محمد حسين الواسطي **

 

في زحمة الحياة المعاصرة - حيث تتشابك الأحلام مع الطموحات، وتختلط القيم بالمظاهر - يقف الإنسان حائرًا أمام سيل من المغريات المادية التي تغشي البصر عن نور البساطة والاعتدال. «حفلات الزواج» هذه المناسبات التي كان يفترض أن تكون واحة للفرح الصادق، أضحت للأسف مسرحًا للبذخ والتفاخر؛ حيث تقايض السعادة الحقيقية بمظاهر زائفة لا تدوم.

«الزهد» هو ذلك المنهج الذي يحرر القلب من التعلق بالماديات، ويجعله أكثر قربًا من القيم الإنسانية والروحية. فهو ليس فقرًا ولا حرمانًا؛ بل هو فن التوازن بين الروح والمادة، هو إدراك أن السعادة ليست فيما نملك؛ بل فيما نعيش. 

وإن الدعوة إلى تطبيق مفهوم الزهد الذي دعانا الله ورسوله إليه لا تعني التقشف، ولا البخل، ولا التقتير، ولا التضييق على الأهل والعيال، فهذه صفات مذمومة في منظومتنا الأخلاقية؛ بل المقصود هو التحرر من التعلق المفرط بالماديات، والبعد عن الإسراف والتبذير، مع التمتع بنعم الله باعتدال وحكمة.

نحن اليوم أمام واقع يشهد فيه الزواج تحولًا من رباطٍ مقدسٍ إلى منافسة اجتماعية؛ حيث تنفق الأموال الطائلة على ليلة واحدة، وتثقل كاهل الأسر بأعباء الديون. كم من شاب أضناه البحث عن الاستقرار، وكم من عروس تألمت لأن فرحتها أحيطت بأعباء مالية لا تنتهي! 

علينا أن نذعن بأن جوهر الزواج يكمن في النفوس المتآلفة، لا في الموائد المترعة، وفي المحبة الصادقة، لا في البريق الخادع. فليست حفلات الزواج مقياسًا لقيمة الحب؛ بل هي انعكاس لحالة من التفاهم والانسجام بين روحين اختارتا أن تسيرا معًا في درب الحياة. وما أجمل أن نعود إلى جوهر هذه المناسبات؛ حيث يكون الفرح في القلوب لا في الأضواء، وحيث تكون البساطة عنوانًا للبركة. 

وكما قال الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77] وقال أيضًا: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 27] فكيف لمن يسرف ويبذر في ليلة واحدة أن يحسن كما أحسن الله إليه وكيف له أن يبرر هذا التبذير وهو يعلم أن الله لا يحب المفسدين.

نعم؛ السعادة الحقيقية لا تقاس بما نملك؛ بل بما نحمله من رضا وقناعة. وكما قال أبو العتاهية (130هـ -211 هـ): 

لَيسَ عَلى المَرءِ في قَناعَتِهِ // إِن هِيَ صَحَّت أَذىً وَلا نَصَبُ 

مَن لَم يَكُن بِالكَفافِ مُقتَنِعًا // لَم تَكفِهِ الأَرضُ كُلُّها ذَهَبُ 

لذلك نؤكد أن القناعة هي الأساس لحياة مليئة بالبركة والسكينة. ومن الضروري أن نؤمن بأن العودة إلى النظرة الزاهدة المعتدلة إلى الحياة وتطبيقها في حفلات الزواج ليست رجعية؛ بل هي استعادة للتوازن، وإحياء لقيم فطرية تجعل الحياة أكثر سكينةً وبهجة. فالزواج ليس استعراضًا للأموال؛ بل هو ميثاق غليظ، وأساسه المودة والرحمة، لا الإسراف والتفاخر. إنه فن تحقيق السعادة الداخلية من خلال القناعة والرضا، لا من خلال الخيلاء والتفاخر. 

والمعنى الحقيقي للزهد قد اختصرته هذه الآية العظيمة: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 23] فكم من إنسان يبالغ في الإنفاق، لا لأنه بحاجة إلى ذلك؛ بل لأنه يريد أن يظهر للناس مظهر الغنى والتفاخر، فيسرف في حفلات الزواج والمناسبات فقط ليقال إنه فعل، ولكن هل حقًا هذا ما يجلب السعادة أم أن السعادة تكمن في البساطة والرضا.

لنتأمل في حقيقة أن الحياة الحقيقية لا تقاس بما نجمعه من أموال أو مظاهر؛ بل بما نزرعه في قلوب الآخرين من خير وحب فما أجمل أن نجعل من حفلات زواجنا نموذجًا للاعتدال؛ حيث تكون كل لحظة فيها شهادة على قيمنا، وكل تفصيل فيها انعكاسًا لروحنا لنخرج من قيد الإسراف إلى رحابة الزهد، ومن عبودية المظاهر إلى حرية الجوهر.

الفرح الحقيقي لا يشترى، والبركة لا تباع، والسعادة الحقيقية تبنى على أرضية من الحب الصادق، والاحترام المتبادل، والاعتدال في كل شيء فلنكن نحن التغيير الذي نريد أن نراه في مجتمعنا، ولنجعل من حفلات الزواج فرصة لإظهار قيمنا النبيلة، لا لتكريس عاداتنا المرهقة لأن السعادة الحقيقية هي تلك التي تنبع من الداخل، وتضيء طريقًا طويلًا من الحياة المشتركة، بعيدًا عن وهج الأضواء الزائل.

** كاتب عراقي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لينا الطهطاوي ومحمد فرج ضيوف «صاحبة السعادة» بهذا الموعد

تحل الإعلامية لينا الطهطاوي والبلوجر محمد فرج، ضيوف على برنامج «صاحبة السعادة» الذي تقدمه الإعلامية إسعاد يونس من خلال شاشة «dmc» الحلقة المقبلة، والتي من المفترض أن يكشفا عن الكثير من التفاصيل والأسرار حول حياتهم عبر السوشيال ميديا.

وفي هذا السياق، شوقت الإعلامية إسعاد يونس، المتابعين عبر حسابها الرسمي بموقع تداول الصور والفيديوهات «إنستجرام» لاستضافة لينا الطهطاوي ومحمد فرج، قائلة: «تفتكروا مين من ضمن ضيوفي في حلقة الاسبوع ده».

عرض هذا المنشور على Instagram

تمت مشاركة منشور بواسطة Esaad Younes (@essyounis)

وكانت لينا الطهطاوي، استقبلت طفلها الأول مؤخرا، حيث أعلن محمد فراج، قائلا: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، رزقنا الله بأغلى هدية.. اللهم اجعله من عبادك الصالحين، وأقرّ به أعيننا، وبارك لنا فيه واحفظه لنا". "اللهم أنبته نباتا حسنا واجعله قرة عيننا واحفظه وبارك لنا فيه.

مَن هي الإعلامية لينا الطهطاوي؟

- لينا الطهطاوي إعلامية مصرية، تعمل في إذاعة راديو نجوم إف إم، من مواليد عام 1995، ابنة الملحن طارق الطهطاوي.

- يُعَد زواج لينا الطهطاوي من البلوجر محمد فرج الزيجة الثانية، حيث تزوجت من الدكتور أحمد الجوهري في 2019.

- يُعَد والد لينا الطهطاوي، الملحن طارق الطهطاوي من أقدم المحلنين على الساحة الفنية في الوقت الراهن، حيث تعاون مع عدد كبير من النجوم.

- تُعتبر لينا الطهطاوي من المشاهير على الساحة الإعلامية، حيث يتابعها عدد من المستخدمين عبر المنصات الرقمية.

اقرأ أيضا:

أبرز لقطات حفل زفاف لينا الطهطاوي ومحمد فرج.. الشرنوبي: مبروك يا صايعة.. وبشرى لـ هنا الزاهد

بالشال الفلسطيني.. بشرى تشارك صورا من مهرجان عمان السينمائي الدولي

بالأسود.. إطلالة مميزة لـ هنا الزاهد في أحدث جلسة تصوير (صور)

مقالات مشابهة

  • ذكريات تترات الدراما تضيء المسرح الكبير.. ليلة حنين وعشق للدراما المصرية بالأوبرا
  • نهى نبيل عن أعراس اليوم: العروس طول الوقت ترقص.. فيديو
  • أستاذ بجامعة الأزهر: الثبات على العبادة طريق حسن الخاتمة
  • أجمل دعاء يريح القلب.. يجلب السعادة وراحة البال للمسلم
  • «ربنا يعوض علينا».. مظهر شاهين يكشف تفاصيل إصابته في حادث على طريق السويس
  • لينا الطهطاوي ومحمد فرج ضيوف «صاحبة السعادة» بهذا الموعد
  • السعادة في رحاب الإسلام..
  • أحسن ذكر للتوفيق والتيسير في الحياة.. داوم عليه وسترى العجب
  • بين الولاء والبراءة.. يتحدد طريق المؤمنين
  • عاجل : الألعاب النارية تضيء سماء صنعاء والمحافظات الحرة احتفالًا بعيد الغدير