مخلفات الحرب تحصد الأرواح وتمنع السوريين من العودة لمنازلهم
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
دمشق- "خرجتُ حافية القدمين لا أعلم كيف أصل إلى فلذة كبدي بعد أن أخبرني زوجي أن ابني سليمان توفي بانفجار لغم من مخلفات الحرب"، تقول السيدة حميدة خليل، من بلدة قميناس جنوب إدلب، للجزيرة نت، وهي بجانب ولدها في أحد المشافي وقد تعرض لبتر بالفخذ جراء انفجار لغمين به أثناء عودته لأرضه بعد سنوات من التهجير.
تلقت حميدة الخبر، وكانت قد فقدت ابنا خلال الحرب السورية منذ 4 سنوات، وبوصولها لمكان الانفجار حاولت إخراج ابنها بنفسها، لكن مُنعت من ذلك وتولى أحد مختصي الفرق الهندسية نزع الألغام من حوله وأنقذه وهو مازال على قيد الحياة.
ودعت جميع الأمهات والشباب إلى تجنب العودة إلى المنازل والأراضي التي طُرد منها النظام المخلوع حتى لا يفقدوا حياتهم أو "يتعرضوا للبتر" كما حدث مع ابنها.
من جانبه، قال سليمان خليل (21 عاما) المصاب للجزيرة نت "ذهبتُ إلى الأرض لقطف الزيتون ولم أعلم أني دخلت حقل ألغام، انفجر الأول في قدمي فبُترت، حاولت الزحف للخروج فانفجر الثاني وبتر ساقي، فخلعت بعض ملابسي وربطت رجلي لعلي أوقف نزيف الدم".
وأضاف "بعد نحو نصف ساعة، وصل أحد مختصي فرق الهندسة العسكرية ونزع أكثر من 20 لغما حتى استطاع الوصول لمكاني وإخراجي، ونقلتني فرق الدفاع المدني إلى إحدى المشافي في إدلب، قدر الله وما شاء فعل، بُترت رجلي كاملة من الفخذ".
تُعد المناطق، التي كانت خطوط تماس بين قوات النظام السابق وقوات المعارضة في أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية، منطقة خطر على المدنيين الراغبين بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم بعد تهجير امتد سنوات، بسبب كثرة الألغام المخفية فيها بكافة أنواعها.
ودعا محمد سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، في حديث للجزيرة نت، كافة المنظمات والفاعلين في هذا المجال إلى زيادة التنسيق للوصول إلى خطة واضحة للتخلص من جميع مخلفات الحرب بكافة أنواعها.
إعلانبدوره، قال فيصل الحجي، عضو فرق الهندسة المختصة بنزع الألغام بإدارة العمليات العسكرية، للجزيرة نت، إنهم أصدروا تعميمات كثيرة للأهالي بعدم الاقتراب من الأراضي والمنازل لأن حجم الألغام المزروعة كبير، ولا يمكن إحصاؤها لأنها مخفية وتحتاج عملا كبيرا "ربما يمتد أشهرا للتخلص منها".
وأضاف أن الأدوات التي يستخدمونها لنزع الألغام المتنوعة مثل ألغام دبابات، وألغام وثاب، وألغام فردية، وموجهة، بسيطة وبدائية وأنهم بحاجة لأخرى حديثة ولفرق مختصة دولية تساعدهم بالتخلص من "آلة القتل هذه التي خلفها النظام البائد خلفه".
تزداد أعداد الضحايا بشكل يومي جراء انفجار مخلفات الحرب وخاصة في مناطق ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وسط مناشدات من الأهالي للسلطات المحلية والمجتمع الدولي للمساهمة في تأمين نزعها من أجل عودتهم إلى ديارهم، وترك خيام النزوح في ظل الفقر الذي يعيشونه خاصة بعد تجفيف الدعم الإنساني والطبي.
محمد الفهد (18 عاما)، من بلدة معر بليت بريف إدلب الجنوبي، فقد إحدى عينيه وتضررت الثانية بشكل كبير وبُترت ساقه بلغم أرضي أثناء عمله بقطف الزيتون ليعيل أسرته الفقيرة المكونة من 7 أفراد بعد وفاة والده، لكنه اليوم يحمل إعاقة دائمة تمنعه من العمل. ودعا الجهات المختصة إلى الإسراع بالتخلص من الألغام التي باتت "الهاجس الأكبر الذي يلاحق السوريين".
تحاول فرق الدفاع المدني جاهدة الاستجابة لبلاغات المواطنين من خلال تجميع الذخائر غير المنفجرة والتخلص منها، وخاصة في المنازل التي كانت قوات النظام المخلوع تتخذها مقرات عسكرية، أو بالمناطق التي تعرضت للقصف ولم تنفجر فيها الذخائر.
من جهته، أوضح محمد طلفاح قائد فريق إزالة الذخائر غير المنفجرة بالدفاع المدني السوري، للجزيرة نت، أن هذه الفرق تعمل على إزالة مخلفات الحرب في المناطق التي تعرضت لقصف سابق من قبل قوات النظام السابق أو الأماكن التي كانت توجد فيها مقراتهم العسكرية.
إعلانوأضاف أنهم يتلقون بلاغات من المدنيين بعد عودتهم عن وجود ذخائر غير منفجرة فيقوم فريق الإزالة عبر مختصين بالكشف عن المكان وتجميع الذخائر بشكل تقني منظم، ومن ثم يحضر فريق خاص بالتخلص منها لتأمين المكان لعودة الأهالي إليه.
وحسب طلفاح، تختص فرق الدفاع المدني فقط بالذخائر، أما الكشف عن الألغام الكبيرة أو المنتشرة بكثرة في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام السابق، فهي من اختصاص الفرق الهندسية المختصة. وخاطب المدنيين قائلا: "نهيب بهم توخي الحذر وعدم الاقتراب من المناطق الملوثة بالذخائر غير المنفجرة أو الألغام، وتجنب الاقتراب منها أو لمسها مهما كان نوعها وبالتبليغ عنها فورا".
بدوره، أفاد المختص فيصل الحجي بأن نزع الألغام بأنواعها هو من اختصاص الفرق الهندسية العسكرية المدربة من قبل إدارة العمليات العسكرية، ويحتاج حذرا كبيرا والعمل بهدوء "لأننا نعمل بأدوات بسيطة وبدائية ولا نملك كاسحات حديثة ولا أدوات كشف متطورة".
من ناحيتها، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانا تضمن توصيات لمواجهة مشكل الألغام في سوريا، من بينها خرائط لأبرز أماكن انتشارها.
ووثقت الشبكة منذ بدء معركة ردع العدوان، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حتى 31 ديسمبر/كانون الأول ديسمبر من العام ذاته، مقتل 45 مدنيا، بينهم 6 أطفال و4 سيدات، جراء انفجار الألغام الأرضية.
وذكر البيان نفسه أنه منذ، مارس/آذار 2011 وحتى نهاية 2024، سجلت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 3521 مدنيا نتيجة انفجار الألغام الأرضية، من بينهم 931 طفلا و362 سيدة، بالإضافة إلى 7 من كوادر الدفاع المدني، و8 من الكوادر الطبية، و9 من الكوادر الإعلامية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العملیات العسکریة الدفاع المدنی مخلفات الحرب للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
الفلك في خدمة الحرب.. تسخير العلوم السماوية في النزاعات العسكرية
في مايو من عام 585 قبل الميلاد وبينما كانت الحرب بين الليديين والميديين في آسيا الصغرى في أشدها حدث كسوف شمسي مفاجئ حوَّل النهار إلى ليل مظلم نشر الرعب بين الطرفين فاعتبر الكسوف نذيرا ورسالة إلهية لوقف الحرب، ما جعل الطرفين يقبلان بالهدنة بوقف القتال بشكل نهائي. والمثير هنا حسب ما يذكر المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت فقد تنبأ الفيلسوف اليوناني طاليس بهذا الحدث ما يعد من الأمثلة الأولى لاستخدام علم الفلك في التنبؤ بحدث طبيعي أثَّر بشكل مباشر في حدث عسكري وغيَّر مسار الأحداث.
إن الطريقة التي استخدمها طاليس في تنبؤه المزعوم لا تزال مجهولة مع وجود تكهنات تشير إلى أنه ربما استعار تقنيات من المصريين أو البابليين، أو ربما استخدم طاليس دورة ساروس البابلية المُستخدمة للتنبؤ بالكسوف، وهي نمط فلكي بين الأرض والقمر مدته 223 شهرًا قمريًّا، أي 18 عامًا و11 يومًا وثلثًا، أو 6585.3 يومًا. الشهر القمري هو المدة التي يستغرقها القمر للعودة إلى حالته الحالية. إن تنبؤ طاليس يمثل معلمًا مهمًّا في تاريخ العلم؛ إذ يعكس محاولة مبكّرة لفهم العلم والظواهر السماوية، وقد حاز هذا التنبؤ إعجاب الكثير من العلماء في ذلك الوقت مثل ديمقريطس وهيراقليطس؛ فمنذ فجر التاريخ لم يكن علم الفلك مجرد أداة لفهم الكون، بل أدّى دورًا حاسمًا في الصراعات البشرية، سواء من خلال الملاحة، أو التوقيت، أو الاستطلاع، أو حتى الهيمنة التقنية. فالنجوم لم تكن فقط مصدر إلهام شعري، بل دلّت الجيوش، ووجّهت السفن، وحدّدت مصائر حروب، وأكسبت الشعوب التي ركزت جهدها لدراسة جوانبها المختلفة تفوقا كبيرا.
ورغم التداخل الكبير الذي حدث بين علم الفلك والعلوم الأخرى والتحريف الذي لحق بهذا العلم وظهور ما يعرف بالتنجيم؛ فإن استخدام علم الفلك استمر عبر التاريخ القديم حيث من الصعب إيجاد حضارة من الحضارات القديمة لم تستفد من هذا العلم في جوانب الحياة العامة، لكن الحملات العسكرية كانت من أكثرها تأثرا واستغلالا للمعرفة الفلكية؛ فقد استخدمتها الأساطيل البحرية لمعرفة الاتجاهات في البحر، واعتمدت عليها الجيوش في التنقل ومعرفة مواقع العدو. وقد ذكر المؤرخ اليوناني بوليبيوس كيف اعتمدت الحملات العسكرية على التنبؤات الفلكية المرتبطة بحالات الطقس والفصول، وهو ما مكّن القادة من تفادي العواصف أو استغلال الرياح الموسمية. وهنا لا بد من توضيح الخلط بين المعرفة المبنية على مطالع النجوم وربطها بظواهر معينة تحدث على الأرض في التوقيت ذاته، لتكون النجوم بذلك علامة على هذا الحدث كظهور نجم سهيل عند أهل الجزيرة العربية، وانكسار شدة الحر في هذه البقعة من العالم، فنجم سهيل هنا علامة لهذا الحدث وموقت لحدوثه، وبين استخدام النجوم لمعرفة أحداث مستقبلية فهذا ليس من الفلك في شيء بل هو تنجيم غير قائم على معرفة ولا علم، وما كان يحدث في تلكم الفترات من الاعتماد على علم الفلك يندرج في هذا الباب، أي: تحديد المواسم وربط حدوثها بنجم معلوم المطلع. فالمعروف لدى الفراعنة أن فيضان نهر النيل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بطلوع نجم الشعرى اليمانية، وبالتالي؛ فإن بداية الحراك الزراعي والعسكري مرتبط بهذا التوقيت.
الفلكي، وهو ما يشرحه بوليبوس حين يقول: « ان الفرص والحوادث التي تصاحب الحملات العسكرية تتطلب حذرًا كبيرًا، ومن الممكن الاستعداد لها بدقة بشرط ان يكرس المرء ذهنه لتخطيط حملته.
وفي هذا السياق يشير المؤرخون إلى أنه خلال الحرب التي دارت بين روما وقرطاج واستمرت لفترات طويلة والتي عرفت بالحروب البونيقية كان التفوق البحري عاملاً حاسمًا للقرطاجيين؛ بفضل معرفتهم الدقيقة بتقنيات الملاحة واستخدموا المعرفة الفلكية لتوجيه أساطيلهم عبر البحر الأبيض المتوسط، ما منحهم ميزة استراتيجية في التنقل والإمداد واستخدام النجوم لتحديد المواقع.
وقد أسهم هذا بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا كثيرة في التطور المعرفي والتقني لعلم الفلك سواء على صعيد الأجهزة الفلكية كالإسطرلاب وغيره من الوسائل التي سهلت معرفة الاتجاهات ورصد النجوم والكواكب أو من خلال المعارف الفلكية التي ظهرت على شكل مؤلفات على شكل خرائط سماوية أو كتب مفصلة لمواقع كل مصر من الأمصار في جميع بقاع الأرض المختلفة.
وقد ازدهر علم الفلك والمراصد الفلكية بشكل عام في عصور الدولة الإسلامية؛ فهناك من المراصد ما وصل صيتها إلى كل مكان لما لها من مكانة بحثية وقيمة علمية كمرصد مراغة الواقع في شمال غربي بلاد فارس أو ما يعرف بإيران حاليا، ويرتفع المرصد حوالي 1560 مترا فوق سطح البحر، ويعتبر أضخم المراصد في التاريخ الإسلامي؛ حيث أشرف على تأسيسه علماء فلك بارزون أشهرهم نصير الدين الطوسي، ومحيي الدين المغربي، وعلي نجم الدين الإسطرلابي الذين كانت لهم إسهامات كثيرة ومهمة في الفلك والهندسة والرياضيات. وقد استفاد القادة العسكريون من الخرائط الفلكية أو ما عرفت عند العرب بجداول الأزياج، وهي عبارة عن جداول تعيّن شروق الشمس وغروبها يوميا، وشروق القمر وغروبه يوميا، وشروق وغروب الكواكب السيارة يوميا، وكذلك خسوف القمر وكسوف الشمس (مثل «الزيج الإلخاني» و«زيج البتاني»)؛ لتحديد المواقع والاتجاهات بدقة في الحملات العسكرية الصحراوية والبحرية.
ومن المعروف أن الخلفاء في الدولة الإسلامية كانوا يطلبون من علماء الفلك معرفة الأوقات المناسبة للغزو بناء على مواقع الكواكب والنجوم، وهو كما ذكرنا سابقا يؤخذ من باب معرفة الظروف المناخية وأحوال الطقس لا من باب التنجيم وضرب الحظ، وهو ما كان شائعا أيضا عند البحارة العمانيين والنواخذه في الخليج العربي، من عدم ركوب البحر في أوقات محددة تحدث فيها ضربات البحر أو «الأعاصير»؛ إذ يتجنب البحارة الترحال خلال هذه الفترات نظرا لهيجان البحر والابتعاد عن المخاطر حفظا للمال والنفس. وساعدت هذه المعرفة الأئمة في عهد الدولة اليعربية في حربهم ضد البرتغاليين في المحيط الهندي، والانتصارات المتتالية التي حققها العمانيون في شرق إفريقيا والسواحل الهندية، كالانتصار في معركة ديو البحرية التي استغل فيه الإمام سيف بن سلطان الرياح الموسمية لتسيير أسطوله ومحاصرة قلعة ديو قرب خليج بومباي سنة 1670م التي كانت من أكبر مراكز البرتغاليين في الشرق. واستولى العمانيون في هذه الحملة على غنائم وثروات كبيرة.
كما عُرف عن المستكشف كريستوفر كولومبس باستخدامه الذكي والدقيق للمعرفة الفلكية في أثناء رحلاته الاستكشافية في أماكن كثيرة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك استغلاله لظاهرة الخسوف القمري الذي وقع في 29 فبراير عام 1504 أثناء وجوده في جزيرة جامايكا في رحلته الرابعة إلى العالم الجديد. ففي تلك الفترة كان كولومبس يواجه أزمة حادة تمثلت في انقطاع الدعم والتموين من قبل السكان المحليين الذين تراجعوا عن تزويد طواقمه بالمؤن والغذاء؛ نتيجة لتدهور العلاقة بينهم وفقدان الثقة بالمستعمرين الأوروبيين.
وبفضل امتلاكه لمخطوطة فلكية دقيقة وضعها الفلكي أبراهام زاكوتو؛ كان كولومبس على دراية تامة بالظواهر الفلكية القادمة، ومن ضمنها موعد حدوث خسوف كلي للقمر. وبدلاً من الاكتفاء بالملاحظة الفلكية كأداة علمية؛ لجأ كولومبس إلى توظيفها كأداة للتأثير النفسي والسياسي، فأخبر زعماء السكان المحليين بأن الرب غاضب عليهم بسبب توقفهم عن دعم رجال البعثة، وأن علامة هذا الغضب الإلهي ستظهر في السماء حين يُظلم القمر وتختفي أنواره، محذرًا من أن القمر لن يعود إلى حالته الطبيعية إلا إذا قدموا الدعم مجددًا.
وبالفعل حين بدأ القمر بالخسوف وبدأ ظله يغمره تدريجيًا أصيب السكان المحليون بالذعر، وهرعوا إلى كولومبس طالبين الغفران، ووعدوه باستئناف تقديم الدعم والمؤن. وعند انتهاء الخسوف اعتبر السكان أن كولومبس قد «استرضى الرب» ما عزز مكانته وسلطته في أعينهم.
هذا الحدث يُعد مثالًا فريدًا على التوظيف النفعي للعلم في السياقات الاستعمارية، ويبرز كيف يمكن للمعرفة الفلكية أن تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية، خصوصًا حين يكون الطرف الآخر يفتقر إلى الإلمام الكافي بهذه العلوم.
وفي المقابل فإن الحروب أسهمت أيضا بشكل كبير في خلق نقلة نوعية في تقنيات علم الفلك وتطوره المتسارع منذ الحرب العالمية الأولى وصولا إلى عصر الفضاء في أيامنا هذه، فعلم الفلك الراديوي استفاد من تقنيات الراديو التي تطورت عن استخدام الرادارات في الحرب العالمية الثانية. كما أن السباق المحتدم بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة للوصول إلى الفضاء والسيطرة عليه لكسب المعارك على الأرض أسهم بشكل مباشر في إيجاد الوسائل المناسبة للوصول إلى الفضاء والهبوط على القمر.
ثم تطورت صناعة الأقمار الصناعية لأغراض سلمية وعسكرية ووصلت في أيامنا هذه إلى ما يعرف بالأقمار الصناعية المكعبة التي يسهل تصنيعها وإرسالها إلى الفضاء بأعداد كبيرة في مهمة واحدة بأقل تكلفة؛ حيث إن ما يميز هذا النوع من الأقمار أنها ذات كلفة منخفضة وقادرة على القيام بمهام محددة. ورغم الطبيعة المعرفية والبحثية لعلم الفلك؛ إلا أن التاريخ على امتداد العصور أثبت أن علم الفلك كان على الدوام حليفًا خفيًا للحرب. فمنذ العصور القديمة حتى النزاعات الحديثة لعب هذا العلم دورًا محوريًا في توجيه الجيوش، وتحديد مواعيد الحملات، ورسم خرائط الملاحة البحرية، والتفوق على الخصوم معرفيًا وتقنيًا؛ حيث لم يكن علم الفلك أداة لتأمل ومعرفة خبايا الكون فحسب، بل أصبح سلاحًا منح أصحابه الأفضلية في ميدان المعركة. ويمكن القول: إن الحروب أسهمت في تسريع وتيرة تطور علم الفلك بما فرضته من تقنيات وابتكارات، فأصبح بذلك إحدى الركائز الأساسية في التخطيط العسكري والسيطرة التقنية. وهكذا؛ فإن العلاقة بين النجوم وميادين القتال ليست مجرد تقاطع عابر، بل هي تحالف عميق ومستمر منذ عقود طويلة من الزمن، ولا يزال يسهم في تشكيل ملامح الصراع البشري حتى في عصر الفضاء.
د. إسحاق بن يحيى الشعيلي / رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للفلك والفضاء