ومستدام في المنطقة.
الدستور الأردنية