الحرب التجارية مع الصين مؤلمة مستقبلا
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
إن فك الارتباط الاقتصادي مع الصين قد يؤدي إلى التدهور، والفوضى، أو ما هو أسوأ. دعونا نتوقف لحظة ونتأمل موقعنا الآن.
الولايات المتحدة دخلت حربا تجارية مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم. يشكل البلدان معا ما يقرب من 45% من الناتج العالمي، وأكثر من 20% من حجم التجارة الدولية.
قد يكون من السهل إلقاء اللوم على إدارة ترامب لبدء الحرب أولا والتفكير في عواقبها لاحقا. أكثر من 80% من الهواتف الذكية المستوردة إلى الولايات المتحدة تأتي من الصين، وكذلك 78% من شاشات الحواسيب. هل يمكننا حقا إيجاد موردين بديلين خلال بضعة أشهر؟ في المقابل، الصين تستورد النفط والغاز وفول الصويا واللحوم من أمريكا، وهي كلها سلع يمكن الحصول عليها من دول أخرى بسهولة.
في الواقع، كانت الولايات المتحدة تتجه نحو حرب اقتصادية مع الصين بخطى متثاقلة منذ سنوات، ربما منذ الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما. لكن جميع الإجراءات السابقة كانت بسيطة مقارنة بما نحن عليه الآن. الرسوم الجمركية المفروضة على معظم السلع الصينية تبلغ الآن 145%، والصين تفرض رسوما تبلغ 125% على معظم البضائع الأمريكية. وكما قال وزير الخزانة سكوت بيسينت، فهذا يعادل فعليا «حظرا تجاريا»، وهو أمر لا يمكن استمراره. (وهو ما يطرح سؤالا مشروعا: لماذا أطلق رئيسه ترامب إذا سياسة لا يمكن الاستمرار بها؟)
قامت الصين وشي جين بينغ بدور مهم، وربما محوري، في تدهور العلاقات. ففي عام 2015، قبل انتخاب ترامب، أعلن شي عن مشروع «صُنع في الصين 2025»، وهو مجموعة من السياسات الطموحة التي تهدف صراحة إلى تقليل اعتماد الصين على التكنولوجيا الغربية. وكان شي قد أثار بالفعل شكوك واشنطن بتحركات خارجية كانت أكثر طموحا وعدوانية من أسلافه. ومع الواقع المؤلم بأن التجارة مع الصين تسببت في فقدان وظائف في أمريكا، خاصة في ولايات حاسمة انتخابيا، أصبحت وجهات النظر المتشددة تجاه الصين أمرا لا مفر منه.
لكن هل سيقلل فك الارتباط من المخاطر الاستراتيجية؟ أولا، فصل الاقتصادين سيجعل الولايات المتحدة أفقر.
فقد توقعت «أوكسفورد إيكونوميكس» أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قد يكون أقل بنسبة 1.4% في سيناريو معين للرسوم، أي مئات المليارات من الدولارات تُفقد سنويا. وهناك أيضا تأثيرات ثانوية منها تضخم ناتج عن إعادة تشكيل سلاسل التوريد، وانخفاض الإنتاجية نتيجة تقليل التخصص، وتكاليف الفرص الضائعة نتيجة تفكك نظم الابتكار. ستتغير مسارات التجارة، إذ تؤسس الشركات الصينية مشروعات جديدة في جنوب شرق آسيا والمكسيك وغيرها للتحايل على الرسوم. وسينتعش التهريب.
كل إجراء أمريكي يقابله رد صيني. لنأخذ التكنولوجيا مثلا. رغم أن لواشنطن أسبابا وجيهة لتقييد وصول بكين إلى الرقائق المتقدمة، هل نجحت في ذلك؟ شركات صينية مثل «هواوي» و«ديب سيك» تبدو قادرة على إنتاج نتائج تقترب من الحد الأقصى للتقدم التكنولوجي، ولكن بكلفة أقل بكثير من نظيراتها الأمريكية.
وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة «نفيديا»، جنسن هوانغ، هذا الأسبوع إلى أن نصف باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم هم من الصين، وأنها تقترب من الولايات المتحدة في القدرات العامة. والأهم، بحسب هوانغ، أن الفوز في مجال التكنولوجيا لا يعني دائما أن تكون أول من يبتكر، بل أن تكون الأسرع والأفضل في تطبيق الابتكارات. فهل أدت حالات الحظر التكنولوجية المكلفة والمعقدة إلى دفع الصين للابتكار والتحول إلى «تابع سريع» أكثر مما لو لم تُفرض هذه القيود أصلا؟ إنه سؤال مزعج، لكن لا بد من طرحه.
وأخيرا، كيف سيبدو العالم إذا لم تكن هناك علاقة اقتصادية تُذكر بين الولايات المتحدة والصين؟ إن تشابك البلدين اقتصاديا، من حيث التجارة والاستثمار والتفاعل، يجعل نشوب صراع مباشر أكثر تعقيدا. لا يُعد هذا ضمانًا للسلام، لكنه بالتأكيد يمثل رادعا.
ومن الماضي نتعلم درسا. ففي عام 1940، مع تصاعد العدوان الياباني في آسيا، فرضت الولايات المتحدة حظرا على التجارة مع طوكيو. وفي يوليو 1941، جمدت الأصول اليابانية وقطعت صادرات النفط، ردا على غزو اليابان لجنوب شرق آسيا.
وقتها، كانت اليابان تستورد 90% من نفطها من الولايات المتحدة. والنتيجة لم تكن استسلام اليابان، بل هجوم بيرل هاربر.
فبعد أن قُطعت عنها الإمدادات الحيوية، ورأت أنه لا حل دبلوماسيا في الأفق، فضّلت طوكيو الحرب على الخنق الاقتصادي. ربما لا تكون هذه مقارنة دقيقة تمامًا، لكن الرسالة واضحة، وهي أن العقوبات والرسوم وفك الارتباط والعزلة لا تنتهي عادة بالسلام والازدهار.
فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن ان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة مع الصین
إقرأ أيضاً:
الإمارات تشارك في اجتماع الرابطة الدولية للعلامات التجارية بالولايات المتحدة
شاركت دولة الإمارات، في اجتماع الجمعية العمومية للرابطة الدولية للعلامات التجارية، الذي انعقد أول من أمس في مدينة سان دييغو بالولايات المتحدة الأمريكية.
وناقش الاجتماع، مستقبل الملكية الفكرية في ظل تسارع التطورات التقنية، مركزا على أثر الحلول التكنولوجية الحديثة في إعادة صياغة مشهد حماية حقوق الملكية الفكرية، وضرورة تطوير الأطر القانونية والتنظيمية لمواكبة المتغيرات المستمرة في مجالي الابتكار والإبداع.
وأكد سعادة الدكتور عبد الرحمن حسن المعيني، الوكيل المساعد لقطاع الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد، في كلمته خلال الاجتماع، أن دولة الإمارات تتبنى نهجاً إستراتيجياً واستباقياً في تطوير أنظمة وإجراءات حماية الملكية الفكرية، من خلال توظيف أحدث التقنيات، بما ينسجم مع رؤية الدولة للتحول الرقمي وتعزيز مكانتها العالمية كمركز للابتكار والمعرفة.
وأشار إلى أن إطلاق “إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031” شكّل محطة فارقة في مسيرة الدولة، لتكون في مصاف الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال، من خلال تعزيز الأداء والكفاءة وتحقيق الاستدامة، تماشياً مع مستهدفات رؤية “نحن الإمارات 2031”.
وقال إن وزارة الاقتصاد نجحت في تعزيز كفاءة عمليات فحص العلامات التجارية وبراءات الاختراع، ما أسهم في تسريع الإجراءات وتحسين جودة القرارات الصادرة عن مكاتب الملكية الفكرية، إلى جانب تطوير منظومة متكاملة لتعزيز الحماية المتكاملة لحقوق الملكية الفكرية، والحد من الانتهاكات التي تواجه أصحاب براءات الاختراع والمبتكرين، وتسوية النزاعات الخاصة بها، مشيرا إلى تطوير الخدمات التي تقدمها الوزارة للأفراد والمؤسسات الراغبة في تسجيل علاماتها التجارية، بما يدعم تنافسيتها محلياً وإقليمياً وعالمياً.
ولفت إلى أن عدد طلبات تسجيل العلامات التجارية الوطنية والدولية خلال عام 2024 وصل إلى 33.852 طلباً بنمو 7% مقارنة بعام 2023، في حين وصل عدد الطلبات المسجلة منذ بداية عام 2020 وحتى نهاية 2024 إلى 135.932 طلباً، وهو ما يعكس نمواً ملحوظاً في الإقبال على حماية العلامات التجارية.
وتفصيلاً، استعرض جهود الدولة في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، لافتا إلى أن الإمارات ترتبط بشراكات فاعلة مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية “الويبو” ومكاتبها الإقليمية، إلى جانب عضويتها في عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الملكية الفكرية.
وأوضح أن وزارة الاقتصاد تعمل بشكل وثيق مع الجهات المحلية والإقليمية والدولية للاستفادة من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة حقوق براءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية وحقوق النشر، بالإضافة إلى تنظيم برامج تدريبية متخصصة لرفع كفاءة العاملين في هذا المجال وتأهيلهم لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية.
وشدد سعادته في ختام الكلمة،على أهمية مواصلة تطوير الأطر القانونية والأخلاقية التي تواكب التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على قضايا الشفافية وحماية خصوصية البيانات، بما يضمن ترسيخ العدالة والشمولية في منظومة حماية حقوق الملكية الفكرية عالمياً.
ويمثل اجتماع الرابطة الدولية للعلامات التجارية، منصة محورية لتعزيز الحوار البنّاء وتبادل الخبرات بين صنّاع السياسات والخبراء القانونيين وقادة القطاعين الحكومي والخاص، بهدف بناء منظومة عالمية مسؤولة وعادلة تدعم الابتكار وتحمي حقوق المبدعين والمخترعين في ظل التطور التكنولوجي المتسارع.
يذكر أن دولة الإمارات ستستضيف اجتماع الجمعية العمومية للرابطة الدولية للعلامات التجارية في عام 2029، كأول دولة في منطقة الشرق الأوسط تحتضن هذا الحدث العالمي البارز، إلى جانب أنه سيتم افتتاح أول مكتب إقليمي للرابطة الدولية للعلامات التجارية في دولة الإمارات، ما يعكس المكانة المتقدمة للإمارات ودورها الفاعل في رسم مستقبل الملكية الفكرية على المستوى الدولي.وام