لو سألنا غير الموارنة من سائر المذاهب غير المارونية، مسيحيين ومسلمين، ماذا يعرفون عن الموارنة ودورهم في التاريخين القديم والحديث، وبالأخص بعد تأسيس لبنان الكبير بسعي من البطريرك الماروني الياس الحويك، لما استطاعوا أن يجدوا أفضل مما قاله عنهم الأرثوذكسي شارل مالك، الذي قال في مقدمة مقال شهير له: "يقول المسيح: إنّ من أُعطي كثيراً يطلب منه الكثير.
كان همّ مار مارون الوحيد مناجاة الخالق، في الليل والنهار، في الحرّ والبرد. لم يكن يهتمّ كثيرًا بأمور الأرض، ولم تكن مغرياتها تستهويه. عاش التجرّد حتى الاتحاد الكلي بمن آمن به مخلّصًا وحيدًا من الخطيئة والشرّ. وعلى مثاله سار وراءه كثيرون فكانوا بدورهم رسل سلام ومحبة. زرعوا الوعر قمحًا، وتفاحًا، وعنفوانًا، وكرامة. عاشوا متحدّين متكاتفين غير متناحرين. لم يكونوا سوى تلك الخميرة في عجنة العالم. لم تغوهم خيرات الأرض ومفاتنها. لم يهتمّوا بالسياسة وزواريبها ودهاليزها. لم يتنافسوا إلاّ على فعل الخير. لم يكونوا إلى السلطة ساعين، ولا إلى الجاه طامحين، ولا بالخيرات الزائلة والزائفة طامعين.
هؤلاء هم الموارنة، الذين فتّتوا الصخر، وطوعّوا الجبال الوعرة، وحوّلوها إلى جنائن عامرة بالخير والبركة. لجأوا إليها هربًا من الاضطهادات، فاستطابوا الإقامة. في تلك الجبال سكنوا، صلّوا، قاوموا، وعاشوا متحدّين ومتحدّين عوامل الطبيعة القاسية والغزاة. لم تكن الانانية قد غزت قلوبهم بعد. ولم يكن الطمع قد دخل قلوبهم وسيطر على عقولهم. لم تكن الشهوة إلى السلطة قد أعمت بصيرتهم وبصرهم. لم يكن الحقد قد وصل إلى قلوبهم. كانوا أنقياء كثلوج جبال الأرز. كانوا ثابتين في الأرض، التي أسقوها عرقًا ودمًا، كثبات الأرز.
ولكن، وبعد 1614 سنة على وفاة مار مارون أين هم اليوم هؤلاء الذين يحملون اسمه؟ ماذا يعرفون عن حياته، عن جهاده، عن تجرّده، عن تعاليمه، عن وصاياه، عمّا كان يحلم به، وعمّا كان يتطلّع إليه، وعن دوره في هذا الشرق، أرض الرسالة والقداسة؟
أين هم اليوم من كل هذا؟
هم اليوم منقسمون، مشتّتون، تائهون. لا يعرفون ماذا يريدون. ولماذا يحملون اسم هذا القديس العظيم. فهم وحدهم من بين شعوب الأرض قاطبة يحملون اسم قدّيسهم.
كلام قد لا يعجب كثيرين من الذين يدّعون بأنهم يحملون إرث مار مارون، ولكنه كلام حقّ هو، مع أنه محزن بما فيه من واقعية.
ويكفي أن يقول الرئيس نبيه بري وهو مغادر القصر الجمهوري بالأمس "هي بركات وشفاعة مار مارون ستشكل الحكومة". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مار مارون لم یکن
إقرأ أيضاً:
قداسة البابا لاون من بعبدا: صمود اللبنانيين شهادة حيّة لصنّاع السلام
استهلّ قداسة البابا لاون الرابع عشر، زيارته التاريخية إلى لبنان بلقاء جمعه مع أعضاء السلك الدبلوماسي، وممثلي المجتمع المدني في القصر الجمهوري، ببعبدا، حيث قدّم رسالة قوية تمحورت حول شعار الزيارة الرسولية: "طوبى لصانعي السلام".
طوبى لصانعي السلاموخلال كلمته، ركّز الحبر الأعظم على ثلاث سمات أساسية تميز صانعي السلام في عالم اليوم، وفي مقدّمتها صمود الشعب اللبناني، الذي وصفه بقدرته الاستثنائية على "الولادة من جديد بشجاعة"، معتبرًا هذا الصمود علامة مميّزة لصانعي السّلام الحقيقيّين.
ودعا الأب الأقدس إلى تعزيز ثقافة الرجاء، والعمل المشترك، مشدداً على أن السلام لا يتحقق إلا عبر إصرار الشعوب على النهوض من الأزمات، وتجاوز الألم بإرادة الحياة.
وتأتي هذه التصريحات في مستهل زيارة قداسة البابا لاون الرابع عشر تُوصف بأنها مفصلية، لما تحمله من رسائل دعم وتشجيع للبنان في مرحلة دقيقة من تاريخه.