في الرد علي عمسيب
وسعوا مدارك الفهم تسعكم مدارج الأرض
تابعت خلال اليومين الماضيين إفادات الدكتور عبدالرحمن عمسيب صاحب ( دولة النهر والبحر) ، عبر بودكاست تنوير مع الأستاذ سعد الكابلي ، وكنت أنتوي إنتظار طرح رؤيته بشكل كامل خلال البرنامج ، حتي أرد عليه ، ولكن ومع توسع الحديث وتشعبه ، وقد إنتهت الحلقة الرابعة التي تناولت جزءا من تاريخ الحركة الإسلامية ، رأيت أن أبادر بالتعليق علي ما استمعت وفي إنتظار بقية الإفادات .

.
وقبل البداية لابد من ذكر نقطتين رئيستين سأبني عليهما تعليقي وهما
أولا : يعتمد عمسيب بشكل كلي علي المنهج التاريخي في القراءة والتحليل وإستنباط المواقف وتثبيت النتائج ، ومن المعروف أن المنهج التاريخي وما لم يدعم بمناهج أخري علمية وتجريبية تعتريه جملة من الملاحظات والعيوب ، أهمها إختلاف السياق العام بين الزمان الذي وقعت فيه الأحداث والبيئة الزمانية والمكانية للباحث ، وحين يسقط الباحث ( السياق وبيئة الأحداث) ليبني عليها إستنتاجات راهنة وتوقعات مستقبلية يكون قد أمات روح الزمان والمكان ، بالإضافة إلي ما يمكن أن يعتري المصادر من التحيز وعدم الدقة ، وهذان سببان يقودان الباحث للوصول لنتائج غير صحيحة علميا ، وبالتأكيد لا ينفي هذا أن هناك إتفاقا كبيرا مع بعض المقدمات في عرض وقائع التاريخ وتحليل معلوماته مما ورد في البرنامج ، ولكن وللسببين سابقي الذكر وغيرهما إنتهي المتحدث إلي نتيجة خاطئة في أطروحته ( الإنفصالية ) ..
ثانيا : يركز الدكتور عمسيب علي الطريقة الإنتقائية لتحليل أحداث التاريخ ، بمعني توظيف التاريخ لتأكيد النتيجة التي حددها الباحث سلفا في نفسه ، ولا يريد أبدا أن يتزحزح عنها مهما استجدت عنده المعلومات ، لأنه ينطلق من منصة الجدال مع الآخرين لإثبات وجهة النظر التي رأي أنها الحقيقة النهائية ، ومن المعروف ( أن المتجادلين يبحثون عن البراهين لا عن الحقائق) كما يقول مالك بن نبي ، وهو الطريق الذي سينتهي بسالكه إلي عتمات المواقف الأيديولوجية المتعصبة القائمة على إحتكار الحقيقة أولا وعلي التفسير الأيديولوجي الضيق لكل الظواهر الإجتماعية ثانيا ..
هاتين النقطتين أوقعت المتحدث فيما حذر منه العالم دكتور أحمد حسين إلياس ( فنحن دائما عند الحديث عن تاريخ السودان بعد دخول الإسلام مصر في القرن السابع الميلادي نتناول التاريخ من جانب واحد وهو ما نسميه دخول وإستقرار وتزاوج القبائل العربية الوافدة ، ولا نعطي السكان المحليين إبان تلك الهجرات الإنتباه المطلوب ) ..
بدأت الحلقات من العام 1821 تاريخ غزو السودان من قبل الخديوي محمد علي باشا ، وفي ذلك مفارقة كبيرة للأمانة العلمية التي تقتضي تناول تاريخ الإجتماع الإنساني من بدايته، وذلك للتعرف علي كيف تشكل السودان الحديث وعلي السكان الأصليين ( أشير إلي أن الأصليين عندي لا تعني أصحاب حق حصريين ، لأن السودان أرض الهجرات علي ما سيأتي في هذا المقال ) ، واختيار هذا التاريخ مفهوم عندي ، وهو لأن المتحدث إعتمد بشكل كبير على كتاب تاريخ السودان الحديث للأكاديمي البريطاني روبرت كولينز والذي بدوره بدأ من القرن التاسع عشر ، ومقصود في نفس الوقت لأنه أفاد بعدم وجود دولة إسمها السودان قبل هذا التاريخ ، وهذا عين الإنتقاء والتضليل ، فإذا غاب السودان بحدوده المعروفة عند إستقلاله ألم يكن هناك سودانيون في هذه الأرض ؟ ألم تكن هناك دول سبقت الغزو الخديوي للسودان ؟ وهل معركة منواشي في العام 1874 هي أول تواصل بين السودان الشمالي ودارفور ؟
وسيقتصر ردنا في هذا المقال علي تأكيد وجود السودان بجغرافيته الحالية منذ أقدم العصور ، وعلي وجود إسم السودان قبل ظهور المؤرخين العرب الذين إدعي المتحدث أنهم من أطلق إسم السودان علي بلادنا ..
الثابت أن العلاقة بين جغرافيا السودان الحالية كانت مترابطة منذ أقدم العصور ( ويقول أوريك بيتس أن سكان شمال وشرق وغرب أفريقيا الحاليين ينتمون إلي الجنس الحامي الحديث ويقسمهم كا الآتي : 8/ النوبيون مثل حاميو التبو ربما بتأثير زنجي أكبر ، ويمتدون من منطقة النوبة في شمال السودان حتي دارفور وجنوب كردفان جنوبا ..
9/ البجة ، خليط من التبو والنوبة والعرب ويمتدون من شرق السودان إلي شمال كردفان ) كتاب السودان الوعي بالذات وتأصيل الهوية ، د أحمد إلياس حسين ..
ويعلق دكتور احمد إلياس قائلا ( فالعنصر الحامي الأسمر كما هو واضح هو العنصر السائد والغالب علي السكان في أفريقيا ، فهم السكان الأصليون لكل منطقة الساڤنا بين السنغال في الغرب وأثيوبيا في الشرق ، بما في ذلك سكان غرب ووسط وشمال وشرق السودان وسكان الصحراء وشرق إفريقيا ، فسكان كل هذه المناطق أفارقة أصليون ..
ويؤكد الدكتور أحمد إلياس علي أن القائد المصري حرخوف كتب في النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد كأقدم المصادر عن سكان الصحراء التي يؤكد الدكتور أنها( لا البحر الأحمر أو مصر هي المؤثر الأكبر علي تاريخ السودان ، ومن المستحيل فهم ودراسة تاريخ السودان فهما مؤسسا إذا لم تكن الصحراء الغربية علي رأس قائمة حساباتنا )
يقول حرخوف أن مجموعة التحمو كانوا هم سكان المنطقة الممتدة من الواحة الخارجة ـ علي الحدود بين مصر والسودان ـ شمالا وحتي دارفور وكردفان جنوبا ، وينتشرون بين النيل والشلال الأول والثاني حتي منطقة البوركو شمال تشاد غربا ، وهذه المجموعة هي التي ساهمت في تكوين ثقافة المجموعة ( ج ) في القرن 23 قبل الميلاد وذلك في المنطقة الواقعة بين حلفا وأسوان ، كما وجدت آثارها في منطقة وادي هور في دارفور ..
ويؤكد نعوم شقير أن ( مملكة إثيوبيا قديما من الشلال عند أسوان إلي أقاصي الحبشة شمالا وجنوبا ومن سواكن ومصوع علي البحر الأحمر إلي صحراء ليبيا شرقا وغربا ) وهو ما ورد عند دكتور احمد إلياس ( تمتد مملكة النوبة علي طول النيل متاخمة قفر القرعان جنوبا وأرض مصر شمالا ) ..
يتأكد مما سبق أن المجموعة السكانية التي إستوطنت ( جغرافيا السودان الحالي ) منذ أقدم العصور كانت مجموعة سكانية واحدة ( سنعود في المقالات اللاحقة لتأكيد وحدة المجموعات السكانية في الشمال والجنوب والغرب ) ..
أما الإنتقاء في إسم السودان والذي يحاول كثيرون الإستناد علي حقيقة تاريخية وهي أن العرب يطلقون إسم السودان علي رقعة جغرافية واسعة تمتد من النيل وحتي نهر السنغال ، ولكن ذلك لا ينفي أن السودان الحالي ( ظل محتفظا بإسمه وموقعه من خارطة العالم منذ آلاف السنين :
ـ فالسلطنة الزرقاء تشير إلي السواد لأن أهل السودان يستخدمون الأزرق للإشارة للأسود
ـ كوش ، مكونة من كا و أوش ، وكا في اللغة الهيروغليفية والعبرية تعني محل ، بينما تعني أوش أسود أو أزرق أو أخضر..
ـ إثيوبيا ، وهو الإسم الذي أطلقه قدماء اليونان ومن بعدهم الرومان علي هذه الرقعة وهي تعني البشرة الداكنة ، أو الوجوه المحروقة ) جعفر ميرغني ..
نواصل إن شاء الله للرد علي الأفكار محل الإختلاف في الحلقة القادمة..

د. ياسر يوسف

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: تاریخ السودان إسم السودان

إقرأ أيضاً:

محافظ أسيوط يقرر تخصيص طابق كامل بالوحدة المحلية بأولاد إلياس لإقامة قصر ثقافة بالقرية

 

 

 


قرر اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط تخصيص طابق كامل بمبنى الوحدة المحلية لقرية أولاد إلياس التابعة لمركز صدفا ليكون مقرًا دائمًا لقصر ثقافة يخدم أهالي القرية والمناطق المجاورة، في خطوة تهدف إلى تعزيز النشاط الثقافي والفني بالمناطق النائية

وجاء ذلك خلال مشاركة المحافظ في فعاليات الحفل الثقافي الذي نظمته جمعية عالخير نتعاون بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي ضمن أنشطة المسرح المتنقل والقافلة الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة والتي تجوب القرى المحرومة لتقديم عروض تثقيفية وفنية متنوعة.

وحضر الحفل الدكتور مينا عماد نائب المحافظ وعيون إبراهيم رئيس مركز ومدينة صدفا والدكتور جمال محمد عبدالناصر مدير عام إقليم وسط الصعيد الثقافي وعلي سيد وكيل وزارة العمل بأسيوط والشيماء عبدالمعطي وكيل مديرية التضامن الاجتماعي بأسيوط وخالد خليل المدير المالي والإداري لفرع ثقافة أسيوط، وعبير عبدالمطب رئيس مجلس إدارة جمعية عالخير نتعاون والصحفية بمؤسسة أخبار اليوم والنائب مصطفى محمد سالمان عضو مجلس الشيوخ والنائب الحسيني عيسى جلال عضو مجلس النواب والعديد من القيادات التنفيذية والشعبية وأهالي القرية

وبدأ الحفل بالسلام الجمهوري ثم كلمات الترحيب من عبير عبد المطلب رئيس مجلس إدارة الجمعية والدكتور جمال عبدالناصر مدير عام إقليم وسط الصعيد الثقافي وتضمن الحفل عددًا من الفقرات الفنية التي لاقت استحسان الحضور، من بينها فقرة للإنشاد الديني قدمتها فرقة قصر ثقافة صدفا، حيث أبدى المحافظ إعجابه بالأداء، ووجّه بضم الفرقة لتكون ضمن الأنشطة الرسمية لقصر ثقافة أولاد إلياس الجديد.

وكما شهد الحفل عرضًا مميزًا لفرقة أسيوط للفنون الشعبية بقيادة الفنان محمود سنة، والتي قدمت لوحات تراثية تعكس الفلكلور الشعبي لمحافظة أسيوط، وسط تفاعل كبير من أهالي القرية.

وخلال كلمته محافظ أسيوط نقل تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية لأهالي القرية مؤكدًا أهمية نشر الوعي الثقافي والفني في القرى والنجوع، موضحًا أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتنمية الوعي وتنشيط الحراك الثقافي، خاصة في المناطق الريفية مشيدًا بدور المجتمع المدني والجهات الثقافية في تقديم الدعم والمشاركة في تلك المبادرات الهادفة.

وأشار اللواء هشام أبوالنصر إلى أن المحافظة لن تدخر جهدًا في توفير البنية التحتية والدعم اللازم لتمكين هذه الأنشطة من الاستمرار، بما يسهم في تنمية الإنسان وبناء وعيه الوطني والثقافي.

مقالات مشابهة

  • محافظ أسيوط يقرر تخصيص طابق كامل بالوحدة المحلية بأولاد إلياس لإقامة قصر ثقافة بالقرية
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • المفاجأة التي لم تخطر على المتمرد عبد العزيز الحلو، حليف ميليشيا آل دقلو الإرهابية، أن الجيش على بُعد 43 كيلومترًا من كاودا
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • إنعام محمد علي.. رائدة الدراما المصرية التي أنصفت المرأة وكتبت التاريخ بالصورة
  • الحرب سوف تقضي على أكبر آلة كذب ونفاق يشهدها تاريخ السودان الحديث
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • ناسا تحدد تاريخ نهاية الأرض بسبب الشمس والاحتباس الحراري
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.