بقلم : د. علاء هادي الحطاب ..
تقاس الندوات والملتقيات وكذلك مراكز التفكير السياسي بمخرجاتها التي من المفترض ان تأتي بشيء جديد عمن سبقها من مخرجات او افكار او دراسات، اي ان معيار الانجاز والمُخرج العلمي والفكري الجديد والعملي الذي يضيف الى المشكلة حلا او على الاقل مقترحا او رؤية.
ولهذا تعقد المؤسسات ذات العلاقة سواء كانت كليات او مراكز تفكير او حتى مؤسسات معينة ندوات وحوارات تستضيف فيها معنيين من خارج كوادرها ليضيفوا اليها طروحات تخدم الشأن محل البحث والدراسة.
ملتقى السليمانية الذي تقيمه الجامعة الامريكية في السليمانية والذي يرعاه رئيس الجمهورية الاسبق الدكتور برهم صالح هو واحد من تلك الملتقيات الذي يهتم بالشأن الفكري والعلمي والاكاديمي في الموضوعات التي يتم بحثها ومناقشتها، وما يميز هذا الملتقى الذي اختتم اعماله في دورته التاسعة قبل ايام في السليمانية هو التنوع الفكري والسياسي والايديولوجي لضيوفه، اذ استطاع هذا الملتقى في دورته التاسعة ان يجمع اضداد مختلفين سياسيا وفكريا داخليا وخارجيا، فقد ضمت قاعته ابان الافتتاح سياسيين عراقيين اختلفوا وتصارعوا كثيرا، وربما بعضهم ما يزال كذلك، كذلك جمع متصارعين على المستوى الدولي ولاحظنا كيف جلس الايراني مثلا الى جانب الامريكي في حوار واحد وعلى منصة واحدة، بل تبادلوا ارقام الهواتف فيما بينهم.الموضوعات التي طُرحت داخليا وخارجيا كانت مهمة على مستوى الرؤية والموقف، وعلى لسان صانعي قرار او اكاديميين يقدمون طروحات وقراءات استشرافية للمستقبل، والاخير بحد ذاته عصف ذهني مهم، يمكن الاستفادة منه على مستوى اتخاذ القرار او تحليل الاحداث الجارية في العراق والمنطقة، بل والعالم.
هكذا ملتقيات مهمة، ليس فقط لجمعها اضداد وسماع مواقف كل منهم ورؤيته وجها لوجه، بل تكمن اهيمتها في دراستها وتفكيكها والعمل عليها، فلم يأت المسؤول ليلقي مجرد كلمات ويذهب، بل جاء ليرسل رسائل لمواقف محددة، بينما الباحث جاء ليقدم عصارة خبرته في مجال اختصاصه الذي يشتغل عليه، بينما ضيوف الملتقى وهم في غالبيتهم من النخبة يجدون فيما يُطرح موائد غنية للبحث والتحليل.
استمرار عقد هكذا ملتقيات في السليمانية او بغداد او اي مكان اخر في العراق، حتما يغني التجربة السياسية اذ لم يكن على مستوى القرار كونه يحتاج لارادة سياسية فأنه يغنيه على مستوى الفهم والادراك. د. علاء هادي الحطاب
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات على مستوى
إقرأ أيضاً:
"مادلين"!
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
الأمانُ الحقيقي لا يعني حرفيًا توفر الحقوق الماديَّة الكاملة دون نُقصان، ويكفي أن يتوافر أهمها وأكثرها ضرورةً لاستمرار الحياة وخاصة في مراحل الأزمات التي تمر بها المُجتمعات الإنسانية، لاسيَّما عند الكوارث الطبيعية وحين التقلُبات الطارئة جراء غوائل الساسة وزخارفهم وألاعيبهم المُفضية الى ظُلم الشُعوب وتحديدًا مخابيل ساسة الغرب، ولا أقول ساسة العرب لأنهم إمَّعات في مُعظمهم ولا يحدثون إلا بما يُملى عليهم ضحى وعشاء، ولعل ما يحدث في المشرق الإسلامي هو انصع دليلٍ وشاهد عيانٍ يُؤصل لمفهوم ما تقدم، ويُميط الضماد عن الجروح الغائرة في وجه الحقيقة والتي كان ولايزال يشكك في عمقها بعض الكاذبين أو الشامتين.
إن الأمانَ الحقيقي هو ضمان الإنسان الذي ألمَّت به مُصيبةٌ عدم الشعور بالوحدة والنبذ، فضلًا عن الشعور بالشماتة أو السُخرية والاستهزاء والتي قد يكون وقعها على النفس اشد وطأةً من واقع المُصيبةُ نفسها، وعليه فإن رمزيَّة الأمان المعنوي تُكافئ أو قد تُسامي الأمان المادي، وهنا تتجلى دلالة الأمان في تكامُليته بشقيه المادي والمعنوي، وهو ما تحاول مُفتريات آلة الحرب والإعلام الصهيونية إظهاره ولو كذبًا وزيفًا، مع هتكها لكل الحقوق المادية والمعنوية والتي استثارت به المشاعر الإنسانية لكُل الشعوب الحرة النبيلة كنتيجةٍ حتميةٍ لما شهدته من جرائم قتلٍ مُتعمد لمجرد التلذذ بالقتل وحصار آثمٍ هو الأطول في تاريخ الحروب بهدف تحطيم كل أنواع الأمان المُتعارف عليه.
لا أعلم إن كان "مادلين" هو الاسم الحقيقي لسفينة الحرية القاصدة كسر حصار الإرهاب والخوف والعزلة والجوع على غزة، أم هو اسم أطلق عليها مؤقتًا في رمزيةٍ لمريم المجدلية المُنتسبة إلى مدينة مَجدل الفلسطينية؛ وهي دلالةٍ معنويةٍ عميقة قد لا تُعجب الصهيوني المُفترس فيما وراء الحدث، كما أنه اسم فرنسي يُطلق على نوعٍ من الكعك الصغير ويُشير من جانب آخر إلى استثارة مشاعر الحنين لذكريات الماضي، ولكن ما أعلمهُ أن مادلين هي طفلة فلسطينية كانت تصطاد السمك من بحر غزة وشاهدةٌ على قتل بُغاة الاحتلال والدها. كما إنَّ الألمان يذهبون إلى تعريف الاسم بالفتاة الصغيرة.
وعلى كُل حالٍ، فإن البُعد هنا مع 12 ناشطًا وصحفيًا من جنسياتٍ مُتعددة على متن سفينة مادلين يُظهر أن مشاعرهم قد أبت إلّا إظهار حقيقتها، ليس بالتباكي وإنما علنًا وفعلًا بعدم رضاهم عمَّا تقوم به الصهيونية الفاجرة ضد الإنسانية في الأراضي المُحتلَّة، فهبُّوا لكسرِهِ في صورةٍ رمزيةٍ تستنهض عواطف وأحاسيس شعوب العالم وتُرسل لهم رسالة صريحة بأنكم قادرون في حالةٍ واحدة فقط وهي التغلب على خوفكم.
سفينة مادلين الصغيرة تطعن في افتئات وافتراء نظام الحصار وتخيفهُ في تمثيلها للسلام الذي يكبح جماح خُططه الاستعمارية، ولذلك فإنَّ الكيان المارق هو أول من يعاديه حتى يضمن لنفسه بيئة ذرائعٍ خصبة وحجج ومُبرراتٍ للتمدد والتوسع، كما إنه لن يُسالم إلّا من اختط خُطاه وسار على نهجه؛ لأنه يعلم بأنه كيان مُشوَّةٍ غريب اقتحم حرية المكان في غمرة ظلام من الزمان، ثم عمد إلى صناعة الوهم ونظريات اكاذيب تؤصل لوجوده وتمنحهُ الصفة الوجودية والاعتبارية لفعل ما شاء بلا مبالاة، إلا أنه استمرأ العملية ولم تعد انتهاكاته دون رقيب وإثخانه في الجريمة دون حسيب يُشكلان له مصدر قلق أو مُراعاة لاي اعتبار، وقد اغفلت حساباته انه بهذه الطريقة قد نبه وعي الجيل الغربي الجديد على حقيقتهُ التي اخفاها لسبعة عقودٍ، وها هي الآن مادلين وأخواتها الـ35 التي سبقتها بإيمان الحرية نموذجًا يضع أصابعه في عيني الإجرام الصهيوني المُنظم ويُماريه ويتحداه، ويقول: نحن أهل سلام، فإذا كنتم أهل سلام اثبتوا ذلك.
بالطبع نحنُ لم نعد نُعول على معظم الدور العربي ولا الغربي على مستوى القيادات السياسية من الذين صمتوا صمت القبور وأحجموا عن التدخل مع كل ما يرونهُ من مجازر ومذابح يومية لأهل غزة، ولا يُبرر صمتهُم إلّا الخوف على أنفسهم ومصالحهم، ولكننا وفي الوقت نفسه نُعوِّل على دور الشُعوب الحرة النزيهة التي لا تخشى في قول وفعل الحق لومةَ لائم، وهو ما بدأ يحدث اليوم ونشاهده عيانًا بيانًا وعلى الهواء منقولًا.
لم تتردد اسرائيل في مَنع سفينة مادلين السلمية من الوصول الى هدفها حتى لا تزيد من فضحهم؛ بعد أن أوقفتها في عرض البحر واقتادتها إلى مرفأ أسدود المُحتل، ولا نستبعد خلال الساعات المقبلة إفراغ محتوى السفينة من المُساعدات البسيطة وإلقائها في البحر واعتقال من على متنها.
لكن ستبقى رمزية هذه المُحاولة وسابقاتها شاهدةٌ على كُل متخاذلٍ وعلى رأسهم كل القيادات العالمية من جبناء السَّاسة الذين ألجمت أفواههم عن قول الحق، وعكسوا لنا صورة تفيد بأن ما يحدث لا يُحرك فيهم شيئًا؛ بل يُعجبهم وينال رضاهم واستحسانهم وأنهم يتلذذون بمشاهدة دماء واشلاء اطفال غزة الأبرياء، وإن لم تكن تُعجبهم تلك المشاهد لاطلعوا بدورهم وما سكتوا ولا استكانوا.
"مادلين" تُعيد التذكير بضمان أخلاقيات الأمان في مرحلة الحروب والكوارث من خلال دلالته المادية بتقديم المساعدات الأساسية والضرورية التي تحملها، ودلالته المعنوية في كسر إقصاء وحصار اهل غزة بأننا معكم ولسنا من السكاتين عن الصواب أو الشامتين في المُصاب، ولو أن روح مادلين وَجدَت من يقوم بمثل دورها من المحيطين بفلسطين، لما غامرت بركوب محيط الماء ومحيط الطغيان.
رابط مختصر