يشهد لبنان حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا غير مسبوق قبيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 9 يناير، بعد أكثر من عامين على خلو سدة الرئاسة. ويتصدر العماد «جوزيف عون» قائمة المرشحين، مدعومًا بعلاقات داخلية وخارجية متينة، لكنه يواجه تحديات قانونية وسياسية تتعلق بتفسير الدستور ودعم الأطراف المختلفة، فيما تدخل أسماء بارزة أخرى السباق مثل «إبراهيم كنعان» و«سليمان فرنجية» و«جهاد أزعور»، وسط دعوات لتوحيد الجهود لحسم الجلسة، وتأتي هذه التحركات في ظل ضغط دولي لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مما يزيد من تعقيد المشهد اللبناني.

فيما يخص جلسة انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، قال السفير المصري في لبنان «علاء موسى» لقناة الجديد اللبنانية: «إن العمل جارٍ بين الفرقاء السياسيين لحصر المرشحين للرئاسة في اسمين أو ثلاثة ليتم انتخاب الرئيس في جلسة 9 يناير»، وأكد أن اللجنة الخماسية تدفع بأن تكون الجلسة حاسمة. ووفقا للمادة 49 من الدستور اللبناني، يُنتخب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين (86 نائبًا)، ويُكتفى بالأغلبية المطلقة (النصف زائد واحد) في الدورات التالية.

ووصل وفد سعودي رفيع المستوى إلى لبنان برئاسة الأمير «يزيد بن فرحان» مستشار وزير الخارجية السعودي للشئون اللبنانية، والسفير السعودي في لبنان «وليد البخاري»، في إطار دعم المملكة للبنان، وذلك بعد أسبوع من زيارة قائد الجيش، ومرشح الرئاسة العماد «جوزيف عون» للمملكة العربية السعودية، في زيارة التقى فيها بوزير الدفاع السعودي «خالد بن سلمان».

نفى عون التطرق لمسألة الرئاسة خلال الزيارة، حيث لا تريد المملكة التدخل في المعركة الرئاسية بدعم طرف على حساب طرف، بل جاءت الزيارة في إطار التعاون العسكري ودعم المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني. لكن معظم المراقبين يرون دعما غير معلن لترشح قائد الجيش العماد «جوزيف عون» للرئاسة، بالنظر إلى علاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف، كما أنه المرشح الأقدر على ضبط الحدود ومراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في 27 نوفمبر الماضي بين لبنان وإسرائيل، والذي شهد الكثير من الخروقات من الجانب الإسرائيلي.

يتزايد الحراك الدبلوماسي في إطار مراقبة وقف إطلاق النار، ومع اقتراب انقضاء مهلة الستين يوما التي بدأت في 27 نوفمبر الماضي وتنتهي في 27 يناير المقبل، وذلك للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في جنوب لبنان طبقا للاتفاقية، وبالتزامن مع جلسة انتخاب الرئيس الخميس المقبل.

التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الجنرال الأمريكي «جاسبر جيفيرز» رئيس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، بحضور السفيرة الأمريكية في لبنان «ليزا جونسون». وطلب بري خلال اللقاء الإبقاء على النوافذ مفتوحة حتى يسمع الجنرال الأمريكي صوت المسيرة الإسرائيلية التي كانت تحلق فوق بيروت، كدليل على مدى الخروقات الإسرائيلية للاتفاق. وتعهد الجنرال الأمريكي بوضع حد لذلك الأمر في أقرب وقت ممكن. كما ينتظر لبنان قدوم المبعوث الأمريكي للبنان «آموس هوكشتاين» خلال هذا الأسبوع لمراقبة وقف إطلاق النار أيضًا.

يُعد قائد الجيش العماد «جوزيف عون» المرشح الأبرز لسدة الرئاسة، واحتد الجدال خلال الفترة الماضية في الشارع اللبناني حول ضرورة تعديل الدستور حتى يكون ترشح عون دستوريا، حيث تنص المادة 49 المتعلقة بترشح موظفي الدرجة الأولى والقضاة على وجوب تقديمهم استقالتهم أو بلوغهم سن التقاعد قبل عامين من نهاية الولاية الرئاسية.

واحتج بعض القانونيين بعدم الحاجة لتعديل الدستور في حالة ترشح العماد «جوزيف عون»، حيث تنص المادة 74 على أنه إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو لأي سبب آخر، فعلى المجلس الانعقاد فورا لانتخاب رئيس لمنع الشغور. وتم انتخاب اللواء «فؤاد شهاب» عام 1958 والرئيس «إلياس سركيس» استنادا إلى المادة 74 نفسها، بخلاف المادة 49. وبالنظر إلى أن الشغور الرئاسي الأخير استمر لأكثر من عامين، وبالرجوع إلى قاعدة «الشغور يسقط المهل»، وهي نتاج دراسة قام بها الوزير السابق «بهيج طبارة» والنائب «روبير غانم» عند انتخاب «ميشال سليمان» عام 2008، دوَّن رئيس مجلس النواب «نبيه بري» أن هذا التفسير صحيح في محضر الجلسة.

وهناك دراسة أخرى أجراها رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق «غالب غانم» تتعلق بمبدأ التخلي عن المهل، أي أننا بحلّ من هذه المهل، ويجوز انتخاب موظفي الفئة الأولى دون تعديل دستوري، وهذا ما حصل مع ميشال سليمان، وعدم ورود طعن أمام المجلس الدستوري على انتخابه.

إشكالية أخرى حول مسألة تعديل الدستور، حيث لا يحق للحكومة الحالية بصفتها حكومة تصريف أعمال تعديل الدستور - إذا كانت هناك حاجة لتعديل الدستور - وكل ما تستطيعه الحكومة الحالية هو إصدار اقتراح بقانون.

جاء دعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق «وليد جنبلاط» لترشح العماد «جوزيف عون» في إطار وحدة الصف، ولقطع الطريق على ترشح رئيس حزب القوات اللبنانية «سمير جعجع»، الذي أعلن عن إمكانية ترشحه للمنصب. وذلك بعدما نصح جنبلاط جعجع - عبر وسطاء - بأن يكون أكثر تواضعا، وأن يتعامل مع موازين القوى بواقعية أكثر، لأن الثنائي الشيعي ما يزال يحظى بتأييد أغلبية الشيعة، ولا يمكن تجاوزهم أو عزلهم. ومن الضروري الحصول على مرشح مقبول من الجميع وعدم الإطاحة بالجلسة المقبلة، على حد قوله.

كانت العلاقات قد توترت بين جنبلاط وجعجع بعد مقاطعة الأول للقاء معراب حول السيادة اللبنانية وتنفيذ القرار 1701، والذي عُقد في 12 أكتوبر الماضي، مما حجب الغطاء الدرزي عن اللقاء. ووصف جنبلاط اللقاء بالفاشل، وجعجع بالمتشدد، واتهمه قائلاً: «إذا أراد أن ينصب نفسه زعيماً للمعارضة، فعليه أن يفعل ذلك من دوننا». ورد عليه النائب القواتي «بيار أبو عاصي» قائلاً: «إن الدروز موجودون في لبنان منذ ألف عام، عندما لم تكن عائلة جنبلاط هنا وكانت لا تزال في كردستان. يومها حافظوا على وجودهم، وسيحافظون عليه في المستقبل، وجنبلاط ليس الوحيد القادر على حماية الطائفة اليوم»، على حد قوله.

تحدٍّ آخر يواجهه قائد الجيش العماد «جوزيف عون» لدى ترشحه لسدة الرئاسة يتمثل في «جبران باسيل» رئيس التيار الوطني الحر، حيث يتهم باسيل عون بمخالفة قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، وأنه يأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع «موريس سليم»، ويتصرف على هواه بالملايين من صندوق الأموال الخاصة وممتلكات الجيش، حيث تعود إدارة الملف المالي والإداري لوزير الدفاع، وليس لقائد الجيش.

وتوترت العلاقات بينهما على خلفية رفض عون قمع انتفاضة 17 أكتوبر عام 2019. واعتبر باسيل ذلك انقلاباً على صهره الرئيس السابق «ميشال عون»، من خلال سماح قائد الجيش العماد «جوزيف عون» بإغلاق الطرقات، واتهمه بالانصياع للأوامر الأمريكية.

وبخلاف قائد الجيش العماد «جوزيف عون»، تبرز أسماء عديدة مرشحة لمنصب الرئاسة في لبنان، وهم «إبراهيم كنعان» من التيار الوطني الحر، وهو رئيس لجنة الموازنة في البرلمان اللبناني منذ عام 2019، واللواء «إلياس البيسري» مدير الأمن العام، ورئيس مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأسبق ووزير الداخلية «إلياس المر»، و«زياد بارود» وزير الداخلية السابق في حكومة «فؤاد السنيورة» عام 2008.

وبرز اسم «جان لوي قرداحي» كمرشح للرئاسة اللبنانية، وهو وزير الاتصالات في حكومة الرئيس «رفيق الحريري» عام 2000، والمدعوم من التيار الوطني الحر، والعميد «جورج خوري» مدير المخابرات السابق من عام 2005 وحتى عام 2008، وسفير لبنان السابق في الفاتيكان.

كما برز اسم المصرفي اللبناني «سمير عساف»، المدعوم بقوة من فرنسا، و«فريد إلياس الخازن» النائب والسفير السابق في الفاتيكان، و«فريد هيكل الخازن» الوزير السابق في حكومة «عمر كرامي» عام 2005، و«فريد البستاني» النائب عن دائرة الشوف منذ 2018، و«ناصيف حتي» السفير اللبناني والمتحدث الرسمي السابق باسم جامعة الدول العربية، و«نعمة إفرام» نائب كسروان، و«وديع الخازن» الوزير السابق والرئيس الشرفي للمجلس العام الماروني.

كما يبرز اسم مرشح الثنائي الشيعي «سليمان فرنجية»، رئيس تيار المردة، إلى جانب «جهاد أزعور» مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. ومؤخرا، أعلن جورج فارس، المستشار المالي الدولي اللبناني-الأمريكي، ترشحه في الانتخابات اللبنانية.

اقرأ أيضاًتفاصيل تحطيم مدرسة راغب علامة في لبنان بعد تصريحه عن نصر الله

العراق يعلن استئناف الرحلات الجوية مع لبنان الاثنين المقبل

جيش الاحتلال الإسرائيلي يحذر سكان قرى بجنوب لبنان من الانتقال إلى بلداتهم حتى إشعار آخر

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إبراهيم كنعان الرئاسة في لبنان الرئيس اللبناني الجديد انتخابات لبنان لبنان قائد الجیش العماد وقف إطلاق النار تعدیل الدستور وزیر الدفاع رئیس مجلس السابق فی جوزیف عون فی لبنان فی إطار

إقرأ أيضاً:

الرئيس اللبناني يتحدى حزب الله في عيد الجيش: لا سلاح خارج الدولة

أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، التزامه الصريح بسحب سلاح جميع القوى المسلحة في البلاد، بما في ذلك سلاح حزب الله، وتسليمه للجيش اللبناني، مؤكدًا أن الدولة يجب أن تكون الجهة الوحيدة التي تحتكر استخدام القوة العسكرية على كامل الأراضي اللبنانية.

جاء تصريح عون خلال كلمة ألقاها من وزارة الدفاع بمناسبة عيد الجيش اللبناني، حيث شدد على أن الدولة أمام "فرصة تاريخية" لإعادة بسط سلطتها الكاملة، داعيًا جميع القوى السياسية إلى التكاتف حول مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للمؤسسات ويعزز من وحدة القرار الأمني والعسكري في البلاد.

 وقال الرئيس: "ندفع من دون تردد إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني" .

وتتزامن تصريحات الرئيس مع مساعٍ لبنانية لإطلاق خطة سياسية – أمنية تنص على وقف فوري للهجمات الإسرائيلية في الجنوب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي يحتلها، مقابل التزام داخلي لنزع سلاح التنظيمات المسلحة كافة، ودمجها في مؤسسات الدولة الرسمية.


كما دعا عون المجتمع الدولي لتقديم دعم مالي مباشر للجيش بقيمة مليار دولار سنويًا على مدى عشر سنوات، لتعزيز قدراته اللوجستية والعسكرية وتثبيت الاستقرار في البلاد، وفق ما نقلته وكالة رويترز.


لكن هذا التوجه قوبل برفض قاطع من قبل حزب الله، إذ اعتبر نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، أن الحديث عن تسليم سلاح المقاومة هو "خدمة مباشرة لإسرائيل".

وقال قاسم، في تصريحات نشرتها قناة "المنار"، إن "المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن سلاحها طالما أن التهديد الإسرائيلي قائم، وإن الدعوات لنزع السلاح في هذا التوقيت تخدم أهداف العدو". وأضاف: "لن نسلّم سلاحنا في أي ظرف، ومن يطلب ذلك إنما يطالب بفتح لبنان أمام العدوان من دون رادع.

وكانت قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما القرار 1701، قد نصت سابقًا على ضرورة أن تفرض الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة جنوب نهر الليطاني، وأن لا يكون هناك وجود مسلح خارج إطار الدولة، إلا أن التنفيذ ظلّ مرهونًا بالتوازنات الداخلية والإقليمية المعقدة.

مقالات مشابهة

  • الجيش اللبناني: نتابع بدقة تحرك المجموعات الإرهابية
  • قائد الجيش اللبناني: نتابع بدقة أي تحرك لمجموعات إرهابية ونعمل على توقيف أعضائها
  • قائد الجيش اللبناني: استمرار الاحتلال العائق الوحيد أمام استكمال انتشار القوات
  • ممثل قائد الجيش يضع إكليلًا من الزهر على ضريح العماد فيكتور خوري
  • قائد الجيش وضع إكليلًا من الزهر على نصب شهداء الجيش
  • الرئيس اللبناني يتحدى حزب الله في عيد الجيش: لا سلاح خارج الدولة
  • كلمة إلى رئيس الجمهورية قبل كلمته في عيد الجيش
  • قائد الجيش اللبناني يتوعد بإحباط أي محاولة للمساس بالسلم الأهلي
  • قائد الجيش اللبناني: نواجه تحديات على رأسها تهديدات إسرائيل واعتداءاتها
  • التشكيلات القضائية امام مجلس الوزراء وملفات حساسة وشخصيات نافذة الى التحقيق