مر 41 عاماً منذ تأسس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ولد من رحم الجغرافيا اليمنية وجسد مبدأ التداول السلمي للسلطة ومثل مظلة لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن.

كان الاتفاق على أمر جامع يلبي تطلعات النخب السياسية والاجتماعية بمختلف مشاربها وتوجهاتها في شمال الوطن هو الدافع الرئيس وراء تأسيس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982 بقيادة الزعيم المؤسس علي عبدالله صالح.

وساهمت مبادئ الميثاق الوطني، التي اتسمت بقدر كبير من الوسطية والاعتدال، في توسيع قاعدة المؤتمر الشعبي وانخراط السواد الاعظم من ابناء الشعب في هذا المشروع الوطني، حيث شكل المؤتمر حلقة الوصل بين مختلف التيارات والقوى السياسية بل ذهب الى اقصى ما يمكن تحقيقه بالانفتاح على الآخر الموجود في الشطر الجنوبي من الوطن.

وبالفعل تم ايجاد صيغة مناسبة مرضية لجميع الاطراف الفاعلة تنهي عوامل الفرقة والاختلاف وتجمع الشتات من خلال قيام المنجز الابرز والاعظم المتمثل في اعادة توحيد اليمن في 22 من مايو 1990م على يد الزعيمين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض.

وقد كان من الحكمة قيام الوحدة اليمنية على اساس التعددية الحزبية والسياسية في شطري اليمن حيث جسد ذلك مفهوم الديموقراطية في ابهى صورها وان يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال قيام الاحزاب القديمة أو تلك التي تشكلت بعد اعادة تحقيق الوحدة بتقديم برامجها السياسية من اجل كسب الرأي العام واستمالة المواطنين لاختيار من يمثلهم في الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية.

قيام نظام سياسي مدني ديمقراطي يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع تم تطبيقه على أرض الواقع عبر اجراء انتخابات برلمانية في ثلاث مناسبات اعوام 93 و97 و2003 وكذا انتخابات رئاسية في دورتين عام 99 و2006 وانتخابات المجالس المحلية عامي 2001 و2006 في اطار التنافس بين التنظيمات الحزبية.

منجز التعددية السياسية والحزبية لم يرق للكثير من الاطياف والاحزاب خصوصا تيارات الاسلام السياسي التي وجدت نفسها عاجزة امام المؤتمر الذي اثبت نجاحا باهرا ومقدرة كبيرة في ادارة وقيادة البلاد، فحاولت زعزعة مكانته وحضوره في أوساط الشعب طيلة عقدين من الزمن، وسعت جاهدة الى ازاحته بشتى الوسائل وان كان الثمن اسقاط النظام واستبداله بفوضى عام 2011 وما تلاها من احداث وصولا الى اجتياح المليشيا الحوثية المدعومة من إيران للمدن اليمنية وانقلابها على الشرعية وتهديد النظام الجمهوري في 21 سبتمبر 2014.

المؤامرات التي حيكت، وما زالت، ضد المؤتمر ورموزه بضوء اخضر من اطراف دولية واقليمية استمرت منذ العام 2011 بدءاً بالاستهداف المباشر للرئيس علي عبدالله صالح ورجال الدولة في تفجير جامع دار الرئاسة ثم حفر النفق تحت منزل الزعيم صالح بالثنية وصولا الى تصفية قياداته التاريخية في احداث ديسمبر 2017 ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح ورفيق دربه الأمين عارف الزوكا.

عكس ذلك الاستهداف الجرم الذي اقترفته مليشيا الحوثي وشريكها حزب الاصلاح الجناح السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين (شركاء ساحات الفوضى) ليس في حق المؤتمر فحسب بل في حق الوطن الجمهوري ونظامه الديمقراطي، فلم يعد هناك تعددية حزبية ولا احتكام لصناديق الانتخابات بل انتجت مليشيات مسلحة للسلب والنهب مترامية في اجزاء متفرقة من هذا الوطن ولاءاتها عابرة للحدود وتكرس سلطتها كأمر واقع بقوة السلاح دون اي مشروعية او تفويض شعبي لتقمع وتنكل وتهجر المختلف معها والرافض لممارساتها ولتعيد عجلة التاريخ الى حقبة الظلام الإمامة شمالا التي خلفت تركة ثقيلة: فقر وجهل ومرض وتخلف....الخ.

ورغم كل ما تعرض له حزب المؤتمر الشعبي العام كأحد أبرز الأحزاب السياسية المؤثرة في اليمن، وما يملكه من تاريخ طويل من النضال والتضحية من أجل بناء دولة دستورية وديمقراطية وتجربته العريقة في الحكم فإنه كان وما يزال التنظيم الذي يعتبر ضامن التوازن وشوكة الميزان في المشهد السياسي كونه يضم قيادات وازنة من خيرة رجال اليمن الذين يتمتعون بالقبول والتسامح والانفتاح مع الآخر.

ويرى مراقبون أن المؤتمر الشعبي العام رغم كل التحديات التي تواجهه كان وسيظل سفينة النجاة لإخراج البلد من أتون الصراعات ومخاطر التقسيم من خلال دوره الفاعل في عملية السلام والانتقال السياسي، والتغلب على التدخلات الخارجية التي تهدف إلى إضعافه.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: المؤتمر الشعبی العام علی عبدالله صالح

إقرأ أيضاً:

نزيف مستمر لقيادات القاعدة في اليمن: اغتيالات متكرّرة تفضح تفككًا داخليًا

تتسارع وتيرة الانهيار الداخلي داخل تنظيم القاعدة في اليمن بصورة غير مسبوقة، مع اتساع رقعة الاغتيالات والتصفيات التي تستهدف قادته الميدانيين خلال العام 2025، في مؤشر واضح على تفكك البنية التنظيمية وتآكل الثقة بين مكوّناته الداخلية. 

هذا "النزيف القيادي" لم يعد مجرد حوادث متفرقة، بل بات سمة ملازمة لحالة الاشتعال الداخلي التي يعيشها التنظيم على وقع انقسامات متعمقة وصراعات نفوذ وولاءات متضاربة، تزامناً مع الضربات الأمنية والاستخباراتية المتكررة التي قلّصت من قدرته على الحفاظ على وحدة الصف والسيطرة.

وفي أحدث حلقات هذا النزيف، قُتل القيادي الميداني السابق في التنظيم، باسل المرواح البابكري، الأربعاء، برصاص مسلح مجهول في منطقة حبان الوادي بمديرية حبان جنوبي محافظة شبوة، وفق ما أفادت مصادر محلية. وتشير المصادر إلى أن المسلح ترصد للبابكري وأطلق عليه النار من سلاح شخصي، ما أدى إلى مقتله على الفور، قبل أن يتمكن الجاني من الفرار دون التعرف على هويته أو دوافع الهجوم. 

ويُذكر أن البابكري كان أحد أبرز مسؤولي التنظيم في شبوة قبل أن تعتقله قوات "النخبة الشبوانية" في العام 2017، ليُفرج عنه في مطلع 2020.

جاءت هذه التصفية بعد 48 ساعة من غارة أمريكية بطائرة بدون طيار استهدفت اجتماعاً لقيادات التنظيم في أطراف مأرب، وأدت إلى مقتل القيادي الشرعي أبو عبيدة الحضرمي، ومرافقه في الجهاز الأمني للتنظيم أنيس الحاصلي، في ضربة وُصفت بأنها من الأعنف خلال الأشهر الماضية.

ومع استمرار تساقط القيادات، بات التنظيم يفقد كتلة مؤثرة من عناصره المحورية؛ إذ سجّلت الأشهر الأخيرة مقتل ما لا يقل عن 14 قائداً رفيعاً و10 مساعدين في عمليات اغتيال وهجمات جوية ومواجهات أمنية في مناطق جنوب وشرق اليمن، بحسب تقارير أمنية. وتشمل هذه القيادات مسؤولين عن التخطيط العملياتي، ووحدات الاغتيالات، وأجنحة التمويل والإمداد، ما انعكس مباشرة على قدرته على التنسيق وتماسك الهياكل التنظيمية.

الأحداث الأخيرة تعيد إلى الواجهة سلسلة طويلة من التصفيات التي هزّت التنظيم خلال العام، بينها مقتل القيادي البارز سليمان عبدالسلام الخشي الملقب بـ"شداد الخولاني" في محافظة المهرة في أغسطس الماضي، ونجاة القيادي عبدالواسع الصنعاني المعروف بـ"الصندوق الأسود للتنظيم" بعد تعرضه لإطلاق نار في وادي عبيدة بمأرب، بالإضافة إلى اغتيال خبير المتفجرات فواز القصيمي في المنطقة ذاتها على يد مسلح مجهول.

وترى مصادر أمنية أن ما يحدث داخل التنظيم يتجاوز نطاق الضربات الأمنية، ليصل إلى تصفية حسابات داخلية مرتبطة بصراع الأجنحة، وتباين الولاءات بين تيارات تتأرجح بين الارتباط بداعش أو القاعدة الأم، فضلاً عن صراع على الموارد المالية وخطوط الإمداد. 

هذه الانقسامات العميقة تُعد – وفق المصادر – أحد أبرز الأسباب وراء "انهيار منظومة الثقة" داخل التنظيم، وتحوّل قياداته إلى أهداف سهلة لخصومات داخلية وكمائن تُنصب من داخل الصف نفسه أكثر مما تأتي من خارجه.

وبينما يواصل التنظيم خسارة قادته واحداً تلو الآخر، تتزايد المؤشرات على أنه يمر بمرحلة هي الأكثر هشاشة منذ سنوات، ما يهدد بقاءه ككيان منظم، ويفتح المجال أمام مزيد من التشظي وتحوّل عناصره إلى خلايا متناثرة قد تكون أكثر عشوائية وخطورة، خصوصاً في المحافظات التي شهدت عودة للاضطرابات خلال العام الجاري.

مقالات مشابهة

  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • في ذكرى استشهاد جبران تويني واللواء فرنسوا الحاج.. الرئيس عون: شهيدان يجسدان نشيد لبنان سيفنا والقلم
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • نزيف مستمر لقيادات القاعدة في اليمن: اغتيالات متكرّرة تفضح تفككًا داخليًا
  • لجنة تراث مطروح تقيم مسابقة للشعر الشعبي بمناسبة ذكرى معركة وادي ماجد
  • بن حبتور ولبوزة يؤكدان أهمية تعزيز الجبهة الداخلية وتحرير اليمن من الاحتلال
  • بن حبتور يلتقي نائب رئيس المؤتمر الشعبي الدكتور قاسم لبوزة
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم زيارة لعدد من طلبة جامعة القاهرة ومدارس التأسيس العسكري
  • قوات الدفاع الشعبي تنظم زيارة لطلاب جامعة القاهرة ومدارس التأسيس العسكري لمستشفى أبو الريش للأطفال