الأحد كان يومَ الوداعِ المُعلَّق بين سماءِ الحُزنِ وأرضِ الفخر.
يومُكَ أتى.. والقلوبُ تُعلِّقُ دمعَها على أغصان ذكراك .
قبل أن تُشمِلَنا سحابةُ الفراق، وقبل أن تَحملَ الأعينُ وَعْدَ اللَّحظةِ الأخيرة..
اتى يومَ الأحد، يومَ الوداعِ المُعلَّق بين سماءِ الحُزنِ وأرضِ الفخر.
سيُشيَّعُ جسداً، لكنَّ روحاً ستظلُّ تُنير دربَ القلوبِ كسراج لا تعرفُ الانطفاء.
نحملُكَ في صدرِ الزمنِ كرسالةِ دمٍ كتبتَها بيدِ الأبطال..
سارت المواكبُ حافيةً على جمرِ الحنين،
وتعانقُ الأرضُ شهيداً رفضَ أن ينحني إلا للوطن.
كلُّ خطوةٍ في طريقِ التشييع ستُذكِّرُنا أنَّ الشهادةَ ليست نهايةَ المسير،
بل محطةٌ تُولدُ منها أناشيد البطولات، وتتجدَّدُ فيها ملاذات العطاء .
سنهمسُ لِسماءِ فبراير الباردة:
“اجمعي غيومَكِ ولا تمطري.. فدموعُنا كفيلةٌ بأن تُنبتَ حسناً ونصرا “.
سيبقى اسمُكَ يتردَّدُ في مسامِ الليالي،
كنداءِ الحقِّ الذي لا يُسكتُهُ رصاصٌ،
وكصوتِ الحنين الذي لا يخفتُ مهما اشتدَّتْ عواصفُ الغُرباء.
يومُكَ أتى..
ولن نودعَ فيكَ إلا الجسدَ الواهن،
أمَّا قضيتُك، فستظلُّ تُناضلُ فينا،
وتُحرِّكُ في أعماقِ الأرضِ بذورَ المقاومة،
حتى تُزهِرَ حريةً لا تُسقَطُ أوراقُها.
سلامٌ عليكَ يومَ دفنت تحتَ ترابِ الأرضِ الطاهرة،
ويومَ تُبعثُ حكايةً في ضميرِ التاريخ..
وَعَدْنَا بأن نُكملَ السيرَ على دربِ الدمِ الذي اختلطَ بندى الأمل،
فنحنُ جيلٌ تعلَّمَ منكَ أنَّ الشهادة في سبيلِ الله هي الانتصار الخالد .
* * *
مشهد تنهدت فيه أرواحنا باكية وداعك
تهتف الأرض والسماء بأسى لا يُحتمل
يقف الوجع صامتا، والقلب يئن على الفراق الأعظم.
صوت الراوي:
“إنه اليوم الحزين الذي لم يكون مجرد يوم آخر.
إنه اليوم العصيب على السماء والأرض والقلوب والسنين .
إنه اليوم العصيب على الريح والقدس والجبل الأسود .
اليوم الموجع على نهر الليطاني وهو يجري باكيا عليك منذ الولادة حتى هذا اليوم .
إنها اللحظة التي تبكي فيها السماء دماً… وتراقص الريح ذكراك في كل زاوية تخطو إليها قدم مقاوم.
انها ساعة اليقين يا سادة المجاهدين
وانتم توارون قائدكم تبكونه فقداً
وتجددون العهد ” على خطاك ثابتين ”
انظروا… هذه طيور القدس ترقص أجنحتها على… تعزف ألحان الوداع بحناجر محترقة… كأنها تعرف أنها تودع رجلا كان صونها من عتبات الانكسار .
السماء تبكي… لم تسقط قطرات المطر إلا ورسمت على خد الأرض… والشمس تغيب مبكرة، كأنها لا تريد أن تشهد مشهدا يسحق الجبال قبل القلوب.
عيون العاشقين… هي التي جملتك … ليست أكفا من لحم ودم، بل هي أمواج من نور ترفعك إلى ملكوت الخلود .
كل دمعة تسقط من العيون ستمضي شهباً تنير درب المستضعفين .
لن تموت… لأن ما صنعته في سفر التاريخ خالداً.
لن تغيب… فالروح التي تنساب من فم المقاومة لا تذهب إلا لتعود أقوى .
(المشهد يتصاعد… الأصوات تخمد… وفجأة… تنفجر أنشودتان متداخلتان من بعيد إحداها تخنق القلوب والأخرى ترقد قلوبنا عهداً ووعداً . .
” صوت الأنشودة الأولى “:
” أين نصر الله أين .. ليته في الحاضرينَ ”
” صوت الأنشودة الثانية “:
” يا شهيد الحق والفتح الميينا
عهدنا نمضي على دربك واثقينا ”
(يختتم المشهد بصورة… جنازة تمشي… ومليون عين تحملها… هواء ملؤه رائحة زهرة الأرز… وصمت لا يقطعه إلا هتاف خالد: “لبيك يا نصرالله!”)
* * *
” أين نصر الله أين؟ ليته في الحاضرينَ ”
لم استطع مواراة حُزني وبقيت لساعاتٍ
مكلوماً . . مصدوماً . . صامتاً . . باكياً
لم استطع البتةّ الانتقال لأي شيء آخر
يخرجني من كُربة المشهد ووجع فراقك
” أين نصر الله أين؟ ليته في الحاضرينَ ”
سؤالٌ يُذيب القلب ألماً ويحيل غصتنا دمعاً وفقداً
فقدنا النور الذي كان يُنير دربَ الأمة، والغيابُ الذي هزَّ أركانَ القلوب قبلَ الأوطان.
” أين نصر الله أين ؟ ليته في الحاضرينَ ”
يا ليتكَ بين الحاضرين.. لكنك صعدتَ إلى السماء شهيداً، تاركاً وراءكَ جرحاً لا يُندمل، وحُباً لا ينطفئ.
ستظل حياً فـ”الشهيد” لا يموت، بل يخلد في دماءِ الثائرين وأرواحِ الراكعين الساجدين.
السلام عليك يا سيد الأمة وصونها وصوتها وإلى اللقاء.
ليس وداعاً بل لقاء موجل.
إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف.
إلى اللقاء في جوار الأحبة “.
بقلم/ مراد راجح شلي*
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أین نصر الله أین
إقرأ أيضاً:
دموع وفرح وتاريخ ناصع| سميرة عبدالعزيز: الفن حياتي.. وكل مخرج أضاف إلى رصيدي الفني
في أجواء من التقدير والمحبة، وبحضور جماهيري لافت، كرّم المهرجان القومي للمسرح الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز، ضمن سلسلة ندوات تكريم المكرمين، بحضور نخبة من المسرحيين والنقاد والفنانين الذين شاركوا في شهادات حية عن عطائها الفني ومسيرتها الاستثنائية.
أدار الندوة الكاتب والناقد باسم صادق، وافتُتحت بكلمة للكاتب والشاعر والناقد محمد بهجت، صاحب كتاب "سميرة عبد العزيز.. ضمير المسرح المصري"، والذي أضاء خلال كلمته كواليس إعداد الكتاب، مشيرًا إلى أن علاقته بالفنانة سميرة عبد العزيز بدأت قبل سنوات، عندما شاركت في إحدى أمسياته الشعرية بالمسرح القومي، حيث ألقت قصيدة للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، فأدرك حينها أنها ليست فقط فنانة قديرة، بل مرجع شعري وإنساني.
وأوضح بهجت أن تعاوناته مع الفنانة الكبيرة امتدت بعد ذلك لتشمل سلسلة من الأمسيات الثقافية في البيوت الأثرية وقصور الثقافة، وصولًا إلى دار الأوبرا، واصفًا إياها بـ"رمز الدأب والاحترافية" التي لا تعرف التراخي، بل تجتهد في كل عمل وتتعامل مع الفن كرسالة لا تقل قدسية عن العلم أو التربية، وفي ختام كلمته، ألقى بهجت قصيدة كتبها خصيصًا للفنانة سميرة عبد العزيز، نالت إعجاب وتصفيق الحضور.
وفي كلمتها، أعربت الفنانة سميرة عبد العزيز عن سعادتها بهذا التكريم، مؤكدة أن الفن كان ولا يزال يمثل كل شيء في حياتها، مشيرة إلى أن كل مخرج عملت معه كان بمثابة إضافة فنية وشخصية لها، قائلة: كنت دائمًا حريصة على الالتزام برؤية المخرج وتنفيذ تعليماته بدقة، لأنني أؤمن أن العمل الفني عمل جماعي، وكل مخرج له بصمته التي تسهم في تطوير أدواتي كممثلة.
وتحدثت عبد العزيز عن أبرز محطات مسيرتها، خاصة في مجال الإذاعة، معتبرة برنامج "قال الفيلسوف" الذي قدمته لعقود طويلة، "برنامج عمرها"، مشددة على حرصها الشديد على أن يخرج بأعلى جودة ممكنة، وهو ما جعله علامة فارقة في الإذاعة المصرية لا تزال أصداؤه ممتدة حتى اليوم.
وفي حديثها عن أدوار الأم التي جسدتها، أكدت أن الأمومة كانت حاضرة بقوة في مسيرتها، وتجسيدها لشخصيات مثل أم الإمام الشعراوي وأم كلثوم كان تحديًا كبيرًا، مشيرة إلى أنها كانت تسعى إلى التنوع في الأداء رغم وحدة النمط، من خلال البحث والقراءة والوعي بالسياق.
أما عن حياتها الشخصية، فقد استحضرت الفنانة القديرة أثر والدها قائلة: والدي كان مدرس رياضيات ومحبًا للثقافة، يحرص على متابعتنا دراسيًا، ويزودنا بالكتب، ويناقشنا في ما نقرأ، وهو من شجعني على دخول معهد الفنون المسرحية بعد إنهاء دراستي الجامعية، لأنه آمن بموهبتي.
كما تناولت تجربتها المتميزة في مسرحية "مخدة الكحل" مع المخرج انتصار عبد الفتاح، التي حصلت على جائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، مشيرة إلى أن العرض كان مزيجًا بين الدراما والغناء وحقق نجاحًا لافتًا في أكثر من دولة، وأضافت: كنت حريصة على مشاركة الشباب في كافة تفاصيل العرض، وشعرت معهم أنني واحدة منهم".
وخلال الندوة، شارك العديد من الفنانين والمبدعين بكلماتهم عن سميرة عبد العزيز، منهم الفنانة وفاء الحكيم، والفنان هاني كمال، والفنانة عزة لبيب، والكاتبة الصحفية أنس الوجود رضوان، وجميعهم أجمعوا على أن الفنانة الكبيرة كانت ولا تزال رمزًا للمثابرة والصدق الفني والإخلاص للقيمة الإنسانية في الفن.
وفي كلمته، أكد مدير المهرجان الفنان عادل عبده أن سميرة عبد العزيز كانت من الأسماء التي حازت على أعلى نسبة من الأصوات خلال تصويت اللجنة العليا لاختيار المكرمين، تقديرًا لتاريخها الطويل وإسهاماتها الرفيعة في المسرح المصري والعربي.