لجريدة عمان:
2025-05-25@18:12:01 GMT

الإدارة بالمناسبات

تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT

يذكر الدكتور غازي القصيبي في كتابه الرائع حياة في الإدارة إيمانه العميق بأن النجاح لا يأتي إلا من خلال التخطيط الهادئ والتنفيذ الصحيح، ويستخدم في ذلك مصطلح «الإدارة بالأهداف». إلا أنه، وكما يسرد في الكتاب، حين تولى منصبًا جديدًا، وجد نفسه مضطرًا إلى اتباع أسلوب آخر من الإدارة، عرّفه بـ«الإدارة بالأزمات»، أي اتخاذ القرارات العاجلة لمعالجة أزمة قائمة، وصولًا إلى حلول دائمة.

وقد روى في هذا السياق العديد من الوقائع التي دفعته إلى إدارة الأزمات بشكل مباشر وعاجل.

وأنا أقرأ تلك الأحداث، تتداعى إلى ذهني أزمات كثيرة تُترك حتى تستفحل، وتتحوّل من مشكلات صغيرة إلى معضلات مزمنة. وإذا كان «أبو سهيل» قد أشار إلى «الإدارة بالأزمات»، فإنه من الجدير بنا الإشارة إلى نوع آخر من الإدارة أشد استفحالًا، هو ما يمكن تسميته بـ«الإدارة بالمناسبات».

والمقصود بها ألا تُحل قضية معقدة أو مشكلة قائمة إلا عندما تفرض مناسبة ما تدخلًا عاجلًا، وتصبح المعالجة ضرورة قصوى. والمناسبات تختلف: فقد تكون زيارة مسؤول محلي أو أجنبي، إعداد تقرير إعلامي، مناسبة اجتماعية أو دينية، أو حتى مناسبة وطنية. وكأن الحلول مربوطة بظرف عابر، لا بتخطيط مؤسسي دائم.

رأينا أمثلة لذلك حين تُترك خدمات عامة معطلة، وشوارع مملوءة بالأتربة، وإنارة مطفأة، وفجأة تبث الحياة في المكان، وتُصلح الأعطال وتُزيَّن الشوارع بالورود، فقط لأن مسؤولًا سيزور الموقع. وتُتَّخذ هذه الإجراءات ليس حبًا في العمل، ولا أداءً للواجب، بل درءًا للتوبيخ وتجنبًا للإقالة.

لكن يبقى السؤال: لماذا ننتظر حتى تتحول المشكلات البسيطة إلى أزمات؟ ولماذا يُربط الحل دومًا بموعد أو مناسبة؟ أهي ترجمة خاطئة للآية الكريمة: «لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا»؟

لقد شكّل عام 2011م لحظة مفصلية في الوطن العربي، حيث انفجرت الأوضاع في العديد من الدول، وتحولت إلى عواصف أطاحت بأنظمة كاملة، نتيجة فشل مزمن في الإدارة، وترك الأزمات تتفاقم حتى بلغت ذروتها. تلك الكوارث كانت نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأزمات، وعدم مواجهتها بحكمة وتوقيت مناسب. القلة فقط هم من استطاعوا التعامل مع تلك الأزمات بوعي وتروٍّ وسرعة استجابة.

ومن بين الأزمات التي كادت أن تنفجر أزمة الباحثين عن العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة، وفرض الضرائب والرسوم. ولولا تدخل القرارات في الوقت المناسب، لتحولت إلى أزمة حقيقية.

وهنا يجب التأكيد على أن الأزمات ليست دائمًا شرًّا محضًا، فقد تخلق الأزمة فكرة، أو تفتح أفقًا جديدًا للحل. كثيرًا ما تخفي الأزمات تحتها ممارسات خاطئة، أو قوانين جائرة، أو هضمًا للحقوق، وتحتاج فقط لمن يقرأها بوعي ويفكّ شفراتها.

لكن في بعض الأحيان، يتطلب الحل تغييرات مؤلمة: تغيير مسؤولين، إزالة بنى قائمة، تفكيك مراكز نفوذ، أو حتى تحمّل تكلفة سياسية أو اقتصادية كبيرة. وقد يكون العلاج أحيانًا بـ«الكَيّ»، حين تفشل كل العلاجات الأخرى. الخطورة الحقيقية تكمن في الاستخفاف بالأزمة، والاعتقاد بأنها مؤقتة أو عابرة، والاكتفاء بحلول ترقيعية، سرعان ما تتلاشى وتعيد الأزمة إلى الظهور.

الإدارة الفاشلة لا تُنتج إلا الفشل، بل تديره وتحتفل به بوهم أنه إنجاز. المسؤول الفاشل يقنع نفسه، ويجد من يصفق له، بأنه يحقق نجاحات، بينما هو في الحقيقة يعيد تدوير الفشل. المسؤول الحقيقي هو من يُيسّر، لا من يُعقّد، ويحلّ المشكلات، لا من يخلقها.

وقد جرت العادة على وصف بعض المسؤولين بأنهم «وزراء أزمات»، أو أن بعض الإعلام يُعرف بـ«إعلام الأزمة» حين يتبنى خطابًا منحازًا. كما أن تسيد الشللية، والمحسوبية، والفساد في الإدارة، كلها عوامل تؤدي إلى الأزمات.

حين يشعر الناس بالعجز عن حل مشاكلهم مع الحكومة، أو حتى إيصال صوتهم، تتفاقم الأمور إلى حد فقدان الثقة، وتتحول إلى أزمة ثقة حقيقية. ولهذا تلجأ كثير من الدول إلى ابتكار وسائل حديثة لحل المشكلات، مثل صناديق الاقتراحات، المنصات الرقمية، والشفافية في الطرح.

أحد المسؤولين الجدد أراد تطبيق اللامركزية، لكن ظلت المشكلة قائمة في عقليات مترسخة لا تؤمن بالتغيير، ولا تستوعب الحلول الحديثة حتى لو جُلبت لهم من خارج الصندوق.

فهل تجدي نفعًا تلك الحلول؟ أم أن المشكلة أعمق من مجرد أدوات؟

بدر الشيدي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«ملتقى الجاهزية والدبلوماسية» يعيد تعريف فن إدارة الأزمات

أبوظبي: «الخليج»
أعلنت أكاديمية ربدان، بالشراكة الاستراتيجية مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، إطلاق «ملتقى الجاهزية والدبلوماسية: حوارات القادة والخريجين»، وذلك في مقر الأكاديمية بأبوظبي.
ويهدف هذا التعاون الاستراتيجي إلى توفير منصة فكرية مُتقدمة تجمع خريجي الأكاديميتين في حوار نوعي واستثنائي مع نخبة من القادة المؤثرين، وذلك ضمن رؤية طموحة تسعى لهندسة عقلية استراتيجية للقادة تمزج بين الجاهزية الأمنية، والذكاء الدبلوماسي، وبما ينسجم مع جهود دولة الإمارات في تعزيز قدراتها بمجالي الأمن والدبلوماسية.
ويستضيف الملتقى نخبة من المفكرين والشخصيات المؤثرة، بهدف الإسهام في إعادة تعريف فن إدارة الأزمات، وإطلاق شبكة تأثير عالمية عبر خريجين لا يعملون فقط في إطار مؤسساتهم، بل يُشكّلون منظومة قيادية تمتد عبر القطاعات والدول.
وقال جيمس مورس، رئيس أكاديمية ربدان: «يُجسّد هذا الملتقى خطوة استراتيجية تنسجم مع رؤية دولة الإمارات في إعداد قيادات مستقبلية تتمتع بمهارات أمنية مُتقدمة وقدرات عالية في إدارة الأزمات، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، ونسعى إلى تعزيز ريادة الدولة كمحور عالمي متقدم للابتكار وتطوير الحلول في مجالات الأمن والدبلوماسية».
من جانبه، قال نيكولاي ملادينوف، مدير عام أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية: «من خلال هذا الملتقى، نتطلع إلى إطلاق منصة جديدة لصقل مهارات خريجينا وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في تعزيز المكانة العالمية لدولة الإمارات ودعم توجهاتها في بناء نموذج دبلوماسي متقدم يستشرف المستقبل ويتعامل مع التحديات العالمية المعقدة بكفاءة واحترافية عالية».
واستضافت الجلسة الافتتاحية للملتقى، اللواء الركن خليفة حارب الخييلي، وكيل وزارة الداخلية؛ حيث سلط الضوء على موضوع «التعاون الدولي في التصدي للتحديات الأمنية»، وهو ما يعكس أهمية تضافر الجهود الدولية في مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة، والمستقبلية.
وتتضمن الأهداف الاستراتيجية للملتقى تعزيز مهارات الخريجين في صنع القرار، وتمكينهم من إيجاد حلول مبتكرة، وغير تقليدية لمواجهة التحديات المتسارعة في المشهدين الأمني والدبلوماسي؛ وذلك في مساحة تتجاوز النقاش الأكاديمي، وتتعداه إلى مختبر ابتكاري لاستشراف المستقبل، تُعيد رسم العلاقة بين الجاهزية والتفاوض والقوة والحنكة والاستراتيجية والمرونة.
ويتطلع الجانبان من خلال تنظيم هذا الملتقى للارتقاء بمفهوم فن إدارة الأزمات من خلال الانتقال من التفاعل مع الأحداث إلى استباقها، ومن رد الفعل إلى صناعة الحلول الاستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • رانيا: عيد الاستقلال مناسبة غالية والوطن دائمًا في القلب
  • لائحة جديدة تنظم إيواء كبار السن في دور الرعاية الاجتماعية
  • تعديلات قانون الانتخابات.. قائمة مغلقة تثير أزمة سياسية في مصر
  • عاجل- رئيس الوزراء يسلم وحدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" بمدينة أكتوبر الجديدة
  • قناة إسرائيلية: الأجهزة الأمنية ترى فرصة مناسبة لصفقة مع حماس
  • مدبولي: هيئة الإسعاف رمز كان لها دورٌ محوري في مواجهة الأزمات الكُبرى
  • وزير خارجية بلغاريا: نثمن دور مصر وحكمتها في التعامل مع الأزمات الإقليمية
  • 8 دول في الاتحاد الأوروبي تشكل "تحالف الراغبين في التأهب للأزمات"
  • «ملتقى الجاهزية والدبلوماسية» يعيد تعريف فن إدارة الأزمات