صدى البلد:
2025-05-29@07:54:42 GMT

مصطفى الشيمي يكتب: مهندس حُر

تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT

كانت سيارتي معطلة ذلك الصباح، فقررتُ أن أستقل المواصلات العامة للوصول إلى عملي. لم أكن معتادًا على هذا، لكنه بدا كخيار اضطراري. عند أول محطة، وجدت سائقًا بسيطًا، يقود سيارة قديمة بعض الشيء، وعرض أن يقلّني مباشرة إلى المعادي. كان هذا أفضل من التنقل عبر أربع مواصلات مختلفة، فركبت معه شاكرًا.

مع انطلاقنا، بدأ بتحميل ركاب آخرين متجهين إلى التجمع.

شعرت بالضيق، فقد وعدني برحلة مباشرة، لكنه اعتذر بأدب شديد، مبررًا أن الحياة أصبحت صعبة، وأنه بحاجة لزيادة دخله بأي طريقة. كان حديثه هادئًا، صادقًا، لدرجة أنني لم أجد في نفسي القدرة على الاعتراض. شيء في نبرته حمل ثقل الأيام، وكأنها تنساب بين كلماته، تتحدث دون تصريح.

بعد أن أنزل الركاب في وجهتهم، دعاني للجلوس بجانبه. كان رجلاً في منتصف العمر، قسمات وجهه تحكي قصصًا لم يروها بعد، وعيناه تحملان شيئًا من الإرهاق الممزوج بالإصرار. بدأ يحكي عن حياته؛ لديه أربع بنات، يعمل ليلًا ونهارًا ليؤمّن لهن حياة كريمة. قالها بنبرة فخر رغم التعب الذي يتخلل صوته. لم يشتكِ بقدر ما كان يبوح، وكأنه يبحث عن مساحة في هذا العالم الصاخب ليُسمع.

في منتصف الطريق، قاطعتنا سيارة مسرعة، وصاح أحد الركاب في وجهه بعصبية: " يالله يا أسطى، سرع شوية مش فاضيين  " نظر إليه  عبر المرآة، ثم زاد السرعة قليلًا وقال بصوت هادئ لكن حاسم : "حقك عليّ ، آسف لو أخرتك"
ثم التفت إليّ، أخرج بطاقته ومدّها لي بصمت. نظرت إليها، كان مكتوبًا في ظهرها: "مهندس ميكانيكا". رفع عينيه نحوي وقال بصوت بالكاد سمعته: "أنا مهندس ميكانيكا حُر ، لكن الظروف أقوى من الجميع و الرزق بأيد ربنا ، وأي شغل بالحلال فيه كرامة."

كانت لحظة صمت ثقيلة. شعرتُ بالصدمة، ليس فقط لأنني لم أتوقع ذلك، بل لأنني أدركت كم كنت متسرعًا في افتراضاتي عنه. كم من الأشخاص نراهم كل يوم، فنظن أننا نعرفهم، بينما يحمل كل منهم قصة لا تشبه الأخرى؟ نظرت إليه باحترام جديد، ورأيت فيه إنسانًا يصارع الحياة بشرف.

في نهاية الرحلة، نزلت وأنا أشعر أنني تعلمت درسًا لن أنساه :  لا تحكم على كتاب من غلافه، ولا على إنسان من مهنته، فخلف كل وجه قصة، وخلف كل قصة كفاح لا نراه. رأيت في عينيه حكايات لم تحكَ بعد، نظراته كانت تحمل صمتًا مثقلًا بالهموم، لكنه لم يكن مجرد استسلام، بل كان صبرًا محمّلًا بالإرادة. وبينما كنت أبتعد، رأيت انعكاس صورته على نافذة السيارة، لم يعد مجرد سائق، بل صار رمزًا لصراع الإنسان مع الحياة، و لكرامة  لم تنحنِ رغم قسوة الظروف ، لعزيمة تأبى أن تنهار رغم كل شيء. شعرت لحظتها بأن العالم مليء بقصص كهذه ، قصص تمر بجوارنا كل يوم دون أن نلتفت إليها، لكنها تستحق أن تُروى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مهندس ميكانيكا المزيد

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: أهالي غزة يستحقون أكثر من البقاء على قيد الحياة

غزة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة موافقة فلسطينية لاتفاق مع ويتكوف على «إطار عام» لوقف إطلاق النار لبنان.. «يونيفيل» ترفض التدخل بنشاط جنودها

اعتبرت سيغريد كاغ، موفدة الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، أن «فلسطينيي قطاع غزة الذين ينزلقون أكثر فأكثر إلى الهاوية، يستحقون أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة».
وقالت كاغ أمام مجلس الأمن الدولي أمس: إن «مدنيي غزة فقدوا أي أمل، بدل أن يقولوا: إلى اللقاء، إلى الغد، يقول فلسطينيو غزة اليوم: نلقاكم في الجنة، فالموت هو رفيقهم، لا الحياة ولا الأمل، سكان غزة يستحقون أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة، إنهم يستحقون مستقبلاً نابضاً بالحياة».
وفي السياق، قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، أمس، إن نحو 250 ألف فلسطيني في قطاع غزة يعانون الجوع الشديد ضمن المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي، وهي أخطر مراحل الجوع، فيما يواجه نحو 950 ألف شخص خطر المجاعة ضمن المرحلتين الرابعة والخامسة.
وأضافت «الأونروا» في بيان لها، أن سكان غزة يفتقرون إلى أدنى مقومات التغذية، مؤكدة أن سوء التغذية بات منتشراً على نطاق واسع، ويطول مئات الآلاف من الأطفال والأمهات والرضع والنساء الحوامل، وسط نقص حاد في الإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية.
وأشارت الوكالة إلى أن نحو 70 ألف طفل يعانون سوء تغذية الحاد، مما ينذر بعواقب صحية خطيرة قد تكون طويلة الأمد، في ظل انهيار النظام الصحي وصعوبة وصول المساعدات.
بدورها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023.
وذكر إدوارد بيجبيدر المدير الإقليمي لـ«اليونيسف» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بيان: «خلال 72 ساعة الأسبوع الماضي، قدمت صور من هجومين مروعين ارتكبتهما إسرائيل بغزة، دليلاً إضافياً على التكلفة الباهظة لهذه الحرب الشرسة على الأطفال».
وأضاف: «يوم الجمعة، شاهدنا مقاطع فيديو لجثث أطفال محترقة ومقطعة الأوصال من عائلة النجار يتم انتشالها من تحت أنقاض منزلهم في خان يونس».

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: أهالي غزة يستحقون أكثر من البقاء على قيد الحياة
  • الأمم المتحدة: فلسطينيو غزة يستحقون أكثر من البقاء على قيد الحياة
  • إعلامية تركية تفجّر مفاجأة على الهواء: “شعرت بالإهانة!”
  • عاجل| نتنياهو: ما زال هناك 20 محتجزا أحياء في غزة وهناك 28 قد فارقوا الحياة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: عودة مهندس ازاحة البشير
  • أصوات من غزة.. واقع الحياة خوف وجوع ودمار
  • الشيمي: شركة مصر الجديدة للتطوير العقاري ركيزة أساسية لوزارة قطاع الأعمال
  • تايمز: ما فهمه ترامب من مهندس الرسوم الجمركية
  • الكشف عن هوية مهندس التواصل بين حركة حماس وإدارة ترامب
  • مهندس سوداني يطور نظام «محاكاة» لمساعدة مرضى السكري