ميناء نيوم يستقبل أولى الرافعات المؤتمتة ويعزز جاهزيته للتجارة الذكية
تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT
استقبل ميناء نيوم -مركز الخدمات اللوجستية المتكامل في “أوكساچون”-، الدفعة الأولى من الرافعات الجسرية المؤتمتة بالكامل “STS” التي يُتحكم بها عن بُعد، والمخصصة لنقل الحاويات والبضائع من السفن للرصيف، كما تضمنت الدفعة أيضًا رافعات جسرية إلكترونية ذات إطارات مطاطية “eRTG”.
وتُعد هذه المعدات الأولى من نوعها في المملكة، ومن شأنها تسريع عمليات المناولة بدقة عالية، بما يرفع كفاءة الميناء ويعزّز مكانته مركزًا عالميًّا للتجارة الذكية والمستدامة.
وستؤدي الرافعات الجديدة دورًا محوريًّا في تطبيق إستراتيجية الأتمتة الشاملة للميناء، إذ إنها تُتيح تنفيذ عمليات مناولة عالية الكفاءة ومستدامة وذات أحجام كبيرة، كما أن إمكانية التحكم بها عن بُعد يوفر نموذج عمل مجهزًا للمستقبل، إذ يُمكن للمشغلين إدارة المعدات من بيئات آمنة ومريحة.
وتتزامن هذه الخطوة مع تسارع أعمال التطوير في ميناء نيوم، استعدادًا لافتتاح محطة الحاويات المتطورة رقم “1” في عام 2026، التي ستطبق نظام نقل أفقي مؤتمت، بوصفه جزءًا من خطة الميناء لتحقيق الأتمتة الكاملة.
ومع بدء تشغيل التقنيات الجديدة، ستتضاعف الطاقة اللوجستية للميناء، بما يدعم النمو الصناعي في المنطقة، ويوسّع الوصول إلى الأسواق العالمية، فضلًا عن تعزيز مرونة وكفاءة سلاسل الإمداد، وفتح آفاق أعمال جديدة.
واكتملت حتى الآن أعمال إنشاء رصيف بطول 900 متر، وتعميق قناة الميناء إلى 18.5 مترًا، مما يتيح استقبال أكبر السفن العابرة لقناة السويس للرسو في الميناء، الذي يتميز بموقع إستراتيجي على البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، ويمثل بوابةً حيويةً على طريق التجارة بين الشرق والغرب.
اقرأ أيضاًالمملكةإعادة توطين 1100 حيوان تنتمي لستة أنواع مختلفة في بيئاتها الأصلية بمحمية نيوم
وقال المدير العام لميناء نيوم شون كيلي: “يمثّل وصول الرافعات الآلية خطوة محورية في رحلتنا لبناء ميناء متقدم ومهيأ للمستقبل، ولن يقتصر دور الميناء على المساهمة في تسريع وتيرة النمو الصناعي في شمال غربي المملكة فقط، بل سيرسّخ أيضا موقعه بوابة تجارية رئيسة للمملكة والمنطقة، واضعة معايير جديدة للأداء والكفاءة والابتكار”.
وبالتوازي مع استثماراته في البنية التحتية والأتمتة، يلتزم ميناء نيوم بتطوير الكوادر المحلية، إذ أطلق برنامجًا رائدًا لتدريب الفتيات السعوديات على وظائف تقنية متقدمة، أبرزها تشغيل الرافعات عن بُعد، مما يسهم في صياغة مستقبل أكثر شمولية لقطاعي اللوجستيات والصناعة, ويشارك حاليًا عشرة متدربين من منطقة تبوك في برنامج مكثف يستمر عامين، يجمع بين التعليم التقني والتدريب العملي والتوجيه المهني.
وقالت هاجر العطاوي إحدى المتدربات في البرنامج: “أظهرت لي هذه التجربة أن لوجستيات الموانئ أكثر تعقيدًا من مجرد نقل البضائع، فهي تتطلب العمل الجماعي والدقة والمسؤولية، كما أن انضمام المزيد من السعوديات إلى هذا المجال يمنحني أملًا في مستقبل واعد تُحدد الفرص فيه بناءً على المهارات والخبرات”.
ومن خلال تمكين الكفاءات السعودية بالمهارات التقنية المتقدمة، يسهم الميناء في دعم رؤية نيوم الرامية إلى بناء منظومة صناعية مستدامة ومبتكرة ومتنوعة، تعزز متانة الاقتصاد الوطني وتسهم بفاعلية في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية میناء نیوم
إقرأ أيضاً:
ميناء العقبة: بوابة الأردن وحلوله الأصيلة لمستقبل الاقتصاد
صراحة نيوز- بقلم / نضال المجالي
حتى مطلع الألفية الجديدة، لم تُذكر العقبة في محفل أو مقام إلا وكان ميناؤها حاضراً، ملتصقاً باسمها، رمزاً للحضور والإنجاز. وكيف لا، وهي رئة الأردن البحرية الوحيدة، وهوية المدينة التي قامت على بحرها، وعلى سواعد أبنائها الذين ساندوا الوطن في أحلك الظروف.
لقد تجاوز دور هذا الميناء حدود الأردن، ليكون شريان حياةٍ لدولٍ عربية شقيقة، وسُجّل اسمه كمؤسسة اقتصادية تنموية عربية، وكان أحد أبرز روافد الخزينة الأردنية في تلك الحقبة، حين كان للعقبة وجه آخر، فيه البحر أكثر حيوية وبهاء.“المينا”، كما اعتدنا أن ننطقها باللهجة المحلية، لم تكن مجرد إدارة أو مرفق، بل كانت الذراع التنموية والتطويرية الحقيقية للمدينة. شهد لها القاصي والداني، ويشهد لها أبناء العقبة حتى اليوم، بأنها كانت مؤسسة تفوقت على الجميع في مكانتها، وأدائها، وتأثيرها.
لم يكن الميناء مجرد منشأة، بل بوابة فرص جمعت أبناء الوطن من شماله إلى جنوبه، إلى جانب أبناء المدينة، ليشكّلوا معاً قوة بناءٍ حقيقية في دعم الاقتصاد الوطني. ولم يكن النجاح يوماً نتاج إدارة فقط، بل ثمرة جهد جماعي، لأناس عشقوا العمل، وأعطوا بلا حدود، فصنعوا من الميناء قصة نجاح يُحتذى بها.
اليوم، مؤسسة موانئ العقبة بهيكلها الجديد باتت تحمل شكلاً مختلفاً؛ هناك من يرى في ذلك تطوراً إيجابياً من حيث التخصص والكفاءة، وهناك من يتحسر على تقلص دورها مقارنةً بالماضي. أما أنا، فأقف في المنتصف وقربا للإيجابية، برؤية بين الأمل وطموح: لقد أصبحت العقبة تملك منظومة مينائية متخصصة على أعلى مستوى، تُدار وفق طبيعة الخدمة، وهو تطور نوعي يُحسب لها على صعيد التسويق والإدارة والسلامة.
نرى اليوم تنافساً حقيقياً في إدارة الأرصفة المتخصصة، وبعضها حقق نتائج عالمية بيئياً وتشغيلياً. ومع ذلك، تظل بعض التحديات قائمة، تستدعي التنبه المستمر، خاصة في مجالات السلامة، والازدحام الوظيفي، وكلف الخدمات البحرية والمناولة والتخزين. وهي تحديات تستحق المتابعة والضبط لا التهوين.
على المستوى المجتمعي، تراجع حضور المؤسسة مقارنةً بماضيها حين كانت راعية أساسية لفعاليات المدينة وضيوفها. وهذا التراجع، وإن كان يستوجب إعادة النظر في دورها المجتمعي، إلا أن تعدد جهات الدعم والرعاية في العقبة اليوم، وعلى رأسها سلطة العقبة، وشركة تطوير العقبة، وشركة “أيلة”، جعل من الممكن تعويض هذا الغياب عبر أذرع أخرى أكثر قدرة على التفاعل مع المجتمع.
أما القيادة والإدارة، فقد عرفنا في تاريخ هذه المؤسسة نماذج مشرفة لا تُنسى، حققت إنجازات كبرى ووضعت أسس التميز. واليوم، لا بد من التفكير الجاد في استمرار استعادة الألق والحيوية، بروح الحداثة والتطوير، وبمراعاة خصوصية هذه المؤسسة كمرفق وطني حيوي.
ورغم أن الأرصفة باتت موزعة ومتخصصة ضمن منظومة تشغيلية متقدمة، إلا أن مؤسسة الموانئ – أو شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ – ما زالت القلب النابض للأعمال المينائية، بخبرتها الطويلة وقدرتها على التعامل مع جميع أنواع المناولة. لذا، فإنها تُمثّل الضمانة الأساسية والخطة البديلة لأي أزمة قد تواجه الأرصفة المتخصصة الأخرى.
أكتب هذا المقال من موقع الابن لأحد أوائل العاملين في هذه المؤسسة قبل أكثر من ستين عاماً، ومن موقع ابن العقبة التي وُلدت فيها، وعشت فيها، وعملت على أرضها. كما أكتبه كعامل سابق فيها، بدأ أول اشتراك له في الضمان الاجتماعي عام 1991، بمسمى عامل “شلّة”.
أكتب بحلم وحنين وطموح، مطالباً بمنح هذه المؤسسة كامل امتيازاتها وحقوقها وواجباتها، واستعادة شغف العاملين فيها. فلنبتعد عن تقليص دورها، ولنتوجه نحو ترشيقها وتعظيم أثر كل عامل فيها، بما يعيد لها مكانتها الريادية.
ولنُدرك معاً: لو لم تكن مؤسسة الموانئ بهذا الثقل والتأثير، لما تسابق الكثيرون للانخراط في إدارتها وتشغيلها. لذلك، فلنبقِ الخطة البديلة لأي ظرف مستقبلي بيد المؤسسة الحكومية، ونُطلق العنان للأرصفة المتخصصة لتُدار بأقصى درجات الكفاءة من قبل مستثمرين وشركات متخصصة، دون تعارض أو ازدواجية.
إن كنّا نحب هذا الوطن بحق، فلنعمل بصدق لتكون “مؤسسة الموانئ” أو “شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ” إدارةً فاعلة، وذراعاً مالية، وخط دفاع أول لأي طارئ قد يصيب منظومة الموانئ الأردنية.
ولتكون، بما تملكه من إمكانيات، السند الحقيقي لباقي الأرصفة المتخصصة، التي يمثل كلٌّ منها قصة نجاح مستقلة، كرصيف السفن السياحية الذي تديره مجموعة موانئ أبوظبي، والذي أصبح نموذجاً مميزاً في استقبال السياح بأعلى جودة، أو رصيف ميناء الحاويات بعوائده المتقدمة، أو الميناء الصناعي بتخصصه العالي في السلامة والتعامل مع المواد.
فليستمر هذا التميز… ولتكن العقبة وميناؤها الحكومي دوماً بوابة الأردن، وحلوله الأصيلة لمستقبل الاقتصاد.