يمانيون|بقلم|عبدالمؤمن حجاف

تحلّ علينا ذكرى الولاية، المناسبة التي تتجاوز طابعها التاريخي والديني لتلامس جوهر واقع الأمة اليوم في حاضرها الجريح والمثقل بالخذلان والهزائم.

في هذة الذكرى نعود إلى محطة مفصلية من تاريخ الإسلام حيث وقف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم ليعلن بوضوح وصراحة لا لبس فيها: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”.

إنها لحظة مفصلية في توجيه الأمة نحو المسار الذي يُفترض أن يحفظ لها كرامتها ويصون وحدتها ويؤسس لها نهجاً في القيادة قائماً على القيم الإلهية والاصطفاء الإلهي والكفاءة النادرة التي لا تُقارن.

ولكن ما أشد ما ابتعدت الأمة عن هذه اللحظة وما تمثله، لقد انحرفت بوصلتها وتركت ولاية الله التي هي ولاية رحمة وهداية ونور واختارت بدلاً عنها ولاية الطاغوت ولاية أمريكا وإسرائيل ولاية القهر والهيمنة والاستعباد.. وما النتيجة؟ هزيمة تلو هزيمة، ذلّ بعد ذلّ خضوع وانكسار وفقدان للقرار والسيادة حتى باتت الأمة الإسلامية برمّتها أو على الأقل أنظمتها الحاكمة أدوات طيعة في أيدي أعدائها خادمة لأهدافهم صامتة على جرائمهم بل ومبررة لها في كثير من الأحيان.

إن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم ليست أزمة موارد أو جغرافيا أو حتى قوة عسكرية، بل هي قبل كل شيء أزمة قيادة وولاية. حين تُسلَّم الأمة لولاة أمر لا يمتلكون الحدّ الأدنى من صفات القيادة الحقيقية –لا علماً، ولا شجاعة، ولا حكمة، ولا زكاء، ولا كرامة– فلا يُنتظر منها إلا ما نراه اليوم: خنوع للعدو، وتآمر على القضايا الكبرى، وعجز تام عن اتخاذ أي موقف مشرّف.

انظروا إلى غزة، الجرح النازف في خاصرة الأمة، حيث يُذبح الأطفال وتُباد العائلات، بينما لا يسمع الفلسطينيون إلا بيانات الشجب الباردة، ومبادرات التهدئة المشبوهة، ومؤتمرات القمم التي تخرج بلا نتائج ولا كرامة.

إن ما يجري في غزة اليوم هو صورة فاضحة لانعدام الولاية الحقيقية في واقع الأمة، واستبدالها بولاية التبعية والارتهان.

وهنا نستحضر حديث الغدير، ليس كمجرد نص تراثي أو وثيقة تاريخية، بل كحقيقة متجذّرة ومجمع عليها من حيث الواقعة، ومؤيدة بأمهات الكتب والمصادر الإسلامية المعتبرة لدى مختلف المذاهب، ما يجعل من تجاهلها أو إنكارها خيانة معرفية ودينية. لقد مثّل الغدير إعلاناً لمبدأ إلهي في قيادة الأمة، بأن يكون من يلي أمرها هو الأعلم، الأزكى، الأشجع، الأكرم، الأعظم، من تتوفر فيه صفات القيادة الربانية، وليس من يلهث خلف رضا أمريكا أو يخضع لسطوة المال الخليجي، أو ينحني للعدو الصهيوني.

ذكرى الولاية، ليس مجرد ذكرى عابرة أو مناسبة طقوسية، بل هو دعوة متجددة لإعادة النظر في أصل الخلل. إنه نداء للعودة إلى ولاية الله ورسوله وأوليائه الصالحين، الذين يجعلون من مسؤولية القيادة أمانة ثقيلة لا تُعطى إلا لمن يستحقها، لا لمن يفرضه الخارج أو يشتريه المال أو تصنعه المؤامرات.

وفي ظل هذا الانحدار المرير الذي تعيشه الأمة، تبقى العودة إلى الولاية الحقيقية هي الخلاص الوحيد، فالولاية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، هي وحدها القادرة على إعادة الأمة إلى موقعها الحضاري والروحي والتاريخي، ومواجهة أعدائها بثقة وعزة وكرامة.

في ذكرى الولاية، آن للأمة أن تسأل نفسها بصدق: إلى أين قادنا من اخترناهم؟ وماذا لو عدنا إلى من اختارهم الله لنا؟ وهل يمكن أن تنهض أمة يتولاها من لا يعرف معنى الولاية، ولا يسير على نهج النور؟

#عيد_الغدير#مبدأ_الولاية#ولاية_الإمام_علي

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان

استأنف ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" بالجامع الأزهر الشريف، فعالياته الأسبوعية أمس، الثلاثاء، تحت عنوان: “الإسلام وحقوق الإنسان”.

وحاضر  في ملتقى هذا الأسبوع، كل من؛ الدكتور مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، والدكتور محمود الصاوي، الوكيل السابق لكلية الدعوة بجامعة الأزهر،  وأدار الملتقى الإعلامي سمير شهاب.

في بداية الملتقى، أكد فضيلة الدكتور محمود الصاوي، أن الإنسان هو خلق الله سبحانه وتعالى، لهذا جاءت الشريعة الإسلامية بضوابط لصيانة حقوقه الكاملة، التي تضمن سير الحياة في سياق منضبط، كما راعى الإسلام الاتزان بين الحقوق والواجبات بين الأفراد، فإذا ما راعى الإنسان منظومة الحقوق كما بينتها الشريعة الإسلامية، وصل المجتمع إلى أرقى المستويات، هذا النموذج الراقي هو الذي جعل المجتمع الإسلامي الأول مجتمعا حضاريا لم تشهد البشرية نموذجا مثله.

وقال إن الحضارة التي وصل إليها المجتمع الإسلامي الأول،  كانت بفضل قيم التعايش والتكافل التي ميزت أفراده، حيث تحول بفضل مبادئ الشريعة إلى مجتمع متحضر وراق، رغم التنوع الثقافي والديني والعرقي الذي كان يتسم به.

وأضاف فضيلة الدكتور محمود الصاوي أن منظومة القيم التي أرستها الشريعة الإسلامية تتميز بشموليتها، فهي تضمن حقوق الإنسان  دون نقصان، حيث تقوم فلسفة هذه المنظومة المتكاملة على مبدأ أساسي وراسخ هو الحيلولة دون أي تعد من فرد على حقوق غيره، سواء كان هذا التعدي ماديا يمس ممتلكاته أو جسده، أو معنويا يمس كرامته وسمعته، من هذا المنطلق، لم تكن القاعدة الفقهية العظيمة "لا ضرر ولا ضرار" مجرد مبدأ نظري، بل هي حجر الزاوية الذي بنيت عليه تشريعات الإسلام، لتكون بمثابة صمام أمان يحمي المجتمع من الفوضى والظلم، ويضمن لكل فرد العيش في بيئة يسودها العدل، هذه القاعدة تعكس جوهر الشريعة في حفظ الحقوق ودفع المفاسد، وتؤكد على أن المصلحة الفردية يجب ألا تتعارض مع المصلحة العامة، وأن الضرر يُزال حيثما وجد، سواء كان ذلك الضرر يقع على النفس أو على الآخرين.

من جانبه، أوضح الدكتور مجدي عبد الغفار، أن القرآن الكريم قد عبر عن حقوق الإنسان بأسلوب راق في العديد من آياته، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" هذه الآية تؤسس لمبدأ الكرامة الإنسانية كحق أصيل لكل فرد، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده، كما تتضح هذه الفلسفة في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، حيث تؤكد هذه الآية على مبدأ المساواة بين البشر، وأن الهدف من هذا التنوع هو التعارف والتعاون لا التنافر والصراع، مما يرسخ أساسا متينا لاحترام حقوق الآخرين.

دعاء النبي عند الحر الشديد .. ردد أفضل 14 تغفر ذنوبك وتدخلك الجنةأجمل دعاء فى الصباح.. ردده يسخر الله لك من يقضي حاجتك ويفرج كربتك

وبين فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار أن النفس البشرية بنيان الله -سبحانه وتعالى- ومن هدمها ملعون، وهو ما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله"، يُظهر هذا الحديث  خطورة  المشاركة في إزهاق الأرواح ولو بشيء يسير وهو جزء من كلمة، فما بالنا بمن يسفكون الدماء ويقتلون الأطفال والناس بغير حق؟ مستخدمين أبشع طرق القتل والتعذيب والتنكيل، إضافة إلى التمثيل بالقتل، فهولاء لا يعرفون للبشرية حقا ولا للإنسانية طريقا.

وذكر فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار، أن النصوص الشرعية، في ترسيخها للأحكام والقواعد الشرعية، استندت إلى ثلاثة مبادئ أساسية: أولا، الوعي قبل السعي، أي الفهم الصحيح للنصوص قبل تطبيقها، فسوء الفهم يؤدي إلى تطبيقها في غير موضعها، ثانيا، الإنسان قبل البنيان، بمعنى أن قيمة الإنسان مقدمة على أي شيء آخر، وهو ما يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"، وقوله أيضا: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهذا ما يفسر موقف الإسلام من العنصرية، كما يتضح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مرت جنازة يهودي: "أليست نفسا؟، مما يؤكد على احترام النفس البشرية بغض النظر عن دينها أو عرقها، ثالثا، الساجد قبل المساجد، أي أن قيمة العابد مقدمة على قيمة مكان العبادة، وهذا يعني أن غاية العبادة هي تزكية النفس وصلاحها، وليس مجرد إقامة الشعائر دون مراعاة لحقوق الإنسان.

وفي ختام الملتقى، شدد الإعلامي سمير شهاب، على ضرورة إدراك حقيقة جوهرية، وهي أن الدين الإسلامي قد سبق جميع الدساتير والقوانين الدولية الحديثة في إقراره الشامل لحقوق الإنسان، ولم يكن الإسلام مجرد سباق زمني، بل كان رائدا في تأسيس منظومة متكاملة ومتوازنة لحقوق الفرد والمجتمع،  بل حمى الإسلام الحقوق الشخصية بكل دقة وتفصيل، مقدما بذلك نموذجا فريدا في صيانة كرامة الإنسان وحريته، بينما جاءت الدساتير والقوانين الدولية لاحقا لتعكس جزءا من هذه المبادئ التي أُرسيت جذورها في الشريعة الإسلامية منذ قرون عديدة.

جدير بالذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" يُعقد الثلاثاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، حيث كان بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، بعد نجاحه طوال شهر رمضان والذي كان يعقد يوميًا عقب صلاة التراويح، ويتناول هذا الملتقى في كل حلقة قضية تهم المجتمع والوطن، والعالَمَين العربي والإسلامي.

طباعة شارك الأزهر للقضايا المعاصرة الإسلام وحقوق الإنسان الجامع الازهر

مقالات مشابهة

  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان
  • سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
  • وزير الداخلية يتفقد مركزى الفحص الآلى و الترخيص بمحلية كررى ويوجه بنشر كافة الخدمات المرورية بمحليات الولاية
  • اليوم.. محاكمة إرهابي بتهمة الانضمام لـ تنظيم «ولاية سيناء»
  • الإعلام الحكومي: 109 شاحنات مساعدات نهبتها الفوضى و4 إنزالات جوية سقطت في مناطق قتال خطرة
  • لقاء للعلماء وتدشين فعاليات ذكرى قدوم الإمام الهادي إلى اليمن
  • بيان أمني من كوردستان: الطائرة التي سقطت في اربيل مفخخة ولا إصابات
  • غزة - الكشف عن عدد شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع اليوم
  • في خلدة.. سارقان خطيران في قبضة شعبة المعلومات
  • الاتحاد الأوروبي: يجب أن ينتقل حل الدولتين من مبدأ إلى حقيقة ملموسة