اليمين المتطرف بأوروبا بين دعم أجندة ترامب وتحفظ حذر من سياساته
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
باريس- في الوقت الذي توالت فيه ردود الفعل بشأن اللقاء العاصف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، أثارت تصريحات زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان انتقادات فورية من الطبقة السياسية في البلاد.
فعلى هامش جولتها في المعرض الزراعي مطلع هذا الشهر، اعتبرت لوبان أن ما حدث لم يكن "أمرا استثنائيا"، قائلة إن "تمكن زعماء الدول من التحدث إلى بعضهم بعضا بعاطفة ووجود كلمات قاسية أمر طبيعي تماما".
وبينما فتحت لندن ذراعيها لاستقبال زيلينسكي بعد انتهاء زيارته في واشنطن وإعلان دعمها المستمر لكييف، كشف اليمين المتطرف الأوروبي عن وجه آخر "غير منزعج" من تصرفات الحليف الرئيسي للقارة ومتأثر بشكل كبير بسياسات ترامب وخطابه.
خيوط مشتركة
وإذ يبدو أن ولاية الرئيس الأميركي الثانية تلهم الرؤى حول تحالف يميني متطرف في العالم، لا تزال عودته إلى المشهد السياسي محل تساؤلات تحاول الإجابة عن ماهية هذه "النعمة حمالة الأوجه" للفصيل الأوروبي.
وفي هذا الإطار، ترى أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في كلية "كيدج" للأعمال بباريس فيرجيني مارتن أن زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية في فرنسا تحاول الوقوف في منتصف خط رفيع. فمن جهة، لا تشبه نفسها برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن جهة أخرى لا توافق على ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
إعلانوفي حديثها للجزيرة نت، وصفت مارتن كلمة لوبان في الجمعية الوطنية، الاثنين، "بالخطاب الملتوي" وقالت "لم يشر أحد من حزبها إلى ضرورة توفير الوسائل اللازمة لفوز أوكرانيا أو الدخول في اقتصاد الحرب نظرا لأساليب انتخابية سيعتمدون عليها لإقناع الفرنسيين بعدم الموافقة على التضحية من أجل اقتصاد أوكرانيا وحياتها".
أما في ما يتعلق بالتقارب بين لوبان والكرملين، أكدت الخبيرة في الأحزاب السياسية أن بوتين كان سعيدا بمنح الأموال للتجمع الوطني لتمويل حملته الانتخابية، معتبرة أن "تحالف لوبان-بوتين آنذاك كان لضرورة مادية أكثر منها أيديولوجية".
من جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين أولريك بروكنر إلى اختلاف الطيف السياسي في أوروبا من بلد إلى آخر؛ "ففي إيطاليا تقود جورجا ميلوني حكومة ائتلافية يمينية، بينما حقق حزب الحرية بزعامة خيرت فيلدرز مؤخرا فوزا انتخابيا مفاجئا في هولندا، في حين ظلت دول مثل أيرلندا ومالطا والبرتغال -مع ظهور أولى علامات التحذير- معزولة نسبيا عن هذا الاتجاه".
وتابع في حديث للجزيرة نت أن هذه الأحزاب رغم اختلافاتها لديها خيوط مشتركة، كالتشدد بشأن الهجرة، والتشكك في العمل المناخي، ورفض التكامل الأوروبي فوق الوطني، معتبرا أن رئاسة ترامب لعبت دورا رمزيا في تشجيع الحركات اليمينية المتطرفة بأوروبا وتوفير المصادقة الأيديولوجية والتطبيع لقضاياها من خلال دفع الأفكار التي كانت هامشية في السابق إلى الخطاب السياسي السائد.
نذير بالانتصاروفي 8 فبراير/شباط الماضي، أشاد زعماء اليمين المتطرف الأوروبي بأجندة الرئيس الأميركي واعتبروها نذيرا بانتصارات مستقبلية لمعسكرهم، في حدث نظمه حزب فوكس اليميني المتطرف الإسباني في مدريد تحت شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى"، بحضور مارين لوبان وفيكتور أوربان ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني.
إعلانوخلال الاجتماع، قالت زعيمة التجمع الوطني الفرنسي إن القادة الأوروبيين الحاضرين -الذين تمتلك مجموعتهم "الوطنيون من أجل أوروبا" 84 مقعدا في البرلمان الأوروبي- هم الوحيدون القادرون على التواصل والعمل مع إدارة ترامب.
ومن ثم، يرى الأستاذ بروكنر أنه إذا استمر زعماء اليمين المتطرف في اكتساب السلطة وتوحيد قواهم في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى تحولات كبيرة مع مخاوف من تهميش الاتحاد من المحادثات الحاسمة واحتمال عمل هؤلاء كوسطاء بين بلدانهم والولايات المتحدة تحت إدارة ترامب.
ومع ذلك، أضاف بروكنر أن صعود أقصى اليمين يواجه قيودا كبيرة، مفسرا ذلك بالقول إن "القومية المتأصلة في هذه الأحزاب غالبا ما تعيق قدرتها على تشكيل تحالفات متماسكة على المستوى الأوروبي، كما تعمل الطبيعة المتنوعة للمجتمعات الأوروبية كحصن ضد الأيديولوجيات المتطرفة".
ورغم الأيديولوجيات المشتركة، لا يزال أقصى اليمين الأوروبي منقسما إلى 3 مجموعات حزبية في البرلمان الأوروبي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من روسيا إذ تحافظ بعض الأحزاب على علاقات ودية مع نظام بوتين بينما تدعو أحزاب أخرى إلى موقف أكثر صرامة.
وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي الألماني أن تحول الرئيس الأميركي المحتمل نحو موقف أكثر تأييدا لبوتين قد يؤدي إلى إعادة تشكيل هذه التحالفات ويوحد الفصائل اليمينية المتطرفة المتباينة سابقا لأن ترامب وبوتين ينشران الدعاية الروسية نفسها، على حد قوله.
بدورها، لا تعتقد فيرجيني مارتن أن سياسة ترامب تتوافق بالكامل مع اليمين المتطرف الفرنسي على اعتبار أن زعيم حزب "استعادة فرنسا" إريك زمور وشريكته سارة كنافو يمثلان التوجه الأقرب إلى الرئيس الأميركي مقارنة مع لوبان.
وأضافت "أصبحت مارين لوبان شخصية صامتة إلى حد ما وتلعب على وتر نزع الشيطنة وتثبيت دور المؤسسات وإضفاء الشرعية على النظام، في حين لا يهتم ترامب على الإطلاق بكل ذلك ويسعد بخلق لحظات إعلامية تترك من خلفها ضجة كبيرة".
قد يرى البعض تصريحات المستشار القادم المتوقع لألمانيا فريدريش ميرتس بشأن تعزيز أوروبا للتمكن من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة خطوة تنذر بإبراز دور بلاده وتقويتها داخل الاتحاد الأوروبي، لكن السؤال يظل مطروحا بشأن مدى إمكانية تخطي دول القارة الأوروبية للألغام السياسية التي تعاني منها وتوحيد صفوفها أمام تصرفات ترامب التي تكون في معظمها "غير متوقعة".
إعلانوللإجابة عن ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين أولريك بروكنر إلى أن المواطنين -غير السياسيين وغير المبالين بالأنظمة السياسيةـ يدركون أهمية الدفاع عن المجتمع المفتوح والمؤسسات الليبرالية، وهو ما يفسر جزئيا نسبة الإقبال المرتفعة على التصويت بالبلاد والتي تجاوزت 80% قبل أسبوعين.
وأضاف بروكنر "يفهم الناس أن إضعاف النظام السياسي وتقسيم أوروبا يصب في مصلحة القوى الأخرى والتكنولوجيا الكبرى التي لا تريد أن تخضع للتنظيم من قبل الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المناخ السياسي الحالي قد يبدو مضطربا، فقد أثبتت الديمقراطيات الغربية قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ على مر التاريخ".
وقد استطاع ترامب إثبات تأثير أسلوبه السياسي على إستراتيجيات الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا، خاصة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل المباشر، وتبنّي الخطاب الشعبوي، والتركيز على القومية.
وهو ما جعل أولريك بروكنر يوضح أن مفهوم "التعطيل" الذي يدافع عنه ترامب، ويردده مليارديرات وادي السيليكون مثل إيلون ماسك، يتردد صداه لدى هذه الأحزاب في أوروبا، إذ يسعى هذا النهج غالبا إلى قلب المعايير والمؤسسات السياسية الراسخة تحت ستار إعادة السلطة إلى الشعب من النخب السيئة.
وتابع المتحدث أن هذه الأيديولوجيات المشتركة عززت العلاقات الوثيقة بين الحركات اليمينية المتطرفة الأميركية والأوروبية، موضحا أن ذلك يتجلى ذلك في تشكيل مجموعة اليورو باتريوتس من أجل أوروبا، التي تنظر إلى ترامب كزعيم رمزي. وأضاف "كذلك دعمت شخصيات مؤثرة مثل ماسك، من خلال منصته إكس، نشاط شخصيات اليمين المتطرف الأوروبية، مما زاد من ظهورهم وتأثيرهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الیمینیة المتطرفة الرئیس الأمیرکی الیمین المتطرف
إقرأ أيضاً:
ترامب يفرض شروطه على أوروبا.. اتفاق تجاري يكرّس الخلل في ميزان القوة
في لحظة وصفتها أوساط أوروبية بأنها "رضوخ كامل للابتزاز الأميركي"، أعلنت المفوضية الأوروبية والرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى ما يُعد -وفق بلومبيرغ- أكبر اتفاق تجاري في تاريخ العلاقات عبر الأطلسي، ليس فقط من حيث الحجم، بل من حيث طبيعة التنازلات التي قدّمتها أوروبا تحت الضغط.
ويفرض الاتفاق الذي أُبرم خلال لقاء في منتجع ترنبري الاسكتلندي في 28 يوليو/تموز، رسومًا جمركية بنسبة 15% على معظم صادرات الاتحاد الأوروبي إلى أميركا، ويمنح في المقابل امتيازات ضخمة للصادرات الأميركية، وسط جدل داخلي متصاعد داخل العواصم الأوروبية بشأن الكلفة الإستراتيجية المدفوعة لتفادي اندلاع حرب تجارية شاملة.
الضغط قبل التوقيعوبحسب ما أفادت بلومبيرغ، لوّح الرئيس الأميركي قبل ساعات من التوقيع بفرض رسوم تصل إلى 50% على المنتجات الأوروبية ما لم توافق بروكسل على عرضه. ودفعت هذه التهديدات الاتحاد الأوروبي إلى الموافقة السريعة على بنود الاتفاق، رغم وصف بعض الأوساط الدبلوماسية لها بأنها "مجزرة تنظيمية وتجارية".
ووفقًا للتفاصيل التي نشرتها الوكالة، تستمر الرسوم الأميركية بنسبة 50% على الصلب والألمنيوم الأوروبيين، في حين تُخفّض التعرفة الجمركية على السيارات الأوروبية إلى 15% بعد أن كانت تبلغ 27.5%. وفي المقابل ستخفِّض أوروبا رسوم الاستيراد على السيارات الأميركية من 10% إلى 2.5% فقط، وهو ما يمثل مكسبًا حاسمًا لصناعة السيارات الأميركية.
وترى بلومبيرغ أن هذه الصفقة لم تكن تقنية أو اقتصادية فقط، بل جاءت ضمن مسار سياسي واضح يربط بين الأمن والدفاع والتجارة، بعد أن سبقتها موافقة أعضاء الناتو على رفع مساهماتهم الدفاعية إلى أعلى مستوى منذ نهاية الحرب الباردة، تجنبًا لانسحاب أميركي محتمل من الحلف.
كلفة أمنية وتجارية وسياسيةوفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب توقيع الاتفاق، أعلن ترامب أن أوروبا ستشتري طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار -تشمل الغاز الطبيعي المسال والنفط والوقود النووي- إلى جانب ضخ استثمارات مباشرة بقيمة 600 مليار دولار، بحسب ما أوردته بلومبيرغ.
إعلانوتشمل هذه الاستثمارات أيضًا صفقات تسليح كبرى، وذلك في وقت أعلن فيه ترامب أن أوروبا "ستدفع ثمن الأسلحة الأميركية" المرسلة إلى أوكرانيا، في تحول إستراتيجي كبير في آلية تمويل الدعم العسكري لكييف.
وفي الخلفية، تستمر روسيا في تصعيدها العسكري، كما ظهر في الهجوم بطائرات مسيرة على سوق بريفوز في مدينة أوديسا الأوكرانية بتاريخ 24 يوليو/تموز الجاري، في حين تزداد المؤشرات على تراجع الحماس الأميركي للتورط المباشر في الحرب.
وبينما ترى إدارة ترامب أن هذه الصفقة تُحقق أهدافها في إعادة التوازن إلى العلاقات التجارية، فإن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي بات جليًا. فقد وصفت الحكومة الفرنسية، بحسب بلومبيرغ، الاتفاق بأنه "خضوع غير مسبوق"، وصرّح رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بأن هذا "يوم مظلم في تاريخ الاتحاد". أما المستشار الألماني فريدريش ميرتس فرحب بالاتفاق بتحفظ، وقال إنه "كان يأمل بتخفيف أكبر في الرسوم الأميركية على الصناعات الألمانية".
عواقب عابرة للحدودوترى بلومبيرغ أن هذه الصفقة هي حلقة ضمن سلسلة اتفاقات متتالية فرضها ترامب على حلفاء أميركا في آسيا وأميركا اللاتينية. إذ توصلت إدارته في الشهور الماضية إلى اتفاقات جديدة مع اليابان وفيتنام والبرازيل والهند، بينما تُجري مفاوضات حساسة مع الصين لتمديد فترة وقف الرسوم الجمركية المتبادلة التي تنتهي منتصف أغسطس/آب.
وتوضح الوكالة أن هذه السياسة أعادت رسم خريطة التجارة العالمية بشكل أحادي، ليرتفع متوسط الرسوم الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوياته منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أي إلى أكثر من ستة أضعاف ما كان عليه عند تولي ترامب الرئاسة في 2017، وفقًا لبيانات لجنة التجارة الدولية الأميركية التي نشرتها بلومبيرغ.
وفي هذا السياق، يرى محللون تحدثت إليهم الوكالة أن الدول التي طالما اعتبرت أميركا شريكًا موثوقًا، بدأت تعيد حساباتها الإستراتيجية، إذ لم تعد المظلة الأميركية ضمانًا، بل باتت في نظر البعض مصدرًا محتملًا للضغط والابتزاز.
وتنقل بلومبيرغ عن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قوله: "الرسالة واضحة جدًا وهي أن الاعتماد على واشنطن لم يعد خيارًا آمنًا، بل مخاطرة محققة".