المثالية مفهوم يشغل فكر الإنسان عبر العصور؛ فهي تعني السعي نحو الكمال، والتصرف وفق أرقى المبادئ الأخلاقية. لكنها في كثير من الأحيان تبدو كفكرة نظرية، أكثر من كونها واقعًا ملموسًا. فالكثيرون يتحدثون عنها، ويدّعون الالتزام بها، لكنهم لا يطبقونها إلا في الظروف التي تناسبهم، ما يجعلها تبدو وكأنها وهمٌ نقرأ عنه أكثر مما نراه في حياتنا اليومية.


في عالم مثالي، يُفترض أن يسود العدل، ويكون الجميع صادقين وأوفياء، ولكن الواقع ليس كذلك. فالبشر ليسوا مثاليين بطبيعتهم، بل هم مزيج من الخير والضعف، والعدل والهوى؛ ولهذا، فإن المثالية المطلقة، قد تكون عبئًا على الإنسان، إذا جعلته يضغط على نفسه؛ ليظهر بمظهر مثالي دائمًا، حتى عندما يكون ذلك على حساب مشاعره الحقيقية أو حقوقه.
هناك من يستخدم المثالية كأداة لفرض توقعات غير واقعية على الآخرين؛ مثل مطالبة الضحية بمسامحة الجاني، دون حصولها على حقها، أو دعوة شخص تعرض للخداع، إلى التغاضي، وكأن شيئًا لم يكن. لكن القرآن الكريم يخاطب الناس وفق قاعدة العدل والمثل، حيث يقول تعالى:“ هل تجزون إلا بما كنتم تعملون”. ويؤكد في مواضع أخرى على مبدأ الجزاء بالمثل:” من يعمل سوءًا يجز به”. فمن الخطأ أن يُطلب من الإنسان المثالية المطلقة، بينما يُجازى بغيرها، لأن هذا ينافي عدالة الله وسننه في الكون.
الحياة قائمة على الموازين العادلة، فمن ظلم غيره لا بدّ أن يذوق جزاء ظلمه، كما قال تعالى:” نسوا الله فنسيهم”. فمن يتجاهل الحق، ويتمادى في الخطأ، لا يُنتظر منه إلا أن يُعامل بالمثل. حتى في سياق المكر والخداع، يبين القرآن أن الله يرد كيد الظالمين إليهم، فيقول:” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.
بدلًا من التمسك بالمثالية المطلقة، من الأفضل البحث عن التوازن. ليس من الضروري أن يكون الإنسان مثاليًا طوال الوقت، ولكن الأهم أن يكون صادقًا مع نفسه، وعادلًا في قراراته، ويكيل بنفس المكيال الذي كيل له به، لأن العدل أساس التعامل بين البشر. يمكننا أن نسعى لنكون أشخاصًا أفضل، لكن دون أن نقع في فخ المثالية الزائفة، التي تجعلنا نعيش وفق معايير غير واقعية. التوازن هو الحل، فهو يسمح لنا بأن نكون أخلاقيين وعقلانيين في الوقت نفسه، دون أن نفرض على أنفسنا ما لا يمكن تحمله؟
المثالية قد تكون قيمة جميلة، لكنها ليست دائمًا عملية أو عادلة. الأهم هو أن ندرك أن الإنسان ليس معصومًا من الخطأ، وأن نبحث عن طريق وسط بين القيِّم والمواقف الواقعية، حيث نعيش بسلام داخلي، دون ضغط السعي وراء وهم الكمال.
وقفة:
بالمثل، كل شيء بالمثل. الطيب مع الطيب، والعدل مع الجميع، ومن اختار طريق الظلم أو الخداع؛ فسوف يُجازى بما قدمت يداه.المثالية بين الوهم والواقع.. عندما يكون العدل أولى من التسامح.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

القانون القديم والواقع الجديد.. من يضبط الكلام في زمن فيسبوك؟

3 يونيو، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت الأصوات في العراق مجددًا تطالب بترسيم الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وبين جرائم التشهير والإساءة، مع تنامي حضور وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي لتشكيل الرأي العام.

وواجه مستخدمون كثر خلال السنوات الماضية دعاوى قضائية على خلفية منشورات على فيسبوك أو تغريدات وُصفت بأنها “إساءة إلى رموز الدولة” أو “تحريض على الكراهية” أو “تسقيط سياسي”، ما سلّط الضوء على هشاشة التوازن بين حرية التعبير وصرامة بعض نصوص قانون العقوبات.

وأوضح الخبير القانوني علي التميمي، الفرق بين النقد والانتقاد والاساءة لمؤسسات الدولة، مشيرًا إلى ضرورة التمييز بين هذه المفاهيم في ظل تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وقد اقترح أيضًا إنشاء قسم خاص في هيئة الاعلام والاتصالات لمراقبة ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال التميمي، أنه لا يوجد تعريف واضح للفرق بين النقد والانتقاد، وهو الأمر الذي يعتبر محيرًا خاصةً مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وتابع ان قانون العقوبات ميز بشكل واضح بين السب والقذف والتشهير في المواد ٤٣٣ الى ٤٣٦ منه والتي تتراوح عقوبتها بين سنة إلى خمس سنوات حسب الحال والظروف، وهو مايندرج ضمنه مايسمى التسقيط السياسي.

واستندت معظم القضايا إلى مواد قانون العقوبات الموروث من عام 1969، لا سيما المواد 433 و434 و435، التي تعاقب بالحبس على القذف والسبّ، دون مراعاة تطور البيئة الرقمية.

واستدعى هذا الوضع مقارنات مع أحداث بارزة وقعت خلال السنوات الماضية.

ووقعت حوادث مماثلة في 2015 و2019، أبرزها اعتقال ناشطين من كربلاء والنجف بعد بث فيديوهات تنتقد الفساد وسوء الإدارة.

وساهم انفجار المنصات الرقمية بعد احتجاجات تشرين 2019 في بروز حالة جديدة من التعبير السياسي المفتوح، ما جعل السلطات في وضع مربك بين ضبط الخطاب العام وضمان الحق الدستوري بحرية التعبير المكفولة في المادة 38.

ويرى التميمي أن النقد يراد منه الإصلاح والتقويم والخير في حين ان الانتقاد هو لوم وكشف المستور ونشر الغسيل، مبينا ان النقد يخلو من ركن الجريمة المعنويوالذي هو أساس جرائم السب والقذف والتشهير.

وتابع ان الانتقاد هو إسناد واقعة لشخص اذا صحت جعلته موضع ازدراء في قومه وايضا هو المساس بالمشاعر، والنقد هو حسن النوايا وهو ظاهر الخير وباطن الجمال، مضيفا ان الانتقاد يخالف العادات والتقاليد والاعراف السائدة.

واكد انه بالرغم من أن قانون حقوق الصحفيين ٢١ لسنة ٢٠١١ في المادة ٤ منه منحت للصحفي حق الحصول على المعلومات ولا يسال عليها الا اذا شكلت جريمة أو نشر اساءة للاخرين فهي جريمة اذا خالفت القوانين النافذة وعلى الصحفي ان يتحاشى ذكر الاسماء دائما وان يعتمد التلميح وليس الأسماء.

وتابع ان المادة ٨ من قانون حقوق الصحفيين منع مساءلة الصحفيين عما يبديه من أراء ومعلومات متعلقة بعمله أو بسبه وجعل هذا القانون من يعتدي على الصحفي كمن يعتدي على الموظف اثناء تأدية الواجب ولايجوز القاء القبض على الصحفي الا بقرار قضائي وفق المادة ١٠ من هذا القانون وان تشعر نقابة الصحفيين وجهة عمل الصحفي..ولهم حضور التحقيق والمحاكمة.

واستطرد: اما الامر الثاني المهم …فهو جهة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتبرتها محكمة التمييز الاتحادية حالها حال وسائل النشر الاخرى، وهناك رأي بأن يتم انشاء قسم خاص في هيئة الاعلام والاتصالات يكون بمثابة تعديل لقانون ٦٥ لسنة ٢٠٠٤، ويضمن هذا القسم عدد من المختصين في الاعلام والقانون يراقب ماينشر ويكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة وفي حالة مايشكل جريمة يتم احالته الى المحكمة المختصة حسب الاختصاص المكاني القريبة من الهيئة، وترتبط هذه الرقابة بجهاة أمنية أخرى تستلم منها المعلومات وهذا يحتم تشريع قانون الجرائم الإلكترونية المهم جدا.

وبين ان العراق يحتاج ان يشرع قانون حق الحصول على المعلومة وقانون حرية التعبير عن الراي المكملان لقانون حقوق الصحفيين، والتي يؤكد عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة ٩ منه وميثاق العهد الدولي في المادة ١٩ منه.

وطرحت هيئة الإعلام والاتصالات عام 2024 مسودة قانون الجرائم الإلكترونية التي تضمنت بنودًا أثارت جدلاً واسعاً، خاصة تلك التي تعطي للجهات الرقابية سلطة تقدير “الإساءة” و”التحريض”، ما فُسِّر على أنه بوابة لتقييد الحريات باسم الأمن المعلوماتي.

وغرّد الكاتب عمر عبد الستار قائلاً: “إذا كان الرأي الحر يزعجكم فعدّلوه بالقانون لا بالتهديد”. بينما كتب المدون نجم الحسيني: “قانون العقوبات العراقي لم يُكتب لفيسبوك وتويتر، بل لزمن آخر.. نحتاج لغة قانون تفهم لغة الشباب”.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

 

 

 

 

 

 

 

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • خلال زيارة معالي وزير العدل د. خالد شواني الى ايران .. توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال حقوق الإنسان بين بغداد وطهران
  • العراق وإيران يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال حقوق الإنسان
  • القانون القديم والواقع الجديد.. من يضبط الكلام في زمن فيسبوك؟
  • بعصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. دراسة: شعور الإنسان أنه مراقب يغيّر نمط التفكير
  • صيته السبيعي : أود ارتكاب جريمة واختطافه ليبقى معي ..فيديو
  • وزارة العدل وحقوق الإنسان تدين قرار “اليمنية” بعدم قبول تذاكر السفر الصادرة من صنعاء
  • هل يطالع الرئيس كامل إدريس كتاب تحفة الوزراء؟
  • اتحاد الكرة وتسويق الوهم والاستثمار
  • حين يتهجم وزير العدل على مؤسسات دستورية
  • وزير العدل يتفقد العمل في دائرة القضاء العسكري والمحاكم العسكرية