عربي21:
2025-07-30@03:40:09 GMT

متطلبات بناء الجمهورية السورية الثانية

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

دخلت القضية السورية دائرة الاهتمام الداخلي والإقليمي والدولي منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث فكت عقدة ألسنة السوريين، الذين أُخرست أصواتهم منذ أكثر من نصف قرن (1971) على عهد حكم حزب البعث، وتحولت دمشق قبلة لاستقبال الوفود من كل حدب وصوب، وفتحت عواصم غربية وعربية أذرعها لمعانقة رموز المرحلة الجديدة في بلاد الشام.

وبالموازاة، لاذ بالفرار صناع الظلم والاستبداد بعدما هرب رئيسهم بشار في جنح الظلام، واكتشف الشعب السوري، في زمن قياسي، حجم المظالم التي ألمّت بأبنائه، أفرادا وجماعات، وستُثبت القادم من الشهور، كم كان حجم الظلم غائرا وعميقا، وكم تكبد السوريون، بصبر وجَلَد ومكابرة، من انتهاكات جسيمة في وجودهم واستمرارهم.

تنتظر السوريين أعمال ضخمة، وتعترضهم صعوبات كثيرة، وتواجههم تحديات ليست بالهينة، ولعل السؤال الأبرز للمرحلة الجديدة في سوريا هو كيف يمكن بناء الجمهورية الثانية، بما يسمح بالقطيعة نهائيا مع إرث الحقبة الاستبدادية لعائلة آل الأسد، والمظالم التي اقترفها من كانوا أذرعه الضاربة على امتداد أكثر من نصف قرن؟ والحقيقة يتناسل عن هذا السؤال سيل من الأسئلة الفرعية المعززة والمكملة له، ومنها المتطلبات التي يعتبر توفرها شرطا واقفا لنجاح سيرورة بناء الجمهورية الثانية، والمواصفات التي يجب توفرها في صناع المرحلة الجديدة، وطبيعة التوازنات الوطنية والإقليمية والدولية التي ستقود إلى ميلاد الجمهورية السورية الثانية.. فالوضع السوري مركب وبالغ التعقيد، وإٍرث الطغيان ثقيل وكثيف، وانتظارات السوريين كبيرة ومتشعبة، والإمكانيات المادية محدودة في بلد نخره الفساد لعقود. والقائمة طويلة بشأن ما تشترطه المرحلة الانتقالية في سوريا.

الوضع السوري مركب وبالغ التعقيد، وإٍرث الطغيان ثقيل وكثيف، وانتظارات السوريين كبيرة ومتشعبة، والإمكانيات المادية محدودة في بلد نخره الفساد لعقود
ليست ثمة وصفة جاهزة ترسم للسوريين، أو يرسمونها لأنفسهم، لبناء نظامهم الدستوري والسياسي الجديد، الذي قد يأخذ عنوان الجمهورية الثانية.. فالواقع أعقد وأكثر تشابكا مما يتصوره المحللون المواكبون للمسألة السورية، ثم إن الديناميات العامة التي أطلقها سقوط النظام، وأنماط التفاعل معه، ستتحكم بشكل رئيسي في متطلبات بناء سوريا الجديدة.

يبدو أن القيادة الجديدة في سوريا مطالبة بإدارة الوضح الانتقالي على الأقل في اتجاهين اثنين مترابطين ومتكاملين، هما: ضمان استقرار وتهدئة في الداخل، حتى لا تنفلت الأمور، وتنعطف سوريا نحو الانقسام والتشظي، ومن أجل تحقيق هذا الهدف بالغ الأهمية عليها أن تعيد بناء الثقة بين كل مكونات النسيج الاجتماعي السوري، وتوفر ضمانات حقيقية بعدم عودة الاستبداد وكل مظاهر التمييز الطائفي والمذهبي إلى حياة السوريين، وهي مطالبة أيضا بإقناع الوفود الدولية التي تحج بانتظام إلى ربوعها بأنها جدية في رؤيتها لإعادة بناء سوريا، وأن سوريا حاضنة للجميع على قدر واضح من التكافؤ في الفرص والحظوظ والحقوق.. وأن زمن الطغيان ولى، وقد تركه السوريون وراء ظهورهم بشكل لا رجعة فيه.

ليست هذه المرحلة أقل أهمية واستراتيجية مما ينتظره السوريون والعالم من حولهم، فالحكمة تتطلب من القادة الجدد في سوريا أن يستحضروا بوعي وذكاء ما حصل في بلدان الجوار العربي، في العراق تحديدا، وليبيا، وما هو حاصل في اليمن، وأن يمسكوا بالدروس المستفادة منها، كي لا يكرروا مأساة هذه البلدان، ويعيدوا إنتاج ما تعيش مجتمعاتها من مآسي إنسانية ومادية. ثم إن النجاح في تدبير خلافات السوريين والأخذ بهم نحو الأفضل سيضمن النجاح في المهام الاستراتيجية الكبرى المنتظرة في بلاد الشام. فالوضع الجديد بعد سقوط النظام شديد الصعوبة والتعقيد، ويحتاج إلى وحدة وطنية، ودعم إقليمي صادق، ومواكبة دولية تنتصر لمصلحة سوريا دون سواها.

تحتاج هذه المرحلة إلى قدر يسير من الوقت لتكريس الثقة في البنيان العام السوري، وإعادة إحياء مصادر القوة في الإنسان السوري، الذي يختزن في تاريخه ووجدانه طاقات عالية من القدرة على العطاء والإنتاج الخلّاق.. وبنجاح هذه الحلقة في سيرورة سوريا نحو البناء الجديد للدولة والسلطة، وميلاد الجمهورية الثانية، التي ستجبّ حقبة الاطمئنان، وتؤسس نظاما ديمقراطيا، سينجح السوريون في إعادة كتابة تاريخهم الجديد
لذلك، تحتاج هذه المرحلة إلى قدر يسير من الوقت لتكريس الثقة في البنيان العام السوري، وإعادة إحياء مصادر القوة في الإنسان السوري، الذي يختزن في تاريخه ووجدانه طاقات عالية من القدرة على العطاء والإنتاج الخلّاق.. وبنجاح هذه الحلقة في سيرورة سوريا نحو البناء الجديد للدولة والسلطة، وميلاد الجمهورية الثانية، التي ستجبّ حقبة الاطمئنان، وتؤسس نظاما ديمقراطيا، سينجح السوريون في إعادة كتابة تاريخهم الجديد على قاعدة المواطنة والمشاركة والحرية والتسامح والعدالة الاجتماعية.

يمكن تأسيس المرحلة القادمة لسوريا الجديدة على ثلاثة أعمدة رئيسة، هي تحديدا: صياغة دستور ديمقراطي، يشارك فيه الجميع، ويكرس قيم الحرية والكرامة والتسامح والمشاركة المتكافئة والعدالة الاجتماعية، ويضمن الحقوق والحريات بكافة أجيالها. وكي يتحقق الجوهر الديمقراطي للدستور الجديد يتطلب أن تكون عملية وضعه وصياغته شفافة، وواسعة من حيث المشاركة، وأن تحتل المواطنة والتوزيع المتوازن للسلطة بين مؤسساته، والحقوق والحريات الأساسية المتعارف عليها دوليا، أولوية الصدارة. وهو أمر رهين بانتقاء من يتولى كتابته على أساس الكفاءة، والخبرة، والوطنية الصادقة، والموضوعية.

ويتعلق العمود الثاني في البناء بإجراء انتخابات معبرة عن ضمير السوريين كل السوريين، وأن تكون حرة ونزيهة، وأن تناط بمؤسسة التشريعية بقدر من الاستقلالية والقدرة على إنتاج النصوص القانونية الفضلى لوضع سياسات عمومية ذات قيمة وأثر على حياة الناس، وأن تكون قادرة أيضا على مراقبة العمل الحكومي.

أما العمود الثالث في البناء الجديد، فيخص الحياة السياسية الفعالة والنشطة للسوريين، الذين أُرغموا، على مدار أكثر من نصف قرن، على رؤية الحاكم الواحد والبرلمان الواحد والحزب الواحد والانتخابات النمطية التي تحولت إلى مبايعة، لا سيما بالنسبة لما كان يسمى الانتخابات الرئاسية.

أمام السوريين جبل من الصعوبات والتحديات، لكن كعب السوريين فائق العلو، وهم قادرون على تجاوز هذا الجبل، إن حضرت سوريا وسوريا وحدها في عقولهم ووجدانهم، وإن تلقوا الدعم الصادق والإيجابي من محيطهم الإقليمي، أي أبناء جلدتهم، وكذلك إن تجنبت قوى العالم ما حصل في العراق وليبيا واليمن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الاستبدادية الدستوري ديمقراطي سوريا استبداد دستور ديمقراطي مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجمهوریة الثانیة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

لبنان يطلق المرحلة الأولى من خطة عودة اللاجئين السوريين

شعبان بلال (دمشق، القاهرة)

أعلن لبنان، أمس، انطلاق المرحلة الأولى من خطة الحكومة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وقالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية: إن العودة تتم بالتنسيق بين المديرية العامة للأمن العام اللبناني والدولة السورية، عبر مركز «المصنع» الحدودي البري شرق البلاد، مشيرةً إلى أنه تم تحديد نقطة التجمع في بلدة «بر الياس» استعداداً لانطلاق القوافل نحو سوريا. وتأتي الخطوة في إطار العودة المنظمة والآمنة بمشاركة كل من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والصليب الأحمر اللبناني وعدد من المنظمات الإنسانية.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري قد صرح في وقت سابق أن العودة ستنقسم إلى قسمين، منظمة وغير منظمة، بحيث يتم في الأول تسجيل الأسماء وتأمين حافلات لنقلهم إلى الداخل السوري على أن يحصل كل لاجئ على مبلغ 100 دولار.
أما بالنسبة للعودة غير المنظمة فسيكون على اللاجئ أن يحدد موعد مغادرته وتأمين وسيلة التنقل لكنه سيحصل أيضاً على 100 دولار.
وسيقوم الأمن العام اللبناني بإعفاء المغادرين من الغرامات المترتبة عليهم نتيجة إقامات منتهية الصلاحية مع شرط عدم العودة إلى لبنان.
وكشفت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سيلين شميت، عن عودة أكثر من 443 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم حتى أبريل الماضي، موضحةً أن أكثر من مليون نازح داخلياً عادوا إلى مناطق إقامتهم الأصلية.
وذكرت شميت، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن العائدين يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها الدمار الذي لحق بمنازلهم، والمخاطر الناتجة عن الألغام الأرضية، ونقص الخدمات الأساسية، مما يتطلب استجابة إنسانية مرنة وسريعة، ودعماً دولياً مستمراً لضمان كرامتهم واستقرارهم.
وأشارت إلى أن أبرز التحديات التي يواجهها العائدون تتعلق بالإسكان، حيث إن العديد من المنازل تضررت كلياً أو جزئياً، مما يجبر السكان على الإقامة في مراكز إيواء مؤقتة أو لدى أقاربهم في ظروف مزدحمة، موضحة أن الحصول على خدمات المياه والكهرباء لا يزال محدوداً في العديد من المناطق.
وأفادت شميت بأن الألغام والذخائر غير المنفجرة تشكل خطراً كبيراً على المدنيين في محافظات إدلب وحلب واللاذقية ودرعا، حيث تُسجل إصابات ووفيات أسبوعية، لا سيما بين الأطفال.
وقالت المسؤولة الأممية: إن الأوضاع الاقتصادية لا تزال هشة للغاية، إذ تتفاقم الأزمة نتيجة تدهور الخدمات العامة، وانخفاض القدرة الشرائية، وصعوبة الوصول إلى المعاملات المصرفية، إضافة إلى مشاكل السيولة.
وحذرت من خطورة النقص الواسع في خدمات الكهرباء والمياه في العديد من المناطق، مؤكدة أن إصلاح هذه الخدمات يشكل تحدياً بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية، مشيرة إلى فقدان عدد كبير من السوريين لوثائق الهوية والملكية، جراء تدمير سجلات الأحوال المدنية، مما يعرقل حصولهم على وثائق بديلة.

احتياجات إنسانية
أكدت شميت أن الاحتياجات الإنسانية ما تزال مرتفعة، حيث يقدر عدد المحتاجين للمساعدات بأكثر من 16.7 مليون شخص، إضافة إلى وجود نحو 7.4 مليون نازح داخلياً، و6.2 مليون لاجئ خارجياً، مشددة على أن الظروف لا تزال بالغة الصعوبة، مما يستوجب استمرار دعم المجتمع الدولي لمساندة السوريين في إعادة إعمار وطنهم ومعالجة الأزمة الإنسانية.

أخبار ذات صلة سوريا... دخول قافلة مساعدات رابعة إلى السويداء مقتل 18 مهاجراً وفقدان العشرات بعد غرق قارب قبالة ليبيا

مقالات مشابهة

  • لبنان يطلق المرحلة الأولى من خطة عودة اللاجئين السوريين
  • وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار: سوريا الجديدة هي المنتجة التي تعيد تشكيل معاملها وبناء إنتاجها
  • المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة: دورة هذا العام ستعكس صورة سوريا الجديدة، الواثقة بقدراتها ومستقبلها
  • السلام والتعايش في سوريا سبيل الاستقرار
  • وزير الثقافة السوري يستقبل عميد المعتقلين السوريين الطيار رغيد الططري
  • الاتصالات السورية تطلق مبادرة “شبكة المستثمرين السوريين”
  • وزير الثقافة يبحث مع المفكر جورج صبرة دور الثقافة في بناء سوريا الجديدة
  • الإبداع السوري يغني أول أيام الكتّاب السوريين في المكتبة الوطنية بدمشق
  • الأحمد لـ سانا: أكد السيد الرئيس ضرورة المضي في العملية الانتخابية في كل المحافظات السورية، ورفض التقسيم الذي ينبذه جميع السوريين
  • نقابة المهندسين السوريين.. اعتبار المهندس السعودي الراغب بالعمل في سوريا منتسباً إلى النقابة