تصاعدت تداعيات الحروب التجارية العالمية لتلقي بثقلها الثقيل على الدول النامية، التي لم تشارك بشكل مباشر في النزاعات بين القوى الكبرى، لكنها تدفع اليوم فاتورة باهظة على وقع تباطؤ التجارة العالمية، وتقلص الاستثمارات، واضطراب سلاسل التوريد.

هذا ما أكدته أحدث تقديرات البنك الدولي التي طرحت من مقر البنك في واشنطن، محذرة من تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة، وتراجع دخل الفرد، وتآكل أسس العولمة التي كانت تُعتبر محركاً للنمو الاقتصادي والتنمية في عشرات الدول حول العالم.

تراجع النمو الاقتصادي وتآكل المكاسب التنموية

كشف تقرير البنك الدولي أن الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة أدت إلى تباطؤ النمو في نحو ثلثي الاقتصادات النامية خلال 2025، متوقعاً نموها بنسبة 3.8% فقط، بانخفاض ملحوظ عن 4.2% في 2024، أما دخل الفرد في تلك البلدان، فمن المتوقع أن ينمو بنسبة 2.9%، أقل بنحو نقطة مئوية عن متوسط النمو خلال العقدين الماضيين.

ويصف التقرير هذا التراجع بأنه “الأبطأ منذ أزمة 2008 المالية”، مما يهدد المكاسب التنموية التي تحققت خلال نصف القرن الماضي، والتي ساعدت على إخراج أكثر من مليار شخص من الفقر المدقع.

حمائية ترامب تُعقّد المشهد الدولي

يشير التقرير إلى أن الإجراءات الحمائية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي وصلت إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الصلب والألومنيوم والعديد من السلع الأخرى، أثرت بشدة على التجارة العالمية، حيث من المتوقع أن ينخفض نمو التجارة في السلع والخدمات إلى 1.8% في 2025، مقارنة بـ 3.4% سابقًا.

وبينما تحاول واشنطن إعادة التفاوض مع شركائها لتخفيف هذه الرسوم قبل انتهاء فترة تعليقها في يوليو، فإن الأثر السلبي واضح على الاقتصادات الضعيفة التي تعتمد بشكل كبير على التصدير والاندماج في سلاسل التوريد العالمية.

انعكاسات عميقة على دول الجنوب

تتوسع التداعيات لتشمل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تقلصت إلى النصف منذ ذروتها في 2008، إلى جانب اضطراب سلاسل التوريد التي تلعب فيها الدول النامية أدواراً حيوية في الصناعات التحويلية والإلكترونيات والمنسوجات، هذا الواقع تسبب في خسارة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة، بحسب تصريحات الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”.

وأوضح الإدريسي أن تقلبات أسعار السلع الأساسية مثل النفط والمعادن والمنتجات الزراعية تضيف ضغوطاً إضافية على ميزانيات تلك الدول، التي تعاني أيضاً من ارتفاع تكاليف الإنتاج جراء فرض قيود جمركية على المواد الخام والتكنولوجيا.

تحذير من أزمة تنموية عميقة ومخاطر مستمرة

وحذر كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إندرميت جيل، من أن “العالم النامي خارج آسيا أصبح منطقة خالية من التنمية”، مع تراجع مستمر في معدلات النمو التي كانت تصل إلى 6% في العقد الأول من القرن الحالي إلى أقل من 4% اليوم.

وأكد البنك الدولي أن مخاطر تصعيد النزاعات التجارية واستمرار حالة عدم اليقين السياسي والتوترات الجيوسياسية تمثل تهديدات كبيرة للنمو المستقبلي، مع توقعات بأن الدول النامية قد تحتاج لعقدين لتعويض الخسائر الاقتصادية الحالية، باستثناء الصين التي تواصل النمو بوتيرة أسرع.

دعوة للتعاون العالمي وإعادة صياغة قواعد التجارة

يشدد البنك الدولي على أهمية التعاون الدولي لاستعادة بيئة تجارية أكثر شفافية واستقراراً، مع دعم خاص للدول التي تعاني من أعباء الديون والنزاعات والصدمات المناخية، من أجل تفادي انزلاقها نحو أزمات اقتصادية وتنموية عميقة.

كما دعا إلى خفض الحواجز التجارية المرتفعة التي تفرضها بعض الدول النامية، والتي قد تكون عقبة أمام نموها الاقتصادي.

آراء الخبراء: الحروب التجارية تهدد استقرار الاقتصادات الهشة

في تصريحات لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أشار خبير العلاقات الاقتصادية الدولية محمد الخفاجي إلى أن الحروب التجارية تؤثر سلباً على الصادرات، العملات الوطنية، وسلاسل التوريد للدول النامية، مضيفاً أن هذه الدول تتحمل “تكلفة مزدوجة” بسبب النزاعات العالمية وتبعاتها المالية والاجتماعية.

كما وصف الخفاجي الحاجة الملحة لإعادة صياغة قواعد التجارة العالمية بما يعزز حماية مصالح الجنوب ويخفف من هشاشتها الاقتصادية، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية.

مستقبل مشوب بعدم اليقين

رغم هذه التحديات، تظهر بعض الأسواق الناشئة مؤشرات إيجابية مدعومة بضعف الدولار الأميركي وتوقعات بتخفيف الرسوم الجمركية، وفقاً لما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز، التي أبرزت كذلك تحذيرات مسؤولي صندوق النقد الدولي من أن التحديات الحالية قد تفوق تلك التي واجهتها الاقتصادات الناشئة أثناء أزمة كورونا.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: أمريكا الاقتصاد العربي الحرب التجارية الدول العربية الدول النامية الصين وأمريكا دونالد ترامب فرض رسوم جمركية الحروب التجاریة الدول النامیة البنک الدولی

إقرأ أيضاً:

البنك الدولي يقدم قرضا بقيمة 1.5 مليار دولار لجنوب أفريقيا

وافق البنك الدولي على منح قرض بقيمة 1.5 مليار دولار لجمهورية جنوب أفريقيا، بهدف دعم الإصلاحات الهيكلية، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي.

وأوضح البنك أن هذا التمويل يهدف إلى معالجة التحديات الجوهرية التي تواجه البلاد، مثل تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة، من خلال تخفيف الاختناقات في قطاعات الطاقة والنقل البري، وذلك وفقا لما نقلته وكالة بلومبيرغ.

وأشار البنك الدولي إلى أن دعمه سيسهم في تعزيز أمن الطاقة وتحسين كفاءة لوجستيات النقل البري، بالإضافة إلى دعم جهود البلاد في التحول نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية بما في ذلك المدن الكبيرة في البلاد.

من جهتها، تعهدت حكومة جنوب أفريقيا بتحديث الشركات المملوكة للدولة وفتح القطاعات الحيوية أمام المنافسة.

وفي تصريح له الشهر الماضي، أكد الرئيس سيريل رامافوزا أهمية مشروعات البنية التحتية لمستقبل البلاد، مشددًا على أن "البنية التحتية هي المحرك الذي يحتاجه اقتصادنا لتعزيز النمو وخلق فرص العمل. فالبنية التحتية التي تُبنى وتُدار بكفاءة تشجع المستثمرين على اعتبار بلادنا وجهة استثمارية متميزة".

وأضاف أن خطته لتحفيز الاقتصاد من خلال إطلاق مشروعات بناء كبرى قد أسفرت عن جذب استثمارات قياسية بلغت 238 مليار راند (نحو 13.3 مليار دولار).

إعلان

وسيوجه جزء من القرض إلى شركة "إسكوم" الحكومية لتعزيز شبكة الكهرباء ودعم دمج مصادر الطاقة المتجددة. كما ستستفيد شركة "ترانسنت"، المشغّل الرئيسي للموانئ والسكك الحديدية، من التمويل لتوسيع قدرات النقل البري.

خريطة جنوب أفريقيا (الجزيرة)

وتجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا بدأت، السنوات الأخيرة، تولي اهتمامًا متزايدًا بقطاع البنية التحتية، بعد عقود من ضعف الاستثمار وسوء الإدارة، مما أدى إلى فجوة كبيرة في هذا القطاع الحيوي.

وكانت صحيفة "بيزنس إنسايدر" قد أفادت في وقت سابق بأن مدينة جوهانسبرغ، التي تُعد أغنى مدن القارة الأفريقية نظرًا لتركيز الأعمال والثروات فيها، تحتاج إلى نحو 221 مليار راند (حوالي 12 مليار دولار) لمعالجة تحديات البنية التحتية.

وفي مارس/آذار الماضي، أطلقت جنوب أفريقيا -بالتعاون مع البنك الدولي- مبادرة بقيمة 3 مليارات دولار تهدف إلى استعادة الخدمات الأساسية وتحسين البنية التحتية في 8 من كبرى مدن البلاد.

مقالات مشابهة

  • البنك الدولي يقدم قرضا بقيمة 1.5 مليار دولار لجنوب أفريقيا
  • البنك الدولي يتوقع نموا في اقتصاد المغرب بنسبة 3.6 في المائة في 2025 وتراجعا ضئيلا في السنة المقبلة
  • البنك الدولي يخفض توقعات النمو العالمي للعام 2025 على خلفية التوتر التجاري
  • البنك الدولي: تعافٍ تدريجي لاقتصاد الأردن مع استقرار إقليمي متوقع
  • البنك الدولي يحذر: العقد الراهن قد يسجل أضعف نمو منذ 60 عاما
  • توقعات قاتمة للاقتصاد العالمي.. البنك الدولي يحذر من أضعف نمو منذ ستين عاما
  • البنك الدولي يتوقع نموا بالمغرب بنسبة 3.6 بالمائة خلال 2025 و3.5 بالمائة في 2026
  • البنك الدولي يخفض توقعاته للنمو العالمي إلى أقل مستوى منذ 2008
  • البنك المركزي: 20.4 مليار دولار ودائع الدول العربية في مصر بنهاية سبتمبر 2024