سودانايل:
2025-06-03@21:33:30 GMT

استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

بقلم : تاج السر عثمان

١
تابعت في دراسة سابقة قبل الحرب بعنوان "نهب الذهب الدموي في السودان" عملية نهب الذهب وتهريبه من البلاد، بدلا من أن يكون قوة دافعة للتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبعد الحرب استمرت عملية النهب، علما بأن من أسباب الحرب نهب ثروات البلاد ومنها الذهب، في إطار الصراع علي السلطة بين طرفي الحرب ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية التي تسلحها.


رغم استمرار الحرب لم تتوقف عملية استنزاف الذهب وتهريبه للخارج، في ظروف تعاني فيها الجماهير معيشة ضنكا ونقص في الأنفس والثمرات، بعد تدمير الصناعة والزراعة والنظام الصحي، وتقف البلاد علي شفا جرف هار من المجاعة التي تهدد حوالي ٢٦ مليون مواطن، رغم ذلك يستمر تدفق المليارات من الدولارات من ثروة الذهب لمصلحة تجار الحرب من قيادات الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والدعم السريع، ويتم تمويل تكلفة الحرب الباهظة من ثروة الذهب كما تشاهدها في المدافع و المسيرات التي تقتل وتدمر منازل المواطنين والمرافق العامة والبنيات التحتية، اضافة إلى نزوح حوالي ١٢ مليون مواطن داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان عشرات الآلاف.
إضافة لحملات التطهير العرقي لنهب أراضي المواطنين ومناجم الذهب كما هو حاري حاليا في الجزيرة ودارفور.
٢
من الأمثلة لاستمرار نهب الذهب ما أشار له مسؤول حكومي محمد طاهر عمر في بورتسودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024 " إن صادرات الذهب حققت إيرادات رسمية بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024.، وأوضح أن 1.5 مليار دولار تم توريدها إلى بنك السودان المركزي كعائدات صادرات الذهب منذ بداية العام وحتى أكتوبر.ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين التقليدي تحت ظروف قاسية في مناطق السودان المختلفة، حيث يسهمون بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الذهب في البلاد".
علما بأن قيمة الصادرات من الذهب كما أوضحنا في الدراسة السابقة لاتقل عن ٨ مليار دولار، مما يعني استفادة الجهات المصدر لها الذهب كما في الإمارات وروسيا. الخ.
كما أشار المسؤول الحكومي الي اقتسام نهب ثروة الذهب بين الجيش والدعم السريع ، فالذهب المنتج من مناجم دارفور خرج عن سيطرة الحكومة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور، مما جعل هذه الموارد بعيدة عن متناول الدولة، هذا في وقت يعتمد السودان على إيرادات الذهب بشكل أساسي، لا سيما بعد اندلاع النزاع الذي تسبب في تعطيل حوالي 80% من الإيرادات العامة.
٢
اوضحنا في الدراسة السابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان ، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال : متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط :11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن ( موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب.
اصبحت القوي العاملة في التعدين كبيرة ، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب ، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين " التكسير ، جلب المياه ، اعداد الوجبات .الخ"، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين ، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها ، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب ، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان ، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود !!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب .
وتعبش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية ، لسعات العقارب والأفاعي ، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب ، حنى اطلق مجلس الأمن وصف " الذهب الدموى"، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها " غير معقمة" بسبب تلك الممارسات.
تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر ، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب ، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب ، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات.
فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل : خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي ، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء ، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع .
٣
اصبحت الدولة تعتمد علي صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد ل 75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني.
منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة ، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز ، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة ، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9 / 10 / 2019)
يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق : كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار ، إذا اعُتمد الحد الأدني 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب ، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسي كرامة وزير المعادن السابق).
ايضا : كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و 2018 ، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط.
أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول : أن الفاقد يقدر بين" 2 – 4 " مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية ( الشرق الأوسط : 11/ 1/ 2020
في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا ،زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب ، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية .الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته ، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد..
من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر "ميزانية سياسية" للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست)
على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام "بورصة الذهب"، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين . الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب.
٤
كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، وإعادة النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ،وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية 1، ووضع الدولة يدها علي ثروات البلاد المعدنية.

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع صادرات الذهب ملیار دولار بنک السودان ثروة الذهب فی التعدین فی السودان نهب الذهب الذهب کما الذهب فی من الذهب

إقرأ أيضاً:

أمريكا وإسرائيل لا تريدان وقف الحرب.. وإذن؟

هناك بديهيات وحقائق يتجاهلها الكثيرون ظرفيا ومؤقتا لأسباب عديدة، ثم تعود الأحداث لتؤكدها، ومنها الموقف الأمريكي الحقيقي من العدوان على غزة.

في تعقيبه على رد حركة حماس على مقترح وقف إطلاق النار، قال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إن رد الحركة الفلسطينية "غير مقبول على الإطلاق، ولن يؤدي إلا إلى إعادتنا للوراء"، مشيرا إلى أن "على حماس قبول اقتراح الإطار الذي طرحناه كأساس لمحادثات التقارب"، ومؤكدا على أن هذه هي الطريقة الوحيدة (!) لإبرام اتفاق لوقف إطلاق نار لمدة 60 يوما.

يعني تصريح بيتكوف ضمن ما يعنيه أن الإدارة الأمريكية معنية بشكل أساسي بإطلاق سراح أسرى الاحتلال، وأنها لا ولن تقدم أي التزام بالتوصل لوقف دائم لإطلاق النار، وأن الرد "الإسرائيلي" تحول تلقائيا لمقترح تقدمه لحركة حماس لقبوله كما هو وليس حتى كمنطلق للتفاوض، ما يعني في نهاية المطاف موقفا أمريكيا متماهيا مع الموقف "الإسرائيلي".

هذا التماهي في الموقف أكدته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس حين أكدت على أن موقف الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو هو رفض استمرار حماس في الوجود، وأن استمرار الأزمة "يعود لرفض حماس نزع سلاحها".

لا يريد نتنياهو وقف الحرب، لأن الأهداف الأساسية منها القضاء التام على المقاومة وتهجير السكان وإعادة احتلال القطاع، ووقفها لن يحقق ما سبق وإنما سيفتح الباب على التقييم والحساب والتفاعلات الداخلية. ما يريده هو الحصول على الأسرى لتخفيف الضغط الداخلي عليه، ثم العودة لنفس الدائرة من الضغط العسكري والقتل والحصار والتجويع والتهجير للحصول على اتفاق لاحق يحصل فيه على ما تبقى من الأسرى، دون التزام بوقف الحرب ولا حتى إدخال المساعدات
الحديث عن نزع سلاح حماس كشرط لإنهاء الأزمة ليس فقط شرطا "إسرائيليا" تعجيزيا، ولكنه كذلك غير موجود في المقترح الحالي المعروض على حماس، ما يعني أنها حتى لو وافقت على المقترح الحالي فلن ينهي ذلك الحرب، وهو ما تؤكده بنود المقترح التي تمنح "إسرائيل" فرصة العودة للحرب بأي ذريعة بعد أسبوع واحد فقط؛ هو المدة التي يفترض أن تستلم خلالها أسراها.

هذا التخوف من عودة الحرب بعد الاتفاق ليس هواجس مبالغا بها لدى الفلسطينيين، بل هو حقيقة قائمة تعضدها السابقة في اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تلتزم فيه دولة الاحتلال بالبروتوكول الإنساني وإدخال المساعدات، ورفضت العودة للتفاوض واستأنفت العدوان، كما تؤكده التصريحات المباشرة لنتنياهو وأركان حكومته بأنه "سنواصل الحرب حتى بعد الاتفاق".

في الخلاصة، لا يريد نتنياهو وقف الحرب، لأن الأهداف الأساسية منها القضاء التام على المقاومة وتهجير السكان وإعادة احتلال القطاع، ووقفها لن يحقق ما سبق وإنما سيفتح الباب على التقييم والحساب والتفاعلات الداخلية. ما يريده هو الحصول على الأسرى لتخفيف الضغط الداخلي عليه، ثم العودة لنفس الدائرة من الضغط العسكري والقتل والحصار والتجويع والتهجير للحصول على اتفاق لاحق يحصل فيه على ما تبقى من الأسرى، دون التزام بوقف الحرب ولا حتى إدخال المساعدات، التي تحولت في المقترح الأخير من حق إنساني وبند في الاتفاق السابق إلى مادة تفاوضية وأداة ابتزاز بيد نتنياهو.

وبغض النظر عما إذا كان الخلاف بين ترامب ونتنياهو مصطنعا كمناورة تكتيكية كما يرى البعض، أو كان في الهوامش والشكل وليس الجوهر والمضمون كما نعتقد، فإن الحقيقة الماثلة اليوم تقول إن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، وأن ترامب لا يضغط عليه بشكل حقيقي وكافٍ لوقفها. فكيف تقف الحرب إذن؟

نعود مرة أخرى للعوامل التي من شأنها دفع الاحتلال لوقف العدوان، والتي لم تتغير بالمناسبة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023:

- العامل الميداني، بانكسار الاحتلال أو تكبده خسائر لا يستطيع احتمالها، وهو أمر غير قائم لا سيما بعد تغير عقيدته الأمنية بعد عملية طوفان الأقصى.

- العامل "الإسرائيلي" الداخلي، وقد أثبت محدوديته مرارا.

- العامل الأمريكي، الذي أثبتنا أن خلافاته مع نتنياهو وحكومته تتركز على الشكل والهوامش، مثل العامل "الإنساني" ودخول المساعدات واستلام الأسرى، وليس وقف الحرب.

- عوامل خارجية قد تساهم في تغيير الموقف الأمريكي، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية، أو توسع المواجهة الإقليمية مجددا لتشمل إيران و/أو حزب الله، وكلاهما احتمال ضئيل وفق المعطيات الحالية، رغم تصعيد أوكرانيا الأخير.

- العالم العربي والإسلامي بشقّيه الرسمي (هو الأكثر تأثيرا) والشعبي، وملخصه أن يشعر الاحتلال أن استمرار عدوانه سيكون له ثمن مباشر أو غير مباشر عليه.

وإذا ما نظرنا في العوامل السابقة، يبقى العامل شبه الوحيد القابل للتعديل والقادر على إحداث فارق وفق المعطيات الحالية هو الأخير المرتبط بالعالم العربي والإسلامي، والذي أظهر مستويات متقدمة ومعيبة من العجز والفشل، وكأنه قد تقبل ضمنا استمرار العدوان الوحشي.

لم يعد معقولا ولا مقبولا ولا مفهوما أن تستمر حرب الإبادة لأكثر من 600 يوم، وأن يصر قادة الاحتلال على استمرار الحرب حتى نهاية الشوط، بينما نرى العالم العربي والإسلامي الرسمي في حالة شلل كامل تصل لدرجة العجز عن زيارة رام الله (على هامشيتها وبعدها عن صلب الحرب) بسبب رفض الاحتلال، ونرى الشارع العربي والإسلامي قد اعتاد المشهد وتراجعت حتى وتيرة مظاهراته، وهي الحد الأدنى لإثبات الشعور بأهل غزة.

ما يمكن أن يدفع الاحتلال لإعادة النظر في حرب الإبادة هو شعوره بأنه يدفع أو يمكن أن يدفع ثمن هذا العدوان، هو أو شركاؤه. وإذا ما كانت الأنظمة الحاكمة والحكومات ما زالت بعيدة جدا عن مجرد التلويح بذلك، من خلال استمرار العلاقات التجارية والتعاون الأمني والمناورات العسكرية والجسور البرية والبحرية، فإن الشعوب والنخب ينبغي ألا تصمت وألا تعدم الوسائل
إن ما يمكن أن يدفع الاحتلال لإعادة النظر في حرب الإبادة هو شعوره بأنه يدفع أو يمكن أن يدفع ثمن هذا العدوان، هو أو شركاؤه. وإذا ما كانت الأنظمة الحاكمة والحكومات ما زالت بعيدة جدا عن مجرد التلويح بذلك، من خلال استمرار العلاقات التجارية والتعاون الأمني والمناورات العسكرية والجسور البرية والبحرية، فإن الشعوب والنخب ينبغي ألا تصمت وألا تعدم الوسائل.

أولى المسؤوليات وأكثرها إلحاحاَ وجدوى هو تحرك الضفة الغربية المحتلة، التي لن يكون حراكها مجرد دعم وإسناد لغزة وإنما حماية لها وهي تواجه الحصار والقتل والاستيطان ومشاريع التهجير و"الترانسفير". ورغم الكثير من التطورات المعروفة بخصوص الأوضاع في الضفة، إلا أن هذا الصمت وكأن شيئا لا يحدث أو كأن القضية الفلسطينية برمتها ليست في مهب الريح؛ لم يعد مفهوما ولا مقبولا.

والأمر نفسه ينطبق على فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، والذين يمكن لحراك بسيط منهم أن يغير الكثير من المعادلات كما حصل خلال معركة سيف القدس في 2021. هذا طرح لا يتجاهل الأوضاع الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون هناك عبر القوانين والممارسات الأمنية، بل على العكس هو مدفوع جزئيا بهما من حيث أنهما يكشفان المصير الذين ينتظر هذا الطيف من الشعب الفلسطيني في حال أنجز الاحتلال ما يريد في غزة.

لاحقا، ثمة ما تستطيعه الشعوب العربية وخصوصا في كل من الأردن ومصر، وهما دولتان تولي لهما "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة أهمية كبيرة، وتقلقان من أي حراك فيهما، وعلى ذلك شواهد كثيرة، خصوصا وأن معبر رفح كان على الدوام عنوان الحصار وبوابة الفرج لأهل غزة، ويمكن أن يعود كذلك.

على مستويات أكثر تخصصا، تقع على النخب العربية والإسلامية مسؤوليات حقيقية وتاريخية في الظرف الاستثنائي الحالي، ولم يعد مقبولا الاكتفاء بالمتابعة والدعاء أو الجهد المالي والإغاثي البسيط، على أهميته. إن تحريك الوعي والجهد ورفع الفاعلية لهي من أولى مسؤوليات النخب، بعيدا عن الكلام التقليدي الدبلوماسي والفعل المجامل هنا وهناك. يمكن للنخب وفي مقدمتها العلماء والأكاديميون والإعلاميون، بل يجب عليهم، تبني خطاب مسؤول والتزام فعل مؤثر يساهمان في زيادة الضغوط على مختلف الأطراف لتحمل مسؤولياتها.

ما دون ذلك، وتحت كل بند منه العديد من الأدوات والوسائل التفصيلية متى وجدت الإرادة، سيبقى الشارع العربي والإسلامي في حالة من الترقب والعجز في انتظار معجزة لن تأتي دون إرادة وسعي.

ولعل أول ما ينبغي فعله هو الفهم الدقيق لطبيعة المعركة الحالية التي تجاوزت منذ زمن طويل حدود غزة جغرافيا وديمغرافيا، رغم الخطاب الرسمي الملتزم بهذا الخط ورغم أن أهل غزة هم حتى اللحظة للأسف ضحاياها المباشرون، بما هي حرب مفصلية سترسم وجه المنطقة ودولها وشعوبها لعقود قادمة، حيث لا يخفي الاحتلال وداعموه خططهم بـ"إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط"، وقد بدأوا بذلك فعلا في فلسطين ولبنان وسوريا ويحضّرون للباقين.

x.com/saidelhaj

مقالات مشابهة

  • مبعوثة أوروبية: لابد من إنهاء حرب السودان والحل الوحيد التفاوض
  • وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية مصر العربية
  • أوغندا: أزمة تمويل تهدد نحو مليوني لاجئ بينهم أكثر من 110 ألف سوداني
  • أمريكا وإسرائيل لا تريدان وقف الحرب.. وإذن؟
  • الاقتصاد السياسي للإدانة الاضطرارية!
  • رئيس وزراء السودان يحل الحكومة..ويشدد على أولوية الأمن واستعادة الاستقرار
  • كندا تحترق.. آلاف السكان يفرّون من جحيم حرائق الغابات التي تلتهم البلاد
  • مسؤول حزب: الانتخابات المقبلة مجرد تدوير نفس الوجوه التي دمرت البلاد والعباد
  • استمرار الأمطار.. تحذيرات جديدة من هيئة الأرصاد بشأن الطقس
  • رئيس وزراء جديد.. آخر مستجدات الأوضاع في السودان