دخلوها وصقيرا حام أو سيرة الولاء للأعنف
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
دخلوها وصقيرا حام أو سيرة الولاء للأعنف
خالد فضل
عندما حاول بعض مكوك الشايقية في شمال السودان مبارزة قوات إسماعيل ابن الباشا محمد علي ؛الحاكم التركي لمصر قبل مائتي عام تزيد قليلا من الآن، انهزموا أمام قوة العنف المتفوق الذي شكّلته الأسلحة النارية الحديثة وقتها . لم يعد في وسعهم (دخولها وصقيرا حام) فاستسلموا وانخرطوا في جيشه الغازي جنودا شرسين، نظير بعض الإمتيازات المادية كالإعفاء من الضريبة، ومن هنا نشأت أول المليشيات المتحالفة مع الجيش ؛ بغية الحصول على خدماتها نظير أجر مقطوع مادي أو معنوي .
الذين يدخلونها وصقيرا حام، في كل الأوقات وعلى تواصل سيرة المبارزات العنيفة إنما يخوضها جوعى ضد من هم أشد جوعا . الطبقات والجهات التي حصلت على بعض الإمتياز النسبي نتيجة تراكم خبراتها في موالاة الأعنف ؛منذ دخول الغزاة من الشمال ؛ وهي الدولة بقوامها المسلّح .تدخر أجيالها لثرث تلك الإمتيازات، المادية والمعنوية، وتمسك بخيوط مؤسسات العنف على مستوى القيادات، وفي القيادة فوائد ومخصصات تعين على مواصلة التعليم فوق الجامعي في أرقى جامعات الغرب (الكافر) ، أو إبتناء الفلل في الأحياء الراقية بالخرطوم، أو شراء العقارات في كوالامبور واستانبول . وفي الحرب الراهنة يبدو واضحا أنّ بعض الفئات المشاركة فيها إلى جانب هؤلاء لم تحز على شهادة البراءة أبدا، وفي كل حين يتم تسريب ما يشئ بإضمارها الخيانة رغم ضجيجها العالي بالولاء والبراء أو يشار إلى طمعها في إقتطاع حصة من كيكة السلطة، تلك السلطة المخصوصة وحولها سور مكتوب عليه ممنوع الإقتراب أو التصوير .
لقد كان لافتا في تصاعد وتيرة المظاهرات منذ ديسمبر2018م ضد السلطة الإسلامية الأعنف في تاريخ البلاد، أنّ ممارسة السلمية أثناء تلك المواكب كانت بدرجة حيّرت من تربوا على العنف . كانت عدوى السلمية تنتشر وسط الناس بسرعة، ويحاولون التخلص منها لأنّها جسم غريب على وجدان تشكّل على (فلترق كل الدماء) ,على مرّ العهود , وصار الولاء للعنف هو الرافعة في تولي المناصب ونيل الحظوة والمحاباة في جميع مجالات الحياة في ظل سطوة (المجاهدين) الأبرار .لقد كانت السلمية مدهشة بدرجة لم يتمكن العقل العنفي من استيعابها، فطفق ينسج المبررات لانتشار هذا الوباء الخطير، من ذلك أنّ السلميين هؤلاء شباب مهلوسين تحت تأثير المخدرات، أو شفاتة صعاليك (تُفْ) كما يردد ذلك الكومديان السمج من على منبر مسجده في الخرطوم .وأنّ البنيات السمحات ديل (مطلوقات) وعديمات وليان . هكذا كانت ردة فعل كثيرين، إمّا أصالة ؛ في حالة أعضاء تنظيم السلطة العنيفة والمؤلفة جيوبهم من أتباع، أو نيابة عنهم لمن يسير ضمن القطيع دون رشد أو تفكير . مع الأسف كشفت الحرب الراهنة عن الأصل لدى كثر ، وهو الإتباع بغير بصيرة، فترى من يتقافزون طربا وفرحا وشماتة وتشفيا عند كل ممارسة عنف مروعة متوحشة مصوّرة في المناطق التي يستعيد الجيش ومليشياته السيطرة عليها، إنّ بعض أؤلئك المهللين المكبرين وبعض المزغردات كانوا قبل أيام قليلة يظهرون ولاء للأعنف في منطقتهم وهي عناصر الدعم السريع ، الآن يغيرون بوصلة الولاء للأعنف من كتائب العمل الخاص والبراء ، وغدا إذا قُدّر لقوة أعنف الظهور سيتحول الولاء، وستظل مقولة القلب مع علي والسيف مع معاوية حاضرة، وهذه من طبائع النفاق .إنّ إظهار السرور بالإنتقام ممن انتهكوا الحقوق بهذه الطريقة المتوحشة يساوي في الحقيقة بين الضحية والجلاد . أم هو القصاص بمفهومه الإسلامي ؟ في هذه الحالة على من يتبنون هذا المفهوم أنْ يقبلوا برحابة صدر إذا تمّ وصف دينهم بالهمجية والتوحش . فالقصاص يعني تحقيق العدالة وأنْ ينال من أرتكب جرما عقوبته وفق إجراءات تقاضي معلومة وهذا هو أصل الإسلام . فهل الذبح والسحل في الشوارع قصاص أم إنتقام ؟ أ هو تحقيق لعدالة السماء أم تأكيد على ظلم الأرض وقذارتها .إنّ الأمر المفهوم هو تبادل القتل أثناء الإشتباك في الحروب، فماذا عن توالي التصفيات بعد فض الإشتباك ؟ إنّها جرائم وليست قصاص على كل حال ,ولغ فيها بعض المشاركين في القتال على الجانبين ,فاستحقا اللعنة والإدانة، هذا تقدير من أؤتي قلب سليم وعقل رشيد .
إنّ الحرب الراهنة ؛ أيا كانت نتائجها النهائية، يمكن أنْ تقود إلى مسارين : أولهما، النضج بما فيه الكفاية لإدراك أنّ بناء دولة تليق بالإنسان من حيث هو إنسان إنّما يحدث فقط بالتواطؤ على تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية السلمية ؛ فهي التي تحرر الناس من الولاء للأعنف فيضطرون تحت الخوف لتغيير ولاءاتهم للتماهي مع المنتصر ، إنّ العنف شبكة متداخلة يتخلص المرء من حلقة ليقع في براثن حلقة أخرى، وانتشار السلاح, عوضا عن إحتكاره بوساطة الدولة المدنية الديمقراطية المنضبطة بالقانون، مدعاة للتفكير المستقيم في المستقبل . فأطفالنا وصبياننا الذين أستنفروا للقتال مع هذا الجانب أو ذاك في قائمة المليشيات العديدة إنّما يتم تحطيم مستقبلهم تماما بوقوعهم بين قوسي (قاتل أو مقتول) إنّهم يترعرعون تحت تأثير الهلع المستمر، وتتشكل نفسيتهم على العنف القاتل، فيصبحون غدا مجرمين محترفين، تتلبسهم روح التحفز الدائم للعراك فينصرفون بغير إدراك عن آفاق الحياة وما تفيض به من ألوان الخير والجمال، مما ينشده دعاة السلام، أؤلئك الذين ينظر إليهم الآن كأعداء هم في الحقيقة أعداء للجهل والعنف والتشفي والإنتقام , هم أعداء بالفعل للقتل والنهب وكل إنتهاك من أي طرف جاء . الذين يسوقون الناس إلى مسار الولاء للأعنف يسوقونهم إلى ظلمات بدأت ملامحها تظهر للعيان مما لا يحتاج إلى برهان .وهنا يظهر المسار الثاني لنتائج الحرب، التربص على الهوية، القتل بالشبهات، الإستهداف على الجهة والعرق واللسان، عندما يتحول مجرد مزاح إلى معركة مكتملة السلاح، ساعتها لا بلد يحرر ولا حياة تعاش ولا أمل . سيدخلونها أفواجا ليحوم الصقير، أ ليس هذا مما تمجده الأهازيج في مجتمع يدين بالولاء للأعنف، ناجحه للعسكرية وفاشله للطورية عكس ناموس الحياة !!
الوسومالدولة العنف النهب خالد فضل مجرمين
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدولة العنف النهب خالد فضل مجرمين
إقرأ أيضاً:
الجعفراوي قبل استشهاده: أنا الآن في الجنة مع رفاقي الذين سبقوني
شارك على عامر الجعفراوى، شقيق صالح الجعفراوى، الذي استشهد أمس في غزة، وصية مؤثرة كتبها أخوه قبل مفارقته الحياة عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعى، عبّر فيها صالح عن ثباته وإيمانه بطريق المقاومة حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، القائل: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.” أنا صالح. أترك وصيتي هذه، لا وداعًا، بل استمرارًا لطريقٍ اخترته عن يقين.
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، عشتُ الألم والقهر بكل تفاصيله، وذُقت الوجع وفقد الأحبة مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، الحقيقة التي ستبقى حجة على كل من تخاذل وصمت وأيضا شرف لكل من نصر ودعم ووقف مع أشرف الرجال وأعز الناس وأكرمهم أهل غزة.
إن استشهدت، فاعلموا أنني لم أغب…
أنا الآن في الجنة، مع رفاقي الذين سبقوني؛
مع أنس، وإسماعيل، وكل الأحبة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
أوصيكم أن تذكروني في دعائكم، وأن تُكملوا المسير من بعدي.
تذكروني بصدقاتٍ جارية، واذكروني كلما سمعتم الأذان أو رأيتم النور يشقّ ليل غزة.
أوصيكم بالمقاومة…
بالطريق الذي سرنا عليه، وبالنهج الذي آمنا به.
فما عرفنا لأنفسنا طريقًا غيره، ولا وجدنا معنى للحياة إلا في الثبات عليه.
أوصيكم بأبي.. حبيب قلبي وقدوتي، من كنت أرى نفسي فيه ويرى نفسه في.. يا من رافقتني وقت الحرب بكل ما فيها .. أسأل الله أن نلتقي في الجنان وأنت راض عني يا تاج رأسي
أوصيكم بأخي ومعلمي ورفيق دربي ناجي،
يا ناجي… قد سبقتُك إلى الله قبل أن تخرج من السجن،
فاعلم أن هذا قَدَرٌ كتبه الله،
وأن الشوق إليك يسكنني،
كنت أتمنى أن أراك، أن أضمّك، أن نلتقي،
لكن وعد الله حق، ولقاؤنا في الجنة أقرب مما تظن.
أوصيكم بأمي…
يا أمي، الحياة بدونك لا شيء.
كنتِ الدعاء الذي لا ينقطع، والأمنية التي لا تموت.
دعوتُ الله أن يشفيك ويعافيك،
وكم حلمت أن أراكِ تسافرين للعلاج، وتعودين مبتسمة.
أوصيكم بإخوتي وأخواتي،
رضا الله ثم رضاكم غايتي،
أسأل الله أن يسعدكم، وأن يجعل حياتكم طيبة كقلوبكم الرقيقة التي طالما حاولت أن أكون مصدر سعادةٍ لها.
كنتُ أقول دومًا:
لا تسقط الكلمة، ولا تسقط الصورة.
الكلمة أمانة، والصورة رسالة،
احملوها للعالم كما حملناها نحن.
لا تظنوا أن استشهادي نهاية،
بل هو بداية لطريقٍ طويلٍ نحو الحرية.
أنا رسول رسالةٍ أردت أن تصل إلى العالم - إلى العالم المغمض عينيه، وإلى الصامتين عن الحق.
وإن سمعتم بخبري، فلا تبكوا عليّ.
لقد تمنّيتُ هذه اللحظة طويلًا، وسألت الله أن يرزقني إياها
فالحمد لله الذي اختارني لما أحب.
ولكل من أساء إلي في حياتي شتماً أو قذفاً كذباً وبهتاناً أقول لكم ها أنا أرحل إلى الله شهيدا بإذن الله وعند الله تجتمع الخصوم
أوصيكم بفلسطين…
بالمسجد الأقصى…
كانت أمنيتي أن أصل فناءه، أن أُصلّي فيه، أن ألمس ترابه.
فإن لم أصل إليه في الدنيا،
فأسأل الله أن يجمعنا جميعًا عنده في جنات الخلد.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.
سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة والمغفرة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم الشهيد بإذن الله، صالح عامر فؤاد الجعفراوي.