في عالم الانتخابات، لا يكفي أن يمتلك المرشح برنامجًا قويًا أو حضورًا جماهيريًا مؤثرًا، فالنصر غالبًا ما يُحسم خلف الكواليس، وقد تكون كيفية إدارة الحملة الانتخابية هي العامل الحاسم بين النصر والهزيمة، وقد أظهرت تجارب انتخابية متعددة، في دول كبرى مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا أن الأخطاء التنظيمية والاستراتيجية يمكن أن تطيح بآمال مرشحين كانوا الأوفر حظًا والأقرب للفوز.

هذه القاعدة لا تنطبق فقط على الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، بل تمتد إلى النقابات المهنية والاتحادات العمالية.

في كتاب Campaigns and Elections: Rules، Reality، Strategy، and Choice للمؤلفَين جون إس. جاكسون وكيفن بي. سميث، تُعَرَّف الحملة الانتخابية بأنها "سلسلة من الأنشطة المنظمة والمُخطط لها لدعم مرشح سياسي في الانتخابات". وتُعد الحملة عملية ديناميكية تتطلب تكيّفًا مع التغيرات المتسارعة في الرأي العام والسياقات السياسية والاجتماعية.

وتُعد الأخطاء الاستراتيجية من أبرز الأسباب التي تقود إلى فشل الحملات الانتخابية، كأن يتم تجاهل شرائح تصويتية مهمة، أو تجاهل قضايا تشغل الرأي العام، أو تقديم خطاب لا يتماشى مع أولويات الجمهور المستهدف، مما قد يُضعف موقف المرشح لصالح منافسيه.

في 12 أبريل 2015، أعلنت هيلاري كلينتون انطلاق حملتها الانتخابية للسباق الرئاسي الأمريكي من خلال فيديو نُشر عبر الإنترنت، مدعومًا بموارد مالية وإعلامية ضخمة. ومع ذلك، تعرّضت الحملة لاحقًا لانتقادات واسعة بسبب تركيزها غير المتوازن على ولايات تقليدية، وإغفالها ولايات متأرجحة حاسمة مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن هذا التجاهل ساهم في تقليص فرص فوزها أمام دونالد ترامب، وفقًا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها عن استراتيجية كلينتون في 2016. وفي 8 نوفمبر 2016، حصد دونالد ترامب أصوات تلك الولايات المتأرجحة بفارق ضئيل، وفاز بـ304 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 227 لكلينتون، رغم أنها تفوقت عليه في التصويت الشعبي.

وفي مثال آخر، بدأ آل جور حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية ضد جورج بوش الابن في يونيو 1999. وشهدت الحملة لحظات احتدام شديدة، خصوصًا في ولاية فلوريدا. وسقطت الحملة في مشاكل تنظيمية أدت إلى تضارب في الرسائل بين المقرات المركزية والولايات المختلفة، وقد أشار تحليل نُشر في Political Science Quarterly إلى أن الحملة افتقرت إلى التنسيق الداخلي، ما أدى إلى ضعف في الأداء الميداني وتراجع القدرة على الحشد والتأثير في بعض الولايات الحاسمة، مثل فلوريدا، التي كانت عامل الحسم في النتيجة النهائية.

وعلى الرغم من تفوق آل جور في التصويت الشعبي بنسبة 50.9% مقابل 47.9% لبوش، فإن الأخير فاز في المجمع الانتخابي بعد أن نال 271 صوتًا مقابل 266، بفعل نتائج فلوريدا التي حسمتها المحكمة العليا الأمريكية في نهاية المطاف، وفقًا لتقارير "واشنطن بوست" في ذلك الوقت.

في أبريل 2011، أعلن ميت رومني ترشحه لمنافسة باراك أوباما على الرئاسة. وفي سبتمبر 2012، سُرب فيديو لتصريح في اجتماع قال فيه إن "47% من الأمريكيين سيصوتون لأوباما لأنهم يعتمدون على الحكومة". وقد أثار هذا التصريح موجة انتقادات حادة، إذ اعتُبر إهانة لشرائح واسعة من الناخبين الأمريكيين، وأسهم بشكل ملموس في تراجع شعبيته في الأسابيع التالية، وفقًا لتقارير فرانس 24. وفي 6 نوفمبر 2012، فاز أوباما بولاية رئاسية ثانية، جامعًا 332 صوتًا في المجمع الانتخابي، مقابل 206 لرومني، رغم أن الأخير كان قد تفوق في بعض الولايات المؤثرة في البداية.

في 15 فبراير 2012، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ترشحه رسميًا لولاية ثانية في مواجهة الاشتراكي فرانسوا هولاند.وخلال حملته، سعى إلى كسب قاعدة الجبهة الوطنية عبر تبني خطاب أكثر تشددًا بشأن قضايا الهجرة، وهو ما اعتبرته بعض الصحف الفرنسية تحوّلًا استراتيجيًا لإرضاء الناخبين اليمينيين. لكن هذه المقاربة أدت إلى عزوف بعض الناخبين الوسطيين الذين كانوا قد دعموه في 2007، وأسهمت في تراجع فرصه أمام هولاند، كما ذكرت لوموند الفرنسية. وفي الجولة الثانية من الانتخابات، التي جرت في 6 مايو 2012، فاز هولاند بنسبة 51.64% من الأصوات، بينما حصل ساركوزي على 48.36%.

لا تقتصر إدارة الحملات على السياسة العامة فحسب، فالحملات النقابية تتطلب قدرًا كبيرًا من التنظيم والدراية. فنجاح الحملة النقابية مرهون بفهم بنية الكتل التصويتية داخل النقابة، وتحديد المطالب الجوهرية للأعضاء، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، ثم توجيه الخطاب النقابي بما يتناسب مع هذه الأولويات. كما ينبغي أن تتسم الرسالة النقابية بالمرونة والقدرة على التكيف مع تطورات الواقع السياسي والاقتصادي، وكذلك مع تحركات المرشحين المنافسين. فالإخفاق هنا لا يعود فقط على المرشح بل ينعكس على بنية النقابة وقدرتها على التفاوض مستقبلًا.

لتحقيق النجاح، ينبغي تحديد الجمهور المستهدف بدقة، وصياغة رسالة انتخابية واضحة وجذابة تعكس شخصية المرشح ومبادئه. ويجب أن تشمل استراتيجية التواصل، الأدوات التقليدية كالإعلام المرئي والمطبوع، إضافة إلى المنصات الرقمية التي أصبحت ساحة حيوية للتأثير في الرأي العام.

ويُعد الانضباط التنظيمي داخل فريق الحملة شرطًا أساسيًا، من خلال وجود هيكل إداري مرن وواضح يتيح تقسيم المهام بكفاءة، وتحليل بيانات الناخبين واستطلاعات الرأي بشكل دوري لتعديل الاستراتيجيات حسب المستجدات.

في نهاية المطاف، تُعتبر إدارة الحملة الانتخابية فنًا معقدًا يتطلب توازنًا دقيقًا بين التخطيط الاستراتيجي، والانضباط الإعلامي، والمرونة في اتخاذ القرارات. ورغم أن بعض الأخطاء قد تبدو بسيطة أو محدودة الأثر، فإن تراكمها يمكن أن يُعرّض الحملة لخسارة كبرى، كما شهدنا في العديد من الحملات الانتخابية حول العالم. إن الدروس المستفادة من هذه التجارب لا تقتصر على المرشحين فقط، بل تمتد أيضًا لتكون مرشدًا للناخبين والمحللين السياسيين لفهم كيفية صناعة الفرص أو هدمها في الساحة السياسية والنقابية. وبالتالي، يصبح من الضروري أن تتحلى الأطراف جميعها بوعي استراتيجي مستمر لضمان النجاح والتقدم في معركة الانتخابات.

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

فكوا وثاق خور عبدالله

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

لقد تكلمت في مقالة سابقة عن تصاعد مؤشرات خطوط الشحن البحري المرتبطة بموانئنا، وتصاعد مواردنا المينائية، لكنني كلما نظرت إلى مخرجات خارطة الترسيم الحدودي التي فرضها علينا مجلس الامن بقراره الجائر رقم 833 لسنة 1993 كحدود بحرية ابتداءً من الدعامة 107 حتى العلامة 162، وكلما استعرضت التنازلات التي بدأت عام 2008 مروراً باتفاقية 2012 التي ظاهرها ملاحة وباطنها ترسيم حدود بحرية بعد العلامة 162 وصولاً الى خطة الملاحة 2014، وكيف فرض بروتوكول المبادلة الذي تم اعداده وكتابته من قبل الكويت، وجرى عرضه من قبل وزارة النقل في شهر ت2 2008 وتوقيعه بدون مراجعة بين القوة البحرية العراقية ونظيرتها الكويتية، والتي اكتملت صورتها المُذلة بإبرام اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق ودولة ليس لديها وجود ولا تاريخ في خور عبدالله عام 2012، وزاد الطين بلّة توقيع خطة الملاحة نهاية عام 2013 التي قصمت ظهر خور العراق، وكلما استعرضت السنوات الطوال التي أمضيتها في العمل الميداني على متن السفن العراقية المكلفة بتهذيب اعماق الممرات الملاحية في الخور منذ عام 1970، وعلى الرغم من تصاعد مؤشرات حركة السفن التجارية الأجنبية المترددة على موانئنا. اشعر ان إطلالتنا البحرية على حوض الخليج اصبحت محددة ومقيدة ومحصورة ومحبوسة ومتقوقعة في زاوية ميتة. بل مهددة بقطع مساحات بحرية بسبب المرسوم الاميري الكويتي 317 في عام 2014 الذي قطع حقوق العراق البحرية في المنطقة المتاخمة، واغتصب منطقتنا الاقتصادية الخالصة، واغلق علينا المرور المسموح به وفق اتفاقية قانون البحار 1982، فاردد هذا المقطع من قصيدة الشاعر البابلي الراحل (موفق محمد) بعد اجراء بعض التغيرات عليها لتتلائم مع منشورنا، فأقول:
الخور قُيد بالسلاسل
والموج يحلم بالخلاصْ
إن فرّ أو قصد السواحل
مات رمياً بالرصاصْ
من هذا المنطلق، وحفاظا على حقوقنا السيادية، وتنفيذا لقرار مجلس النواب بتعطيل ورفض اتفاقية 2012 ، واستنادا إلى قرارات المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص، وتأكيدا على حقوقنا التاريخية الموروثة في خليج البصرة أو خليج الفرات (وهي الأسماء القديمة للخليج العربي). لابد من مناقشة المقترحات التالية مع الخبراء الوطنيين المعنيين بهذا الشأن، ومع الجهات الحكومية ذات العلاقة:

ابلاغ الكويت رسميا بتعطيل العمل ببروتوكول المبادلة الأمني لسنة 2008 حتى اشعار آخر. ⁠تبليغ الكويت بإعادة العمل باتفاقية تنظيم الملاحة لسنة 2012 وتعديلها. او ترتيب صيغة جديدة بعد إقرار خارطة المجالات البحرية العراقية المصادق عليها من قبل مجلس الوزراء يوم 9 / 4 / 2025. . الاستمرار والإصرار على رفع العلم العراقي فوق سواري السفن المحلية والأجنبية المتحركة في الممر الملاحي بين البحر وموانئنا لعدم وجود مبرر للتدخل الكويتي حسب قرار 833 / المادة 97 واتفاقية قانون البحار 1982. . ⁠مطالبة وزارات: الخارجية، ووزارة الدفاع (قيادة القوة البحرية ومديرية المساحة العسكرية )، و وزارة النقل (الشركة العامة للموانئ العراقية ) ووزارة الموارد المائية ( الهيئة العامة للمساحة) ومستشارية الامن القومي بضرورة العمل بمبدأ الشفافية وعقد الندوات الجماهيرية المفتوحة بواقع ندوة واحدة كل شهر، لمناقشة واقع حال خور عبد الله جغرافيا ومساحيا وهايدروغرافيا، وطرح الأفكار والآراء العلمية والفنية والبحرية الصحيحة، ورفع التوصيات إلى مجلس الوزراء. . ⁠قيام الشركة العامة للموانئ العراقية بتخصيص رحلات ميدانية تستضيف فيها رجال الصحافة والإعلام بمعدل رحلة واحدة كل ستة اشهر، بجولات استكشافية واستطلاعية في خور عبد الله بصحبة الخبراء والمختصين لايضاح كل ما هو غامض وغير مفهوم في هذا المجال. . ⁠رفض التفاوض مع الكويت حول الأمور والمواضيع المرتبطة بالخور الا بعد تعديل مرسومها الاميري 317 وقبولها خارطة مجالات العراق البحرية. اما في الحالات الملحة والطارئة فيتعين على وزارة الخارجية اختيار اللقاء مع الجانب الكويتي في دولة محايدة. او مراقبة الوفود التي تشارك في المفاوضات والتركيز على اجتماعات الغرف المغلقة، او التي تحصل خارج اجتماعات الوفود الرسمية لكافة الوزارات . . ⁠اعادة النظر بقرار مجلس الوزراء يوم 9 / 4 / 2025 الخاص بتشكيل لجان وزارية عراقية – كويتية عليا وجعل قيادة وادارة هذه الملفات بشفافية، والمطالب مناصفة بين وزارتي كل بلد. ⁠اعادة تفعيل اللجنة الدائمة للحدود الدولية، وجعل الاشراف عليها منتظم، والسماح لاعضاء اللجنة بتقديم ما لديهم بحرية تامة دون تأثيرات سياسية وتدخلات حزبية . ⁠منح المستوردين والمصدرين مهلة ثلاثة اشهر لإيقاف تعاملهم التجاري مع الموانئ الكويتية، ومنع تدفق البضائع عن طريق منفذ صفوان، وذلك تمهيدا لغلق المنفذ الحدودي بوجه الشاحنات المحملة بالبضائع القادمة من الموانئ الكويتية. . ⁠منح المستوردين والمصدرين العراقيين تخفيضات وتسهيلات ملموسة في موانئنا بأولويات واسبقيات مناسبة. . ⁠رفض الربط السككي مع الكويت مهما كانت المبررات والمسوغات. وايقاف مد سكك ما بين ميناء الفاو الكبير وصفوان، وعدم انشاء الطريق الدولي الجديد المحاذي للسكة بين الميناء ومنفذ صفوان، الذي سيسمح للربط السككي وفق تعديلات مشروع طريق التنمية الاخيرة. . ⁠تأسيس دائرة الحدود والمياه في وزارة الخارجية لتتولى اعادة هذه الملفات بمهنية وتخصص دقيق بدلا من توزيع اللجان الحدودية على دوائرها الاخرى، واعادة النظر بتشكيل اللجان المكلفة بترسيم الحدود كمخرجات لها، واستبعاد اصحاب الولاءات المزدوجة والاعضاء المنسبين من قبل الاحزاب المتنفذة . .
هذه مجرد مقترحات قابلة للنقاش المفتوح مع الجهات العراقية ذات العلاقة. .
ومن الله العون والتوفيق د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • الزوبية: لايمكن إقامة انتخابات رئاسية بدون دستور  
  • رئيس حزب الإصلاح والنهضة يجتمع بلجنة إدارة الانتخابات لمتابعة الاستعدادات البرلمانية
  • رئيس مدينة بورفؤاد: وجهت باستمرار الحملات التفتيشية ومراقبة الأسعار بشكل يومي
  • فكوا وثاق خور عبدالله
  • إدارة مرور ولاية الجزيرة وبإسناد من القوات المشتركة تنفذ حملات مرورية مكثفة ضبطا للشارع
  • اللكمة التي أشعلت حرب ترامب على الجامعات الأميركية
  • جهود أمنية متواصلة في طرابلس لتعزيز الاستقرار وتأمين الانتخابات البلدية
  • تموين البحيرة: ضبط 3.3 أطنان أسمدة زراعية محظور تداولها ومجهولة المصدر بكفرالدوار
  • استعراض التحديات التي تواجه المؤسسات الصحية الخاصة بشمال الباطنة
  • إصابات الحروق القاتلة بلا علاج في غزة