الغدير حُبٌّ يُوحِّد الأمة من ميراث النبوة إلى إنقاذ القدس
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
العيدُ واحدُ الأعياد، والعيدُ عند العرب الوقتُ الذي يعودُ فيه الفرحُ، وسُمِّيَ العيدُ عيداً لأنَّه يعودُ كلَّ سنةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ.
وقال الفيروزآبادي: يُسْتَعْمَلُ العيدُ لكلِّ يومٍ فيه فرحٌ وسرورٌ، ومنه قوله تعالى: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾.
فَيَومُ العيدِ هو يومُ سرورٍ وفَرَحٍ، يُحْتَفَلُ فيه بِذِكْرَى حادثةٍ عَزيزةٍ دِينيةٍ كانت أَو دُنْيَوِيَّةٍ، ويُحْتَفَلُ المُسْلِمُونَ بِعِيدِ الفِطْرِ، وعيدِ الأضحى المُبارَكَيْنِ، ويُحْتَفِلُ الكثيرُ مِنَ المُسْلِمِينَ بِعِيدِ الغَدِيرِ لإظهارِ الفَرَحِ والسُّرورِ بهذا اليومِ الذي يَرْمُزُ إلى وَحْدَةِ المُسْلِمِينَ واتِّحادِهِمْ على إظهار الثقة والولاء لمن تولاه الله ورسوله وعمل على نشر الإسلام بجد واجتهاد وجاهد بنفسه ولسانه وسيفه اقتداء بهدي نبيهم.
في ذلكَ اليومُ الذي جَمَعَ الناسَ فيهِ الرسولُ الأعظمُ مُحَمَّدٌ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ بِغَدِيرِ خُمٍّ، مُبَيِّناً ما اختَصَّ اللهُ ورَسولُهُ بِهِ الإمَامَ عَلِيَّاً بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضيَ اللهُ عنه وَكَرَّمَ وَجْهَهُ- في يومِ الغدير الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ حِينَما دَفَعَ مِنْ حَجَّةِ الوَدَاعِ وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ أمر بدوحات فقُمِمن، ثُمَّ قالَ: «كَأَنِّي دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أحدهما أكبر من الآخر كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخَلِّفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ»، ثُمَّ قالَ: «إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ -عليه السلامُ- وَقالَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»، وَرَفَعَ يَدَ عَلِيٍّ مِنْ قِبَلِ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّمَ، تَعْنِي عَلُوَّ مَرْتَبَتِهِ وعظيم الثقة به وتحقيق ولايته، وَهَذَا الحَدِيثُ مُتَواتِرٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ في “خَصَائِصِ عَلِيٍّ”، وَالحَاكِمُ في “المُسْتَدْرَكِ”، وَأَحْمَدُ في “المُسْنَدِ”، وَابْنُ أَبي عَاصِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ في “صَحِيحِهِ”، وَالضِّيَاءُ المُقْدِسِيُّ في “المُخْتَارَةِ”، وَأَوْرَدَهُ الأَلْبَانِيُّ في “سِلْسِلَةِ الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ” برقمِ (1750) ج4/ص330.
وقالَ عنهُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ في “تَارِيخِ الإسْلَامِ”: تَوَاتَرَ عَنْ نَبِيِّنَا أَنَّهُ قَالَ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وصَحْبِهِ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»، وفي “سِيْرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ” قالَ الذَّهَبِيُّ: «إِنَّ مَتْنَ الحَدِيثِ مُتَوَاتِرٌ»، وفي “تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ” يَقُولُ: «بَهِرَتْنِي سِعَةُ رِوَايَتِهِ فَجَزَمْتُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ، فَالْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ».
وَقَوْلُهُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» وَاضِحُ الدَّلالَةِ بِأَنَّ المُرَادَ الوِلَايَةُ. فَالوِلَايَةُ في لُغَةِ العَرَبِ، كَمَا يَقُولُ مَجْدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ الفِيرُوزَآبَادِيُّ في “بَصَائِرِ ذَوِي التَّمْيِيزِ” ج5/ص281: «الوِلَايَةُ: النُّصْرَةُ، وَالوَلِيُّ وَالمَوْلَى يُسْتَعْمَلَانِ في كُلِّ ذَلِكَ».
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ المَوْلَى عَلَى المُعْتَقِ، وَالمَالِكِ، وَالصَّاحِبِ، وَالنَّاصِرِ، وَالمُنْعِمِ، وَالمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَالرَّبِّ، وَالوَلِيِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَتَوَافَقُ مَعَ سِيَاقِ النَّصِّ في الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ أَنَّ المُرَادَ الوِلَايَةُ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الوَلِيِّ وَالمَوْلَى، فَيُقَالُ: لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ البَلَدِ وَلِيَ وِلَايَةً، وَهُوَ وَالِي البَلَدِ، وَهُمْ وُلَاتُهُ، وَلِيُّ الأَمْرِ وَتَوَلَّاهُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَمَوْلَاهُ.
وَيُقَالُ في حَقِّ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الوَلِيُّ وَالمَوْلَى، فَفِي القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وفي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ: «اللهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ»، وَفي التَّنْزِيلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾.
فَالوَلِيُّ وَالمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَعَلَى مَنْ يَلِي أُمُورَ النَّاسِ.
وَقَدْ صَحَّحَ الأَلْبَانِيُّ الحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ في “المُسْنَدِ” وَالحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ: «مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» حديث (٢٢٢٣) ج٥/ص١٦١. وَبِهَذَا يَتَضَحُّ المُرَادُ بِالمَوْلَى وَالوَلِيِّ.
وَلَا يَسَعُ المُؤْمِنَ إِلَّا التَّسْلِيمُ لِمَا وَجَّهَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
وَالصَّحَابَةُ -رَضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- لَمْ يُنْكِرُوا هَذَا الحَدِيثَ أَوْ يَجْحَدُوهُ، بَلْ إِنَّهُمْ رَوَوْا هَذَا الحَدِيثَ كَمَا سَبَقَتِ الإشَارَةُ إِلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ خِلَافٌ قَدْ حَصَلَ حَوْلَ الخِلَافَةِ يوم السقيفة ولم يكن الإمام علي حاضرا، فَإِنَّ الإمَامَ عَلِيّاً -عليه السلامُ ـ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ ـ ضَرَبَ مَثَلاً أَعْلَى في الحِفَاظِ عَلَى بَيْضَةِ الإسْلَامِ وَجَمْعِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ عِنْدَ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ مِنْ يَوْمِ السَّقِيفَةِ، وَكَانَ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ في حِلْمِهِ وَعِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ، فَقَدْ ضَرَبَ مَثَلاً أَعْلَى في ذَلِكَ الأَمْرِ كَيْ لَا يُعْطِيَ فُرْصَةً لِأَعْدَاءِ الإسْلَامِ للإجهاز على الإسلام والتَّفْرِيقِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. وضَرْبِ الإسلام في مَهْدِهِ.
فَقَدْ كَانَ ظَرْفُ تِلْكَ الحَادِثَةِ يُنْذِرُ بِخَطَرٍ كَبِيرٍ، فَقَدِ ارْتَدَّتِ العَرَبُ عَنِ الإسْلَامِ في الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى الإسْلَامِ إِلَّا مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ آثَرَ نُصْحَ الخُلَفَاءِ وَمُؤَازَرَتَهُمْ، وَجَاهَدَ في حَرْبِ الرِّدَّةِ بِالمَالِ وَالسَّيْفِ وَالرَّأْيِ، وَكَانَ هَادِياً مَهْدِيّاً، حَتَّى قَالَ عَنْهُ الخَلِيفَةُ الثَّانِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: «لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ». وَكَانَتْ كُلُّ مَوَاقِفِهِ في مُعَاضَدَةِ الخُلَفَاءِ تَدُلُّ عَلَى الكَمَالِ وَالعِفَّةِ وَالوَفَاءِ وَحِرْصِهِ عَلَى المحافظة على جمع كلمة الأمة ووحدتها وعلى مَصْلَحَةِ الإسْلَامِ وَعِزِّ المُسْلِمِينَ، ومما يؤكد ذلك أمره لبَنِي هَاشِمٍ وَخَوَاصِّ أَصْحَابِهِ بِالبَيْعَةِ وَالطَّاعَةِ لِلْخُلَفَاءِ وَتَوَلِّي أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اسْتَقَامَتِ الأُمُورُ، وَلَا يُضِيرُ تَأَخُّرَ الخِلَافَةِ عَنْهُ خَمْسة وَعِشْرِينَ عَاماً حَتَّى أَتَتْهُ رَاغِمَةً، فجمع الله له بين الإمامة والخلافة والولاية.
وَحَسْبُنَا في ذَلِكَ أَنَّ عَلِيّاً -عليه السلامُ- لَمَّا وَاجَهَ الصِّدِّيقَ بَعْدَ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَفْسَدْتَ عَلَيْنَا أَمْرَنَا وَلَمْ تُشَاوِرْنَا»، فَقَالَ: «بَلَى، وَلَكِنْ خَشِيتُ الفِتْنَةَ»، فَانْظُرْ كَيْفَ صَدَّقَ الصِّدِّيقُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَاعْتَرَفَ بِحَقِّهِ وَعَلَّلَ البَيْعَةَ بِخَوْفِ الفِتْنَةِ، ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عليه السلامُ لَمْ يسع إلى إبطال قِيَامَ الصِّدِّيقِ بِالأَمْرِ، بَلْ عَاتَبَهُ وَبَايَعَهُ.
وَيُمْكِنُ لِلأُمَّةِ اليَوْمَ أَنْ تَتَرَضَّى عَنِ الإمَامِ عَلِيٍّ عليه السلامُ وَتُعْلِنَ توليه وتَصَالُحَهَا وَتَنَاسِيَهَا لِمَا حَصَلَ بَيْنَ سَلَفِهَا مِنْ تَبَايُنٍ وَمِحَنٍ، فَفَضْلُ عَلِيٍّ في تَعَاوُنِهِ مَعَ الخُلَفَاءِ وَصَبْرِهِ وَحِلْمِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى وحدة الأُمَّةِ لَا يَقِلُّ عَنْ فَضْلِهِ في شَرَفِ نَسَبِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، وَسَبْقِهِ إلى الإسْلَامِ وَالإيمَانِ، وَجِهَادِهِ في نُصْرَةِ الإسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ. فَكَيْفَ لَا يُحْتَفَلُ بِحُبِّهِ وَيُظْهَرُ السُّرُورُ بِذَلِكَ في يَوْمِ الغَدِيرِ؟
وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ في حَقِّ عَلِيٍّ -عليه السلامُ-: «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ». فَبِالحُبِّ لِلإمَامِ عَلِيٍّ يَعُمُّ السَّلَامُ وَالمَوَدَّةُ وَالوِئَامُ. وَهُوَ إمَامُ الجِهَادِ وَالاجْتِهَادِ، وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الأُمَّةِ وَالهَادِي إلى سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَالَّذِي نَسَخَ القُرْآنَ بِيَمِينِهِ وَأَرْسَلَهُ إلى الأَمْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ الرَّسُولُ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَجَعَلَ إلَيْهِ الإمَارَةَ في فَتْحِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ». وَالحَدِيثُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَهُوَ أَخُو رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَوِدَادُهُ ووَلَاؤُهُ عَلم النجاة علامة الإيمَانِ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنْتَ أَخِي في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، وفي لَفْظٍ: «أَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي»، قَالَ: «وَمَا أَرِثُكَ؟» قَالَ: «مَا وَرَّثَتِ الأَنْبِيَاءُ قَبْلِي»، فَمَحَبَّتُهُ هِيَ مِنْ تَمَامِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فحري بالمسلم اتباع النبي صلى الله عليه وآله فيما وجه به عن علي -عليه السلام-.
وَفِي التَّنْزِيلِ الحَكِيمِ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾، فَإِظْهَارُ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ في يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ بِمَثَابَةِ إِعْلَانٍ بِوَلَائِهِ وَمَحَبَّتِهِ.
وَلَكِنَّ البَعْضَ مِمَّنْ يَعْتَرِيهِ النَّصْبُ أَوِ الحَسَدُ قَدْ لَا يَعْتَبِرُ الاحْتِفَالَ بِحُبِّ عَلِيٍّ -عليه السلامُ- مَوَدَّةً وَسُنَّةً، بَلْ يَعْتَبِرُهَا رَفْضاً. وَهُوَ في الوَاقِعِ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى مَكَانَةِ الإمَامِ عَلِيٍّ الرَّفِيعَةِ، إِنَّمَا يُعَبِّرُ عَمَّا يُمَلِّيهِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ مِنْ حَسَدٍ وَبُغْضٍ لِلإمَامِ عَلِيٍّ. مَعَ أَنَّ لَفْظَ “الرَّافِضَةِ” لَمْ تُطْلَقْ إِلَّا عَلَى مَنْ رَفَضُوا بَيْعَةَ الإمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عليه السلامُ- وَتَخَلَّوْا عَنْهُ، فَقَالَ قَوْلَتَهُ الشَّهِيرَةَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الرَّافِضَةُ».
إِنَّ الَّذِينَ يَرْفُضُونَ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَيُسَمُّونَ أَتْبَاعَهُ وَمُحِبِّيهِ بِالرَّافِضَةِ، قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمُ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ:
إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ
فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّي رَافِضِيُّ
إِنَّ تَوَلِّيَ الإمَامِ عَلِيٍّ وَصَالِحِ آلِ البَيْتِ وَصَالِحِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ وَمِنَّةٍ. وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَشَرِيعَتِهِ حُبُّ الإمَامِ عَلِيٍّ وَحُبُّ المُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَفي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ: «أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَجَاءَ في حَدِيثٍ آخَرَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا».
وَالْمُسْلِمُونَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ اليَوْمَ إلى المَحَبَّةِ وَالتَّآخِي، وَإِلَى إِظْهَارِ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَوَدَّتِهِ وَمَحَبَّةِ الإمَامِ عَلِيٍّ وَمَوَدَّتِهِ، وَالعَمَلِ عَلَى إِنْقَاذِ شَعْبِ فِلَسْطِينَ الَّذِي نُشَاهِدُ وَيُشَاهِدُ العَالَمُ مَا يُمَارِسُهُ الكِيَانُ المُحْتَلُّ مِنَ الظُّلْمِ وَالفَسَادِ في فِلَسْطِينَ.
فَمَوَالَاةُ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ وَالإمَامِ عَلِيٍّ وَصَالِحِي هَذِهِ الأُمَّةِ تَعْنِي البُعْدَ عَنْ مُوَالَاةِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ شَرَّدُوا الشَّعْبَ الفِلَسْطِينِيَّ المُسْلِمَ في فِلَسْطِينَ وَقَتَلُوا آلَافَ المُؤْمِنِينَ تَحْتَ سَمْعِ المُسْلِمِينَ وَبَصَرِهِمْ. وَالبَعْضُ مِنَ السَّاسَةِ في لَهْوٍ وَطَرَبٍ، يَفْرَحُونَ في أَعْيَادِهِمْ بِتَفَاهَاتٍ يُنْفِقُونَ الأَمْوَالَ عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، حِينَ تَوَلَّى الأُمُورَ فِيهِمْ أَمْثَالُ يَزِيدَ وَالوليدِ بْنِ يَزِيدَ في عَصْرِنَا هَذَا.
فَنَحْنُ اليَوْمَ في يَوْمِ الغَدِيرِ نَتَذَكَّرُ مَا عَلَيْهِ إِخْوَانُنَا في فِلَسْطِينَ وَمَا يُعَانُونَ مِنْ ظُلْمٍ وَقَتْلٍ وَتَجْوِيعٍ وَانْتِهَاكٍ لِحُقُوقِهِمْ وَحُرُمَاتِهِمْ وَمُقَدَّسَاتِهِمْ.
نَدْعُو كُلَّ أَحْرَارِ العَالَمِ إلى الجِدِّ وَالاجْتِهَادِ في سَبِيلِ إِنْقَاذِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ. فَالمُشَارَكَةُ في الاحْتِفَالِ بِإِظْهَارِ السُّرُورِ وَالفَرَحِ بِرَفْعِ يَدِ الإمَامِ عَلِيٍّ -عليه السلامُ- إِمَامِ المُتَّقِينَ ـالَّذِي وَقَفَ حَيَاتَهُ في سَبِيلِ اللهِ وَفي سَبِيلِ إِقَامَةِ العَدْلِ وَإِنْقَاذِ المُسْتَضْعَفِينَ- الَّذِي اعترفت به منظمة الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ للعلم والثقافة بمَا يُنْبِئُ عَنْ عَلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ، ولِيَظْهَرَ صِدْقُ هَذِهِ الأُمَّةِ في الِاحْتِفَالِ بِالغَدِيرِ وَإِظْهَارِ مَكَانَةِ مَنْ أَخْلَصُوا للهِ وَرَسُولِهِ وَأَثْبَتُوا صِحَّةَ تَوَجُّهِهِمْ في خِدْمَةِ الأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مَا تَطْمَحُ إِلَيْهِ. فَالوِلَايَةُ وَالسُّلْطَةُ إِذَا لَمْ تَهْدِفْ إِلَى قَوْلِ الحَقِّ وَالعَمَلِ بِالعَدْلِ وَإِصْلَاحِ شُؤُونِ العِبَادِ فَإِنَّمَا هِيَ مَذَمَّةٌ وَعَنَاءٌ.
إِنَّ الوِلَايَةَ لَيْسَ فِيهَا رَاحَةٌ
إِلَّا ثَلاثٌ يَبْتَغِيهَا العَاقِلُ
حُكْمٌ بِحَقٍّ أَوْ إِزَالَةُ بَاطِلٍ
أَوْ نَفْعُ مُحْتَاجٍ سِوَاهَا بَاطِلُ
فَنَدْعُو كُلَّ أَحْرَارِ العَالَمِ إلى تَوْحِيدِ الجُهُودِ لِإِنْقَاذِ فِلَسْطِينَ، وَالِاقْتِدَاءِ بِإِمَامِ المُتَّقِينَ عَلِيٍّ، الَّذِي جَسَّدَ العَدْلَ وَالتَّضْحِيَةَ، فَاحْتِفَالُنَا بِالغَدِيرِ لَيْسَ ذِكْرَى تَارِيخِيَّةً فَحَسْبُ، بَلْ تَجْدِيدٌ لِعَهْدِ الوِلَايَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، وَعَهْدٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الولاية للأمة حُكْماً بِحَقٍّ، وَإِزَالَةَ بَاطِلٍ، وَنَصْراً لِلْمَظْلُومِ.
ونرفع أسمى آيات التهاني لقائد المسيرة القرآنية والشعب اليمني المجاهد بهذه المناسبة الغالية ليوم الغدير.
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ثواب استماع القرآن للمرأة غير القادرة على القراءة.. تعرف عليه
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (امرأة كبيرة في السن لا تحفظ كثيرًا من القرآن، ولا تستطيع القراءة من المصحف، وتسأل عن ثواب الاستماع للقرآن الكريم من المذياع ونحوه.
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن قراءة القرآن الكريم أو الاستماع لتلاوته كلاهما عبادة من أفضل العبادات، والسنة النبوية عامرة بالنصوص المؤكِّدة لفضلهما وثوابهما: ففي خصوص قراءته جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي.
وفي خصوص الاستماع إليه جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كانت لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام أحمد.
وقد حث الله تعالى عباده المؤمنين على الاستماع إلى القرآن الكريم والإنصات له، فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، فالله عز وجل أرشد المؤمنين به المصدقين بكتابه إلى أن يصغوا وينصتوا إلى القرآن إذا قرئ عليهم؛ ليتفهموه ويعقلوه ويعتبروا بمواعظه؛ إذ يكون ذلك سبيلًا لرحمة الله تعالى بهم.
وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ يحب أن يستمع لتلاوة القرآن من غيره، وهذا مما يؤكِّد سنية الاستماع والإصغاء لتلاوة القرآن الكريم واستحبابه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قالَ: قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيرِي، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۢ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا﴾، قالَ: أمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وقد كان هذا حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين مع القرآن؛ فكانوا إذا اجتمعوا أمروا رجلًا منهم أن يقرأ وهم ينصتون إليه، وهو أيضًا حال التابعين ثم مَنْ بعدهم مِن العلماء والصالحين والمتعبدين.
فعن أبي نضرة قال: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَمَعُوا تَذَاكَرُوا الْعِلْمَ وَقَرَءُوا سُورَةً» أخرجه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع".
ومما ينبغي على المسلم اتباعه أن يجمع بين كل ذلك الخير، فيقرأ تارة ويستمع تارة أخرى؛ إذ التلاوة تشمل الاستماع إلى قراءة نفسه، وتزيد على ذلك لتشمل النظر في المصحف الشريف إن كانت القراءة منه، وتحريك اللسان بكلام الله تعالى، وفي جميع الأحوال ينبغي الحرص على أن يكون قلبه أقرب للخشوع والتدبر والفهم لآيات القرآن الكريم.
فإذا لم يستطع قراءة القرآن الكريم، وكان قادرًا على السماع بأن يلقي سمعه، ويحضر قلبه بما يتحقق معه الفهم والتدبر، فلا شك أنه محمودٌ مأجورٌ بإتيانه ما يقدر عليه من ذلك، وهو معذورٌ فيما عجز عنه، ولا ينبغي أن يكون ما عجز عنه عذرًا أو وسيلة لترك ما يقدر عليه من الخير، فما يمكن له الإتيان به سواء كان واجبًا أو مستحبًا لا يسقط عنه لأجل ما عجز عنه؛ لأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"، كما هو مقررٌ في القواعد، قال الله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: 16]، ومن قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه البخاري. يُنظر: ["الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السبكي (1/ 155، ط. دار الكتب العلمية)].
ويحصل الاستماع لتلاوة القرآن الكريم بكل ما هو متاح على حسب الطاقة، سواء كان بسماع من يقرأه مباشرة، أو بواسطة مذياع أو تلفاز أو هاتف ونحو ذلك.
وبناءً عليه وفي واقعة السؤال: فقراءة القرآن الكريم أو الاستماع لتلاوته كلاهما عبادة من أفضل العبادات، جاءت نصوص الشرع مؤكدة لفضلهما وثوابهما، وينبغي على المسلم أن يجمع بين وجوه الخير، فيقرأ تارة ويستمع تارة أخرى، فإذا لم يستطع قراءة القرآن الكريم، وكان قادرًا على الاستماع بأن يلقي سمعه، ويحضر قلبه بما يتحقق معه الفهم والتدبر -فلا شك أنه محمودٌ مأجورٌ بإتيانه ما يقدر عليه من ذلك، ومعذورٌ بما عجز عنه، ويتحقق الاستماع لتلاوة القرآن الكريم بكل ما هو متاح على حسب الطاقة، سواء كان بسماع من يقرأه مباشرة، أو بواسطة مذياع أو تلفاز أو هاتف ونحو ذلك، وبه يحصُل الثواب الموعود.