صمتُ نظام الجولاني عن الاحتلال الإسرائيلي.. أسباب وتداعيات
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
فتحي الذاري
يُعتبر موقفُ هيئة تحرير الشام، بقيادة الجولاني، تجاه الاحتلال الإسرائيلي موضوعًا معقَّدًا وله تداعياتٌ وأبعاد سياسية وأمنية.
إن صمتَ النظام الجولاني وعدم ظهور أي استنكار واضح تجاه الاعتداءات الإسرائيلية يظهر الخنوع والتبعية السياسية ويفتح العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الصمت وتأثيراته على الثورة السورية، وتركز هيئة تحرير الشام على الصراع مع نظام الأسد والجماعات المنافسة في الداخل السوري، اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في تدمير القدرات الاستراتيجية الدفاعية ليس له تأثيرات على سياسة الجولاني والثورة السورية، ويعتبر الجولاني أن أولوياته تكمن في توحيد الصفوف ضد النظام الذي قد رحل، ويرى أن الدخول في صراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي قد يشتت هذه الجهود ويعزز من الأعداء في الداخل السوري، وَالصمت قد يُفهم أَيْـضًا كجزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى تأمين بقاء الهيئة في ظل ظروف متغيرة.
فقد يسعى الجولاني إلى فرض نفسه كقوة فاعلة في المشهد السوري دون استفزاز دول إقليمية أَو قوى خارجية، بما في ذلك كيان الاحتلال الإسرائيلي وعندما يتابع الجولاني تنسيقًا مع الغرب، يمكن أن يكون سكوتهم تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي جزءًا من محاولته تبرير عدم التصريح القوي؛ مِن أجلِ الحصول على دعم دولي أَو اعتراف ضمني، والتركيز على بناء علاقات تنسجم مع رؤيته للقضية السورية، ويمكن أن يؤدي الصمت تجاه الاحتلال الإسرائيلي إلى فقدان الهيئة للشرعية في نظر بعض القطاعات الشعبيّة السورية، خُصُوصًا أن السوريين تاريخيًّا شهدوا اعتداءات كيان الاحتلال الإسرائيلي على مناطقهم.
قد يشعر المواطنون بأن الهيئة لم تعبر عن قلقهم أَو تطلعاتهم في مواجهة الاحتلال، والصمت يفتح المجال لتصاعد التوترات مع جماعات أَو دول قد تكون معارضة للاحتلال؛ مما يمكن أن يؤدي إلى انعكاسات سلبية على علاقاتهم في المستقبل، وقد يؤدي هذا الصمت إلى تشويه مسار الثورة السورية؛ إذ قد يُعتبر عدم مواجهة الاحتلال بمثابة تخل عن أهداف ثورية شعارها التحرير والاستقلال.
هذا الأمر قد يؤثر على دعم الثورة من قبل قطاعات أكبر من الشعب السوري، ويمثل صمت نظام الجولاني تجاه الاحتلال الإسرائيلي معضلة كبيرة تتجاوز مُجَـرّد التباين في المواقف، إنه يجسد تعقيدات الصراع السوري وآثاره العميقة على الهوية الثورية للشعب السوري، يجب أن يكون هناك توازن بين التحديات الداخلية وظروف الأمن القومي، وبين مواقفهم من الاحتلال.
فإذا كانت الثورة تهدف إلى بناء دولة سورية حرة ومستقلة، فَــإنَّ التغاضي عن الاعتداءات الخارجية قد يتعارض مع هذا الهدف وستظل التوجّـهات السياسية والأمنية لنظام الجولاني في حالة من المراقبة والتأمل، حَيثُ سيتعين على الهيئة أن توضح لنفسها وللشعب السوري ما إذَا كانت ستختار مسارًا يتماشى مع تطلعات السوريين في ظل الاحتلال، أم ستبقى محصورة في قضايا الصراع الداخلي.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: کیان الاحتلال الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
كاتب أمريكي يرصد أوجه الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول الملف السوري
سلّط الكاتب والصحفي الأمريكي، روبرت وورث، الضوء على التحولات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط عقب سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، مشيرا إلى خلاف آخذٍ في الاتساع بين الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي بشأن مستقبل سوريا ودور الرئيس الجديد أحمد الشرع.
وفي حوار مع فريد زكريا، المذيع في شبكة "سي إن إن"، أشار وورث، المساهم في مجلة "ذا أتلانتيك"، إلى أن سوريا لا تزال بلدًا منكوبًا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، تخللته عقود من الحكم الاستبدادي والعقوبات الدولية.
وقال: "سوريا لا تزال في حالة صدمة شديدة، لا سيما بعد انهيار ديكتاتورية الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي"، موضحا أن الأغلبية السنية تشعر اليوم بشيء من التحرر، بعد أن كانت لعقود ضحية لحكم أقلية علوية.
غير أن البلاد، وفق وورث، لا تزال تئن تحت وطأة الانقسام والدمار، وسط قلق بالغ يخيّم على الأقليات مثل العلويين والمسيحيين والدروز، في ظل غياب الاستقرار المؤسسي.
As the US backs Syria’s new president, Israel bombed Damascus last week. I spoke with @TheAtlantic’s @robertfworth about the shifting alliances shaping the Middle East in a post-Assad world. pic.twitter.com/1ZVfoGwDct — Fareed Zakaria (@FareedZakaria) July 27, 2025
واشنطن تتبنى "الشرع".. وتحول في موقف ترامب
وعن الموقف الأمريكي من سوريا الجديدة، أوضح وورث أن إدارة الرئيس دونالد ترامب – في ولايته الثانية – كانت في البداية تميل إلى تجنب الانخراط في الشأن السوري، واعتبرت البلاد "ساحة خطرة لا تحتمل التدخل". غير أن زيارة ترامب إلى الخليج في أيار/مايو الماضي غيّرت هذا الموقف جذريا، بعد لقاءات مع قادة خليجيين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب وورث، فقد دفعت هذه الأطراف باتجاه دعم حكومة مركزية قوية في دمشق، والتخلي عن سيناريو التقسيم، محذّرة من السماح للأقليات المسلحة بالتحول إلى نموذج يحتذى به، في ظل مخاوف خليجية وتركية من انتقال عدوى التمرد إلى الداخل.
وتابع وورث: "طرح القادة الخليجيون على ترامب فكرة احتضان أحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا، وقد وافق ترامب والتقى به في الرياض، بل وأبدى إعجابه بشخصيته القوية والجذابة"، مشيرًا إلى أن ترامب لمح بشكل غير مباشر إلى أن ماضي الشرع الجهادي قد يكون دافعًا لقوته الحالية.
الاحتلال: لا ثقة بـ"الشرع" رغم العداء المشترك لإيران
في المقابل، اعتبر وورث أن الموقف الإسرائيلي يختلف جوهريا عن الموقف الأمريكي والعربي، حيث تنظر تل أبيب بعين الريبة إلى الشرع، رغم الترحيب بسقوط الأسد باعتباره حليفًا استراتيجيًا لإيران.
وقال: "الإسرائيليون يرون في الشرع شخصية لا يمكن الوثوق بها. ورغم طرده لإيران من سوريا بعد توليه السلطة، فإن تاريخه الجهادي يثير مخاوف حقيقية لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب"، مضيفًا أن الاحتلال الإسرائيلي تبنى منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي نهجا أحاديا يقوم على توجيه ضربات استباقية داخل الأراضي السورية، تستهدف مخازن الأسلحة وأي أهداف تُعتبر تهديدًا لأمنها.
وأوضح وورث أن الاحتلال تاريخيًا، كان يرى أن أمنه يتعزز حين يكون جيرانه العرب ضعفاء ومفتتين، وهو ما ينعكس في سلوكها الحالي تجاه سوريا.
"الشرع" يربك الاحتلال.. وتركيا تتهيأ
ورأى وورث أن ظهور أحمد الشرع على رأس السلطة في دمشق أضاف عنصرا مربكا في الحسابات الإسرائيلية، خاصة في ظل خلفيته "الإسلامية-الجهادية" التي تثير القلق، رغم مؤشرات براغماتية أظهرها خلال السنوات التي قاد فيها محافظة إدلب.
وأوضح أن الشرع، خلال قيادته لإدلب، خفف من حدة الفوضى، وفرض سلطته على الجماعات المسلحة، وبدأ بتشكيل نواة جيش وطني، مما جعله شخصية أكثر براغماتية وانفتاحًا.
وأردف: "من اللافت أنه، خلافًا للأيديولوجيات السائدة في فصائل المعارضة السورية، لم يظهر عداءً صريحًا تجاه إسرائيل، بل ألمح إلى استعداده للحوار".
أما تركيا، فيرى وورث أنها بدأت تُدرك أن لحظتها قد حانت للعب دور محوري في سوريا الجديدة، بعد سنوات من رعاية الفصائل السورية المعارضة، خاصة في إدلب.
وقال: "أنقرة كانت الداعم الرئيسي للشرع في الشمال الغربي من سوريا، وقدمت له كل ما يلزم من دعم لوجستي واستخباراتي".
واختتم فريد زكريا حواره بالقول إن ما يجري في سوريا يشير إلى تحوّل في موازين القوى الإقليمية، حيث يتبنى الاحتلال الإسرائيلي نهجًا أحاديًا ومتشدّدًا يفتقر إلى أي مرونة دبلوماسية، مقابل سعي الدول العربية وتركيا إلى إعادة تشكيل النظام السوري على أسس أكثر استقرارًا وانفتاحًا.
أما روبرت وورث، فأكد أن المنطقة تمر بمرحلة تشهد ديناميكيات جديدة، تتبلور فيها خلافات غير مسبوقة بين الاحتلال من جهة، ودول الخليج وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وأضاف: "سوريا اليوم ليست فقط ساحة إعادة إعمار، بل أيضًا ساحة إعادة تموضع استراتيجي ستؤثر في الشرق الأوسط بأسره".