انتشار «ثقافة الأكل» في الخارج !
تاريخ النشر: 6th, June 2025 GMT
لم أجد سببا مقنعا يمنعني من الحديث عن مساوئ انتشار «ثقافة الأكل من خارج المنزل»، فالاتهامات بالتقصير لا تزال تطارد من يتراخى في إعداد طعامه اليومي بنفسه، ومع الأيام أصبحت ظاهرة شراء الأكل من الخارج منتشرة في الكثير من العائلات التي نعرفها سواء من الأصدقاء أو من الجيران وحتى من أهل. وتشير بعض الدراسات إلى أن انتشار مستويات غير صحية من الوزن على نطاق واسع ترتبط غالبا بالازدهار الاقتصادي، فكلما زاد ثراء الناس أضحوا يأكلون أكثر ويميلون إلى السمنة، ففي بريطانيا مثلا، يعاني نحو ثلثي السكان من زيادة في الوزن.
إن اللجوء إلى شراء الأكل الجاهز من الخارج أصبح شيئا روتينيا بعيدا عن جزئية اللجوء إليه عند الضرورة، فالبعض يرى بأن شراء الأطعمة السريعة أو الأكل الجاهز من المطاعم «بدرجاتها وتخصصاتها» هي المكان الأنسب لتوفير الوقت والجهد، حتى وإن كان على حساب الميزانية الشهرية للأسرة أو الجوانب الصحية. قد تكون للأطفال أسبابهم الخاصة في تفضيل الأكل من الخارج، لكن نحن الكبار، لماذا نكون نموذجا سيئا لهم ولغيرهم؟
لماذا نرى بأن كل ما تقدمه المطاعم هو «الأكل الصحي» الذي يجب أن نتمسك به بشكل دائم، ونعلن للآخرين بأنه المكان الأنسب والأفضل لتقديم الطعام؟!
وحتى نفصل ما بين الأمور، فإننا نعني بحديثنا السابق، وصول بعض الأشخاص إلى حالة «الإدمان اليومي» على الأكل من خارج المنزل حتى وإن كان ذلك على حساب صحتهم وسلامة أرواحهم من التسمم أو إصابتهم ببعض الأمراض مثل جرثومة المعدة وغيرها.
نحن لسن ضد كل الأفكار المختلفة، أو الرؤى المطروحة أو حتى السلوكيات المتبعة في ثقافة الأكل، فنحن مع أهمية التغيير، وأيضا الحض على تجربة الطعام من الأماكن الموثوق بها، فالمطابخ العالمية لديها ثقافة واسعة في تنوع المأكولات، ولكن هذا التغير في نمط التغذية يكون ما بين الفينة والأخرى، وليس واجبا يوميا وإلزاميا!
بمعنى أننا مقتنعون بأن ما يباع في الخارج لا يجب أن تكون له الأفضلية لما يوجد داخل منازلنا، وأن لا يصل إدراكنا إلى أن ما تقدمه المطاعم بمستوياتها أفضل من الأكل المنزلي حتى وإن وجدنا من المغريات ما يدفعنا إلى الشراء من الخارج. هذا بالطبع ليس تقليلا من المحال التي تعمل في مجال المطاعم والمقاهي وغيرها، فمنها ما يقدم وجبات جيدة وذات مستوى عال من الجودة والتنوع، لكن ثقافة الأكل لها أصولها واشتراطات صحية، فليست جميع منافذ البيع تلتزم بالجوانب الآمنة في تقديم الأغذية للجمهور، وأيضا القوى العاملة في بعض أماكن الطعام لا يعنيها أمر النظافة أو سلامة الغذاء من التلوث أو عدم صلاحيته للاستخدام الآدمي بقدر ما يهمها الربح السريع والوفير وجذب الزبائن إليها.
من الأضرار الصحية التي تم رصدها عالميا هو ارتفاع نسبة السمنة لدى الأطفال وهو أحد العوامل السلبية للإقبال المتوالي على الوجبات السريعة، ووجد المختصون والأطباء والباحثون زيادة عالية في نسبة الإصابة بالأمراض «التي تنتقل من الغذاء إلى الإنسان والمرتبطة بعوامل النظافة وغيرها»، أيضا تسببت نوعية من المواد المستخدمة في طهي المأكولات سواء من استخدام «الزيوت المهدرجة وغير الصحية» في انتشار العديد من الأمراض ومنها أمراض القلب وانسداد الشرايين خاصة لدى الفئات صغيرة من الشباب ممن هم في مقتبل العمر. الغذاء عنصر مهم في صحة وسلامة الإنسان لا يجب علينا التهاون أو التكاسل عنه، فهناك علاقة وطيدة ما بين الغذاء ومسببات الأمراض المزمنة والسمنة وغيرها.
أيضا لا تكاد فترة زمنية تمر إلا ويتم رصد حالات التسمم الغذائي بعضها يتم الإبلاغ عنه، والبعض الآخر يتهاون المصابون بالتسمم من تقديم الشكوى إلى الجهات الرقابية بل يلجؤون إلى العلاج كحل سهل ومريح.
في بعض أماكن إعداد الطعام التي يتم الكشف عنها من خلال الفرق والجهات المختصة وخاصة حماية المستهلك «أمر مرعب وخطير للغاية»، تخيل أن مطبخا يقدم مئات الوجبات اليومية، يعج بالحشرات والقوارض، وكل أنواع التلوث الغذائي، وحقيقة هذا الأمر مقلق للغاية خصوصا وأن بعض المطاعم تكتفي بوضع لافتة عريضة أمام مطبخها كتب عليها «ممنوع الدخول»!.
الجهات الرقابية لا تعمل على مدى الساعة، ولكنها تقوم بحملات تفتيش ورصد ورقابة على هذه المؤسسات، ولكن بسبب كثرة المشاريع والمؤسسات والمحال على اختلاف أحجامها وأنواع نشاطاتها تخبئ مالا تراه عين المفتش، وعندما يتم رصد الأخطاء تحرر المخالفة، لكن للأسف أحيانا لا تعني للبعض هذه المخالفات إلا مجرد رقم مالي لا يذكر، ينتهي الأمر بدفع المبلغ وتعود الأمور إلى سابق عهدها !.
نؤكد ثانية على أن هناك التزاما من بعض أصحاب المشاريع التي تقدم الأكل وأيضا هناك رقابة صحية سواء من البلديات أو أجهزة الدولة الأخرى، ولكن مع ذلك هناك حالات تسمم تحدث هنا وهناك سببه غياب الضمير لدى بعض من القوى العاملة في إعداد الأطعمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الخارج الأکل من
إقرأ أيضاً:
انتشار البرباشة بشوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد
يزداد عدد "نبّاشي القمامة" أو "البرباشة" باللهجة العامية في تونس، والذين يجوبون الشوارع بلا كلل في القيض والبرد بحثا عن أي قارورة بلاستيكية، مما يشكل انعكاسا للأزمة الاقتصادية وأزمة الهجرة.
يضع حمزة الجباري منشفة على رأسه تقيه أشعة الشمس الحارقة، ويثبت كيسين مليئين بالقوارير البلاستيكية على ميزان في نقطة تجميع في حي البحر الأزرق الشعبي في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس.
كان قد جاب منذ الرابعة صباحا، شوارع عدة قبل أن يقوم عمّال النظافة بتفريغ حاويات القمامة.ويقول الرجل الأربعيني الذي يعيش من جمع البلاستيك منذ خمس سنوات "هذا هو العمل الأكثر توفرا في تونس في غياب فرص العمل".
لكن هذا العمل مرهق جدّا فيما يُباع الكيلوغرام الواحد من القوارير البلاستيكية الموجهة لإعادة التدوير ما بين 500 و700 مليم (16 إلى 23 سنتا).
ولذلك فهو في سباق لا ينتهي مع الزمن والمكان لملء أكبر عدد ممكن من الأكياس للحصول على بضعة دنانير لتوفير قوته اليومي.
انتشرت في تونس خلال السنوات الأخيرة مهنة جمع المواد البلاستيكية وبيعها للتدوير. فبات من المألوف رؤية نساء يبحثن عن القوارير المستعملة على جوانب الطرق، أو رجال يحمّلون أكواما من الأكياس على دراجاتهم النارية يجوبون الشوارع ويقفون عند كل ركن تلقى فيه القمامة للبحث فيها.
"عمل إضافي"
تؤكد منظمات غير حكومية محلية أنه من الصعب تحديد عدد "البرباشة"، إذ إن نشاطهم غير منظم قانونا.
لكن وفق حمزة الشاووش، رئيس الغرفة الوطنية لمجمعي النفايات البلاستيكية، التابعة لمنظمة التجارة والصناعة، فإن هناك 25 ألف "برباش" في تونس ينشط 40% منهم في العاصمة.يقول الجباري إن "الجميع أصبحوا برباشة!".
ويوضح الشاوش الذي يدير أيضا مركز تجميع للمواد البلاستيكية في ضاحية تونس الجنوبية، أن "عددهم ازداد في السنوات الأخيرة بسبب غلاء المعيشة".
ويلفت إلى تحول في القطاع الذي كان "من ينشطون فيه بالأساس أشخاصا بلا دخل" لكن "منذ نحو سنتين، بدأ عمال ومتقاعدون وخادمات في المنازل في ممارسة هذا النشاط كعمل إضافي".
في العام 2024، تجاوزت نسبة الفقر في تونس 16%، بحسب الأرقام الرسمية.وما تزال الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها في تونس مع نسبة بطالة تناهز 16% ونسبة تضخم تقارب 5,4% في العام 2025.
ومنذ العام الفائت، بدأ عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء أيضا بجمع القوارير البلاستيكية وبيعها لتحصيل رزقهم.يعيش معظم هؤلاء المهاجرين في فقر مدقع.
وقد عبروا دولا كثيرة بهدف واحد هو الوصول إلى أوروبا عبر البحر، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين في تونس التي شدّدت الرقابة على السواحل بعد إبرامها اتفاقا بهذا الخصوص مع الاتحاد الأوروبي.
"منافسة"
يقول المهاجر الغيني عبد القدوس إنه صار "برباشا" لكي يتمكن من العودة إلى بلده.ويعمل الشاب البالغ 24 عاما منذ شهرين في محطة لتنظيف السيارات ولكنه يحتاج إلى تكملة لراتبه المتدني.
يساعد جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير الشاب الذي حاول مرتين عبور البحر إلى أوروبا بشكل كبير في حياته ويمكنه من دفع الإيجار وشراء أغراض مثل الأدوية.يقول عبد القدوس لفرانس برس متنهدا بعمق "الحياة هنا ليست سهلة".
اضطر الشاب إلى مغادرة مدينة صفاقس الساحلية الكبيرة في الوسط الشرقي إلى العاصمة تونس بعد أن تلقى "الكثير من التهديدات".
وقد شهدت بلدات قريبة من صفاقس تفكيك عدة مخيمات غير منظمة للمهاجرين هذا العام.في العام 2023، تفاقمت أزمة المهاجرين بعدما اعتبر الرئيس قيس سعيّد أن "جحافل المهاجرين من جنوب الصحراء" تهدد "التركيبة الديموغرافية" لتونس.
وانتشرت بعد ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي خطابات حادة وعدائية ضد المهاجرين.ألقت هذه التوترات بظلالها على قطاع جمع القوارير البلاستيكية.
ويقول حمزة الجباري "هناك منافسة قويّة في هذا العمل"، في إشارة إلى المهاجرين.
ويضيف "هؤلاء الناس جعلوا حياتنا أكثر صعوبة... لم أعد أستطيع جمع ما يكفي من البلاستيك بسببهم".
ويذهب الشاوش أبعد من ذلك، فمركز التجميع الذي يشرف عليه "لا يقبل الأفارقة من جنوب الصحراء" ويمنح "الأولوية للتونسيين".
في المقابل، يؤكد عبد الله عمري وهو صاحب مركز تجميع في البحر الأزرق على أنه "يقبل الجميع".ويضيف الرجل البالغ 79 عاما "من يقوم بهذا العمل هم بحاجة" سواء "كانوا تونسيين أو من جنوب الصحراء أو غيرهم".
ويختم بفخر "نحن ننظّف البلاد ونوفر لقمة العيش للعائلات".