صدى البلد:
2025-08-02@16:09:15 GMT

مصطفى الشيمي يكتب: مهندس حُر

تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT

كانت سيارتي معطلة ذلك الصباح، فقررتُ أن أستقل المواصلات العامة للوصول إلى عملي. لم أكن معتادًا على هذا، لكنه بدا كخيار اضطراري. عند أول محطة، وجدت سائقًا بسيطًا، يقود سيارة قديمة بعض الشيء، وعرض أن يقلّني مباشرة إلى المعادي. كان هذا أفضل من التنقل عبر أربع مواصلات مختلفة، فركبت معه شاكرًا.

مع انطلاقنا، بدأ بتحميل ركاب آخرين متجهين إلى التجمع.

شعرت بالضيق، فقد وعدني برحلة مباشرة، لكنه اعتذر بأدب شديد، مبررًا أن الحياة أصبحت صعبة، وأنه بحاجة لزيادة دخله بأي طريقة. كان حديثه هادئًا، صادقًا، لدرجة أنني لم أجد في نفسي القدرة على الاعتراض. شيء في نبرته حمل ثقل الأيام، وكأنها تنساب بين كلماته، تتحدث دون تصريح.

بعد أن أنزل الركاب في وجهتهم، دعاني للجلوس بجانبه. كان رجلاً في منتصف العمر، قسمات وجهه تحكي قصصًا لم يروها بعد، وعيناه تحملان شيئًا من الإرهاق الممزوج بالإصرار. بدأ يحكي عن حياته؛ لديه أربع بنات، يعمل ليلًا ونهارًا ليؤمّن لهن حياة كريمة. قالها بنبرة فخر رغم التعب الذي يتخلل صوته. لم يشتكِ بقدر ما كان يبوح، وكأنه يبحث عن مساحة في هذا العالم الصاخب ليُسمع.

في منتصف الطريق، قاطعتنا سيارة مسرعة، وصاح أحد الركاب في وجهه بعصبية: " يالله يا أسطى، سرع شوية مش فاضيين  " نظر إليه  عبر المرآة، ثم زاد السرعة قليلًا وقال بصوت هادئ لكن حاسم : "حقك عليّ ، آسف لو أخرتك"
ثم التفت إليّ، أخرج بطاقته ومدّها لي بصمت. نظرت إليها، كان مكتوبًا في ظهرها: "مهندس ميكانيكا". رفع عينيه نحوي وقال بصوت بالكاد سمعته: "أنا مهندس ميكانيكا حُر ، لكن الظروف أقوى من الجميع و الرزق بأيد ربنا ، وأي شغل بالحلال فيه كرامة."

كانت لحظة صمت ثقيلة. شعرتُ بالصدمة، ليس فقط لأنني لم أتوقع ذلك، بل لأنني أدركت كم كنت متسرعًا في افتراضاتي عنه. كم من الأشخاص نراهم كل يوم، فنظن أننا نعرفهم، بينما يحمل كل منهم قصة لا تشبه الأخرى؟ نظرت إليه باحترام جديد، ورأيت فيه إنسانًا يصارع الحياة بشرف.

في نهاية الرحلة، نزلت وأنا أشعر أنني تعلمت درسًا لن أنساه :  لا تحكم على كتاب من غلافه، ولا على إنسان من مهنته، فخلف كل وجه قصة، وخلف كل قصة كفاح لا نراه. رأيت في عينيه حكايات لم تحكَ بعد، نظراته كانت تحمل صمتًا مثقلًا بالهموم، لكنه لم يكن مجرد استسلام، بل كان صبرًا محمّلًا بالإرادة. وبينما كنت أبتعد، رأيت انعكاس صورته على نافذة السيارة، لم يعد مجرد سائق، بل صار رمزًا لصراع الإنسان مع الحياة، و لكرامة  لم تنحنِ رغم قسوة الظروف ، لعزيمة تأبى أن تنهار رغم كل شيء. شعرت لحظتها بأن العالم مليء بقصص كهذه ، قصص تمر بجوارنا كل يوم دون أن نلتفت إليها، لكنها تستحق أن تُروى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مهندس ميكانيكا المزيد

إقرأ أيضاً:

أحمد ياسر يكتب: مصر.. التاريخ والعنوان

في خضمّ التعليقات الصاخبة المحيطة بالحرب المدمرة في غزة، ترسخت رواية ساخرة ومُستمرة.. رواية تسعى إلى تصوير مصر كطرف سلبي، أو حتى متواطئ، في معاناة الشعب الفلسطيني.

هذه الإدعاءات الخبيثة، التي تنتشر بسرعة التضليل الإعلامي، ليست تشويهًا عميقًا للحقيقة فحسب، بل هي إهانة لأمة تحملت، تاريخيًا وحاضرًا، أثقل أعباء القضية الفلسطينية… إن المراجعة الموضوعية للحقائق ليست ضرورية فحسب، بل تُعدّ أيضًا دحضًا قاطعًا لهذه الحملة من التضليل الإعلامي.

(أولا)يتمحور أكثر هذه الادعاءات خبثًا حول معبر رفح الحدودي، الذي يُصوّر بشكل غير نزيه على أنه دليل على "حصار" مصري، هذه الإدعاء مُفلس فكريًا… فمعبر رفح هو حدود دولية بين دولتين ذات سيادة، (مصر وفلسطين) ، تحكمها اتفاقيات دولية واعتبارات أمنية وطنية عميقة، لا سيما في ظلّ معركة مصر الطويلة والمكلفة مع الإرهاب في سيناء.

فهو ليس نقطة تفتيش داخلية متعددة؛  بالنسبة لغزة، فهي البوابة الوحيدة إلى العالم التي لا تسيطر عليها إسرائيل.. إن مساواة إدارة مصر المنظمة لحدودها السيادية بالحصار العسكري والاقتصادي الشامل الذي تفرضه إسرائيل - الذي يسيطر على المجال الجوي والساحل والمعابر التجارية لغزة - هو تحريف متعمد وخبيث للمسؤولية.

والحقيقة هي أنه منذ بداية هذه الأزمة، لم يكن معبر رفح حاجزًا، بل الشريان الرئيسي للمساعدات المنقذة للحياة، وهو شهادة على الالتزام المصري، وليس رمزًا للعرقلة.

(ثانيا) هذا يقود إلى الزيف الثاني: فكرة أن الدعم الإنساني المصري كان غائبًا… يتلاشى هذا الادعاء أمام الأدلة الدامغة، منذ اليوم الأول، نسقت مصر عملية لوجستية واسعة النطاق ومتواصلة، وقد سهلت الدولة المصرية، بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري وجهات وطنية أخرى، دخول الغالبية العظمى من جميع المساعدات الدولية المقدمة إلى غزة.

نحن لا نتحدث عن لفتات رمزية، بل عن آلاف الشاحنات المحملة بالغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية الأساسية.  نتحدث هنا عن مستشفيات ميدانية مصرية أُقيمت على الحدود، وعن آلاف الجرحى الفلسطينيين والأجانب الذين دخلوا لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.

لقد تكبدت الخزينة المصرية ثمنًا باهظًا جراء هذا الجهد الضخم، وأثقل كاهل بنيتنا التحتية اللوجستية والأمنية إلى أقصى حد، وبينما قدّم آخرون كلماتهم، قدّمت مصر شريان حياة، مُقاسًا بالعدد وبالأرواح التي أُنقذت.

وأخيرًا، يكشف نقد الجهود الدبلوماسية المصرية عن سوء فهم جوهري لواقع الوساطة الإقليمية القاسي. . إن اتهام مصر بالتقصير الدبلوماسي يتجاهل حقيقة أن القاهرة من العواصم القليلة جدًا في العالم التي يُؤتمن على التحدث مع جميع الأطراف.

هذا ليس تواطؤًا؛ بل هو العمل الأساسي والمضني لصنع السلام…تعمل  الأجهزة الأمنية المصرية  والقنوات الدبلوماسية بلا كلل للتوسط في وقف إطلاق النار، والتفاوض على إطلاق سراح الرهائن والسجناء، ومنع اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا.

علاوة على ذلك، ترتكز الدبلوماسية المصرية على مبادئ راسخة… لقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحًا لا لبس فيه في التعبير عن خطين أحمرين أساسيين لمصر:

١-  الرفض القاطع لأي تهجير قسري أو طوعي للفلسطينيين من أرضهم.

2- المطالبة الثابتة بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967…هذه ليست مواقف سلبية؛ بل هي مبادئ أمنية وطنية راسخة وفعّالة وجهت أفعال مصر، ووضعتها أحيانًا في خلاف مع مخططات جهات فاعلة عالمية أقوى.

سيكون التاريخ هو الحكم النهائي، وسيُظهر سجله أنه بينما انغمس الآخرون في الغضب الاستعراضي والتظاهر السياسي، كانت مصر على الأرض، تُدير الحدود، وتُسلم المساعدات، وتُعالج الجرحى، وتُشارك في دبلوماسية حل النزاعات الجائرة والمرهقة…

و تتلاشى الادعاءات الخبيثة عند مواجهة وطأة أفعال مصر. ونقول للجميع أن التزامنا ليس محل نقاش؛ إنه مسألة مُسجلة تاريخيا..

طباعة شارك غزة التضليل الإعلامي القضية الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • ويتكوف وسط احتجاجات ساحة الرهائن.. عائلات المحتجزين: مقاطع أبنائنا من غزة دمّرتنا
  • هل تقبل صلاة من كانت رائحة فمه سجائر؟
  • جينيفر لوبيز بعد حفل شرم الشيخ: شعرت باللطف في مصر
  • هل كانت ضوابط النشر العلمي خطأً جسيما أم فضيحة مستورة؟
  • مهندس خطة الجنرالات: لا نصر في الأفق والخطة لم تعد قابلة للتطبيق
  • مهندس خطة الجنرالات : لا نصر في الأفق والخطة لم تعد قابلة للتطبيق
  • وظائف شاغرة بشركة صلة
  • وظائف شاغرة في شركة إمداد الخبرات
  • د. هاني العدوان يكتب ..
  • أحمد ياسر يكتب: مصر.. التاريخ والعنوان