استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
استمرار نهب الذهب الدموي بعد الحرب
تاج السر عثمان بابو
1تابعت في دراسة سابقة قبل الحرب بعنوان “نهب الذهب الدموي في السودان” عملية نهب الذهب وتهريبه من البلاد، بدلا من أن يكون قوة دافعة للتنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبعد الحرب استمرت عملية النهب، علما بأن من أسباب الحرب نهب ثروات البلاد ومنها الذهب، في إطار الصراع علي السلطة بين طرفي الحرب ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية التي تسلحها.
رغم استمرار الحرب لم تتوقف عملية استنزاف الذهب وتهريبه للخارج، في ظروف تعاني فيها الجماهير معيشة ضنكا ونقص في الأنفس والثمرات، بعد تدمير الصناعة والزراعة والنظام الصحي، وتقف البلاد علي شفا جرف هار من المجاعة التي تهدد حوالي 26 مليون مواطن، رغم ذلك يستمر تدفق المليارات من الدولارات من ثروة الذهب لمصلحة تجار الحرب من قيادات الطفيلية الإسلاموية والعسكرية والدعم السريع، ويتم تمويل تكلفة الحرب الباهظة من ثروة الذهب كما تشاهدها في المدافع و المسيرات التي تقتل وتدمر منازل المواطنين والمرافق العامة والبنيات التحتية، اضافة إلى نزوح حوالي 12 مليون مواطن داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان عشرات الآلاف.
إضافة لحملات التطهير العرقي لنهب أراضي المواطنين ومناجم الذهب كما هو حاري حاليا في الجزيرة ودارفور.
2من الأمثلة لاستمرار نهب الذهب ما أشار له مسؤول حكومي محمد طاهر عمر في بورتسودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024 “إن صادرات الذهب حققت إيرادات رسمية بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024، وأوضح أن 1.5 مليار دولار تم توريدها إلى بنك السودان المركزي كعائدات صادرات الذهب منذ بداية العام وحتى أكتوبر. ويعمل نحو مليوني شخص في التعدين التقليدي تحت ظروف قاسية في مناطق السودان المختلفة، حيث يسهمون بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الذهب في البلاد”.
علما بأن قيمة الصادرات من الذهب كما أوضحنا في الدراسة السابقة لا تقل عن 8 مليار دولار، مما يعني استفادة الجهات المصدر لها الذهب كما في الإمارات وروسيا. الخ.
كما أشار المسؤول الحكومي الي اقتسام نهب ثروة الذهب بين الجيش والدعم السريع، فالذهب المنتج من مناجم دارفور خرج عن سيطرة الحكومة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور، مما جعل هذه الموارد بعيدة عن متناول الدولة، هذا في وقت يعتمد السودان على إيرادات الذهب بشكل أساسي، لا سيما بعد اندلاع النزاع الذي تسبب في تعطيل حوالي 80% من الإيرادات العامة.
3أوضحنا في الدراسة السابقة، انه كما تم نهب الأراضي وثروة البترول استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال: متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن ( الشرق الأوسط: 11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82- 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب.
أصبحت القوي العاملة في التعدين كبيرة، حسب تقرير وزارة المعادن (2019) الذي أشار الي 3 ملايين يعملون في تعدين الذهب، منهم 2 مليون يعملون في المهن الملحقة بالتعدين “التكسير، جلب المياه، اعداد الوجبات. الخ”، مما يتطلب حمايتها من الآثار الضارة للتعدين، وضرورة قيام نقابات واتحادات لها تدافع عن حقوقها، وتوفير بيئة العمل المناسبة من سكن وخدمات صحية وتعليمية وثقافية، ورفع مستوي المعيشة. اضافة لحق مناطق التعدين في نسبة من الإنتاج لتنميتها وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنيات التحتية، وتوفير خدمات الكهرباء ومياه الشرب، وحماية البيئة من آثار استخدام المواد الضارة في التعدين، ومراجعة العقود المجحفة لشعب السودان التي تمت مع الشركات بما يضمن نسبة للدولة منها لا تقل عن 70% تذهب لبنك السودان، بدلا من اهدار هذه الثروة وايداع عائداها خارج السودان مقابل الغذاء والوقود!!!، وحماية ثروة البلاد من النهب والتهريب.
وتعيش هذه القوى العاملة في ظروف غير انسانية ومهددة بمخاطر التعدين مثل: انهيار المناجم، وتدمير المواقع الأثرية، لسعات العقارب والأفاعي، وتقلب الجو من البرودة الي الحرارة العالية كلما تم الوغل داخل المنجم، اضافة للآثار الضارة للتعدين باستخدام المواد الضارة بصحة البيئة والانسان والحيوان والنبات، والابادة الجماعية للسكان المحليين لنهب الذهب، حنى اطلق مجلس الأمن وصف “الذهب الدموى”، كما يصنف البنك الدولي مشتريات بنك السودان من الذهب بأنها “غير معقمة” بسبب تلك الممارسات.
تدخل عامل آخر في الصراع الدموى علي الذهب والصراع في دارفور حيث تريد الشركات الأجنبية طرد الأهالي والاستحواذ علي الأراضي التي يعيشون فيها المليئة بالثروات الطبيعية من ذهب ويورانيوم وماس. الخ، لكي يحدث ذلك لا بد من اخلاء السكان بالابادة الجماعية والتهجير، بالتالي دخل عامل جديد للصراع في دارفور ومناطق التعدين الأخرى وهو الاستحواذ علي الثروات والموارد لصالح فئات معينة، كما حدث في جبل عامر، وفي الصراع الأخير الذي دار في جبل مون الذي يزخر بموارد تعدينية كبيرة علي رأسها الذهب، أي صراع من أجل السيطرة علي الذهب، والهدف تهجير قسري للسكان في المنطقة من قبل الشركات.
فضلا عن الاشكال الأخرى لاخلاء السكان مثل: خلق الفوضي، تدمير الموسم الزراعي، نهب مخازن الاغاثة التابعة لليوناميد من قوات الحركات بهدف لتجريد سكان المعسكرات من الغذاء، ووضع النازحين في ظروف سيئة، كما حدث أخيرا، ايضا من المخاطر اطلاق النار من قوات الدعم السريع علي العاملين السلميين في التعدين في حالات النزاع.
4أصبحت الدولة تعتمد علي صادرات الذهب بشكل اساسي بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد لـ75% من عائدات النفط التي لعبت دورا كبيرا في استقرار الجنية السوداني في فترة تصديره منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، ولكن مافيا التهريب التي تضم شركات نافذين في نظام المؤتمر الوطني السابق كانت تسيطر يشكل شبه كامل علي تجارة الذهب السوداني، بالتالي لم يكن الذهب ذو فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني.
منذ هيمنة المؤتمر الوطني كانت حصيلة صادرات الذهب لا تدخل خزينة الدولة، بل تودع في حسابات بنكية خارج البلاد، وصادر الذهب مقابل الغذاء والسلع الضرورية، والدولة لا تشرف علي صرف الشركات قبل الإنتاج التجاري التي تضخم الفواتير، اضافة الي أن العقود بها خلل، 70% لشركات الامتياز، وهي نسبة عالية لمورد ناضب علي مدي 25 عاما ، والدولة غير موجودة الا في 73 موقع فقط من 713 موقعا (موسي كرامة، من يسرق الذهب في السودان، تحقيق الجزيرة: 9/ 10/ 2019).
يواصل موسي كرامة وزير المعادن السابق: كما ارتفعت العائدات الفعلية للذهب في العام نفسه الي 8 مليار دولار، إذا اعُتمد الحد الأدنى 200 طنا، وهو عائد كبير لو ذهب الي خزينة بنك السودان لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني، ولكن النسبة الأكبر من الذهب تُهرب عبر مظار الخرطوم وتُقدر بنحو 200 طن، اضافة لدور تجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك بنحو الفي دولار للكيلو الواحد، اضافة الي أن أغلب شركات التعدين لا تنقب عن الذهب، بل تشتري من المعدنين التقليديين (موسى كرامة وزير المعادن السابق).
ايضا: كشف تقرير أعده فريق من الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، عن تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات، وافاد التقرير الذي تحدث عن الوضع الراهن لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بأنه جرى تهريب هذه الكمية خلال الفترة بين 2013 و2018، وأوضح رئيس الآلية الوطنية لمحاربة التدفقات المالية غير المشروعة، عمر حسن العمرابي أن تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 267 طن، بواقع 80 كيلو يوميا، مشيرا إلى وجود فرق 13.5 مليار دولار، بين معلومات الحكومة السودانية والدول التي استوردت الذهب والنفط.
أما التقارير الرسمية لوزارة المعادن تقول: إن الفاقد يقدر بين “2- 4” مليار دولار سنويا بنسبة 37% من اجمالي صادرات البلاد، وأكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية (الشرق الأوسط: 11/ 1/ 2020).
في السياق الإقليمي والعالمي وخاصة في افريقيا الذي اشتدت فيه حمى البحث عن الذهب بسبب ارتفاع اسعاره بعد أزمة كورونا، زادت ايضا حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية. الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ حكم الانقاذ، والذي اصبح فيه حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد..
من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر “ميزانية سياسية” للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب أكبر عدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست).
على الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام “بورصة الذهب”، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين. الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني، لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر، اضافة للحرب الجارية التي زادت من حمى نهب الذهب.
5كل ذلك يتطلب المقاومة من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، وإعادة النظر في عقودات الذهب لمصلحة شعب السودان، ونسبة من العائدات لمناطق التعدين للتنمية، وحماية البيئة من آثار التعدين الضارة، ومكافحة التهريب وقيام بورصة الذهب، وتحديد نسبة معينة للتصدير، وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة الاقتصادية لولاية المالية، وحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية 1، ووضع الدولة يدها على ثروات البلاد المعدنية.
الوسومالإمارات الجيش الحكومة المدنية الدعم السريع الذهب السودان الكيزان تاج السر عثمان بابو روسيا محمد طاهر عمر موسى كرامةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإمارات الجيش الحكومة المدنية الدعم السريع الذهب السودان الكيزان روسيا محمد طاهر عمر موسى كرامة الذهب السودان صادرات الذهب الدعم السریع ملیار دولار بنک السودان فی التعدین فی السودان ثروة الذهب الذهب کما نهب الذهب من الذهب
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد السياسي للإدانة الاضطرارية!
الاقتصاد السياسي للإدانة الاضطرارية!
(تحميل الضحايا وزر الحرب هو الذروة الأخلاقية للانحدار السياسي) ــ فاتسلاف هافل
خالد عمر يوسف:
* (الفيديو المريع الذي يصور دهس أحد مصابي معارك كردفان بواسطة عربة يقودها جنود في الدعم السريع والتلذذ بتعذيبه، هي تجلي آخر لوحشية تفتقر الحد الأدنى من الإنسانية تصدمنا بها هذه الحرب في كل يوم تستمر فيه. هذه الجرائم تستوجب محاسبة مرتكبيها، وعدم التهاون معها تحت أي ذريعة من الذرائع.)
* (إن استمرار هذه الحرب ينزع عن بلادنا كل حسنٍ فيها ويجعل الكراهية والإجرام يفترسانها بلا رحمة … الموقف ضد الحرب والسعي لايقافها اليوم قبل الغد هو طريق الحس والعقل السليم، وهو موقف غالب، فمن يستحسن استمرار الحرب ويتكسب منها هم فئة قليلة، سيزول باطلهم لا محالة، وتخرج بلادنا من هذه المحنة معافاة مما حاق بها من كربٍ وأذى #لا_للحرب)
*هناك نمط ثابت في تفاعل خالد عمر مع جرائم الميليشيا. من أهم ملامحه: تجنب تسمية الميليشيا بغير اسمها الذي فقد معناه، وقصر التسميات على خصومها. وعدم التعليق على جرائمها اليومية، والاكتفاء بتعليقاته على جرائمها التي تجد انتشاراً وتناولاً وإدانات واسعة. وحرصه على أن يخدم تدخله أغراض: ترشيد الإدانات للميليشيا، وإعادة توزيعها، والحفاظ على شرعيتها. وتقسيم تغريدته إلى قسمين: قسم يختار كلماته بعناية شديدة، وكأنه في امتحان، وهو قسم الجريمة موضوع التعليق. وفيه لا يدين الميليشيا ككيان. وقسم ثانٍ يخصصه لخصوم الميليشيا، ويستخدم فيه أقوى العبارات، ويدينهم فيه، ككيانات، إدانة كاملة!*
أ/ *تطبيق خالد عمر لهذه الاسترتيجية في هذه التغريدة في الجزء الأول منها:
١/ تجنب إدانة الميليشيا ككيان، وقال عن الجريمة: (هي تجلٍ آخر لوحشية تفتقر الحد الأدنى من الإنسانية تصدمنا بها هذه الحرب في كل يوم تستمر فيه):
* استخدم كلمة “تجلي”، لتبدو الجريمة وكأنها “حتمية”، وليست فعلاً إرادياً مستمراً تقوم به الميليشيا عن قصد منذ بداية تمردها، وهذا أتاح له تحويل المسؤولية “الرئيسية” من الميليشيا ككيان، وحتى من الجنود الذين ارتكبوها، إلى الحرب!
* استخدم كلمة “آخر” ــ في تعبير ” تجلٍ آخر” ــ ليتظاهر بأنه لم يتغافل عن نمطية هذه الجرائم، واتخاذها طابعاً ممنهجاً، لكنه فعل ذلك بطريقة تتجنب التأثير السلبي على علاقته الجيدة بالميليشيا، لأنه ربط النمطية والمنهجية بالحرب لا بالميليشيا!
* تعبير (وحشية تصدمنا بها هذه الحرب) مكنه من تفادي القول (وحشية تصدمنا به هذه الميليشيا)، بينما التعبير الثاني كان هو الأجدر، ما دام الحديث عن جريمة مروعة ذات سوابق كثيرة ارتكبتها الميليشيا!
٢/ قال: (هذه الجرائم تستوجب محاسبة مرتكبيها، وعدم التهاون معها تحت أي ذريعة):
* أوحي بفردية جرائم الميليشيا، وببراءة الكيان وقيادته منها. وتحدث عن المحاسبة (كشعار) وتغاضي عنها فعلياً، عبر الإيحاء بأن الميليشيا قادرة على محاسبة عناصرها، وبأنها لا تحتاج هي نفسها إلى المحاسبة!
* هذا مكنه من التظاهر بتمسكه بالمحاسبة، دون الإشارة لغيابها المستمر داخل الميليشيا، مع الإيحاء بإمكانية حدوثها، وهذا يضفي الشرعية على الميليشيا/ مرتكبة الجريمة موضوع التغريدة!
* رغم إيحائه بفردية جرائم الميليشيا، انطلق من فرضية أن الجرائم ملازمة للحرب، وبالتالي ملازمة للميليشيا نفسها، واستخدم هذا الإيحاء لتحويل الجريمة إلى مادة عاطفية لدفع الناس نحو القبول بالميلبشيا كواقع، والإيمان بأنه لا يمكن وقف الجرائم إلا بالتفاوض الذي تنال به الميليشيا ما تطمع فيه!
ب/ في الجزء الثاني من التغريدة: أدان خصوم الميليشيا، ككيانات وكأفراد بالجملة، بمن فيهم المدهوس نفسه:
١/ قال: (إن استمرار هذه الحرب ينزع عن بلادنا كل حسنٍ فيها ويجعل الكراهية والإجرام يفترسانها بلا رحمة):
* بدلاً من القول: (إن استمرار الميليشيا في هذا النهج الإجرامي ينزع من بلادنا كل حسنٍ ..). كان بإمكانه قول هذا عن الميليشيا، ثم تخصيص ــ كعادته، وكما فعل في هذه التغريدة ــ جزء ثانٍ لخصومها، لكنه لم يقله عن الميليشيا، وقاله، بعبارات أخرى، عن خصومها!
٢/ وصف خصوم الميليشيا بأنهم فئة قليلة، ويستحسنون استمرار الحرب، ويتكسبون منها، وأوحى بأنهم سبب الأذى والكرب، وجزم بأن باطلهم سيزول، وستخرج بلادنا معافاة منه:
* وهي اللغة التي لم يستخدم مثلها في حق الميليشيا، فمقابل تسمية “الدعم السريع” في تغريدة تتحدث عن جريمة من جرائمه، اتهم خصومه بأنهم أصحاب الباطل!
٣/ مارس التحوير المزدوج للمسؤولية.
* أي حمل الحرب المسؤولية الأساسية عن الجرائم، ثم حمل معارضي الميليشيا المسؤولية عن الحرب!
* احتكر “الحس والعقل السليم”، ووظفه في خدمة استغلال جرائم الميليشيا لتقوية الموقف الداعي للتفاوض معها والاستجابة لمطامعها، كسبيل وحيد، لوقف جرائمها، وزعم بأن هذا هو الموقف الغالب، دون أن يوضح مظاهر غلبته عند الرأي العام.
ج/ توزيع نسب الإدانة:
* خصوم الميليشيا: حملهم العبء الأكبر من الإدانة بنسبة ٤٦ في المائة تقريباً. حيث وجه إليهم خمس اتهامات صريحة: فئة قليلة، يستحسنون استمرار الحرب، يتكسبون منها، أهل باطل، وسيزول باطلهم!
* الحرب: تأتي في المرتبة الثانية بنسبة ٣٦ في المائة تقريباً، حيث تم إلقاء اللوم عليها أربع مرات من خلال عبارات: تصدمنا بها هذه الحرب، إن استمرار هذه الحرب، الموقف ضد الحرب، و”لا للحرب”.
* جنود الميليشيا: حصلوا على نسبة ١٨ في المأئة تقريباً من الإدانة: “بواسطة عربة يقودها جنود في الدعم السريع” و”التلذذ بتعذيبه”. هذه النسبة الضئيلة تظهر الحد الأدنى من الإدانة الظاهرية للمنفذين المباشرين.
* الميليشيا ككيان: حظيت بإعفاء كامل من المسؤولية بنسبة صفر في المائة. حيث لم يرد أي ذكر لمسؤوليتها كمؤسسة عن الجريمة أو عن الحرب. مما يكشف عن التزام صارم بعدم المساس بشرعيتها.
* يعكس هذا التوزيع استراتيجية متعمدة تتمثل في تحويل بؤرة التركيز من المجرم الحقيقي (الميليشيا) إلى كيان مجرد (الحرب)، وطرف ثالث (الخصوم). والحفاظ على شرعية الميليشيا كمؤسسة قابلة للتفاوض.
* يعتقد خالد عمر أنه بهذه الاسترتيجية قد أدى “واجب” إدانة الجريمة أمام الرأي العام. وأنه، أمام الميليشيا، قد أدى واجباته تجاهها: رشَّد الإدانة، وأعاد توزيعها، وتجنب المطالبة بمحاسبتها ككيان، ولم يصدر أي حكم سلبي على قيادتها، وأوحى بإمكانية محاسبتها للجناة من جنودها، ودافع عن أهليتها للتفاوض، وحمَّل الجزء الرئيسي من المسؤولية عن الجرائم للحرب، وحمل المسؤولية الكاملة عن الحرب لخصوم الميليشيا، وخرج من كل هذا بربح سياسي صافٍ، ومنح الميليشيا نصيبها منه!
*لا يمكن لأي شخص أن يتبع هذه الاستراتيجية إذا لم يكن يؤمن ــ مع خالد عمر ــ بأن الجمع بين إرضاء الضحايا وإرضاء الجلاد ممكن! وأن الربح له، وللميليشيا، ممكن حتى عند الحديث عن جرائمها! وأن الرأي العام ليس سوى قطيع يسهل تضليله بالتلاعبات اللغوية! وأن التحالف مع الميليشيا سيعوضه إذا خيب الناس سوء ظنه بعقولهم!
تباً للزيف ..
تباً للعالف والمعلوف
إبراهيم عثمان