تحليل بقلم كلير سيباستيان وتيم ليستر من شبكة CNN

(CNN)--  أثارت المكالمة الهاتفية "المطولة والمثمرة للغاية" التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مخاوف في أوروبا من إبرام "صفقة قذرة" لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط مواتية لموسكو دون مشاركة كييف.

وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الخميس، إن أوكرانيا لن تقبل اتفاق سلام تفاوضت عليه الولايات المتحدة وروسيا وحدهما، واعترف بأنه "لم يكن من اللطيف" أن يتحدث ترامب مع بوتين قبل الاتصال بكييف، مما أثار الشك في سياسة الغرب "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا" التي صمدت إلى حد كبير لأكثر من 3 سنوات من الغزو الروسي.

 ومنذ ذلك الحين، قال كل من ترامب ووزير دفاعه بيت هيغسيث إنهما يعتقدان أن المفاوضات ستشمل أوكرانيا، على الرغم من أن ترامب، عندما سأله أحد المراسلين، الأربعاء، عما إذا كان يرى أوكرانيا شريكًا متساويًا في مفاوضات السلام، أجاب فقط "هذا سؤال مثير للاهتمام".

وحذرت مسؤولة السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، من "الحل السريع" و"الصفقة القذرة" لإنهاء الحرب، قائلة إن أوروبا وأوكرانيا يجب أن تكونا على الطاولة المفاوضات لأنه لا يمكن تنفيذ أي اتفاق سلام بدون مشاركتهما.

وبالنسبة للدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يبدو المستقبل فجأة أكثر غموضًا. 

فمنذ تأسيس التحالف، اعتمدت أوروبا على المظلة النووية الأمريكية، ونشر قوات عسكرية أمريكية كبيرة في أوروبا وميزانية الدفاع الأمريكية الضخمة وخط أنابيب الأسلحة.

كانت مكالمة ترامب مع بوتين، وإعلانه اللاحق بأن المفاوضات ستبدأ فور التوصل إلى اتفاق في أوكرانيا، بمثابة صدمة للزعماء الأوروبيين وهددت بتركهم للعمل الشاق المتمثل في تمويل والإشراف على أي تسوية.

وبعبارة أخرى: ستبرم واشنطن الصفقة وقد تحصل على أموال من أوكرانيا في صورة معادن نادرة كما طالب ترامب، وستتحمل أوروبا التكاليف.

وأبلغ هيغسيث أعضاء الناتو في بروكسل أن القوات الأوروبية وغير الأوروبية ولكن ليس الأمريكيين سوف تضطر إلى مراقبة أي اتفاق بين أوكرانيا وروسيا.

 وكان هناك أيضا إنكار لتطلعات أوكرانيا للانضمام إلى التحالف، وقال هيغسيث إن واشنطن "لا تعتقد أن عضوية الناتو بالنسبة لأوكرانيا واقعية".

وأفاد مسؤول في الناتو في وقت لاحق أن "عضوية الحلف ليست بالضرورة شيئا يحتاج إلى التفاوض عليه مع روسيا، إنها مسألة قرار يتخذه الحلفاء وقد تم ربط هذا القرار بالوقت المناسب"، وأصر المسؤول على أن "موقف الحلف لم يتغير وأن أوكرانيا لا تزال على طريق العضوية".

"أي اتفاق خلف ظهورنا لن ينجح"

يكافح الأوروبيون، سواء في حلف شمال الأطلسي أو في الاتحاد الأوروبي، من أجل أن يسمع صوتهم بينما يركز ترامب على إبرام صفقة مع بوتين لإنهاء ما أسماه "إراقة الدماء بلا معنى في أوكرانيا".

وقالت كالاس إن "أي اتفاق خلف ظهورنا لن ينجح"، وأضافت أن "التهدئة تفشل دائمًا، لذا ستستمر أوكرانيا في المقاومة وستستمر أوروبا في دعم أوكرانيا".

وكان الحلفاء الغربيين مغرمين بشعار "لا تسوية في أوكرانيا بدون أوكرانيا"، وقد يتم توسيع هذا الشعار الآن ليشمل "بدون أوكرانيا وأوروبا".

 وقالت 6 حكومات أوروبية، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، في بيان مشترك يوم الأربعاء: "نتطلع إلى مناقشة الطريق إلى الأمام مع حلفائنا الأمريكيين يجب أن تكون أوكرانيا وأوروبا جزءًا من أي مفاوضات".

وفي حديثها لشبكة CNN يوم الخميس، أشارت وزيرة الدفاع الليتوانية دوفيلي شاكاليني إلى أن أوروبا قدمت لأوكرانيا 125 مليار دولار كمساعدات العام الماضي معظمها دعم مالي، و88 مليار دولار أمريكي، لذا أعتقد أننا كسبنا مكانًا على طاولة المفاوضات".

وشاكاليني ونظرائها في منطقة البلطيق، على حدود روسيا، قلقون بشكل خاص إزاء تطور الأحداث، وقالت إن هناك خيارًا واضحًا: "إما أن نقرر الوقوع تحت الوهم بأن ترامب وبوتين سيجدان حلاً لنا جميعًا، وسيكون ذلك فخًا مميتًا، أو سنحتضن، كأوروبا، قدراتنا الاقتصادية والمالية والعسكرية".

وأقرت شاكاليني بأن الولايات المتحدة كانت تاريخيًا "تدفع ثمن أمننا، وهذا يحتاج إلى تصحيح".

ولكن أمور مثل خطوط الإنتاج والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والتجنيد لا تحدث بين عشية وضحاها، كان هناك حديث مكثف منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا حول تكثيف الصناعات الدفاعية في أوروبا لكن هذه عملية تستغرق سنوات عديدة.

وقال رئيس شركة داسو الفرنسية العملاقة للدفاع، إريك ترابييه، لصحيفة فاينانشال تايمز، العام الماضي إن "أوروبا تعتقد فجأة أن العمل في مجال الدفاع أمر جيد، وبين هذا الإدراك وواقع بناء صناعة دفاع أوروبية، فإن أوروبا لا تزال في حاجة إلى المزيد من العمل الدفاعي".

وأضاف: "سوف يستغرق الأمر سنوات عديدة وحتى عقودًا عديدة".

وقد ردد هذه الكلمات يوم الخميس الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته: "نحن لا ننتج ما يكفي وهذه مشكلة جماعية، فروسيا تنتج ذخيرة في 3 أشهر، لكن التحالف بأكمله ينتج في عام واحد".

واشتكى مصنعو الأسلحة الأوروبيون أيضًا من عمليات صنع القرار الغامضة في بروكسل، حيث سعت المفوضية الأوروبية إلى دور أكبر بكثير في المشتريات.

ومن المتوقع أن تكون هذه الزيادة المفاجئة في الإنفاق في وقت من النمو البطيء والمالية العامة الضيقة.

لقد خلفت أحداث عام 1989، عندما انهار الاتحاد السوفيتي، إرثًا من تخفيضات الدفاع في الغرب والتي يتم عكسها الآن فقط.

كما لاحظ زيلينسكي هذا الأسبوع، فإن أوكرانيا وأوروبا لديهما عدد أقل من الرجال المسلحين مقارنة بروسيا.

 ويشك زيلينسكي في أن أوروبا أو قوة مراقبة أخرى وحدها قادرة على القيام بمهمة تأمين أي سلام.

وقال لصحيفة غارديان البريطانية:  "لا أعتقد أن أي قوات تابعة للأمم المتحدة أو أي شيء من هذا القبيل قد يساعد حقًا، نحن مع قوة (حفظ السلام) إذا كانت جزءًا من الضمانات الأمنية، وأود أن أؤكد مرة أخرى أنه بدون أمريكا هذا مستحيل".

ويخشى بعض الوزراء الأوروبيين أن يسيء ترامب فهم بوتين بشكل قاتل، وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الخميس، إنه يأسف لأن الإدارة الجديدة سحبت عضوية أوكرانيا المحتملة في حلف شمال الأطلسي من على الطاولة على الفور، وأضاف: "بوتين يستفز الغرب باستمرار ويهاجمنا مرة أخرى، إن الاعتقاد بأن التهديد سوف يتضاءل بالفعل بعد اتفاق السلام هذا سيكون ساذجا".

إن فرصتهم التالية للحلفاء لتعديل استراتيجية الإدارة أو استجوابها على الأقل ستكون في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا الأسبوع، والذي سيحضره نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس والمبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ.

هل تم تهميش أوروبا؟

إن موسكو، بطبيعة الحال، تتفاخر بتهميش أوروبا، وردا على سؤال من مراسل CNN الدولي الكبير فريد بليتجن في موسكو يوم الخميس، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "العديد من الناس في الغرب، بما في ذلك قادة الاتحاد الأوروبي، صُدموا عندما دارت محادثة بسيطة وعادية بين فردين مهذبين ومتعلمين".

قد يُسامح الأوروبيون الآن على إلقاء نظرة إلى الوراء إلى لحظات وجودية في تاريخهم الحديث.

وأحد هذه اللحظات هو اتفاق ميونيخ لعام 1938 الذي أعطى زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر حرية كاملة لمواصلة العدوان  ضد الحلفاء الذين لم يكونوا مسلحين ولا مستعدين للحرب ضد مجتمع مسلح بالكامل.

والآخر هو الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1968 الذي قمع "ربيع براغ"، وهو جهد لتحرير الاقتصاد هدد هيمنة موسكو على أوروبا الشرقية، تماماً كما اعتبر بوتين ميل أوكرانيا الحاد نحو الاتحاد الأوروبي تهديداً.

وفي ذلك الوقت، قال السيناتور الأمريكي هنري جاكسون لأعضاء البرلمان في حلف شمال الأطلسي إنه في حين لم يكن هناك خلاف كبير في الولايات المتحدة حول قيمة الحلف الأطلسي، إلا أن هناك "شعوراً واسع النطاق في بلدي بأن العديد من الأوروبيين أقل اهتماماً بأمن أوطانهم منا".

وأضاف: "بالنسبة للعديد من الأمريكيين، بدا الأمر وكأن أوروبا الغربية المزدهرة لا تقدم مساهمة متناسبة بشكل معقول في الجهود الدفاعية المشتركة، وأنا مقتنع بأن حيوية التحالف في المستقبل تعتمد إلى حد كبير على درجة ونوعية الجهود الأوروبية للحفاظ على قوة حلف شمال الأطلسي".

وبعد مرور نصف قرن، أصبحت مطالب إدارة ترامب بأن يصل الأعضاء الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي، الذين كافح العديد منهم للوصول إلى هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 4 أو 5% ــ (وهو مستوى أعلى حتى من الولايات المتحدة) وتتجاوز هذه المظلة الأمنية.

أمريكاأوكرانياروسياالأزمة الأوكرانيةالإدارة الأمريكيةالحكومة الأوكرانيةالحكومة الروسيةالناتودونالد ترامبفلاديمير بوتيننشر الجمعة، 14 فبراير / شباط 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الأزمة الأوكرانية الإدارة الأمريكية الحكومة الأوكرانية الحكومة الروسية الناتو دونالد ترامب فلاديمير بوتين فی حلف شمال الأطلسی الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة فی أوکرانیا أی اتفاق

إقرأ أيضاً:

فرنسا تندد باتفاق ترامب وبروكسل وتصفه بـاليوم الأسود لأوروبا.. صفقة الإذعان

أثار الاتفاق التجاري الذي أُبرم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أول أمس الأحد في منتجع ترامب باسكتلندا، عاصفة من الجدل داخل أوروبا، حيث وصفه رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، بأنه "يوم أسود" في تاريخ الاتحاد، متهما بروكسل بالاستسلام لابتزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وقال بايرو في منشور عبر منصة X (تويتر سابقًا): "إنه يوم أسود عندما يرضخ تحالف شعوب حرة، توحدها القيم والمصالح المشتركة، ويستسلم للخضوع".

ويفرض الاتفاق إطارًا جديدًا للتجارة بين الطرفين، يتضمن رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على معظم الصادرات الأوروبية إلى 15%، أي ما يفوق بثلاثة أضعاف المعدل الحالي البالغ 4.8%. وقد جاء الاتفاق قبل أيام من الموعد النهائي الذي حدده ترامب في الأول من أغسطس لفرض رسوم عقابية بنسبة 30%، مما دفع بعض القادة الأوروبيين إلى اعتباره "الحد الأدنى الممكن لتفادي الأسوأ".

انقسام أوروبي.. ترحيب ألماني ـ إيطالي وغضب فرنسي

في حين عبّر المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن ترحيبهما الحذر بالاتفاق، معتبرين أنه جنب القارة "حربًا تجارية مدمرة"، التزمت باريس موقفًا أكثر حدّة، وبدت بوادر الانقسام داخل الاتحاد واضحة، لا سيما في ظل صمت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن التعليق.

وقال ميرتس إن الاتفاق "جنّب أوروبا والولايات المتحدة تصعيدًا لا طائل منه"، رغم إقراره بأن الاقتصاد الألماني سيتكبد "أضرارًا كبيرة". أما ميلوني، فتحدثت من أديس أبابا، قائلة إن الاتفاق "تفادى عواقب كارثية محتملة"، لكنها أضافت أن "روما ستدرس التفاصيل بعناية".

أما رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، فعبّر عن دعم مشوب بالتحفظ، قائلًا: "أؤيد الاتفاق، لكن دون حماسة".

تأثيرات اقتصادية فورية.. ورد فرنسي يدعو للرد بالمثل

شهدت الأسواق الأوروبية ارتفاعًا أوليًا بعد إعلان الاتفاق، لكن سرعان ما تراجعت المؤشرات مع صدور الموقف الفرنسي الرافض، وأغلقت بورصات باريس وفرانكفورت على انخفاض. كما تراجع اليورو بنسبة 1% أمام الدولار.

من جهته، دعا وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي، بنجامين حداد، إلى تفعيل "أداة مكافحة الإكراه" الأوروبية، التي تتيح الرد بوسائل غير جمركية على الضغوط الأمريكية. بينما شنّ وزير التجارة الفرنسي، لوران سان ـ مارتان، هجومًا لاذعًا على المفوضية الأوروبية، قائلاً إن ترامب "لا يفهم إلا لغة القوة"، وأضاف: "لو أبدينا استعدادنا للرد منذ البداية، لكان الاتفاق مختلفًا تمامًا".

من الخاسر ومن الرابح؟

تُعفى بعض القطاعات الأوروبية من الرسوم الجديدة، من بينها مكونات الطائرات وبعض الكيماويات والمعدات الخاصة بأشباه الموصلات، بالإضافة إلى منتجات زراعية محددة مثل الفلين المستخدم في زجاجات النبيذ. كما ستبقى صادرات الأدوية الأوروبية خاضعة لإعفاء مؤقت، في انتظار نتائج تحقيق أمريكي بشأن الأمن القومي في قطاع الأدوية.

لكن وفقًا لمسؤولين أوروبيين، فإن 70% من الصادرات الأوروبية إلى السوق الأمريكية ستخضع للرسوم البالغة 15%، ما يُنذر بأثر سلبي على قطاعات حيوية، خاصة في فرنسا وألمانيا.

صفقة على أرض ترامب.. ورسالة لبروكسل

اللافت أن الاتفاق تم توقيعه في صالة احتفالات داخل منتجع ترامب في اسكتلندا، في مشهدٍ ينظر إليه كما لو أنه رسالة رمزية عن توازنات القوة الجديدة بين واشنطن وبروكسل. فقد بدا أن الرئيس الأمريكي قد نجح في فرض إيقاعه على أوروبا، مجبرًا إياها على توقيع اتفاق يشبه "التراجع تحت الضغط".

في ظل هذا السياق، قد يكون ما وصفه رئيس الوزراء الفرنسي بـ"يوم أسود"، ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل إنذار مبكر بانقسام أوروبي أعمق، وسط عالمٍ يتغير بسرعات لا ترحم

مستقبل العلاقات عبر الأطلسي في ظل عودة ترامب.. تحالف أم تبعية؟

الاتفاق التجاري الجديد بين واشنطن وبروكسل، الذي وُقّع تحت ضغط تهديدات ترامب، لا يُعد فقط فصلًا جديدًا في مسلسل التوترات الاقتصادية بين الطرفين، بل يشير إلى تحوّل عميق في طبيعة العلاقة عبر الأطلسي، من شراكة قائمة على القيم والمصالح المشتركة، إلى علاقة اختلال ميزان قوى تفرض فيها واشنطن إملاءاتها تحت تهديد العقوبات.

في عام 2020، تنفّست أوروبا الصعداء بخروج ترامب من البيت الأبيض، لكن عودته قد بدأت تُظهر أثرًا مباشرًا على أداء المؤسسات الأوروبية، حيث اندفعت بروكسل لعقد اتفاقية تجارية دفاعية، في مشهد أشبه بـ"شراء وقت" أكثر من كونه اتفاقًا استراتيجيًا طويل الأمد.

من التعددية إلى التفرد

في عهد ترامب، يُعاد تشكيل المنظومة الدولية على قاعدة "أمريكا أولاً" بأدوات جديدة أكثر صرامة. فبدلاً من فرض الإرادة عبر الحروب أو الهيمنة العسكرية، باتت الرسوم الجمركية سلاحًا اقتصاديًا فعالًا يُستخدم للضغط على الحلفاء قبل الخصوم.

وهنا تبرز أزمة التعددية الأوروبية: هل تستطيع بروكسل تشكيل جبهة موحدة في مواجهة إدارة أمريكية عدوانية اقتصاديًا؟ أم أن الانقسامات الداخلية ـ كما ظهر في المواقف المتباينة من الاتفاق ـ ستُضعف قدرتها على التفاوض، وتُحوّلها إلى تابع اقتصادي لواشنطن؟

الموقف الفرنسي الرافض لا يعكس فقط حساسية باريس تجاه السيادة الاقتصادية، بل يُلمح أيضًا إلى تحذير مبكر من تبعات المضي في طريق "إرضاء ترامب". ففرنسا تدرك أن التنازلات اليوم قد تعني مطالب أكبر غدًا، سواء في ملفات الطاقة أو الدفاع أو حتى السياسة الخارجية.

يبدو أن القارة العجوز مقبلة على حقبة جديدة من الضغوط الأمريكية في ظل عودة النزعة القومية إلى واشنطن. وفي هذا السياق، سيكون أمام أوروبا خياران:

1 ـ تعزيز الاستقلالية الإستراتيجية عبر أدوات مثل “أداة مكافحة الإكراه” وتطوير سياسات حمائية ذاتية أكثر جرأة؛

2 ـ أو الاستسلام للتوازنات الجديدة، مع ما يحمله ذلك من فقدان للهيبة والمكانة على المسرح الدولي.

اتفاق الأحد لم يكن مجرد تسوية جمركية، بل اختبارًا حقيقيًا لمدى نضج أوروبا كوحدة سياسية واقتصادية مستقلة. وفي ظل بوادر التراجع أمام ضغوط ترامب، يبدو أن الاتحاد الأوروبي أمام امتحان صعب: هل سيكون شريكًا متكافئًا لواشنطن، أم تابعًا اقتصاديًا يسير على وقع الإملاءات الأمريكية؟


مقالات مشابهة

  • وول ستريت جورنال: الجمهوريون يطلبون أموال أوروبا لدفع فاتورة تسليح أوكرانيا
  • ماكرون يقرّ: صفقة ترامب مع الاتحاد الأوروبي أفقدت أوروبا هيبتها
  • تغيُر مواقف ترامب حول أوكرانيا يُثقل كاهل أوروبا
  • ترامب يفرض شروطه على أوروبا.. اتفاق تجاري يكرّس الخلل في ميزان القوة
  • فرنسا تندد باتفاق ترامب وبروكسل وتصفه بـاليوم الأسود لأوروبا.. صفقة الإذعان
  • ترامب يعلن تقليص مهلة الـ50 يومًا لبوتين للتوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا
  • ترامب: بوتين أمامه مهلة 10 أيام لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ترامب يعلن أنه سيمهل بوتين 10 أيام أو 20 يوما لإنهاء حرب أوكرانيا
  • ترامب: أبلغت بوتين بأني لست بحاجة للمساعدة بشأن إيران
  • ترامب: سنمهل بوتين من 10 لـ 20 يوما لإنهاء حرب أوكرانيا