موقع 24:
2025-06-03@12:47:27 GMT

لبنان ما بعد «المقاومة»

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

لبنان ما بعد «المقاومة»

استولت مفردة «المقاومة» على الخطاب السياسي اللبناني لعقود طويلة، وزادت استفحالاً منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000. وما غيابها اللافت عن خطاب القَسَم الذي أداه الرئيس المنتخب جوزيف عون، إلا إيذاناً بالتبدل العميق الطارئ على علاقات الهيمنة التي حكمت ميزان القوة في لبنان.
يعلن غياب هذه «المفردة - الطوطم» عن انتهاء حقبة تحكَّم فيها تغول الميليشيا على الدولة والمجتمع.

قبلها خبر اللبنانيون اندثار عبارة «وحدة المسار والمصير» من الخطاب السياسي، وهي الأخرى تميمة سياسية فرضها النظام السوري الساقط لتثبيت هيمنته غير الشرعية على لبنان.
فاللغة، في سياق العلاقات السياسية، أداة مركزية لصياغة السلطة وترسيخ الهيمنة، وهو ما تدركه، بوعي حاد، الآيديولوجياتُ المغلقة، التي تتحكم في المفردات والمفاهيم بغية التحكم في الواقع نفسه. عبر مفردات محددة أو عبارات مقتضبة في الغالب، تهيمن سلطة ما على القاموسَيْن السياسي والاجتماعي؛ لإعادة تشكيل الوعي الذي به يُفهم العالم وتُفهم علاقاته، أياً يكن زيف هذا الواقع المفروض.
مَن يسيطر على الكلمات يسيطر على السردية، مما يجعل من عملية تفكيك الشعارات والكلمات التي تستخدمها الآيديولوجيات المغلقة عمليةَ تحريرٍ للوعي، وتبديدٍ للهيمنة، وإعادةِ تشكيل لعلاقات القوة في لحظة سياسية ما. وبالتالي، ما كان لهذا المنحى السياسي، الذي انطوى عليه خطاب القَسَم الرئاسي، أن يصير واقعاً من دون التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلاها من حرب غير مسبوقة على غزة ولبنان، أدت إلى تحطيم «حماس» و«حزب الله»، ومهدت لسقوط نظام الأسد في سوريا وخروج إيران منها ومن عموم المشرق!
يدرك «حزب الله» أن الضربة التي تلقاها ليست مجرد هزيمة عسكرية أو سياسية، بل نقطة تحول في مسيرته أفقدته ما تبقى له من شرعية في الداخل اللبناني، وأعجزته عن تبرير وجوده المسلح.
فشلُ ما تسمى «المقاومة» في حماية لبنان لم يكن مفاجئاً لمن شككوا منذ البداية في هذا الادعاء، لكنه أصبح اليوم حقيقة مكشوفة حتى أمام بيئة «حزب الله» نفسها. هذه البيئة، التي تحملت أفدح الخسائر بسبب ارتباطات «الحزب» الإقليمية وحروبه بالوكالة، تجد نفسها الآن في مواجهة مباشرة مع الميليشيا التي زعمت حمايتها، بعد أن أدركت أن تكلفة الولاء لها تتجاوز المكاسب الموعودة، وأنها، في الواقع، أولى ضحايا المشروع الذي يدّعي تمثيلها.
أتاحت هذه الأحداث الإقليمية التاريخية واللبنانية غير المسبوقة الفرصة لخطاب لبناني شبه مكتوم، لطالما كان يمثل رغبة شعبية عميقة قمعتها الهيمنة السياسية والآيديولوجية لـ«حزب الله»، أن يتحول إلى خطاب عام ورسمي تحت قبة البرلمان. فما عبّر عنه الرئيس جوزيف عون، هو في جوهره صوت اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بالشعارات الزائفة وأعباء المقاومة المزعومة. هذا ما جعل من انتخابه أكثر من مجرد حدث سياسي، بل استجابة لحاجة لبنانية ملحّة إلى قيادة قادرة على إعادة بناء المؤسسات، واستعادة الثقة الداخلية والخارجية، وإخراج لبنان من أزمته الوجودية.
ثمة قناعة لبنانية عارمة بأن لبنان أمام فرصة حقيقية للتعافي؛ إنْ كان لجهة إعادة إعمار ما هدمته الحرب الأخيرة، أو استعادة كفاءة الإدارة والقضاء، أو خفض الاستقطاب المذهبي الذي غذّاه «حزب الله» بالتحالف مع «الحالة السياسية المرضية» التي مثلها التيار العوني، أو، وهذا الأهم، تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات واستعادة لبنان موقعه في المنطقة، بعيداً من التخندق الإقليمي.
بيد أن التحديات التي تواجه عهد جوزيف عون هائلة ومعقدة. أول هذه التحديات هو استكمال تفكيك البنية العسكرية لـ«حزب الله»، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وحسم انتقال لبنان دون مواربة إلى عصر جديد هو عصر «الشرق الأوسط منزوع الميليشيات».
ثانياً: إعادة بناء الثقة الشعبية والإقليمية والدولية بمؤسسات الدولة التي تعرضت للتآكل نتيجة سنوات من الفساد والهيمنة الطائفية. يمهد هذا البند لتفكيك بنية العصابة التي نهبت البلاد، ويفتح الباب أمام المعالجات الجادة للأزمة الاقتصادية والمالية بدعم إقليمي ودولي، ويضمن استكمال الانسحاب الإسرائيلي التام من لبنان والاستعادة الكاملة لسيادته.
ثالثاً: إعادة ترتيب الواقع السياسي الداخلي في لبنان لإجراء انتخابات نيابية عام 2026، يؤمل أن تعكس التوازن السياسي الجديد في البلاد من دون أي إقصاء أو غلبة تمهد لإحياء التوترات الأهلية وتآكل سنوات الرئاسة.
مرة أخرى، أعلن انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان بشكل واضح عن دخول البلاد في مرحلة جديدة، وترجم داخل مؤسسات النظام السياسي، بقوة الضغط الإقليمي والدولي، رفضاً شعبياً وسياسياً لكل ما يمثله «حزب الله».
هي فرصة غير مسبوقة للتحرر من الإرث الذي أرهق لبنان لعقود، منذ «اتفاق القاهرة 1969» الذي شرع البلاد أمام سلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى حرب الإسناد التي أعلنها «حزب الله» منفرداً في 8 أكتوبر 2023. وهي بداية جديدة تُمهّد الطريق لإعادة بناء دولة سيادية ديمقراطية حديثة، تخرج من «شرق أوسط الدمار والحروب» إلى «شرق أوسط الاقتصاد والتنمية والتكامل والسلام».

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله جوزیف عون حزب الله

إقرأ أيضاً:

صحيفة تتحدث عن وهم انهيار حزب الله اللبناني.. تكتيكات مختلفة

تحدثت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عمّا وصفته "وهم" انهيار حزب الله، وذلك في أعقاب الحرب الإسرائيلية المدمرة، واغتيال قيادات وزانة في الحزب بينهم الأمين العام حسن نصر الله.

وقالت الصحيفة في مقال لمحررها المختص بالشؤون الإسرائيلية علي حيدر: "لم تنتهِ الحرب على لبنان بإعلان وقف إطلاق النار، بل دخلت مرحلة جديدة بوتيرة وتكتيكات مختلفة، في مؤشر واضح على الإقرار بعدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية، رغم الضربات القاسية وغير المسبوقة التي ألحقتها بحزب الله".

وتابعت: "كما كشفت عن مخاوف جدية في واشنطن وتل أبيب من استكمال حزب الله نهوضه من جديد. ولا ينفصل عن هذا السياق ما أعلنه رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، في جلسة تقييم في المنطقة الشمالية، بحضور قائدها اللواء أوري غوردين وضباط آخرين، بأن المعركة ضد حزب الله لم تنتهِ بعد، وسنواصل ملاحقته وإضعافه حتى انهياره".

وذكرت أنه "مع عدم إغفال أن مواقف كهذه تهدف إلى تعزيز الشعور بالأمن لدى مستوطني الشمال، إلا أنها بالتأكيد تندرج في سياق استراتيجي، وتُعبِّر عن خيار عملياتي يعكس تقييماً إجمالياً لنتائج الحرب، وطموحاً لتحقيق ما لم يتحقق منها".

وأردفت بقولها: "هي تأتي في ظل سياق إقليمي أوسع، من أهم معالمه التحول الاستراتيجي التاريخي الذي شهدته سوريا. إذ إن النظام الجديد لم يُخفِ بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد نيّته التقارب مع الغرب، وتبني أولوياته الاستراتيجية في المنطقة، خصوصاً حماية أمن إسرائيل، واعتمد خطاباً سياسياً يُسهم في إحكام الطوق السياسي وغير السياسي على المقاومة الفلسطينية، وقطع - كما هو متوقع - خطّ إمداد المقاومة في لبنان، مع عمقها الاستراتيجي في إيران. وهذا كان أولوية ملحة للولايات المتحدة وإسرائيل ومطلباً أساسياً من سوريا على مدى عقود".



وأشارت إلى أن "المعلم الآخر الذي لا يقل أهمية في التحولات الإقليمية، في أعقاب الحرب، إنتاج سلطة سياسية جديدة تبنّت خطاباً علنياً ضدّ المقاومة وسلاحها، وطالبت بنزعه تحت عنوان حصرية السلاح، متجاهلةً الخطر الإسرائيلي الذي يُهدّد حاضر لبنان ومستقبله. وبدلاً من دعم إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، لجأت هذه السلطة إلى ابتزاز بيئة حزب الله، بمنع وصول المساعدات الإيرانية والعراقية، وربط إعادة الإعمار بالخضوع للمطالب الإسرائيلية".

ونوهت إلى أنه "رغم الاندفاعة العسكرية والإدارة الأمريكية المباشرة لاستمرار الحرب، يواجه العدو الإسرائيلي عقبات مُعقّدة ومُركّبة تجعل إضعاف حزب الله حتى انهياره، أقرب إلى الطموح منه إلى الهدف القابل للتحقق، لأسباب عدة".

وأوضحت أن "السبب الأول يتعلق بأن حزب الله يتسم بأنه لا يخضع لنمط عسكري تقليدي، بل هو كيان مرن ولا مركزي، ومتداخل مع مجتمعه وبيئته، ما يُصعّب على إسرائيل توجيه ضربة قاضية تؤدي إلى انهيار تنظيمه. وبرزت أهمية هذه الميزة في الحرب، فرغم حجم الضربات الهائلة والمفاجئة، واصلت القيادة الجديدة إدارة الحرب ونجحت في احتواء تداعيات الضربات السابقة، وإعادة النهوض لمواجهة العدو في مسار تصاعدي حتى اليوم الأخير".

وتابعت: "ثانيا ما يُميّز حزب الله عن غيره من القوى، أنه يُعبّر عن الهوية الثقافية لمجتمعه، في مواجهة المخاطر الخارجية والداخلية. ولذلك هو ليس حالة منفصلة عنه، بل جزء من الحياة اليومية لمجتمعه، في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع ومناطق أخرى. ويعني ذلك أن ضرب المقاومة هو ضرب لنسيج اجتماعي وليس فقط لأفراد مُحدّدين، ما يُعقّد المهمة الإسرائيلية".

أما السبب الثالث بحسب الصحيفة، فقد "أظهرت الأيام أنه وعلى الرغم من الضربات القاسية التي تعرض لها مجتمع المقاومة، إلا أنه لا يزال يلتف حولها بمستويات فاجأت كل خصومه. وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة مُفصّلة، كونها تُعبّر عن وعي هذا المجتمع للمخاطر المُحدقة به داخليا وخارجيا. ما ساعد على مواجهة كل عمليات التضليل والحرب النفسية. وجاء تشييع الأمينين العامَّين السابقين لحزب الله، السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، لتعكس هذه الخلاصة، كما هو الحال مع الموجات الشعبية التي اتجهت نحو المناطق المُحتلة قبل مرور مهلة الـ60 يوما، وصولاً إلى نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة".

وشددت الصحيفة على أنه "لا يستطيع المراقب، تجاهل الدور الرئيسي للعقيدة التي تحملها المقاومة وبيئتها ودورها في تثبيتها وتصميمها. وهي عنصر يضاف إلى الوعي السياسي ما يضمن وجهتها نحو حماية شعبها ووطنها. ونجح العنصر العقائدي في أن يصبح عامل تحييد لمفاعيل الكثير من أدوات التدمير والإجرام التي ترتكز عليها عقيدتي الردع والحسم في جيش العدو".

ولفتت إلى أن "حزب الله اتخذ خلال وبعد الحرب القاسية وجهة عملانية دلت على تعلمه من الضربات القاسية، وهو باشر خطوات منها: البدء في إعادة هيكلته الداخلية خلال الحرب (..)".



وذكرت أن "أداء الولايات المتحدة وإسرائيل يكشف عن خشيتهما الظاهرة من أن يعيد حزب الله بناء قدراته العسكرية، خاصة وأنه كان ولا يزال يملك بنية تحتية واسعة جدا تُمكنه من هذا الخيار. ولذلك تتعامل تل أبيب وواشنطن وبعض أعداء المقاومة في الداخل بأن هناك وقتا محدودا لتأدية المهمة وتحقيق الأهداف. وبدأت تصدر في إسرائيل بعض التقديرات التي تحذر من أن عدم ردّ حزب الله على الضربات الإسرائيلية، هو جزء من خطة من أجل كسب المزيد من الوقت في إعادة تطوير قدراته العسكرية وملاءمتها مع المستجدات".

وبيّنت أن "حزب الله لجأ إلى استغلال الحرب، لأجل رفع مستوى الوعي إزاء المخاطر المحدقة بلبنان ومقاومته. وهو ما يترجم على شكل مطالب القاعدة من القيادة الجديدة، لجهة الاستفادة ممّا مضى، واستخلاص العبر".

وأكدت أنه أمام "انكفاء الدولة اللبنانية عن القيام بغالبية مهماتها تجاه شريحة واسعة من شعبها، أكد حزب الله التزامه مسؤولياته الاجتماعية. فواصل إمداد قواعده وبيئته بما أمكن من المقومات التي تخفف من المعاناة. ولا يخفى أن لهذا الأداء السلبي من قبل الدولة والإيجابي جداً من قبل حزب الله مفاعيله وتأثيره الكبير على مجمل المشهد في لبنان".

وختمت بقولها: "في الخلاصة، تضرر حزب الله عسكريا بعمق، لكنه لا يزال يمتلك بنية قتالية كامنة وفاعلة وقدرة على الرّد والدفاع، وهي في مسار تصاعدي. أما سياسياً، فحتى اللحظة، لم تنجح كل محاولات عزله وتجاوزه في الاستحقاقات والمحطات المفصلية. بينما لا يزال مجتمع المقاومة يرى فيه عامل الدعم اجتماعيا. لذلك، لا يكفي أن تطمح إسرائيل إلى انهيار حزب الله حتى يتحقق ذلك، لأنها ستصطدم بواقع معقد يُظهر أن الحزب أعمق من كونه بنية عسكرية. إنه كيان عقائدي، اجتماعي، سياسي، ويملك قدرة على التكيف والاستمرار".

مقالات مشابهة

  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • من عين التينة... سلام عن محمد رعد: أهلا وسهلا فيه وبالحزب
  • جشي: العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة
  • الحاج حسن ينتقد التركيز على سلاح المقاومة: أين السيادة من الجرائم الإسرائيلية؟
  • الخطيب: نحذّر ابناءنا من استعمال السلاح لانه ليس للداخل بل لمحاربة العدو
  • محمود أبو صهيب.. القلب الذي احتضن الجميع
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • امريكا ترفض ردّ “حماس” الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني
  • صحيفة تتحدث عن وهم انهيار حزب الله اللبناني.. تكتيكات مختلفة