د.حماد عبدالله يكتب: حتمية الإتجاه " للواحات " !!{1}
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
منذ أواخر السبعينيات وإهتممت بتجربة الراحل "جمال عبد الناصر" فى تنمية "واحات مصر الغربيه" ( أمل مصر فى التنميه المستدامه ) وكان إهتمامى نابعًا من قرارات وزيارات للمنطقه، ودراسة لما تم منذ عام 1958 وبالضبط مساء يوم 23 ديسمبر فى مدينة بورسعيد، وإحتفال مصر فى هذا الوقت بعيد النصر ( اليوم نسيناه !! )
حينما وجه عبد الناصر فى خطابه بهذه المناسبه نظر المصريين، والعالم إلى أن هناك مستقبل جديد للتنميه فى بلادنا فى منطقة أطلق عليها الوادى الجديد، وهى تمثل 48.
ووجهت الدوله إهتماماتها إلى هذه المنطقه ( القديمه فى التاريخ المصرى ) حيث كانت هى هدف للإستعمار سواء كان الفارسى أو القادم من غرب البلاد ( ليبيا ) أو من الجنوب ( السودان ).
وكانت واحات مصر الغربيه تقع على أهم طرق التجاره العالميه القديمه، وهى ما تعرف بإسم ( درب الغبارى ) ( من الخارجه إلى سيوه شمالًا ) مرورًا بالواحات الداخله وواحة الفرافره، ثم إلى سيوه ) حيث تلتقى القوافل القادمه من شمال غرب إفريقيا وتلك القادمه من شمال شرق إفريقيا وهو ما كان يعرف " بطريق الحرير العظيم " الناقل للتجاره من جنوب شرق أسيا مرورًا بالشام ثم ينتهى للتبادل فى أكبر مركز للقوافل " واحة سيوه "، وكان الطريق الناقل للقوافل من الجنوب ياتى من(دنقله ) فى السودان إلى منطقة جنوب مصر( والمعروفه) اليوم ( بتوشكى ) ثم "دوش، وباريس"، وهى قرى أخذت أسمها من قائد فارسى إسمه ( قمبيز ) إنفصل عن جيش ( داريوس الأول ) وإتجه جنوبًا، وقتلته وجيشه، العواصف الرمليه وسميت الواحه بإسمه ( بيريز ) ثم ( باريس ) كما تعرف اليوم !!
وهذا تاريخ مسجل فى موسوعات مختلفه، تعرضت للمنطقه، وأهم من بحث فيها الأثرى العظيم المرحوم الأستاذ الدكتور "أحمد فخرى"، ومعه العالم المعمارى المرحوم " الدكتور حسن فتحى".ونعود لبرامج التنميه التى نفذها المرحوم "جمال عبد الناصر" فى الوادى الجديد، حيث حُفِرتْ الأبار، وأنشِئَتْ القرى التى "هُجِرَّ" إليها الفلاحون من صعيد مصر، وأهمهم ( عمال التراحيل )، وهم هؤلاء الذين لا يمتلكون أراضى ويعملون كأجراء فى الزراعه، ذهبوا إلى هناك فى معسكرات ومن ثم تملكوا منازلهم فى قرى سميت كلها بأسماء دول ومدن عربيه، إيمانًا من "جمال عبد الناصر" بالقوميه العربيه، وأنها هى الحل الأمثل لإستغلال موارد الدول العربيه من أجل تنمية الوطن العربى، لكن للأسف الشديد !! سقطت تلك النظريه بسقوط "جمال عبد الناصر يوم 5 يونيو 1967 "حينما تأمرت " الدول الغربيه مع إسرائيل " للقضاء على ظاهرة "جمال عبدالناصر" فى الوطن العربى، ورغم أن الوفاة الحقيقية للزعيم "عبد الناصر" كانت مساء يوم 28 سبتمبر 1970، إلا أنه فى الحقيقه كانت هزيمة 5 يونيو 1967، هى الضربه القاضية للبطل، ومع ذلك ومع تنحيه عن السلطه بإراده منفردة، فقد أعاده الشعب المصرى " بإراده شعبيه حره " وجارفه إلى قيادة الدوله، وإعادة بناء القوات المسلحه وإعادة الروح للوطن، وخوضنا لحرب إستنزاف عظيمه سجلها التاريخ الحربى فى العالم، إلى أن إنقض جيش "مصر" بقيادة المرحوم أنور السادات على الضفه الغربيه للقناه وقطع الذراع الطولى للعدو الإسرائيلى فى 6 أكتوبر 1973 !!بدأت جحافل الفلاحون المصريون مع البطل الموكل اليه قيادة التنميه فى الوادى الجديد ( اللواء الجغيلى ) وكانت قرى بغداد وفلسطين والمنيره، والمحاريق وأبو طرطور والزيات، وباريس، فى واحة الخارجه وحفرت الأبار فى واحات تنيده وبلاط وسمنت والباشندى، وموط، والقصر، والمزوقه والراشديه عشرات من القرى إنشئت، وبدأت الأرض تنتج أعظم المحاصيل الإستراتيجيه ( قمح وأرز ) وبصل، وقطن، بالإضافه إلى المحصول الرئيسي "البلح"، فكان أن أنشىء مصانع لتجفيف البلح والخضروات وأنشىء مصنع للزجاج والفخار، ولم يأخذ المشروع أنفاسه الأولى فسرعان ما وقعت الحرب فى يونيو 1967 كى تقف كل مخططات التنميه، المستدامه ، ولنعيد بناء القوات المسلحه وكان شعار المرحلة ( يد تبنى ويد ترفع السلاح ) !!
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
الناصر صلاح الدين.. ملحمة البطولة وفخر الأمة
في التاسع والعشرين من ديسمبر عام 1963، شهدت دور السينما المصرية والعربية حدثا سينمائيا لا ينسى: العرض الأول لفيلم "الناصر صلاح الدين"، ذلك العمل الذي جسد ملحمة تاريخية عظيمة، وخلد شخصية القائد الإسلامي الذي أصبح رمزا للبطولة والشجاعة والتسامح.
الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين وشارك في بطولته نخبة من أهم نجوم السينما المصرية، مثل أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ونادية لطفي، لم يكن مجرد فيلم عابر، بل كان تجربة ثقافية وفنية تفتح نافذة واسعة على التاريخ، وتعيد للأذهان قيم البطولة والإنسانية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان.
منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها أحداث الفيلم، شعرت وكأنني أعود إلى عصور مضت، أعيش تفاصيل الحروب الصليبية، وأتلمس نبض قلوب الرجال الذين ضحوا بكل شيء في سبيل استعادة الأرض والمقدسات.
صلاح الدين الأيوبي لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزا للعدل والشجاعة، شخصية تمثل الطموح الوطني والقومي، تجسد إرادة الشعوب في مواجهة الظلم والطغيان.
هذا الفيلم جعلني أدرك أكثر من أي وقت مضى أن السينما ليست مجرد صور متحركة، بل أداة قوية لتشكيل الوعي، وإحياء التاريخ في نفوس الأجيال الجديدة، ومن خلاله شعرت بالفخر بأن لدي تاريخا وحضارة تستحق أن يروى ويحفظ.
ما ميز "الناصر صلاح الدين" ليس فقط الأحداث التاريخية التي يعرضها، بل القدرة الفائقة على إظهار الروح الإنسانية العميقة في كل شخصية.
الفيلم يبرز قيم الشجاعة والوفاء والكرم، ويعلمنا أن البطولة ليست فقط في السيف والقوة، بل في القدرة على العدل والتسامح، وفي حماية الأرض والوطن، وفي أن تكون للقيم مكان أعلى من المصالح الشخصية.
عند مشاهدتي للمشاهد الحاسمة التي يظهر فيها صلاح الدين وهو يفاوض أو يقود المعركة، شعرت بالانبهار من الكيفية التي استطاع بها الفيلم أن يربط بين التاريخ والوجدان، بين الماضي والحاضر، ويجعل المشاهد يعيش كل لحظة بصدق وإحساس.
الفيلم أيضا يمثل لحظة فارقة في تاريخ السينما المصرية، الإنتاج الضخم والدقة في تفاصيل الملابس والأسلحة والمواقع، أظهرت قدرة صناعة السينما المصرية على منافسة الأعمال العالمية في تقديم التاريخ بشكل فني متميز، وبأسلوب يمزج بين الدقة التاريخية والجمال السينمائي.
كما أن السيناريو الذي كتبه يوسف شاهين بالتعاون مع نجيب محفوظ ويوسف السباعي، أضفى عمقا فلسفيا وإنسانيا على الأحداث، وجعل الحوار يعكس صراع القيم والمبادئ، وليس مجرد سرد للأحداث التاريخية، هنا، تعلمت درسا مهما: أن الفن يمكن أن يكون مدرسة للتاريخ، ومصدرا للقيم، وأداة لتنشئة الأجيال على حب الوطن والاعتزاز به.
ومن ناحية شخصية، الفيلم أثر في تأثيرا عميقا، لأنني نشأت على مدرسة الوفد التي غرست في حب الوطن وترابه، وعلمتني أن الوطن ليس مجرد مكان، بل هو الأرض التي نعيش عليها، والقيم التي نحملها، والتاريخ الذي نفاخر به.
مشاهدة الفيلم أعادت إلي تلك القيم، وجعلتني أشعر بالفخر والاعتزاز بماضي أمتنا، وبأن البطولة ليست حلما بعيدا، بل سلوك وموقف يمكن أن يتجسد في حياتنا اليومية.
أما عن التأثير الثقافي، فلا يمكن إنكاره، "الناصر صلاح الدين" ساهم بشكل كبير في تعزيز الوعي القومي، ليس فقط في مصر، بل في العالم العربي كله.
الفيلم أعاد للجمهور العربي شعور الانتماء والفخر بالهوية، وجعل من السينما أداة للتثقيف التاريخي والتوعوي، لم يكن مجرد عمل فني للترفيه، بل تجربة وجدانية تزرع القيم في القلوب وتربط المشاهد بأمجاد أمته.
وفي كل مرة أشاهد الفيلم أو أسترجع مشاهد البطولة والصمود، أشعر بقوة الرسالة التي يحملها: أن العظمة ليست في القوة وحدها، بل في القدرة على الوقوف مع الحق والعدل، وفي المحافظة على كرامة الإنسان والأرض.
لا شك أن هذه اللحظة، في 29 ديسمبر 1963، ليست مجرد تاريخ عرض فيلم، بل هي محطة مهمة في تاريخ الثقافة والسينما المصرية، الفيلم كان بمثابة رسالة لكل جيل: تذكروا تاريخكم، اعتزوا بتراثكم، تعلموا من أبطالكم، ولا تتخلوا عن قيم الشجاعة والعدل والتسامح، لقد جعلنا الفيلم نعيش التاريخ، نشعر به، نتأثر به، ونتعلم منه دروسا يمكن أن ترشد حياتنا في الحاضر والمستقبل.
إنني حين أتحدث عن "الناصر صلاح الدين"، لا أتحدث عن مجرد فيلم قديم، بل عن تجربة حياتية، عن درس في الوطنية، وعن تذكير دائم بأن حب الوطن ليس مجرد شعارات، بل أفعال، ووعي، وإيمان بالقيم التي تجعل الإنسان عظيما.
وهذا ما جعلني أرى في السينما المصرية، وبالأخص في هذا العمل الخالد، قدرة لا تضاهى على ربط الفن بالهوية، والتاريخ بالقيم، والذاكرة الجماعية بالوجدان الإنساني.