ما خيارات حكام دمشق الجدد في الرد على العدوان الإسرائيلي المتصاعد؟
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تصعيدها العسكري والسياسي ضد سوريا التي تحاول التعافي من آثار الحرب التي عصفت بالبلاد وإعادة بناء الدولة وفرض السيطرة على كامل التراب الوطني.
ويضيق التصعيد الإسرائيلي المتواصل الخناق على الحكومة السورية الجديدة التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، سيما بعد انتقال الاحتلال إلى إثارة النزعات الطائفية بهدف تقسيم البلد المدمر، حسب مراقبون تحدثوا إلى "عربي21".
ومساء الثلاثاء، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية ضد مناطق على الأراضي السورية، استهدفت محيط منطقة الكسوة جنوبي العاصمة دمشق، تزامنا مع توغل بري على عدة محاور في القنيطرة ودرعا.
وعلق وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على الضربات قائلا إن "سلاح الجو هاجم بقوة في جنوب سوريا، كجزء من السياسة الجديدة التي حددناها بشأن نزع السلاح في المنطقة"، مضيفا أن "الرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يتحول إلى جنوب لبنان".
وجاءت الغارات الإسرائيلية بعد توجيه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدات إلى جنوب سوريا، مطالبا بمنع انتشار الجيش السوري الجديد في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
وقال نتنياهو: "نطالب بجعل منطقة جنوب دمشق منزوعة السلاح (..) لن نسمح للجيش السوري الجديد بالانتشار فيها، كما لن نقبل بأي تهديد لأبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا"، على حد زعمه.
وردا على نتنياهو، شهدت محافظات جنوب سوريا مظاهرات عارمة رفضا لدعوات التقسيم أو الانفصال، وتأكيدا على رفض مساعي الاحتلال الإسرائيلي فرض نفوذه في المنطقة السورية.
ورفع المشاركون لافتات، كتب بعضها بالعبرية، مثل لا للفيدرالية، إضافة إلى رفضهم توغلات الاحتلال، وأخرى تطالب بالانسحاب من الجولان السوري المحتل.
يتضح أن دولة الاحتلال تعمل على تنفيذ أهداف استراتيجية واسعة النطاق، وفقا لما أشار إليه الباحث محمود علوش، موضحا أن هذا التصعيد يأتي كترجمة للأهداف التي حددها نتنياهو في خطاباته الأخيرة، والتي تضمنت رؤية إسرائيلية لسوريا جديدة تقوم على عدد من المحاور الأساسية.
وبحسب حديث علوش مع "عربي21"، فإن أبرز هذه المحاور هو تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح، إلى جانب العمل على تفكيك وحدة الأراضي السورية وتشجيع النزعات الانفصالية، مع الاستمرار في مخاطبة بعض المجموعات الطائفية داخل سوريا.
ويضيف الباحث أن هذه الأهداف تتماشى مع مشروع "سوريا المفيدة" الذي يهدف إلى جعل سوريا دولة منزوعة السلاح بشكل كامل، وليس المنطقة الجنوبية فقط.
من جهته، يرى المحلل العسكري أحمد حمادة أن "إسرائيل من خلال أعمالها العدوانية ضد سوريا، سواء عبر انتهاك اتفاقية 74 أو احتلال نقاط جديدة، فضلاً عن ضرب الجيش السوري بأكثر من 500 هدف، تهدف إلى الضغط على الحالة السياسية والاجتماعية في سوريا، ومنع التحول الديمقراطي الجديد. وتسعى إسرائيل من خلال هذه الأعمال إلى إثبات أنها القوة الأساسية في المنطقة وفرض رأيها على الدولة السورية الجديدة".
ويضيف في حديثه مع "عربي21"، أن "ما تريده إسرائيل من هذه الرسائل هو إبقاء الدولة السورية مقطعة الأوصال، وعدم امتلاكها قوة أساسية، حتى تتمكن من التفاوض على المناطق الجديدة، وتستمر في تجاهل الوضع الدولي لجولانها المحتل".
رسائل خارج اهتمام الاحتلال
منذ عام 1967، تحتل إسرائيل 1150 كيلومترا مربعا من إجمالي مساحة هضبة الجولان السورية البالغة مساحتها 1800 كيلومتر مربع، وقد أعلنت ضمها إليها في عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
واستغلت دولة الاحتلال سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي واحتلت المنطقة السورية العازلة في محافظة القنيطرة، معلنة انهيار اتفاقية "فض الاشتباك" لعام 1974، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة ودول عربية.
وفي كانون الثاني /يناير الماضي، كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن أعمال بناء عسكرية وشق طرق يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا، حسب "بي بي سي".
وبحسب تصريحات نتنياهو، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيواصل وجوده في المناطق التي احتلها بعد سقوط نظام الأسد "للمستقبل المنظور". وتشمل هذه المناطق الجانب السوري من جبل الشيخ، والذي يُعتبر النقطة الاستراتيجية الأهم في الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ودأب المسؤولون السوريون على التأكيد رفضهم انخراط سوريا في أي حرب جديدة، مشيرين إلى أن الأهمية التي توليها دمشق في المرحلة الراهنة هي لدفع عجلة التعافي في البلاد المدمرة.
وتدين دمشق التوغلات الإسرائيلية والاعتداءات المتواصلة على سيادة البلاد، مؤكدة التزامها باتفاقية عام 1974 التي فضت الاشتباك بين الجانبين وحددت خطوط التماس.
وبالرغم من رسائل الطمأنة التي ترسلها دمشق على لسان كبار مسؤوليها، إلا أن دولة الاحتلال تبدو ماضية في تصعيد عدوانها على الأراضي السورية من خلال العمل على خلق منطقة عازلة تمتد على ثلاث محافظات سورية هي درعا والقنيطرة والسويداء.
ويرى علوش أن "إسرائيل غير معنية بالتصريحات التي يطلقها الحكام الجدد في سوريا تجاهها، فهي معنية فقط بالاستفادة مما تراه فرصة لدفع مشروع ‘سوريا المفيدة’. وحتى لو كان هناك نظام آخر غير النظام الحالي، ستبحث إسرائيل عن مبررات لتنفيذ رؤيتها لسوريا الجديدة".
ويضيف أن "الإسرائيليين يعملون بشكل كبير على تحقيق هذا المشروع، مما يظهر مدى خطورة التهديد الإسرائيلي لسوريا كدولة، وهو يشكل تهديدا لدول المنطقة بأسرها، خاصة إذا ما نظرنا إلى هذا التوسع الإسرائيلي في سوريا من منظور التوسع الإسرائيلي الإقليمي بعد حرب 7 أكتوبر".
وبالتالي، فإن هذا التهديد لا يقتصر على سوريا فحسب، بل يشمل دول المنطقة بأكملها، ما يستدعي ضرورة مواجهته، وفقا للباحث.
في السياق، يسلط المحلل العسكري أحمد حمادة الضوء على الأضرار الناجمة جراء الاعتداءات الإسرائيلية، مشيرا إلى أنها "كبيرة جدا، حيث احتلت إسرائيل نقاطًا جديدة من قمة جبل الشيخ، التي أصبحت مشرفة على المنطقة بأكملها، بالإضافة إلى تدمير بنى تحتية وأسلحة وصواريخ أساسية كانت موجودة في سوريا".
ويلفت إلى أن "هذه الأضرار لا تقتصر على الأضرار المادية والعسكرية فقط، بل تشمل أيضا الأضرار النفسية التي تمارسها إسرائيل على المجتمع السوري والدولة السورية التي تعيش حالة حرب داخلية، من أجل بناء وترتيب أوضاعها".
ويوضح حمادة أن "دمشق ردت أكثر من مرة بأنها ليست معنية بالحرب ولا بالاعتداء على دول أخرى، وأنها متمسكة باتفاقية 1974 لفض الاشتباك. ولكن إسرائيل، للأسف، مستمرة في سياساتها العدوانية".
خيارات دمشق
في ظل الأزمات الداخلية التي تعاني منها الحكومة السورية في دمشق، فإن خيارات الرد على العدوان الإسرائيلي المتواصل تبدو محدودة للغاية سيما أن الخيار العسكري غير مطروح على طاولة صانعي القرار الجدد في سوريا.
وتركز دمشق على إعادة تجسير العلاقات الدبلوماسية وبناء التحالفات مع محيطها العربي والإقليمي بشكل حثيث، وهو ما يبدو أنه إرادة واضحة للحكومة الجديدة في الجنوح نحو الخيار السياسي في المرحلة المقبلة.
والأربعاء، توجه الرئيس السوري إلى العاصمة الأردنية عمان للقاء مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في ثالث وجهة خارجية له بعد السعودية وتركيا.
خلال الاجتماع، ندد الملك الأردني بالهجمات الإسرائيلية على مواقع في سوريا في حين طالب وزير خارجية المملكة أيمن الصفدي بتدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" بتحرك مجلس الأمن لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
كما نددت العديد من دول المنطقة بما في ذلك تركيا بالهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
وتشكل الاندفاعة الإسرائيلية في سوريا تهديدا لتركيا والمملكة العربية السعودية وجميع دول المنطقة، يقول علوش موضحا أنه سيكون على دول المنطقة "التعامل مع حقيقة أن إسرائيل اليوم أصبحت أكثر توحشا على المستوى الإقليمي، وهذا يفرض عليها تشكيل استراتيجية متماسكة قادرة على مواجهة هذا التهديد".
وأضاف أن "الانسجام التركي السعودي في سوريا يزيد من قدرة ومناعة دول المنطقة وسوريا في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي، فضلا عن أن هذا الانسجام يمكن أن يؤثر في تشكيل سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه سوريا".
وبحسب الباحث، فإن "السياسة الأمريكية هي العامل الأكثر أهمية في تحديد السلوك الإسرائيلي في سوريا خلال الفترة المقبلة، لأن نتنياهو يعتمد اليوم على إدارة أمريكية أكثر تماهيا مع مشروع إسرائيل التوسعي في المنطقة. وبالتالي، هناك حاجة لدول المنطقة، لا سيما القوى الفاعلة فيها، للعمل بشكل مشترك لمواجهة هذا التهديد الإسرائيلي لسوريا".
وأشار علوش إلى أن "تركيا تولي أهمية كبيرة لتعافي سوريا من الحرب، كما أنها شديدة الحساسية تجاه مشاريع التقسيم، لأن أي مشروع لتقسيم سوريا يشكل تهديدا للأمن القومي التركي".
ولذلك، تنظر أنقرة بـ"اهتمام كبير إلى ما يجري في سوريا، خصوصا على مستوى التوسع الإسرائيلي، وهي تتعامل أيضًا مع التوسع الإسرائيلي في حقبة ما بعد 7 أكتوبر على أنه تهديد مباشر لها"، يقول علوش.
والخميس، كشفت وزارة الدفاع التركية، عن إتمام الدراسات المعنية بتعيين ملحق عسكري في سوريا، مشددة على مساعيها الرامية إلى دعم قدرات دمشق على الصعيدين الأمني والدفاعي.
وكانت تركيا أول دولة غير عربية يزورها الشرع بعد توليه منصب الرئاسة نهاية الشهر الماضي.
وتحدثت تقارير عن اتفاق محتمل للدفاع المشترك بين دمشق وأنقرة، يتضمن إنشاء قاعدتين جويتين تركيتين في وسط سوريا واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى اضطلاع أنقرة بدور قيادي في تدريب الجيش السوري الجديد.
ويرى علوش أن "العلاقات التركية القوية مع دمشق، والتوصل إلى اتفاقية معاهدة دفاع مشترك، يمكن أن يساعد سوريا إلى حد كبير في مواجهة هذا التهديد الإسرائيلي، كما يمكن أن يشكل رادعًا قويًا بالنسبة لإسرائيل. فتركيا دولة قوية، ولا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل حسابات تركيا أو مصالحها في سوريا".
من جهته، يتحدث حماة عن الخيارات المطروحة أمام دمشق، مشيرا إلى أن "الأدوات المتاحة اليوم للدولة السورية هي الدبلوماسية والسياسة، بالإضافة إلى الوساطات مع الدول الصديقة لإسرائيل، بهدف وقف القتال والعودة إلى خطوط الاشتباك السابقة".
والثلاثاء، الماضي أدان مؤتمر الحوار الوطني الذي شهد مشاركة نحو 600 شخصية سورية في دمشق "التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، باعتباره انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة السورية".
وشدد البيان الذي تلي في حضور الشرع، على ضرورة "انسحابه الفوري وغير المشروط، ورفض التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري، والضغط لوقف العدوان والانتهاكات".
وبالرغم من الضغوط التي يلقي بها العدوان الإسرائيلي على دمشق، إلا أن علوش يرى أن بقدر ما يحمله هذا التصعيد من مخاطر على سوريا والمنطقة، فإنه يجلب أيضا فرصا جديدة.
ويوضح أن هذه الفرص تأتي على الصعيد الداخلي حيث يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى تعزيز التكاتف الوطني حول الإدارة الجديدة، وتنعكس على المستوى الإقليمي من حيث "دعم سوريا ومساعدتها على تعزيز مناعتها في مواجهة مشاريع التقسيم والتهديدات التي تحيط بها اليوم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاحتلال سوريا الشرع دمشق تركيا سوريا تركيا الاحتلال دمشق الشرع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی على الأراضی السوریة التوسع الإسرائیلی الدولة السوریة الإسرائیلی فی دولة الاحتلال هذا التهدید دول المنطقة مواجهة هذا فی المنطقة جنوب سوریا فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
"المركز الفلسطيني": "إسرائيل" تحوّل المساعدات إلى فخاخ موت وتواصل الإبادة
غزة - صفا
حذر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بأن الوضع الإنساني في قطاع غزة يتدهور إلى مستويات كارثية غير مسبوقة، في ظل مواصلة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سياسات الإبادة الجماعية، وعلى رأسها استخدام التجويع كسلاح ممنهج.
وقال المركز في بيان له، الثلاثاء، إن سلطات الاحتلال تمنع تدفق الغذاء والدواء والوقود، وتفرض قيودًا مشددة على إدخال المساعدات، ثم تحوّل نقاط توزيعها المحدودة إلى ساحات قنص وقصف وقتل جماعي.
وأكد أنه بالتوازي، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي هجمات عسكرية دامية على خيام النازحين، وعلى ما تبقى من منازلهم وأسواقهم وتجمعاتهم، ما يؤدي إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين يوميًا.
وشدد على أن هذا التصعيد الدموي يمثل مرحلة متقدمة من جريمة الإبادة الجماعية التي تُنفَّذ بصورة علنية وممنهجة، في ظل عجز دولي فاضح عن وقفها، ويأتي في ظل حملة دعائية وتضليلية إسرائيلية تحاول حرف الأنظار عما يجري من محوٍّ منظم وممنهج للإنسان والبنيان ومعالم الحياة في القطاع.
وأشار البيان إلى أن قوات الاحتلال الليلة الماضية، نفذت هجومًا بريًّا مصحوبًا بقصف جوي عنيف على شكل أحزمة نارية، على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 30 مواطنًا، بينهم 12 طفلًا و14 امرأة، وإصابة وفقدان العشرات.
وحسب البيان، عند حوالي الساعة 22:30 من مساء أمس الاثنين، نفذت آليات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا بريًّا من محور نتساريم ومنطقة المغراقة باتجاه جسر وادي غزة، وصولًا إلى شمال وشمال غرب “المخيم الجديد” الواقع شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
وجاء هذا التوغل تحت غطاء كثيف من تحليق الطائرات المسيّرة التي فتحت نيرانها على كل جسم متحرك، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف أطلقته المدفعية المتمركزة على الحدود الشرقية للمحافظة، مستهدفة محيط المنطقة بشكل مباشر.
وما بين الساعة 23:20 23:50 من مساء اليوم ذاته، شن الطيران الحربي الإسرائيلي عدة غارات جوية استهدفت منازل مأهولة بالسكان في المنطقة، وفق البيان.
وخلال الهجوم، وردت مناشدات استغاثة عاجلة من مواطنين محاصرين داخل منازلهم، لا سيما في محيط مسجد "ذو النورين" غرب المخيم الجديد، إلا أن فرق الإسعاف والدفاع المدني لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة نتيجة كثافة النيران وخطورة الوضع الميداني.
ومع ساعات الصباح الأولى من اليوم الثلاثاء، وبعد إعادة انتشار قوات الاحتلال خارج المنطقة، تمكن المواطنون وطواقم الإنقاذ من الوصول إلى المنطقة، وتبيّن أن الطيران الحربي قصف منازل عدة فوق رؤوس ساكنيها، تعود لعائلات أبو عطايا
صيام، وأبو نبهان. وتم انتشال 30 شهيدًا بينهم 12 طفلا و14 امرأة، معظمهم كانوا أشلاء ممزقة، من بينهم جنين وُلد شهيدا بعد استشهاد والدته.
وقال المركز: إن هذه الجريمة، تأتي في وقت تتعمق فيه المأساة الناجمة عن التجويع الإسرائيلي، وباتت تسجل يوميا حالات وفاة جراء سوء التغذية، حيث أعلنت وزارة الصحة، أمس تسجيل 14 حالة وفاة جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليصبح العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 147 حالة وفاة، من بينهم 88 طفلًا.
وأشار المركز إلى أنه في حين تنخرط قوات الاحتلال في حملة دعائية عن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، تظهر متابعة طاقم المركز، أنه لم يحدث أي تغيير جدين حيث دخلت عشرات الشاحنات فقط، مع غياب أي إجراء تأمين، واقتصر وصولها على مناطق تقع في نطاق سيطرة قوات الاحتلال، وهو ما يدفع آلاف المواطنين إلى المخاطرة بحياتهم والوصول إلى هذه المناطق شمال غربي مدينة غزة، وبين خانيونس ورفح، ليجدوا أنفسهم عرضة للنيران الإسرائيلية.
وأكد أن ذلك إلى استشهاد وإصابة العشرات خلال اليومين الماضيين، فيما كان على من نجا أن يخوضوا صراعا وتزاحما شديدا مع بعضهم ليحصلوا على حفنة طحين، بعد أن تنتزع آدميتهم وتمتهن كرامتهن، وهو ما يتنافى مع مبادئ الوصول الآمن للمساعدات، ويجعل من هذه الآلية أداة قتل وهندسة تجويع وليس إنقاذ.
وشدد على أن تعمد الاحتلال تجاهل الحل الجذري، المتمثل في فتح الممرات البرية والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود بكميات كافية ومستقرة، هو جريمة إنسانية قائمة بذاتها. لا يجوز اختزال الاستجابة الإنسانية في مشاهد استعراضية سواء عبر الإنزالات من الجو أو إدخال الشاحنات دون تأمين وتفريغها في مناطق خطيرة، تهدر كرامة الناس وتعمّق مأساتهم.
وحمل المركز المجتمع الدولي بجميع هيئاته مسؤولية فورية ومباشرة، وطالب بتحرك عاجل وفعّال لوقف سياسة الإبادة عبر التجويع والقصف، وإلزام دولة الاحتلال بفتح المعابر والسماح بدخول الإمدادات فورا دون قيود، وتوفير ممرات إنسانية آمنة، ومحاسبة كل من تورط في هذه الجرائم التي تهدد بمحو حياة جيل كامل.
كما طالب الأمم المتحدة وهيئاتها، وخاصة المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، بالتحرك العاجل لإجراء تقييم ميداني شامل للوضع في قطاع غزة، وعدم الانتظار لإعلان قطاع غزة رسميًا منطقة مجاعة من الدرجة الخامسة.
وشدد على أن إنهاء التجويع إنما يتم عبر السماح بلا قيود للمساعدات والبضائع من الوصول إلى قطاع غزة، وتمكين الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة للقيام بدورها، وكل ذلك يتطلب فتح المعابر ورفع الحصار، وضمان حركة آمنة ووقف القصف الإسرائيلي.