الانقسام يضرب ديوان المحاسبة الليبي.. ما دور الدبيبة وحفتر؟
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
طرحت أزمة الانقسام الجديدة التي ضربت ديوان المحاسبة الليبي بعض الأسئلة حول تداعيات الخطوة على ممارسة الرقابة والمحاسبة على المؤسسات والمسؤولين في البلاد وما إذا كان الخلاف سياسي أكثر منه قانوني.
وتتلخص أزمة ديوان المحاسبة، أعلى سلطة رقابية مالية في البلاد، في تنازع الرئاسة بين "خالد شكشك"، المدعوم من البرلمان وواللواء المتقاعد خليفة حفتر مع نائبه المعين حديثا "عطية الله السعيطي"، المدعوم من طرابلس والذي يشكك في شرعية الأول بعد صدور حكم من محكمة طرابلس يعفيه من مهامه كرئيسا للديوان.
"الدبيبة والبرلمان"
وأصدرت محكمة جنوب طرابلس الابتدائية حكما يقضي بإيقاف رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، عن العمل بناءً على انتهاء ولايته، ما دفع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "الدبيبة" لاعتبار شكشك غير شرعي وأن نائبه هو المكلف برئاسة الديوان.
في المقابل، رفض مجلس النواب هذه الخطوة كون رئاسة ديوان المحاسبة من المناصب السيادية التي لا يبت فيها إلا بقرار من مجلسي النواب والدولة، وسط مطالبات باستمرار شكشك رئيسا للديوان لحين حسم هذا المنصب.
كما أن شكشك نفسه رفض القرار وتقدم بطعن قانوني، مؤكدًا تمسكه بمنصبه كون المحكمة غير مخولة بالتدخل في ملف المناصب السيادية التي ينص الاتفاق السياسي الليبي على تبعية الملف لمجلسي النواب والدولة وفقط.
"تهديد محلي ودعم دولي"
من جهته، وجّه وكيل ديوان المحاسبة، عطية الله السعيطي، خطابا رسميا طالب فيه رئيس الديوان، خالد شكشك، بتسليم مهامه تنفيذاً للأحكام القضائية الصادرة بحقه، متهما إياه بانتحال الصفة والاستمرار غير القانوني في ممارسة مهامه، معتبرًا أن تجاهله للأحكام القضائية يمثل خرقاً واضحاً للقانون، كما شدد على أن الديوان سيتخذ إجراءات قانونية صارمة في حال عدم امتثاله"، وفق الخطاب.
في سياق آخر، أكدت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا دعمها لديوان المحاسبة وقيادته (شكشك) بعيدًا عن أي تدخلات سياسية، كون المؤسسة الرقابية تلعب دورًا أساسيًا في ضمان الإدارة الفعالة للمالية العامة، ويعد مؤسسة محورية لتعزيز الثقة الدولية في ليبيا، مشددة على ضرورة احترام استقلالية ونزاهة الديوان من قبل جميع الأطراف السياسية.
كما أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها العميق إزاء الوضع المتدهور لديوان المحاسبة، محذرة من أن استمرار الصراع قد يُقوّض جهود مكافحة الفساد والشفافية المالية.، داعية جميع الأطراف إلى احترام ولاية الديوان وتجنب تسييس المؤسسات السيادية، لما لذلك من تداعيات على استقرار البلاد وحوكمتها.
فما تداعيات حالة الانقسام التي ضربت ديوان المحاسبة الليبي؟ ومن المستفيد؟
"شرعية شكشك"
من جانبه، أكد عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همومة أن "رئاسة ديوان المحاسبة من المناصب السيادية التي نص الاتفاق السياسي على أن تنصيب رئيس لها يكون بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة".
وأكد في تصريحاته لـ"عربي21" أنه "رغم صدور حكم قضائي ضد رئيس الديوان، خالد شكشك بعدم شرعيته إلا أنه يبقى حكم لا نهائي ما يعني ما لم يتوافق المجلسان على بديل لشكشك لايستطيع أحد أن يقوم بتغييره مهما كبرت المليشيات المسلحة التي تريد إزاحته"، وفق قوله.
وأضاف: "هذا الأمر هو ما جعل الدول الكبرى تدعم استقلالية ديوان المحاسبة واستمرار رئيسه كون هذه الدول تحترم تعهداتها بضمان تطبيق الاتفاق السياسي التي كانت هي الراعية له وبضماناتها والذي أصبح جزءاً من الإعلان الدستوري"، كما صرح.
"نفوذ حفتر والدبيبة"
في حين رأى الكاتب السياسي الليبي، محمد بويصير أن الأزمة الحالية لديوان المحاسب "هي مؤشر على تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة في طرابلس ليتخطى المؤسسات الحكومية، ولا أستغرب أن يطال سلطات حكومية أخرى قريبا، كون السلطة الحقيقية فى ليبيا هي للجماعات المسلحة شرقا وغربا كونها من يملك الأنياب والمخالب أما الباقي فيتحول بالتدريج إلى تسميات شكلية".
وأشار خلال تصريحه لـ"عربي21" إلى أن "مجلس النواب نفسه هو تسمية شكلية فالأنياب لدى حفتر وجيشه والبرلمان لا يستطيع حتى الاحتجاج على تغييب أعضاءه إذا كان الاشتباه يشير نحو حفتر وقواته، ونفس الشيء في طرابلس فالنفوذ الحكومي يتآكل بالتدريج والدبيبة يحاول استرضاء الجماعات المسلحة للبقاء، وهو أداءه جيد مثل أداء عقيلة فى الشرق"، حسب وصفه.
وتابع: "لذا الحل الممكن هو إيجاد صيغة للتفاهم بين جيش الشرق وجماعات الغرب للحفاظ على البلاد ووحدة أراضيها، مع تأجيل كل المطالبات الأخرى غير الممكنة الآن، فالسياسة فن الممكن.. فقط الممكن". وفق قوله.
"تسييس وغياب الرقابة والمحاسبة"
الأكاديمي والإعلامي الليبي، عاطف الأطرش قال من جانبه إن "هذه الأزمة هي من بين الأزمات الخطيرة التي يواجهها ديوان المحاسبة إثر الصراع بين شكشك المدعوم من البرلمان ونائبه السعيطي، المدعوم من المجموعات المسلحة في طرابلس، مما عزز من مشهد الانقسام القانوني والإداري، والذي أفضى إلى إنشاء مقرين منفصلين للديوان، مما يهدد بشكل كبير نزاهة المؤسسة الرقابية الأهم في ليبيا".
وأوضح أن "اللاعبين الدوليين الكبار لم يتجاوزوا الأمر، بل شددوا على ضرورة احترام استقلالية الديوان ورفض أي محاولات لإقالة شكشك خارج الأطر القانونية، في المقابل يعكس الانقسام الداخلي خطر تسييس المؤسسات السيادية مما قد يفتح الباب أمام فساد مالي وإداري غير خاضع للرقابة"، وفق تقديره.
وتابع: "استمرار هذا النزاع دون حلول جذرية يهدد بإضعاف آليات المساءلة والشفافية في ليبيا، ويجعل من الضروري التوصل إلى تسوية تحفظ حيادية واستقلالية ديوان المحاسبة، باعتباره صمام الأمان في مواجهة الفساد وسوء الإدارة"، حسب تصريحاته لـ"عربي21".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الانقسام ديوان المحاسبة حفتر الدبيبة ليبيا ليبيا الانقسام حفتر ديوان المحاسبة الدبيبة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دیوان المحاسبة المدعوم من خالد شکشک فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
بعد إعلان حكومة "تأسيس"...ما أسباب حالة الانقسام في السودان؟
ألقى إعلان حكومة تحالف السودان الجديد "تأسيس" يوم السبت في مدينة "نيالا" باقليم دارفور، الضوء على حول حالة الانقسام الكبير الذي يعيشه السودان منذ اندلاع الحرب في منتصف ابريل 2023، فما أسباب ذلك الانقسام وما المآلات المحتملة من وجود حكومتين في البلاد في ظل وجود حكومة أخرى في بورتسودان بقيادة الجيش؟.
وعزا مراقبون حالة الانقسام الحالية إلى خمس ممارسات أفرزتها الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع.
وقال المراقبون إن انتشار خطاب الكراهية، وهجمات طيران الجيش التي أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين في دارفور، والمزاعم باستخدام أسلحة محرّمة دوليًا هناك، إضافة إلى قانون "الوجوه الغريبة" الذي استهدف إثنيات دارفورية في مناطق سيطرة الجيش، وحرمان الكثيرين من حق استخراج الأوراق الثبوتية، وخطوتي إقامة الامتحانات القومية وتغيير العملة في مناطق الشمال والوسط والشرق قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار يضمن استفادة سكان غرب السودان من الخطوتين – جميعها عوامل أجّجت "غبنًا شعبيًا" كبيرًا في أجزاء واسعة من إقليمي دارفور وكردفان.
ويأتي هذا في ظل محاولة كل طرف الدفاع عن موقفه؛ ففي حين قال علاء الدين نقد، المتحدث باسم تحالف "السودان الجديد – تأسيس"، إن التحالف يسعى لضمان حقوق "جميع السودانيين"، ملقيًا باللوم على تنظيم الإخوان في محاولة فصل إقليمي دارفور وكردفان، اتهمت وزارة الخارجية في بورتسودان، في بيان يوم الأحد، الأطراف المكوّنة لحكومة "تأسيس" بالانخراط في "مؤامرة للاستيلاء على السلطة".
شرخ إثني
ووفقًا لخالد كودي، الأستاذ في الجامعات الأميركية، فإن ما يتعرض له المدنيون في دارفور وكردفان من حرمان من الحصول على الأوراق الثبوتية، وملاحقتهم بقانون "الوجوه الغريبة"، يُعد انتهاكًا "ينسف مبدأ المواطنة المتساوية ويُعمّق الشرخ الإثني–الجهوي، وبالتالي يُغذّي شعورًا واسعًا بالغبن".
لكن كودي يشير في حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن هذه الأفعال ليست السبب الجذري الوحيد، بل هي "تفجيرات جديدة لمرض قديم، هو بنية الدولة المركزية الإثنوقراطية التي راكمت تمييزًا تاريخيًا"، بحسب تعبيره.
ويحذر كودي من أن تؤدي هذه الأفعال التمييزية إلى "تآكل شرعية الوحدة القسرية، ودفع قطاعات متزايدة نحو مطالب الحكم الذاتي أو تقرير المصير".
ويرى أن الحل يكمن في التوافق على رؤية جديدة تستعيد الثقة، عبر تبني نظام ديمقراطي علماني لامركزي، يقوم على العدالة والمساواة الاجتماعية، وتفكيك الطابع العسكري–الأمني للدولة، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة على أسس مهنية مدنية.
مسار معقد
يلقي مهدي داود الخليفة، وزير الدولة الأسبق بوزارة الخارجية السودانية، باللوم على الحرب الحالية التي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية.
ويشير الوزير السابق إلى أن إعلان حكومة "تأسيس" سيؤدي إلى دخول البلاد في مسار معقّد، ينتهي إما بتسوية تاريخية شاملة، أو بتفكك الدولة السودانية. ويشدد على أن المخرج الوحيد يتمثل في وقفٍ عاجلٍ لإطلاق النار لأغراض إنسانية، "يفتح الطريق أمام حوار وطني شامل لإقامة دولة مدنية تقوم على احترام المواطنة والعدالة، والوصول إلى جيش مهني قومي، بعيدًا عن عسكرة السياسة ومنطق الميليشيات".
ويضيف: "فيما يتعلّق بالسياق السياسي والإقليمي، فإن إعلان حكومة (تأسيس) يعكس حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، وفشل المبادرات الإقليمية والدولية في إيقاف الحرب، ووضع خارطة طريق سياسية".
ويتوقع الخليفة أن يتعامل المجتمع الدولي مع حكومتي بورتسودان ونيالا كأمر واقع، دون منح أي منهما اعترافًا رسميًا، مع الاكتفاء بالتركيز على الملف الإنساني.
ويشرح رؤيته للموقف الداخلي واكتساب الشعبية بالقول: "رغم فشل الدولة المركزية لعقود، ما زالت الوحدة تمثل قيمة رمزية كبرى في الوعي الجمعي السوداني، مما يجعل أي خطوة نحو حكم موازٍ مثار رفض شعبي. لكن، مع ذلك، فإن استمرار الحرب، وانهيار الخدمات، وفقدان الأمل في حكومة بورتسودان، قد يدفع بعض القوى المحلية لدعم حكومة (تأسيس) كخيار واقعي، لا مبدئي".
شبح الجنوب
تتزايد المخاوف من أن تؤدي الأوضاع الحالية إلى انقسام جديد يعيد إلى الأذهان عملية انفصال الجنوب في عام 2011، والتي جاءت بعد حرب أهلية تُعد الأطول في إفريقيا، إذ استمرت لأكثر من نصف قرن، وفقد السودان بسببها نحو ثلث مساحته.
وتتعزز تلك المخاوف في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة؛ ففي حين يسيطر الجيش على العاصمة الخرطوم ومناطق شرق وشمال ووسط البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور (باستثناء مدينة الفاشر)، وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان، وهما يشكلان أكثر من 45% من مساحة السودان الحالية، البالغة نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع، إذ تبلغ مساحتهما مجتمعتين نحو 870 ألف كيلومتر مربع.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي فايز السليك أن تشكيل حكومة ثانية هو تأكيد على ماراثون "البحث عن الشرعية"، مبدياً، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، تخوفه من أن يكون ذلك "بداية لمشروع انقسام إضافي".