مساجد بغداد :، كنوز اثرية وقصص تاريخيّة ..
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
وأنا أتمشى بين شوارع (ودرابين ) بغداد، المدينة التي تختبئ في كل زاوية منها حكايةٌ لا تنتهي، تلفت انتباهي تلك المساجد القديمة التي تروي بحجارتها قصة بغداد العتيقة. ولطالما توقفت أمام بواباتها المهملة، حيث عناقيد الزمن تنساب على جدرانها، ووجدت نفسي مدفوعًا للدخول إلى عوالمها الخفية.
بغداد، تلك المدينة التي تُعانق نهر دجلة، حاضنة الحضارة والتأريخ، تضم بين أزقتها القديمة عشرات المساجد التي تشهد على أمجاد العصور الماضية. هذه المساجد ليست مجرد مبانٍ صماء، بل هي شواهد نابضة بالحياة، تُحاكي أزمنة ازدهار بغداد، وتروي حكاياتٍ لا تزال أصداؤها تخفق في أروقة المدينة. ورغم عظمتها وأهميتها، أصبحت اليوم في طي النسيان، تنتظر أن تمتد إليها يد الإنقاذ لتعيد لها مجدها ومكانتها.
جامع المرادية: إرث عثماني موغل في القدم
جامع المرادية، الذي شيّده والي بغداد مراد باشا في القرن السابع عشر، يقف شامخاً رغم ما أصابه من تصدعات وتآكل. هذا الجامع العثماني لم يكن مجرد مكان للصلاة، بل كان رمزاً لمرحلة ذهبية عاشتها بغداد حين كانت مركزاً دينياً وثقافياً. نقوشه البديعة، ومآذنه التي كانت تنطلق منها الأذان بأصواتٍ عذبة، أصبحت اليوم تُصارع عوامل الزمن. كيف نترك إرثاً كهذا يندثر، وهو الذي يحمل بين جدرانه عبق التاريخ وروح الحضارة؟
جامع الأزبك: جسر ثقافي بين بخارى وبغداد
في عام 1092هـ، شُيد جامع الأزبك بأمر من عبد العزيز خان، أمير الأزبك في بخارى، ليكون وطناً روحياً للمغتربين الأوزبك في بغداد. كان الجامع مركزاً للعلم، ومنارةً للمصلين والعلماء الذين تبادلوا الأفكار ونسجوا الروابط الثقافية بين الشرق والغرب. اليوم، يقف هذا المعلم شاهداً على هذا التواصل التاريخي، لكنه يعاني من الإهمال، في حين يمكن أن يتحول إلى رمزٍ يعزز التلاقي الثقافي بين الأمم.
جامع الحيدرخانة: ذاكرة أهل بغداد
جامع الحيدرخانة، جوهرة معمارية شيدها والي بغداد داوود باشا عام 1242هـ، كان في يومٍ من الأيام قلباً نابضاً في المدينة. هنا كان العلماء يجتمعون، والطلبة يتلقون دروس العلم، والأهالي يجدون الطمأنينة في رحابه. هذا الجامع، الذي لطالما ارتبط بوجدان أهل بغداد، بات اليوم مهدداً بالاندثار، ينتظر من يعيد إليه ألقه ليكون شاهداً على هوية المدينة وإرثها.
تحمل جدران جامع الحيدرخانة ذكريات لا تُنسى، حيث كانت حلقات العلم تجمع بين الأجيال، فيما احتضن جامع المرادية احتفالات دينية جمعت الناس على اختلاف مشاربهم. مثل هذه القصص تُعتبر ثروةً روحية تستحق أن تُحفظ للأجيال القادمة. إن هذه المساجد ليست مجرد مبانٍ، بل هي أرواح تحيا بذكريات الناس وقصصهم.
جامع الأحمدية: منارة الإسلام الحائرة
بمآذنه العالية ونقوشه الزخرفية التي تحمل رموز الفن الإسلامي، يقف جامع الأحمدية كتحفة معمارية تشهد على تاريخ بغداد الغابر. إلا أن هذا الصرح العظيم، الذي كان يوماً مصدر إلهام للروح والوجدان، يعيش اليوم في عزلةٍ عن أنظار المارة. أليس من الأولى أن يُعاد ترميمه ليكون واجهةً تبرز جمال بغداد وتراثها أمام العالم؟
إن العناية بهذه المساجد ليست فقط مسؤولية الجهات الرسمية مثل الوقف السني، بل هي أيضاً واجب مجتمعي. أتمنى على الوقف السني إلى تكثيف الجهود ووضع خطة واضحة لترميم هذه الجوامع، ليس فقط باعتبارها إرثاً دينياً، ولكن أيضاً لأنها تمثل هوية بغداد وتاريخها خاصة وأن الحكومة لم ولن تدخر جهدا في هذا الاتجاه
إن إعادة ترميم هذه الجوامع يُمكن أن يكون بدايةً لنهضة سياحية وثقافية، تسلط الضوء على عظمة بغداد وتعيدها إلى مكانتها كمركزٍ للحضارة الإسلامية. بغداد تستحق أن تلمع مجدداً كدرّة في تاج التاريخ، ومساجدها تستحق أن تتحول إلى منارات تُلهم الأجيال.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات التی ت
إقرأ أيضاً:
سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
في فجر 30 يوليو/تموز 2025، ضرب زلزال بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس ساحل شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرقي روسيا، ليصبح أحد أهم الأحداث الزلزالية في التاريخ الحديث.
ألحق الزلزال أضرارا بالمباني وأصاب عدة أشخاص في المنطقة الروسية النائية، وبسبب قوته، صدرت أوامر بإخلاء معظم الساحل الشرقي لليابان، الذي دمره زلزال بقوة 9 درجات على المقياس، مع وتسونامي في عام 2011.
ويوضع هذا الزلزال في الترتيب السادس بقائمة أشد الزلازل المسجلة قسوة إلى الآن، إلى جانب زلزال "بيو بيو"، الذي ضرب دولة تشيلي، قبالة شاطئ منطقة ماولي التشيلية على عمق 35 كيلومترا تحت سطح البحر، يوم السبت 27 فبراير/شباط 2010.
ويأتي ذلك بعد زلزال وتسونامي فالديفيا أو زلزال تشيلي العظيم، الذي حدث في 22 مايو/أيار 1960، وقد وضعته معظم الدراسات عند 9.4-9.6 على المقياس، ورتب على أنه أقوى زلزال تم تسجيله على الإطلاق، استمر 10 دقائق، وتراوحت أعداد ضحاياه بين ألف و6 آلاف شخص.
وقد صنف الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا اليوم على أنه "زلزال دفعي ضخم"، ويحدث هذا عند حدود الصفائح التكتونية المتقاربة، حيث تجبر إحدى الصفائح التكتونية على الانحشار تحت الأخرى.
ولفهم الفكرة تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هناك اختلاف، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة.
الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح".
وتتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين.
في هذه الحالة، وقع الزلزال على طول خندق كوريل-كامتشاتكا، وهو عبارة عن منخفض عميق وضيق تحت سطح البحر يقع في شمال غرب المحيط الهادي، وقد نشأ عبر ملايين السنين نتيجة تقارب صفيحتين تكتونيتن: صفيحة المحيط الهادي وصفيحة أوخوتسك، بعمق 10 آلاف و542 مترا.
إعلانفي هذه المنطقة، تغوص صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة أوخوتسك، وتُنتج الطاقة المنبعثة من هذه التحولات التكتونية موجات زلزالية قوية، مما يجعل هذه النوعية الزلازل من أقوى الزلازل المسجلة عالميًا.
يحدث الانزلاق بشكل تدريجي على مدار ملايين السنين، حيث تتراكم الضغوط عند حافة الصفائح، وعندما تصبح هذه الضغوط غير قابلة للتحمل، يحدث تحرر مفاجئ للطاقة في شكل زلزال.
بمجرد أن تتحرر الطاقة المخزنة في الصخور الملتوية، تحدث اهتزازات قوية جدا، تنتقل عبر الطبقات الجيولوجية على شكل موجات زلزالية، مما يؤدي إلى تدمير في المناطق المتأثرة.
وتختلف هذه النوعية عن الزلازل المعتادة، التي تحدث عادة بسبب حركات جانبية بين الصفائح التكتونية مثل الانزلاق الأفقي أو العمودي، وليس انحشار صفيحة تكتونية تحت الأخرى.
في الواقع، شهدت المنطقة نفسها من قبل الزلزال الواقع في الترتيب الخامس بقائمة أقوى زلزال على الإطلاق، وهو زلزال كامتشاتكا 1952 بقوة 9 درجات على المقياس، حيث انزلقت صفيحة محيطية (المحيط الهادي) تحت صفيحة أوخوتسك، على امتداد خندق كوريل-كامتشاتكا.
تسونامي متوسط وزلازل تابعةتسبب هذا الزلزال في تسونامي ضخم اجتاح سواحل روسيا، ووصل تأثير التسونامي إلى هاواي وسبب أضرارًا هناك، كما تم تسجيل موجات على شواطئ ألاسكا وتشيلي.
حينما انزلقت صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أوخوتسك، فإن هذا النوع من الحركة لا يكون أفقيا فقط، بل يتضمن رفعا مفاجئا لقاع البحر خلال ثوانٍ قليلة، بالضبط كما تضع يديك داخل الماء ثم تحركهما للأعلى، فتلاحظ ظهور موجة أعلى سطح الماء.
في حالة المحيط، فهذا الارتفاع يزيح مليارات الأطنان من الماء للأعلى، مسببًا موجات ضخمة تنتشر بسرعة في كل الاتجاهات.
ونظرا لشدة الزلزال الروسي البالغة 8.8 درجات، فقد حدث تسونامي كبير على طول مناطق الاندساس، أثرت على شبه جزيرة كامتشاتكا، ودفعت إلى إصدار تحذيرات بالإخلاء في جميع أنحاء المحيط الهادي، بما في ذلك اليابان وهاواي وألاسكا.
وقد بلغ ارتفاع موجات تسونامي المرصودة حوالي 4 أمتار، ورغم أن هذه الموجات ليست بحجم بعض موجات تسونامي التي شهدناها في التاريخ، فإنها لا تزال قادرة على التسبب في أضرار جسيمة على طول المناطق الساحلية.
ويظل احتمال وقوع المزيد من موجات تسونامي قائما، رغم أنها ستكون على الأرجح أصغر من الموجات الأولية، وقد تتضاءل شدتها مع انتشارها عبر المحيط الهادي، وتواصل السلطات في المناطق المعرضة لتسونامي مراقبة مستويات سطح البحر وإصدار التحذيرات.
ومن العواقب الشائعة الأخرى للزلازل ذات الدفع الهائل حدوث الهزات الارتدادية، وهي زلازل أصغر حجما تتبع الحدث الزلزالي الرئيسي، حيث تتكيف قشرة الأرض مع التحولات الناجمة عن الزلزال الأولي، وتعد الهزات الارتدادية شائعة في المناطق المتضررة من الزلازل الكبيرة، ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر.
في حالة زلزال اليوم، تم تسجيل عدة هزات ارتدادية بالفعل، بقوة تصل إلى 6.9 درجات، ورغم أن هذه الهزات الارتدادية أقل شدة من الزلزال الرئيسي، فإنها قد تكون قوية بما يكفي لإحداث المزيد من الأضرار، لا سيما في المباني والبنية التحتية التي أضعفها الزلزال الأولي.
إعلان