المحاربون القدامى .. ونظرتهم إلى المستقبل
تاريخ النشر: 6th, June 2025 GMT
إذا كانت قافلة من أكملوا ثلاثين عامًا في الوظيفة قد عبرت بجانبي، فإن قافلة من سيصلون إلى سن الستين إذا طال بي العمر سأكون معهم، ومن الآن بدأت أفكر جديًا في هذا الأمر، وأسأل نفسي: ماذا سأفعل بعد أن تتم إحالتي إلى مقعد التقاعد؟
سؤال يتكرر دائمًا في ذهني منذ أن بدأ الشيب يغزو شعر رأسي، هل أنا مستعد لهذا اليوم أم أنني لن أستوعب الأمر إلا عندما تأتي اللحظة التي يُطلب فيها ختم أوراق خروجي من العمل الذي قضيت فيه سنوات طويلة؟ قد يكون هذا اليوم ثقيلًا وغير عادي بالنسبة لأي متقاعد لم يستعد ليوم الرحيل.
كثر هم من كتبوا عن شجون التقاعد، وعدد ليس بالقليل ممن تغيرت حياتهم بعد آخر يوم لهم في وظائفهم سواء كانت عادية أو مرموقة.
على كل حال، في اليوم الموعود سوف أترجل على قدماي بين قسم وآخر، حاملًا ورقة تثبت بأنني لست مطالبًا بأي تبعات أو التزامات، آملًا نفسي في خروج آمن وسلس يكفل لي الحصول على مستحقاتي المالية بعد رحلة سنوات العمل في ذلك المكان الذي توالى عليه الكثير من الشخصيات والوجوه.
سألني أحد الأصدقاء يومًا: هل ستعود إلى مكان العمل الذي ستخرج منه لاحقًا حتى ولو من أجل الاطمئنان على الزملاء؟
أجبته بدون تردد: لا.. لن آتي ثانية.
استغرب من الرد الصادم، وأردفت قائلًا: كل القدامى الذين أعرفهم أو الذين عاشوا معي قد خرجوا من هذا المكان، ومن تبقى إلى جواري لا يعرفونني، فلذا آثرت أن أبقى بعيدًا حتى لا أكون أنانيًا أو متطفلًا، فالتقاعد يبعدنا عن الأنانية وتمني البقاء في كرسي الوظيفة دون أن نفسح المجال للزملاء الجدد.
الإنسان يبقى أمام الأقدار التي يعرفها عاجزًا عن تغييرها أو ردّها عنه، فهناك قوانين وأنظمة لا يمكن تجاوزها أو التحايل عليها بسهولة، وإن حظي البعض باستثناء معين فإنه لن يدوم طويلًا.
ولهذا، قد يكون التقاعد هو جزء من حياة أخرى، لها عثراتها ونجاحاتها، وطريق ينتظر الجميع أن يسلكوه، حتى وإن قضوا سنوات طويلة من أعمارهم تحت لافتة «موظف». الوظيفة، والصحة، والحياة أشياء لا تدوم إلى الأبد، فلكل قصة نهاية ولكن بفاتحة ختام، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن يستعد الإنسان لمثل هذا اليوم، كما يستعد لرحيله عن ظهر الأرض.
هذا ليس تشاؤمًا أو نذير شؤم، ولكن الحقائق أحيانًا تكون قاسية وصادمة، فمن المفارقات العجيبة أن كلاً من «التقاعد والموت» لا يشعر فيهما الإنسان بأنه قادر على منحهما مساحة عريضة من التفكير الكثير أو الوقت المناسب للتخطيط لما سوف يذهب إليه!
أعلم بأن أمر التقاعد قد أُشبع حديثًا وبحثًا
من الكثير من الناس، ولكن باختلاف النظرة إليه، سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، نتفق على أنه حالة إنسانية يصل إليها الشخص في وقت حاسم.
قد يكون التقاعد وبالًا على البعض وسعادةً للآخرين.
الوظيفة لا تدوم، والحياة أيضًا لا تبقى، وكل ما على الإنسان فعله هو أن يترك الأثر الطيب، سواء في نفوس زملائه في العمل أو في حياته مع الناس في الخارج.
فكم من شخصيات عرفناها وعشنا معها لسنوات طويلة، كنا نعتقد بأنها ستبقى طويلًا، لكن القدر كان أقرب إليها منا.
فمنهم من أُحيل إلى التقاعد لمرضه وحالته الصحية، وآخر اختطفته يد المنايا وأصبح مكانه في العمل لشخص آخر جديد. تتعاقب الوجوه، ويغيّر الله من حال إلى حال.
النفس البشرية أمارة بالسوء، وأحيانًا السلطة والمنصب والمكانة الاجتماعية تسهم في تنفير الناس من بعضهم البعض.
لكن العاقل الفطن هو من يعرف قيمة الأشياء، وعدم دوامها، ومآلها إلى الزوال، تجده أكثر اتزانًا وسكونًا ولطفًا مع الآخرين.
قد يمتلكني الشعور والقناعة بأن التقاعد هو نوع من الفراق، للمكان وللناس، والموت كذلك.
بالطبع هناك فارق ما بين الأمرين، لكن كليهما يحتاج إلى «استعداد»، فالإنسان دائمًا مقصر ومخطئ، لكنه يحاول مجاورة الصواب في أقواله وأفعاله.
حتى هذا اليوم، لا نزال نترحم على شخصيات عرفناها وتعلمنا منها الكثير، وكانت خفيفة في الحياة، لطيفة على القلب، عطر محبتهم -رغم نزيف الأيام- باقٍ في صدورنا، ندعو لهم بالرحمة والمغفرة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الیوم
إقرأ أيضاً:
مكة المكرمة.. تفعيل اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص
فعّل تجمع مكة المكرمة الصحي اليوم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، تحت شعار: “معًا لمكافحة الاتجار بالأشخاص”، وذلك بحضور نخبة من الرؤساء التنفيذيين وممثلي الجهات العدلية والأمنية والحكومية والأهلية، في تأكيد على التزامه الراسخ بحماية كرامة الإنسان، والتصدي لجميع أشكال الاستغلال والانتهاك.
وأكد التجمع أن مفهوم “الصحة الشاملة” لا يقتصر على توفير الخدمات الطبية، بل يمتد ليشمل تعزيز السلامة النفسية والاجتماعية، معتبرًا المناسبة محطة محورية لتعزيز الشراكات العابرة للقطاعات، والعمل على خلق بيئة صحية وآمنة، خالية من أي ممارسات تنتهك حقوق الإنسان أو تمس كرامته.
أخبار متعلقة خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان رسالتين خطيتين من رئيس أذربيجاندون تأثيرات.. زلزال بقوة 4.68 درجة جنوب البحر الأحمر غرب جازانوشهدت الفعالية حضورًا وتفاعلًا واسعًا من الجهات الشريكة، بما يجسد المسار الوطني المتكامل نحو رفع الوعي المجتمعي، وتمكين الكوادر في القطاعين الصحي والاجتماعي، وتعزيز قدرات الوقاية والتدخل والحماية، ضمن إطار مؤسسي يرتكز على التشاركية والمسؤولية الجماعية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تفعيل اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في مكة مكافحة الاتجار بالأشخاصوشارك في الفعالية عدد من الجهات الوطنية الفاعلة، شملت هيئة حقوق الإنسان، النيابة العامة (دائرة مكافحة الاتجار بالأشخاص)، شرطة العاصمة المقدسة، وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة، جمعية يسر الأسرية، جمعية مودة، وجمعية عبور إنسان لمكافحة الاتجار بالأشخاص، في مشهد يعكس تناغم الجهود وتكامل الأدوار بين القطاعات الرسمية والمجتمعية.
وجدد تجمع مكة المكرمة الصحي التزامه الكامل بدعم الجهود الوطنية في مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ضمن منظومة الرعاية الصحية، بما ينسجم مع الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، ويتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تضع الإنسان في قلب التنمية، وتؤكد أن كرامته “خط أحمر لا يُمس”.