كانت الرضيعة رايان ضاهر، التي لم يتجاوز عمرها 11 شهراً، ترقد على سرير المستشفى، بحجمها الضئيل الذي لا يناسب عمرها. عانت من تأخر في النمو وصعوبة في التنفس بسبب عيب خلقي في القلب. وقد أمضت معظم حياتها على قائمة الانتظار لإجراء عملية جراحية لإغلاق الثقب في قلبها.

وفي أحد مستشفيات دمشق، كان أطباء القلب يمرّون على غرفة رايان لطمأنة والدتها، هند، بأن العملية ستُجرى خلال أيام.

لكن الممرضات المجاورات لم يبدين نفس التفاؤل، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".

International sanctions have left Syria’s health system on life support https://t.co/l8AaAUvrcC #Washington #Syria

— Eye on Syria (@Eye_on_Syria) January 10, 2025 العقوبات وتأثيرها 

أضعفت العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي تهدف إلى معاقبة نظام الرئيس بشار الأسد، النظام الطبي الذي يعتمد عليه ملايين السوريين. فقد أدت هذه العقوبات إلى عرقلة استيراد الأجهزة الطبية اللازمة وتشغيلها، مما جعل من الصعب تقديم الرعاية الصحية في الوقت المناسب للمرضى والمصابين.

وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، يوم الإثنين الماضي، تمديد إعفاء جزئي للعقوبات لمدة 6 أشهر كدعم محدود للحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني، الذي قاد هجوماً سريعاً من شمال سوريا أدى إلى إسقاط نظام الأسد.

وجاء في بيان الوزارة: "هذا الإجراء يؤكد التزام الولايات المتحدة بضمان أن العقوبات الأمريكية لا تعيق الأنشطة التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية".

Syria's army command notified officers that President Bashar al-Assad's rule ended following a lightning rebel offensive, a Syrian officer who was informed of the move told Reuters. Syrian rebels said Damascus was 'now free of Assad' https://t.co/yHQJb7hWxb

— Reuters (@Reuters) December 8, 2024 مستقبل العقوبات

ولكن الرئيس جو بايدن، ترك قرار رفع تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، وهو خطوة أساسية قبل أي تخفيف شامل للعقوبات، للإدارة الأمريكية القادمة.

وفي مركز أمراض القلب بجامعة دمشق، حيث كانت عائلة رايان تنتظر، تعطلت نصف أجهزة الفحص اللازمة لحالتها، وكان الجهاز الأخير بالكاد يعمل، وفقاً لمدير المستشفى محمد بشار عزت. كما أن غرفة عمليات واحدة فقط كانت تعمل بشكل كامل، والمستشفى لم يكن لديه سوى عدد قليل من أطباء التخدير، القادرين على إجراء 3 عمليات أسبوعياً فقط.

ومع تدهور الخدمات في المستشفيات الكبرى، اضطرت العائلات مثل عائلة رايان إلى السفر لمسافات طويلة، للحصول على الرعاية المتخصصة. قطعت الأسرة 250 ميلاً من شمال سوريا إلى دمشق، ما أثار قلق الممرضات من أن الطفلة قد أصيبت بنزلة برد خلال الرحلة الطويلة.

وقالت الممرضة هيام زرزور (51 عاماً)، أثناء فحصها للطفلة: "إذا أصيبت بنزلة برد، لا يمكننا إجراء الجراحة". وأشارت إلى أن العقوبات أثرت أيضاً على استيراد منتجات الوقود، مما أدى إلى أزمة كهرباء تركت المستشفى يعاني من برد الشتاء.

وأدى نقص الكوادر والمعدات، إلى وجود قائمة انتظار تصل إلى عامين لجراحات القلب للأطفال، وعام واحد للحالات الطارئة. وقال عزت بأسف: "من المفترض أن تتم العمليات خلال أسبوع".

Like so many autocrats who claim to serve the people, "Assad lived in quiet luxury while Syrians went hungry." https://t.co/9Sq0pyryTI

— Kenneth Roth (@KenRoth) December 14, 2024 العقوبات وتأثيرها غير المباشر

ويصر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون، على أن العقوبات لا تستهدف النظام الصحي السوري بشكل مباشر، لكن تأثيرها يُشعر به بعمق.

وتعطلت أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية، وأصبح من الصعب استبدالها. أما الصناعات الدوائية المحلية، التي كانت تغطي 90% من السوق المحلي، فقد انهارت تقريباً، تاركة الأرفف مليئة بأدوية مستوردة باهظة الثمن وذات جودة مشكوك فيها.

وقالت كريستينا بيثكي، الممثلة المؤقتة لمنظمة الصحة العالمية في سوريا: "الصحة غالباً ما تكون مستثناة من العقوبات نظرياً، لكن التأثيرات غير المباشرة على تنفيذ الخدمات الصحية تجعلها واحدة من أكثر القطاعات تأثراً بالعقوبات".

ورحّبت بيثكي بالإعفاء المؤقت للعقوبات، الذي يسمح للمجموعات الإنسانية بتقديم خدمات مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء، لكنها أشارت إلى أن الوقت غير كافٍ لتحقيق تقدم ملموس. وأوضحت أن استيراد المعدات الطبية الكبيرة يستغرق وقتاً طويلاً، وأن العقوبات السابقة، مثل تلك التي صدرت بعد زلزال عام 2023، لم تحقق تخفيفاً كافياً لمعاناة السوريين.

The health system in north-west Syria has been over-stretched for years. To meet people’s health needs, @WHO provides partner health facilities with medicines and equipment. Hear from one of them on how dire the situation is ⬇️ pic.twitter.com/wPUyNZB92o

— World Health Organization (WHO) (@WHO) March 2, 2023 معاناة الشعب

ووجدت دراسة أجراها معهد الحوكمة العالمية في جامعة كوليدج لندن عام 2018، أن انخفاض متوسط العمر المتوقع وتراجع معدلات التطعيم الروتينية في سوريا، مرتبطان جزئياً بالعقوبات، وذلك قبل تشديد العقوبات في عام 2019.

وأشار صالح الجديع، الباحث في الصحة العامة الصيدلانية، إلى أن العقوبات المفروضة على نظام الأسد مستحقة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكنه أضاف "إذا نظرنا إلى الواقع، فإن الالتزام بتخفيف التأثير على المدنيين لم يتحقق".

وفي إحدى صيدليات دمشق، كان مازن كتان ( 50 عاماً)، يحسب أسعار الأدوية للمرضى باستخدام آلة حاسبة كبيرة، بينما شقيقه سمير، الصيدلي، أوضح أن أحد العملاء استغرق شهوراً لجمع المال اللازم لشراء دواء السرطان، لكنه توفي قبل وصول الدواء إلى سوريا.

وبإحباط، تساءل سمير: "كيف يمكن فرض عقوبات على المرضى؟ قالوا إن العقوبات تستهدف الأقوياء، لكن انظر حولك. من يعاني أكثر؟".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية دمشق بشار الأسد الولايات المتحدة سقوط الأسد سوريا أمريكا أن العقوبات

إقرأ أيضاً:

قراءات في تعديل النظام الانتخابي لمجلس الشعب السوري

دمشق- تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب في لقاء مع رئيس اللجنة العليا لانتخابات المجلس محمد طه الأحمد، الذي توقع أن تجرى العملية الانتخابية لاختيار أعضاء المجلس بين 15 و20 أيلول/سبتمبر القادم.

وقال الأحمد، لوكالة الأنباء السورية (سانا) أمس الأحد، إن اللقاء تناول تفاصيل التعديلات الناتجة عن الجولات التي قامت بها اللجنة مع مختلف شرائح المجتمع ونقاباته. وأكد أن الشرع اطلع على أهم التعديلات التي أُقرت على النظام الانتخابي.

وأضاف أن الشرع أكد "أهمية المضي في العملية الانتخابية بكل المحافظات السورية، ورفض التقسيم الذي ينبذه جميع السوريين، وضرورة استبعاد كل من وقف مع المجرمين وأيّدهم، والأشخاص الذين يدعون إلى التقسيم والطائفية والمذهبية".

اجتماع أعضاء اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بالرئيس السوري أحمد الشرع (سانا)النظام الانتخابي

من جهتها، قالت رئاسة الجمهورية عبر معرفاتها الرسمية إن "الرئيس أحمد الشرع تسلم النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، وإنه وجّه بمواصلة التقدم في مسار العمل لضمان مشاركة شاملة تُعبّر عن إرادة الشعب السوري".

ووفق الأحمد، يتضمن النظام الانتخابي المؤقت حزمة من الضمانات الرامية إلى تحقيق أعلى درجات الشفافية تشمل:

تشكيل اللجان الانتخابية الفرعية. آليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات. إتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، مشددا على أن الهدف هو تشكيل مجلس شعب يرتقي إلى تضحيات السوريين ويقود مرحلة إعادة البناء والتشريع. محمد طه الأحمد: النظام الانتخابي نص على رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210 (سانا)

وأضاف أن هذا النظام نصّ على رفع عدد المقاعد من 150 إلى 210 وفقا لإحصاء عام 2011، مع تخصيص نسبة منها لا تقل عن 20% للمرأة، وتشجيع مشاركة الشباب، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني عبر دورات توعية وتدريب. كما أُدرجت ورقة سلوك تنظيمي لأعضاء الهيئات والمرشحين، إلى جانب برنامج زمني وآليات للدعاية والمناظرات.

إعلان

وعن الجانب التنظيمي، أوضح الأحمد أن الثلث المعيّن من قبل الرئيس -والبالغ 70 عضوا- سيُخصّص لأصحاب الكفاءات الفنية (تكنوقراط)، وذلك لسد أي فجوات محتملة وضمان تمثيل جميع الفئات. وأشار إلى لقاءات جمعت اللجنة مع سفراء عرب وبعض البعثات الدبلوماسية، الذين "أشادوا بالآلية المعتمدة واعتبروها الأنسب للواقع السوري".

أما عن الخطة الزمنية، فتبدأ -حسب الأحمد- بعد توقيع المرسوم الخاص بالنظام الانتخابي المؤقت، وتتوزع كما يلي:

أسبوع لاختيار اللجان الفرعية. يليه 15 يوما لتشكيل الهيئات الناخبة. ثم يُفتح باب الترشح لمدة 3 أيام. ثم أسبوع للدعاية والمناظرات. خطوة مهمة

وقال المحلل السياسي عبد الكريم عمر إن تصريح رئيس اللجنة العليا للانتخابات النيابية حول رقابة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية على الانتخابات "خطوة رائدة وبادرة جديدة على مستوى المنطقة". وهو ما ذهب إليه الباحث السوري علاء الأصفري الذي قال إن الرقابة الدولية تُعد "خطوة مهمة جدا".

بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش أن هذه الرقابة تضفي مصداقية على عملية الانتخابات، لا سيما وأنها "أول اختبار للسلطة الجديدة في سوريا ومدى التزامها بتشكيل سلطة تشريعية تمثل مختلف المكونات السورية".

وحول زيادة عدد المقاعد النيابية، يشير عبد الكريم عمر إلى أنها أُقرّت على خلفية مطالبات من المجتمع المدني السوري بضرورة توسيع عددها بالاعتماد على إحصاء 2011.

وأكد للجزيرة نت أن اعتمادها من شأنه زيادة عدد الممثلين في البرلمان خلال المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تمر بها البلاد، تلبية للأصوات المطالبة بالتشاركية وصناعة نظام جديد يترك للناس دورا أساسيا في صناعة القرار السياسي في البلاد.

وعن الإجراء الذي يسمح للرئيس أحمد الشرع بتسمية 70 عضوا (ثلث الأعضاء) من أصل 210 (إجمالي الأعضاء)، يرى عمر أنه طبيعي في الحالة السورية، إذ إن البلاد خارجة من حرب وصراع مديدين، وهناك سوريون في المنفى ومخيمات اللجوء ممن لا يملكون بطاقات شخصية، إلى جانب وجود 4 أنواع من البطاقات الشخصية لمواطني سوريا:

في مناطق النظام سابقا. في إدلب. في ريف حلب. في مناطق شرق الفرات.

وبالتالي، فإن هذا الإجراء سيتيح -وفقا له- ضمان تمثيل فئات قد تُستبعد قسرا بسبب ظروف النزوح أو التوزيع الجغرافي.

انتقادات

بالمقابل، يرى محمود علوش أن المجلس النيابي لن يكون مثاليا مع تعيين رئيس الجمهورية ثلث أعضائه وأن هذا الإجراء سيؤثر على توازن القوى داخل المجلس ونفوذ الرئيس على قراراته. ولكنه يقرّ بأن إجراء الانتخابات سيكون خطوة ضرورية "لإضفاء نوع من المشروعية الشعبية على السلطة الانتقالية".

وأوضح للجزيرة نت أن اختيار مجلس الشعب خطوة ضرورية في إكمال النظام السياسي الذي سيُدير المرحلة الانتقالية، وإجراء متقدم نحو انخراط وطني واسع في تشكيل مستقبل سوريا. لكنه يرى أن هناك "تساؤلات كثيرة تبدو إجاباتها غير واضحة، مثل كيف سيتم الاختيار في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة مثل مناطق قوات سوريا الديمقراطية  ومحافظة السويداء؟ وكيف سيتم إشراك اللاجئين الذين هم شريحة كبيرة؟".

إعلان

ورغم تأكيده أن التعديلات هي خطوة بالاتجاه الصحيح، غير أن ذلك لا ينفي -حسب الباحث الأصفري- وجود علامات استفهام عديدة، أولها تلك المتعلقة بحلّ الأحزاب الذي يُعتبر -برأيه- خطأ جسيما خاصة في ظل وجود أحزاب عريقة في البلاد كالاشتراكية والشيوعية التي كان يمكن أن تكون سندا للعمل المؤسساتي في مجلس الشعب.

وأضاف للجزيرة نت أن شرط "استبعاد كل من أيّد نظام الأسد سابقا" من المجلس النيابي، "فضفاض" ويمكن استغلاله لاستبعاد أي شخص كان يعيش في مناطق سيطرة النظام في الماضي، قائلا إنه كان من الأفضل استبداله بشرط "استبعاد كل من تلوثت أيديهم بدماء السوريين".

ويأمل الأصفري "ألا يكون هناك استبعاد للطوائف والمذاهب والأعراق أو أي من المكونات السورية، وأن يشارك الجميع في هذه التجربة البرلمانية".

يُذكر أن اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري قد تشكلت بموجب المرسوم الرئاسي رقم (66) لعام 2025، الصادر في 13 يونيو/حزيران الماضي.

وأجرت اللجنة منذ تشكلها زيارات عدة إلى معظم المحافظات، وعقدت مشاورات ولقاءات مع مختلف الشرائح المجتمعية، كما التقت مع ممثلي النقابات والمنظمات المحلية، إضافة للاجتماع مع سفراء دول عدة تعزيزا لمبدأ الشفافية والاستفادة من مختلف التجارب الدولية بشأن الانتخابات التشريعية.

 

مقالات مشابهة