الشعر هو الفطرة البيضاء للإنسان والنشيد الذي يتردّد صداه عبر الأجيال، ليس لسان حال القبيلة كما كان سابقًا فحسب، بل هو لسان حال القلب والفكر في شتّى أحوالهما، وجوهر الشعر الحقيقي: الصدق في التعبير وجمالية اللغة، وقد اقترب الشعر المعاصر أكثر من نبض الحياة اليومية، متأثرًا بالتحولات الرقمية وقضايا الإنسان المعاصر مثل الغربة والانتماء وهواجس المستقبل.
ونحن على عتبة يوم الشعر العالمي الذي يصادف في 21 مارس (أذار) من كل عام، يناقش موقع 24، شعراء ونقاد، لهم باع طويل في فن الشعر، ويسلط الضوء على ما استجد من أمور تتعلق بمفهوم الشعر في العصر الحالي، ونظرتهم إلى سمات القصيدة الأقرب لذائقة العصر.
يقول الشاعر والكاتب الفلسطيني محمد إدريس: مع تسارع التغيرات الثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، شهد مفهوم الشعر تحولات جوهرية أثرت في تعريفه وبنيته وملامحه الفنية، لم يعد الشعر مجرد تعبير إيقاعي عن العواطف والأفكار، بل أصبح فضاءً إبداعيًا مفتوحًا، يتفاعل مع المستجدات الرقمية ويعيد تشكيل رؤى الإنسان في عصر السرعة والمعلومات".
وعن تحولات مفهوم الشعر، يضيف: "ظل الشعر، عبر العصور، مرآة للذات والمجتمع، محكومًا بإيقاعات وأوزان محددة، ومع تطور الثقافة الإنسانية وظهور التيارات الحداثية، تحررت القصيدة من قيود الأشكال التقليدية، مما أتاح للشعراء مساحة أوسع للتعبير بحرية، وسمح باندماج الشعر مع أشكال فنية أخرى كالموسيقى والفنون البصرية، وحتى التكنولوجيا الرقمية."وبالنسبة لملامح القصيدة الحديثة، يوضح: "أصبحت القصيدة المعاصرة أكثر تكثيفًا وانسيابية، حيث تميل إلى الاقتصاد في الكلمات والتركيز على الصورة الشعرية، مع الحفاظ على الإيقاع الداخلي المتولد من تفاعل المفردات، لم تعد الموسيقى الخارجية (القافية والوزن) هي العنصر الأهم، بل بات الإيقاع ينبع من تناغم المعاني والصور، كما اقترب الشعر أكثر من نبض الحياة اليومية، متأثرًا بالتحولات الرقمية وقضايا الإنسان المعاصر مثل الغربة والانتماء وهواجس المستقبل".
وعن رؤيته لقصيدة النثر يذكر: " بلغة العصر في ظل هذه التحولات، تبرز قصيدة النثر كأحد أكثر الأشكال الشعرية قدرة على استيعاب روح العصر، إذ تمنح الشاعر حرية مطلقة في البناء والصياغة، دون الالتزام بأنماط تقليدية، هذه الحرية لا تعني الفوضى، بل هي إعادة تشكيل للغة بما يتناسب مع إيقاع الزمن الرقمي، حيث تمزج بين اللغة الشعرية الكثيفة والعبارات السريعة المباشرة التي تتناسب مع متغيرات العصر".
وحول الشعر والتكنولوجيا يقول: "تجربة تفاعلية جديدة مع التطور التكنولوجي، دخل الذكاء الاصطناعي إلى عالم الإبداع، مما فتح آفاقًا جديدة لتفاعل الإنسان مع النصوص الشعرية، تجربتي في دمج الذكاء الاصطناعي بالشعر كشفت عن إمكانيات غير متوقعة، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكًا في استكشاف اللغة والإيقاع والرؤية الشعرية، دون أن تفقد القصيدة جوهرها الإنساني".
ويذكر الشاعر محمد إدريس: "رغم كل التحولات، يبقى الشعر فنًا حيًا متجددًا، قادرًا على التكيف مع العصر دون أن يفقد أصالته، ومع استمرار تطور الوسائل الإبداعية، سيظل الشعراء يسعون إلى استكشاف مسارات جديدة تعكس روح الزمن الذي يعيشون فيه، دون أن يتخلوا عن جوهر الشعر الحقيقي: الصدق في التعبير وجمالية اللغة".
ويضيف: "عندما ننظر إلى نهر الشعر العربي اليوم، نراه نهراً جميلاً يشق الأرض العربية من أقصاها إلى أقصاها، ينشر الخصب، وينشر الجمال على ضفتيه، ولهذا النهر العظيم 3 روافد مختلفة، تصب فيه، وتحافظ عليه، وتضمن تدفقه واستمراه، وتتمثل هذه الروافد في الأشكال الشعرية الثلاثة الراهنة لهذا العصر، وهي الشكل العمودي، وشكل التفعيلة، والشكل الحر ( قصيدة النثر )، للأسف الشديد أن معظم المؤسسات الثقافية الرسمية في عالمنا العربي لا تمتلك مثل هذه الرؤية الشعرية المتقدمة، و لا يزال أكثرها ينكر الرافد الثالث، ولا يعترف به أبداً، مما تسبب في حرمان نهر الشعر العربي من رافد من أهم روافده الجديدة والرائعة، الذي استطاع أن يبرهن على قوته وحيويته في شتى الظروف، وفي كافة المناسبات.
يرتبط الشعر العربي عادة بالموسيقى، وباللغة العربية الجميلة، حيث يعبر عن الأحاسيس والرؤى والافكار الإنسانية الراقية، وعلى رأس هذه الأمور، تأتى عاطفة الحب، هذه العاطفة الجميلة التي تجمع بين البشر، و تفجر الطاقات، وتلون الحياة بألوان قوس قزح ".
ويقول الشاعر والناقد السوري مصطفى أحمد النجار: "لا ريب أن الشعر يستحق أن يُخصص له في كل عام (يوم الشعر العالمي) إشارة إلى الاهتمام الرمزي بقيمته الجماليّة والروحيّة وهو عند العرب فنّ العربية الأول، وديوانها الذي يشكّل حيزًا واسعًا من تراث الأمة، والشعر كما هو معروف الفن الجميل الذي تفتخر به سائر الأمم".
ويضيف: "الشعر هو الفطرة البيضاء للإنسان والنشيد الذي يتردّد صداه عبر الأجيال، ليس لسان حال القبيلة كما كان سابقًا فحسب، بل هو لسان حال القلب والفكر في شتّى أحوالهما، فهو حليب الرّوح في قيظ ماديات الواقع، والرعشات التي تُنعش جفاف الحياة، وبرغم منافسة الرواية للشعر واحتلالها مقعده كما رأينا، فهي لا تستغني عنه، إذ يشكل أحد مقومات نجاحها وشهرتها، ولا ريب أن مفهوم الشعر يختلف من شاعر إلى شاعر في العالم و لكن يأتلف الإجماع على أهمية تأثيره في متلقّيه إن كان صادقًا".
ويوضح النجار: "لقد طرأ على الشعر تبدّلات جذريّة أو ثانويّة خلال مسيرته المديدة فلن يعُد كما وصفه الناقد العربي قُدامة بن جعفر: "الشعر كلام موزون"، هذه التحولات أضافت الحياة إليه، بضخّ دم جديد في أوصاله، إذ قام شعراء من عدّة أقطار عربية بهذه المهمة، عبر حركة الشعر الحرّ في أربعينات القرن العشرين، متأثرين بموجة ( المثاقفة) أو موجة التأثّر الآتية مع رياح الآداب العالمية، فكانت الحصيلة ولادة أشكال جديدة، أضيفت إلى الشعر العربي المعروف، و كانت بداية مرحلةٍ ازدحمت فيها القرائح الشعرية، و محاولات التجريب و ارتياد آفاق جديدة و ولادة قصائد، منها راوَح في حيّز التقليد، و منها من أضاف إلى الحياة حيوية تستحق لقب القصيدة التي حققت شرطيها الجمالي ومحتواها الحضاري، كما شكلت القصائد بتنوعها قوس قزح يرمز إلى طموحات الإنسان المعاصر، وإلى أوجاعه فالشاعر الذي يضيف بإبداعه و بزاوية رؤيته للحياة والكون والإنسان هو حاضر و مجدّد في وجدان المتلقّي مهما كان شكل قصيدته، يظل منتميًا إلى جذور أمته".
وعن سمات القصيدة الأقرب إلى ذائقة العصر يقول مصطفى النجار: "في المشهد الشعري العربي المعاصر، ثمّة أصوات شعرية ونقدية أرادت من الشعر مرآة لعصرها وبيئتها، استطاعت كتابة قصيدة معاصرة، بمعنى أنها مرتبطة بالواقع بالبيئة المحلية، (المحلية طريق سالك إلى العالمية) بما انعكس في شخصية الإنسان المعاصر من تأثيرات جديدة ومستجدّة.
كتابة قصيدة تتوافر فيها سمات الصدق الواقعي، والنفسي والمشترك الإنساني، بين المرسل والمتلقي، فمن قرأ دواوين الشعر في تاريخنا المعاصر، سيقع على نمطين الأول: تعامل مع الواقع ومستجداته التكنولوجية، مثلًا ببساطة أشبه بالوصف السطحي والمقولات التي تشير إلى وسائل التطور الصناعي والالكتروني، بمعنى آخر هي أشبه بقصائد (مفبركة) لا تحمل شعورًا خاصًا.
والثاني: شعراء كان تفاعلهم مع العصر الراهن، مع العصر الذي عايشوه شعوريًا إذ أخضعوا الواقع وما يمرّ فيه من أحداث، ووقائع ومستجدّات، وظروف طارئة إلى مختبر شعورهم، وحوّلوا القضايا العامة إلى قضايا شخصية، فجدّدوا بالشكل وصدقوا في تصوير التجربة الإنسانية جماليً.
المهم أن تنطق القصيدة الجديدة بسماتٍ جديدة، تفيد من كلّ شيء حولها، تُفيد من الشعراء الأجداد، ومن التراث العالمي، من هؤلاء من تفاعل وجدّد في هذا المضمار بتوازن، ومنهم من غالى وعزل قصيدته عن المتلقي وعن الحياة بذريعة أنه يكتب للمستقبلِ".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ثقافة وفنون الإنسان المعاصر الشعر العربی لسان حال
إقرأ أيضاً:
احتفالا بعيد مطروح القومى..مسابقة في الشعر الشعبى عن معركة وادى ماجد
نظمت لجنة التراث بمحافظة مطروح مسابقة في الشعر الشعبى تحت عنوان: (وادى ماجد صفحة مشرقة في تاريخنا المعاصر) وذلك بمكتبة مصر العامة .
ياتى ذلك تحت رعاية اللواء خالد شعيب محافظ مطروح وفي إطار فعاليات لجنة التراث الثقافي والطبيعي بمطروح احتفالا بالذكرى العاشرة بعد المائة لمعركة وادي ماجد، التي تتخذها محافظة مطروح عيدا قوميا فى شهر ديسمبر من كل عام،
حيث شارك في المسابقة عدد من الشعراء بمطروح ، وضمت لجنة التحكيم الشاعر جبريل موسى بو جديدة رئيس نادى الأدب المركزي بمطروح، .
وأسفرت المسابقة عن فوز كل من:
المركز الأول : الشاعر العبس حمزة
المركز الثاني : نصر يحيى عبد ربه
المركز الثالث : محمد رجب الجبيهي
المركز الرابع: صالح الجراري
المركز الخامس: عبد العال العوامي
المركز السادس : عبد العال فرج
المركز السابع: غنيوة عند الرحيم
هذا وسوف يتم تكريم الفائزين في الإحتفالية الكبرى للعيد القومي للمحافظة، بجوائز مالية وشهادات تقدير. بمكتبة مصر العامة يوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025.
كما تواصل لجنة التراث فعالياتها على مدار ديسمبر الجارى برعاية المحافظ وبدعم من نواب المحافظة كالتالى :بإقامة مهرجان الفروسية يوم الخميس 18 ديسمبر وأمسية بنادي الأدب بمدينة براني يوم 22 ديسمبر إحتفالية بجامعة مطروح يوم 29 ديسمبر .
من ناحيةاخرى وفى وقت سابق.تفقد الدكتور إسلام رجب نائب محافظ مطروح اليوم أعمال تطوير سوق مطروح العمومي بمدينة مرسى مطروح والتي تتم بالجهود الذاتية تمهيدا لإعادة تشغيله، يرافقه المهندس محمد العشري مدير مديرية الطرق، وناصر النجار نائب رئيس المدينة ، والعميد طارق عرفان مدير المواقف الموحدة والمهندس عمر حافظ ممثل شركة مياة الشرب ، و المهندسة نجلاء حافظ مدير وحدة متابعة المشروعات بالمحافظة.
وخلال الجولة، تفقد نائب المحافظ أعمال تركيب الانترلوك بمنطقة محيط السوق ، ومتابعة تأهيل الصرف العمومي داخل وخارج السوق وتنظيم المداخل والمخارج وأماكن تسكين الباعة داخل السوق بما يسمح بتنظيم الحركة داخل السوق.
وعلى هامش الجولة تفقد نائب المحافظ موقف سيارات الأجرة للضبعة ورأس الحكمة ومتابعة انتظام حركة السيارات بالموقف ووجه بضرورة الالتزام بالتواجد داخل الموقف حفاظا على الشكل الحضاري.
وأكد نائب المحافظ أن أعمال التطوير تأتي ضمن خطة شاملة لإعادة تنظيم منطقة وسط البلد، واستعادة الشكل الجمالي والحضاري لمدينة مرسى مطروح بما يتناسب مع مكانتها كمدينة سياحية تستقبل الزائرين على مدار العام، موجهاً بالالتزام بالجداول الزمنية وسرعة إنجاز الأعمال.