انهيار الأسد يخلط الأوراق في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
قال بول ر. بيلار، محرر سياسي وضابط استخبارات أمريكي سابق، إن النظام السوري كان سيئ السمعة لأسباب عديدة منها الطريقة الوحشية التي قمعت بها قوات الرئيس السوري بشار الأسد احتجاجات عام 2011، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية استمرت حتى يومنا هذا.
قد يمتد العنف داخل سوريا عبر الحدود، بما في ذلك ربما إلى إسرائيل
وكان يُنظر إلى الأسد على نطاق واسع على أنه حاكم مستبد سيكون العالم أفضل حالاً بدونه.
وفي خطاب السياسة الخارجية الأمريكية، كان الأسد شخصاً لا ينبغي لأحد أن يصافحه، ويستخدم معارضو ترشيح دونالد ترامب لتولسي غابارد كمديرة للاستخبارات القومية الأمر كنقطة نقاش منذ أن التقت بالأسد في رحلة "تقصي الحقائق" إلى سوريا قبل 7 سنوات.
أضاف الكاتب: "يُنظر إلى نظام الأسد على أنه جزء من المحور الذي تتزعمه إيران، وهو المحور الذي يُنظَر إليه بدوره على نطاق واسع باعتباره أصل الشر في الشرق الأوسط، والذي ينبغي أن تكون معارضته على رأس أولويات أي سياسة تجاه الشرق الأوسط".
وتشكّل هذه النظرة الأساس الذي استند إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الاحتفال علناً بسقوط الأسد بعبارات لا شك أنها ستتردد في واشنطن في الأيام المقبلة.
لكن مع اجتياح قوات هيئة تحرير الشام لدمشق، فإن الوضع في سوريا يستحضر ضرورة توخي الحذر، إذ ظل نظام الأسد، بقيادة حافظ الأسد أولاً ثم ابنه بشار، في السلطة منذ قاد حافظ انقلاباً في عام 1970.
ومن المؤكد أن تعطيل ما كان قائماً لأكثر من نصف قرن من الزمان من شأنه أن يخلف موجات مزعزعة للاستقرار، ولن تكون كل الموجات لصالح الخير.
دواعي القلقوأوضح الكاتب في مقاله بموقع "ناشونال إنترست": من بين الأسباب الرئيسية للقلق طبيعة الحركة المتمردة "هيئة تحرير الشام"، فهي منظمة جهادية متطرفة كانت تابعة لتنظيم القاعدة وما زالت مدرجة على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وسعت الهيئة إلى تقديم وجه أكثر براغماتية واعتدالاً في الآونة الأخيرة، وخاصة في كيفية حكمها لمحافظة إدلب، التي كانت بمنزلة معقل لها في شمال غرب سوريا على مدى السنوات القليلة الماضية.
ومع ذلك، لا يوجد سبب لاستنتاج أن نظام حكمها في إدلب يشير إلى تغيير حقيقي في طبيعة الجماعة بدلاً من استراتيجية لكسب الدعم وتخفيف المعارضة لها بينما لا تزال تسعى إلى السيطرة على كل سوريا.
ورأى الكاتب أن النظام الذي تسيطر عليه "هيئة تحرير الشام" لن يختلف عن نظام الأسد من حيث الاستبداد. وأضاف أن وجودهم على رأس النظام لن يسهم في تحقيق أي توازن في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن ما يقوم به هذا النظام هو فرض هيمنة جهادية على دولة ذات حدود معترف بها ومقعد في الأمم المتحدة، وهو أمر لم يتمكن حتى تنظيم "داعش" من تحقيقه عبر مشروع "الخلافة" الذي أعلنه.
ورغم بعض الجهود المبذولة لطمأنة المسيحيين في سوريا، استبعد الكاتب أن يتحول النظام الجديد إلى ملاذ للتسامح الديني. وأوضح أن نظام الأسد، رغم تفضيله للأقلية العلوية، كان علمانياً في جوهره وغير مدفوع برسالة دينية، وهو ما لا ينطبق على السلفيين الذين يسيطرون على "هيئة تحرير الشام".
وأضاف الكاتب: "ستبقى الانقسامات الدينية والعرقية تعزز حالة عدم الاستقرار الداخلي في سوريا، إذ لم يتم التوصل إلى حلول لاحتواء الاستياء والصراعات التي أشعلت الحرب الأهلية لأكثر من عقد. ولذلك، فإن استمرار الحرب يبدو أمراً حتمياً".
وفي ظل هذه البيئة المتزايدة في عدم استقرارها، يتابع الكاتب، ستواجه الولايات المتحدة قرارات حاسمة بشأن وضع 900 جندي موجودين حالياً في شمال شرق سوريا، وهي مسألة تم تأجيلها مراراً. ومع توسع مقاتلي هيئة تحرير الشام خارج إدلب، يبدو أن القتال بين أطراف متناحرة، وكلاهما غير مرغوب فيه أمريكياً، يفتح الباب أمام صراع جديد.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الموقف لا يقدم خيارات مريحة للولايات المتحدة. فامتداد حالة عدم الاستقرار إلى المناطق التي تتواجد فيها القوات الأمريكية قد يثير مجدداً الجدل حول ضرورة سحبها.
وعلى الجانب الآخر، يخشى البعض أن يؤدي هذا الانسحاب إلى إحياء تنظيم الإرهابي "داعش" في ظل حالة الفوضى الجديدة، وهو التنظيم الذي يمثل محاربته المبرر الرسمي للإبقاء على القوات الأمريكية.
وأكد الكاتب أن دور تركيا يضيف تعقيداً آخر إلى حسابات السياسة الأمريكية، مشيراً إلى الفجوة المستمرة بين أنقرة وواشنطن بشأن قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية. إذ تعتبرها الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً، بينما تراها تركيا امتداداً لجماعة إرهابية تهدد أمنها القومي.
وأضاف: "قد يمتد العنف في سوريا عبر الحدود ليصل إلى إسرائيل. ورغم خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الاحتفالي، تدرك الحكومة الإسرائيلية أن الوضع الحالي يشكل تهديداً أكبر. ويظهر ذلك من خلال استيلاء إسرائيل على منطقة عازلة كانت منزوعة السلاح سابقاً على طول حدود الجولان".
أوضح الكاتب أن نظام الأسد كان يتبنى موقفاً سلبياً تجاه الهجمات الجوية الإسرائيلية على أهداف مرتبطة بإيران داخل سوريا، وهو ما لا يتوقع أن يتكرر مع نظام جهادي في دمشق. كما أشار إلى أن مثل هذا النظام لن يغض الطرف عن سياسات إسرائيل في غزة ولبنان.
وأضاف: "قد تكون إسرائيل بدأت خطوات أكثر عدائية تجاه سوريا بقصف أهداف في دمشق وضواحيها، تزامناً مع دخول هيئة تحرير الشام العاصمة. ويُعتقد أن الدافع وراء ذلك هو منع وقوع أسلحة نظام الأسد في أيدي المتمردين".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الأسد سوريا إيران داعش سقوط الأسد الحرب في سوريا إيران وإسرائيل داعش هیئة تحریر الشام الشرق الأوسط نظام الأسد الکاتب أن فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
لم يبقَ في عالمنا العربي إعلاميٌّ أو محلّلٌ سياسي، أو دخيلٌ على المهنتين، إلا وحاضر ودبّج مقالات على مرّ العقود الأخيرة عن «الشرق الأوسط الجديد». غير أنَّ الشرق الأوسط الذي نراه اليوم حالة مختلفة عما كنا نسمعه، مضموناً وظروفاً.
منطقتنا صارت، مثل حياتنا ومفاهيمنا السياسية - الاجتماعية، خارج الاعتبارات المألوفة. بل يجوز القول إنها باتت مفتوحة على كل الاحتمالات. وهنا لا أقصد البتة التقليل من شأن نُخبنا السياسية أو الوعي السياسي لشعوبنا، أو قدرة هذه الشعوب على التعلّم من أخطائها... والانطلاق - من ثم - نحو اختيار النهج الأفضل...
إطلاقاً!
اليوم، نحن وأرقى شعوب الأرض وأعلاها كعباً في الممارسة السياسية المؤسساتية في زورق واحد.
كلنا نواجه تعقيدات وتهديدات متشابهة. ولا ضمانات أن «تعابير» كالديمقراطية والحكم الرشيد في دول ذات تجارب ديمقراطية راسخة، كافية إذا ما أُفرغت من معانيها، لإنقاذ مجتمعات هذه الدول مما تعاني منه... وسنعاني منه نحن.
بالأمس، سمعت من أحد الخبراء أنَّ الاستخدام الواسع لتقنيات «الذكاء الاصطناعي» في مرافق أساسية يومية من حياة البشر ما عاد ينتظر سوى أشهر معدودة.
هذا على الصعيد التكنولوجي، ولكن على الصعيد السياسي، انضمت البرتغال قبل أيام إلى ركب العديد من جاراتها الأوروبيات في المراهنة عبر صناديق الاقتراع على اليمين العنصري المتطرف، مع احتلال حزب «شيغا» الشعبوي شبه الفاشي المرتبةَ الثانية في الانتخابات العامة الطارئة، خلف التحالف الديمقراطي (يمين الوسط)، وقبل الحزب الاشتراكي الحاكم سابقاً.
تقدُّم «شيغا» في البرتغال، يعزّز الآن حضور الشعبويين الفاشيين الذي تمثله في أوروبا الغربية قوى متطرفة ومعادية للمهاجرين مثل: «الجبهة الوطنية» في فرنسا، و«فوكس» في إسبانيا، و«إخوان إيطاليا» في إيطاليا، وحزب «الإصلاح» (الريفورم) في بريطانيا، وحزب «الحرية» في هولندا، وحزب «البديل» في ألمانيا.
ثم إنَّ هذه الظاهرة ليست محصورة بديمقراطيات أوروبا الغربية، بل موجودة في دول عدة في شرق أوروبا وشمالها، وعلى رأسها المجر. وبالطبع، ها هي ملء السمع والبصر في كبرى الديمقراطيات الغربية قاطبةً... الولايات المتحدة!
في الولايات المتحدة ثمّة تطوّر تاريخي قلّ نظيره، لا يهدد فقط الثنائية الحزبية التي استند إليها النظام السياسي الأميركي بشقه التمثيلي الانتخابي، بل يهدد أيضاً مبدأ الفصل بين السلطات.
هذا حاصل الآن بفعل استحواذ تيار سياسي شعبي وشعبوي واحد، في فترة زمنية واحدة، على سلطات الحكم الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، يضاف إليها «السلطة الرابعة» - غير الرسمية - أي الإعلام.
ولئن كان الإعلام ظل عملياً خارج الهيمنة السياسية، فإنه غدا اليوم سلاحاً أساسياً في ترسانة التيار الحاكم بسبب هيمنة «الإعلام الجديد»، والمواقع الإلكترونية، و«الذكاء الاصطناعي»، و«أوليغارشي» ملّاك الصحف والشبكات التلفزيونية، ناهيك من وقف التمويل الحكومي لإعلام القطاع العام. وما لا شك فيه أن مؤسسات هؤلاء، بدءاً من رووبرت مردوخ (فوكس نيوز) وانتهاء بإيلون ماسك (إكس) ومارك زوكربرغ (ميتا) وجيف بيزوس (الواشنطن بوست)... هي التي تصنع راهناً «الثقافة السياسية» الأميركية الجديدة وربما المستقبلية، بدليل أن نحو 30 من وجوه إدارة الرئيس دونالد ترمب جاؤوا من بيئة «فوكس نيوز» ونجومها الإعلاميين.
في هذه الأثناء، يرصد العالم التحولات الضخمة في المشهد الأميركي بارتباك وحيرة.
الحروب الاقتصادية ليست مسألة بسيطة، وكذلك، لا تجوز الاستهانة بإسقاط سيد «البيت الأبيض» كل المعايير التي تحدد مَن هو «الحليف» ومَن هو «العدو»... ومَن هو «الشريك» ومن هو «المنافس»!
ولكن، في ضوء التطوّرات المتلاحقة، يصعب على أي دولة التأثير مباشرة في أكبر اقتصادات العالم وأقوى قواه العسكرية والسياسية. ولذا نرى الجميع يتابع ويأمل ويتحسّب ويحاول - بصمت، طبعاً - إما إيجاد البدائل وإما التقليل من حجم الأضرار الممكنة.
أما عن الشرق الأوسط والعالم العربي، بالذات، فإننا قد نكون أمام مشاكل أكبر من مشاكل غيرنا في موضوع اختلال معايير واشنطن في تحديد «الحليف» و«العدو».
ذلك أن الولايات المتحدة قوة كبرى ذات اهتمامات ومصالح عالمية. وبناءً عليه، لا مجال للمشاعر العاطفية الخاصة، وأيضاً لا وجود للمصالح الدائمة في عالم متغيّر الحسابات والتحديات.
في منطقتنا، لواشنطن علاقة استراتيجية راسخة مع إسرائيل التي تُعد «مركز النفوذ» الأهم داخل كواليس السلطة الأميركية ودهاليزها، والتي تموّل «مجموعات ضغطها» معظم قيادات الكونغرس ومحركي النفوذ.
ثم هناك تركيا، العضو المهم في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والقوة ذات الامتدادات الدينية والعرقية والجغرافية العميقة والمؤثرة في رسم السياسات الكبرى.
وأخيراً لا آخراً، لإيران أيضاً مكانة كبيرة تاريخياً في مراكز الأبحاث الأميركية كونها - مثل تركيا - «حلقة» في سلسلة كيانات الشرق الأوسط، ولقد أثبتت الأيام في كل الظروف أن غاية واشنطن «كسب» إيران لا ضربها.
في هذا المشهد، ووسط الغموض وتسارع التغيير، هل ما زلنا كعرب قادرين يا ترى على التأثير في المناخ الإقليمي وأولويات اللاعبين الكبار؟
الشرق الأوسط