كيف قرأ اليمنيون سقوط حضرموت بيد الانتقالي؟ (تقرير)
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
تُعد أحداث السيطرة على محافظة حضرموت من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً اليوم الأربعاء نقطة تحول هامة في خضم الأزمة اليمنية، مما يثير المقارنات مع سيناريو سقوط العاصمة صنعاء في أيدي الحوثيين عام 2014.
في كلتا الحالتين، يبدو أن سرعة الأحداث وغموضها، إضافة إلى عوامل سياسية ولوجستية معقدة، أدت إلى تحقيق سيطرة سريعة من قبل طرف مسلح على منطقة ذات أهمية استراتيجية، في إطار أجندات مشبوهة لدول إقليمية.
وفي وقت سابق اليوم سيطرت عناصر المجلس الانتقالي، على مدينة سيئون ومطارها الدولي في وادي حضرموت، عقب انسحاب قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة الشرعية، في ظل صمت رسمي من المجلس الرئاسي والحكومة والسعودية والإمارات أيضا.
وقال المجلس الانتقالي، إن إطلاق عملية عسكرية ضد مواقع القوات الحكومية في المحافظة تحت اسم "المستقبل الواعد"، جاءت بعد ما سماه "استنفاد كافة الخيارات المطروحة مسبقاً لإعادة الاستقرار" في المحافظة.
وزعم المجلس في بيان أن الهدف من العملية ضد قوات الجيش هو "استتباب الأمن وإعادة السيطرة على المناطق الحيوية"، كما زعم أن "قوات الجيش اليمني التي تمت إزاحتها اليوم كانت – الرئة التي يتنفس منها الحوثي والإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتستغل مواقعها للنفوذ والتربح بعيداً عن مصالح الوطن والمواطن.
وكانت مدينة سيئون ومديريات أخرى في الوادي تخضع لسيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، قبل أن يشهد وادي حضرموت تطورات متسارعة خلال الأيام الماضية عقب الدفع بقوات الانتقالي إلى المحافظة، وتوسع قوات حلف قبائل حضرموت في مناطق النفط ضمن صراع النفوذ في أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالثروات.
ووصل وفد عسكري أمني سعودي رفيع إلى مدينة المكلا عاصمة المحافظة، برئاسة رئيس اللجنة الخاصة بالمملكة العربية السعودية اللواء الدكتور محمد عبيد القحطاني، والتقى بالمحافظ سالم الخنبشي، وقائد المنطقة العسكرية الثانية، وذلك لمناقشة مستجدات وتطورات الأوضاع في حضرموت.
وقال القحطاني إن زيارة الوفد السعودي جاءت بتوجيهات من قيادة المملكة للوقوف على أوضاع حضرموت، مشددًا على حرص المملكة والتحالف العربي على منع انزلاق الأوضاع إلى أي مسار لا يخدم أمن حضرموت واستقرارها، لافتًا إلى المكانة الخاصة التي تحظى بها حضرموت لدى قيادة وشعب المملكة، وإلى ما يجمع الطرفين من علاقات اخوية واجتماعية وروابط ممتدة وحدود مشتركة.
وأكد القحطاني أن التحالف العربي جاء من أجل دعم الشرعية في اليمن وتحقيق تطلعات الشعب اليمني، مجددًا التأكيد على دعم المملكة الكامل لأمن واستقرار حضرموت في كل شبر من أراضيها، ودعم جهود التنمية والبناء.
وأضاف "جئنا لنؤكد وقوفنا مع السلطة المحلية في حضرموت ونجدد دعمنا للشرعية في اليمن، ونساند كل من يسعى إلى تعزيز استقرار اليمن وحضرموت على وجه الخصوص" ونؤكد رفض ما حدث مطالبا بخروج اي قوات عسكرية او عناصر امنية وصلت من خارج حضرموت.
ويرى مراقبون أن ما يجري اليوم ليس أحداثاً عشوائية، بل نتيجة تفاهمات سعودية–إماراتية سابقة، بينما أصبح اليمنيون مجرد أدوات في صراع الآخرين، يدفعون الثمن ويُزجّ بهم كوقود لحروب ليست حروبهم، بعد أن فُقد القرار السيادي والوطني بشكل كامل.
في تقرير رصده "الموقع بوست" يستشرف فيه قراءات اليمنيين لعملية إسقاط حضرموت بيد مليشيا الانتقالي، وفيما ويعكس قرارًا إقليميًا حُسم منذ أيام.
وفي السياق اعتبر السياسي هاني البيض نجل الرئيس الأسبق علي سالم البيض إن "سقوط المنطقة العسكرية الأولى اليوم يمثل نهاية مرحلة كاملة في وادي حضرموت، ويعكس قرارًا إقليميًا حُسم منذ أيام".
وقال "كانت هناك لحظة توافق صامتة تلاقت فيها عوامل عديدة، فغياب الممانعة الإقليمية وتراجع تحفظ الشرعية، إضافة إلى تراكم مطالب أبناء المحافظة وضغطهم المشروع مهد لواقع جديد، وفي هذا السياق استطاعت ما سماها "القوات الجنوبية" أن تُثبت حضورها بثبات ضمن المعادلة المتشكلة".
وأضاف البيض "أعتقد المطلوب الآن إدارة هادئة تُعلي مصلحة حضرموت وتمنع أي فراغ أو انزلاق، وتضمن انتقالًا منضبطًا نحو ترتيبات أكثر عدلًا وتمثيلًا لإرادة أهلها".
وأكد أن حضرموت يجب أن تكون أكبر من صراعات النفوذ، وإرادة أبنائها يجب أن تكون الكلمة الفاصلة في واديها وساحلها وصحرائها".
من جانبها اختصرت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التطورات في حضرموت بالقو "الذين يستغربون من إسقاط السعودية لسيئون مجرد أغبياء، والمتغطي بالسعودية مجرد أهبل، من البلية أن يخوض بالشأن العام".
من جهته قال الكاتب الصحافي عامر الدميني "كان ثمن حضرموت مليار دولار من الإمارات، وهو ما أعلن عنه رئيس الحكومة بعدن، وسفير الإمارات قبل أيام من اجتياح حضرموت".
وأضاف "سقطت المحافظة أو جرى تسليمها، ثم جاءت السعودية لتطبع الأوضاع. يعني باختصار تبادل أدوار: الإمارات تشعل النار، السعودية تهدئ لاحقا، والانتقالي ينفذ والعليمي يبتلع لسانه، وكلهم حققوا مكاسبهم، ماعدا اليمن فإنه يخسر".
رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية عبدالكريم السعدي قال "من يظنون أن كل ما حدث في حضرموت كان لإسقاط المنطقة العسكرية الأولى فهم واهمون وغارقون في جهالتهم. فإن كان هناك حقيقة سقوط، فالتي سقطت هي حضرموت التي سقطت وإلى الأبد عن الجسد الجنوبي بسبب رعونة البعض الجنوبي واستسلامهم للدفع الإقليمي دون تمييز أو دراسة أو اعتراض"!!
وأكد أن إسقاط المنطقة العسكرية الأولى أو إبعادها عن حضرموت لم يكن يحتاج لكل هذه الحشود وكل هذه الخسائر وكل هذا التمزيق الذي لحق بالجسد الجنوبي المثخن بالجراح أصلاً، بل كان يحتاج فقط إلى قرار من التحالف يُملى على القائم بدور وزير الدفاع في سياق فصول المسرحية الهزلية التي يعيشها جنوب وشرق اليمن، يقضي بإعادة تموضع القوات، خصوصاً أن تلك القوات تخضع للتحالف وتأتمر بأمره.
وأضاف "الحقيقة أن التحركات جاءت على خلفية تنافس طرفي التدخل في اليمن، الرياض وأبوظبي، وجاءت لتنفيذ مخطط دولي يقضي باستكمال السيطرة على منابع الثروة والشريط الساحلي والممرات المائية في تلك المناطق، وحضرموت كانت حلقة من حلقات هذا المخطط بعد أخواتها اللاتي سبقنها".
وأردف القيادي الجنوبي "سيستمر مسلسل العبث السعودي الإماراتي في هذه المناطق المعلولة بعمالة بعض أبنائها، وستستمر معركة رفض الدولة ومؤسساتها، وتفريخ المليشيات وتوابعها. وغدًا سيكون موعدنا مع هدف جديد للمتنافسين الإقليميين، وطُعم جديد يُرمى للمتسكعين حول موائد أولئك المتنافسين. وستستمر عملية حشر الشعب في زاوية الخيارات الضيقة، بحيث لا يجد أمامه سوى الخيارات المُرة التي سيدفع ثمنها طرفا التدخل الرياض وأبو ظبي قبل أي طرف آخر".
بدوره قال المحلل السياسي ياسين التميمي "لا يجب أن ننخدع بما يدور في حضرموت، لا توجد معارك ولا مواجهات، ولم يتواجه الشمال مع الجنوب مطلقاً. المنطقة العسكرية الأولى أفرغت على المستوى القيادي وقوامها البشري من الغلبة الشمالية، منذ زمن مبكر، لم تكن حارسا للنفوذ الشمالي، ولم يكن الجنوب يخضع للهيمنة الشمالية منذ 2012 ".
وزاد "الذي يجري في حضرموت هو خلق واقع جديد يسمح بتسهيل التفكيك المبرمج لليمن وفق منطق الخديعة التي تدفع الآخرين إلى التفكير فقط بسوء تقدير قادة المشروع الوطني وعجزهم وربما فسادهم، بدلا من التفكير بالمخطط الذي جاء لتنفيذه التحالف العربي، الذي سمى نفسه "تحالف دعم الشرعية".
واستدرك "دع الانتقالي يحتفل بإنجازه في حضرموت وتكريس وهم تفوقه العسكري الخارق، لكن الحقيقة أن الأنظار ينبغي أن تتجه نحو الرياض وابوظبي، اللتين نفذتا عسكريا الجزء الأساسي من مخطط التفكيك وأنشأتا بناه المادية العسكرية، وأشرفتا على استكمال تنفيذه عبر التغطية السياسية والدستورية التي وفرها عبد ربه منصور هادي ومن بعده مجلس القيادة الرئاسي".
في حين قال الخبير في مجال الاتصالات محمد المحيميد "بودي أشتم الذين اهتموا بأخبار حضرموت، لأن ذلك دليل على أنهم لم يتعظوا من أحداث شبوة".
وأضاف "لكني أجلت الشتيمة لهم لساعة سيطرة الحوثي على كل البلاد في حال قرأت لأحدهم كلمة تعجب أو استنكار".
محمد عثمان، هو أيضا قال "هذه مرحلة تاريخية لقيطة في عمر اليمن. جيوش من المرتزقة، ونخب على استعداد لبيع كل شيء، وصولا إلى العِرض بجرة قلم خليجي وحفنة دراهم".
وقال "لم تمر على اليمن لحظة تاريخية دنيئة كهذه، ارتهان مطلق للخارج دون أن يكون للبلد رجل واحد يقول لا، ويقود وراءه ثائرين دونهم الوطن والعلم". مضيفا "سيلعن التاريخ هذه اللحظة، سيدرجها في قاع صفحاته، وكل شيء موثق بالصوت والصورة".
الكاتب والحقوقي توفيق الحميدي علق بالقول "ما حدث في صنعاء يُعاد في سيئون، نسخة طبق الأصل. الجيش يُهان، والعلم الوطني يُعامل كأنه تهمة. المشاريع الغريبة تُفتح لها الأبواب، أما كل ما هو يمني، فيُنظر إليه كخطر يجب التخلص منه.
وأضاف "تستمر لعبة الأشقاء في تفتيت ما تبقى من تركة الجمهورية والوحدة، لعبةٌ تُدار بتصفية مراكز القوة أكثر مما تُدار بمنطق بناء الدولة. وما كان لهذه اللعبة أن تمضي بهذا السهولة لولا أننا لم نعد أمةً ولا رجال مرحلة؛ لم نعد نليق باليمن الذي نحمله في خطاباتنا. صار الكرسي والمال والنفوذ وطنًا جديدًا، وصار من يملك منحها هو السيد، فيما تراجع اليمن نفسه إلى الهامش".
ويرى أن التخلص من المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت لم يكن “إخضاعًا” للمنطقة بقدر ما كان خطوة محسوبة لإعادة رسم خطوط السيطرة قبل أي اتفاق نهائي مع الحوثي".
وأضاف "بدا المشهد أقرب إلى هندسة نفوذ ممنهجة لا إلى معركة لاستعادة دولة، وإلى تصفية مراكز مقاومة قد تُربك التسويات المقبلة. عشر سنوات كاملة لم ننتج فيها صوتا حرا قادرا على قلب المعادلة، فصارت الجغرافيا تُعاد صياغتها بينما نقف على الأطراف كمتفرجين".
وتابع الحميدي بالقول "اليوم لم يبقَ على الخارطة سوى بقعتين غير مرغوب فيهما: مأرب وتعز. مدينتان يمثل بقاؤهما الحالي خللا في معادلة ما بعد الصفقة وعبئا على الترتيبات القادمة".
وقال السؤال الملحّ: هل حان دورهما للدخول في مرحلة “إعادة الترتيب” تحت مبررات محلية وإقليمية ودولية جاهزة، بحيث يُستكمل مشهد إعادة رسم اليمن بلا يمنيين، خطوة بعد أخرى، قبل الوصول إلى الاتفاق النهائي؟
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن حضرموت القوات الحكومية مليشيا الانتقالي السعودية المنطقة العسکریة الأولى فی حضرموت
إقرأ أيضاً: