العالم في القاهرة.. كواليس الساعات الأخيرة في شرم الشيخ
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
في القاهرة، التي طالما كانت مسرحًا للتاريخ، عاد المشهد من جديد، المدينة التي شهدت توقيع «كامب ديفيد» قبل نصف قرن، تستعد اليوم لتوثيق اتفاق جديد، لا يقلّ خطورة ولا رمزية. هذه المرة ليست بين دولتين فقط، بل بين واقعٍ عربيٍ مشتعلٍ وأملٍ دوليٍ مترددٍ في السلام.
في شرم الشيخ، المدينة الهادئة التي تتحوّل كل عقدٍ إلى مركز القرار، تدفّق قادة العالم فجأة، وكأنّهم يسيرون على صفيحٍ من نار.
لم تُكشف بعد كل بنود الاتفاق، لكن المؤكد أن المرحلة الأولى ليست سوى وقف مؤقت للنزيف. تتضمن تفاهمات حول إعادة الإعمار، وضمانات أمنية بإشرافٍ مصري وأمريكي، وممرٍّ إنساني دائم من رفح، مع ترتيبات غامضة حول من سيُدير القطاع بعد وقف النار. تسريبات من مصادر أوروبية تحدثت عن «نقطة اشتعال» داخل الغرف المغلقة: من يوقّع عن الجانب الفلسطيني؟ هل هي السلطة في رام الله، أم ممثل من «حماس» يحضر بغطاء عربي؟ سؤال واحد أربك الجلسات الأولى وأجّل لحظة التوقيع أكثر من مرة.
كواليس المفاوضات.. صراع الكلمات لا البنادقداخل أروقة فندق المؤتمرات المطل على خليج نعمة، بدا التفاوض أكثر توترًا من جبهة القتال. الوفد الأمريكي بقيادة وزير الخارجية أصرّ على «لغة ناعمة» في البند الأمني، بينما دفع الوفد المصري إلى صيغة أكثر استقلالًا تضمن عدم تحوّل غزة إلى ساحة مراقبة دولية دائمة. القطريون لعبوا دور «الوسيط المالي» كعادتهم، والأتراك بدوا غائبين رغم الحضور، وكأنّهم يراقبون بعيونٍ لا صوت لها. أما الوفد الفرنسي فجاء مسلّحًا بورقة مطلبٍ واضحة: أن تُرفع الوثيقة فور توقيعها إلى مجلس الأمن لاعتمادها كوثيقة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة. الرئيس الفرنسي لم يُخفِ قلقه من أن تتحوّل الاتفاقية إلى «هدنة قابلة للاشتعال»، لذلك أصرّ أن تُضاف فقرة تضمن «المساءلة الدولية في حال الخرق»، وهو ما رفضه الوفد الإسرائيلي بشدّة، مدعومًا من واشنطن.
حكايات الساعات الأخيرة قبل التوقيعفي الليلة الأخيرة، قبيل الفجر بساعات، ساد صمت ثقيل في ممرات الفندق. المفاوض الفلسطيني المكلّف خرج من قاعة الاجتماعات وعيناه تُشيحان عن الكاميرات. لم يكن يريد أن يُعلن أنه سيوقّع، لكنه أيضًا لا يملك رفاهية الرفض. القاهرة كانت واضحة: «من يرفض اليوم، سيُترك وحيدًا غدًا». عند الثالثة فجرًا، وصلت رسالة عاجلة من مبعوث الأمم المتحدة إلى مكتب وزير الخارجية المصري، مضمونها أن «المجتمع الدولي ينتظر الصيغة النهائية قبل الظهر»، وإلا سيتحول الاتفاق إلى مبادرة مؤجلة. عندها فقط تحركت العقول لا القلوب. تم الاتفاق على الصياغة النهائية عند السابعة صباحًا، بعد تعديل فقرتين تتعلقان بـ «الضمانات الأمنية» و«إعادة الانتشار»، وتم تحديد أن يوقّع عن الجانب الفلسطيني ممثلٌ توافقي برعاية الجامعة العربية، لتجنّب أيّ شرخ داخلي.
بين القاهرة وشرم الشيخ.. رسائل السياسة والواقعالقاهرة في هذه اللحظة لا تبحث عن مجدٍ دبلوماسي جديد، بل عن تثبيت موقعها كـ «العاصمة التي لا تنام حين تشتعل المنطقة»، حضور قادة العالم في شرم الشيخ لم يكن مجاملة، بل اعترافًا بأن مفتاح التهدئة في يدها، وأنّ الطريق إلى غزة لا يمرّ عبر تل أبيب أو الدوحة بل عبر النيل. ورغم كل مظاهر التفاهم، فإنّ الخلافات العميقة لم تنتهِ. فبين لغة العواصم وألم الميدان فجوةٌ يصعب ردمها. الاتفاق قد يُوقَّع، لكنّ الروح التي تُنقذ الأوطان لا تُكتب بالحبر، بل بالإرادة.
انعكاسات الاتفاق.. إعادة ترتيب المشهد الإقليمياتفاق شرم الشيخ، إذا ما صمد، لن يكون مجرد وقف إطلاق نار، بل بداية مرحلة جديدة في ميزان الشرق الأوسط. مصر استعادت مركز الثقل الذي تراجع لعقود، وأكدت أن دبلوماسيتها الصامتة قادرة على جمع الأضداد دون ضجيج. إسرائيل خرجت بوجهٍ متعب رغم انتصارها الإعلامي، فهي تدرك أن كل هدنة طويلة تُقيد ذراعها الاستراتيجي في غزة. أما تركيا وقطر، فوجدتا نفسيهما في موقع المراقب أكثر من الفاعل، بعدما احتكرت القاهرة زمام المبادرة بدعمٍ خليجي صامت. إيران من جانبها تقرأ المشهد بقلقٍ متزايد، إذ تخشى أن تُترجم التفاهمات الجديدة إلى تضييق على نفوذها في المنطقة، خاصة في ظل توافق عربي- أمريكي غير معلن. يبقى السؤال الأهم: هل يكفي الاتفاق لصناعة سلامٍ دائم، أم أنّ شرم الشيخ ستُضيف إلى ذاكرتها اتفاقًا آخر يذوب مع الزمن؟ الإجابة لا تزال معلقة بين ضجيج البنادق وصمت الوثائق.. .بين واقعٍ يئنّ، وعالمٍ ما زال يبحث عن سلامٍ لا يشبه سراب الصحراء.
اقرأ أيضاًالرئيس السيسي وترامب يعقدان مباحثات بعد ظهر اليوم في شرم الشيخ
اليوم.. انطلاق قمة «شرم الشيخ للسلام» لإنهاء حرب غزة
شرم الشيخ.. منصة مصر الدائمة للحوار والسلام
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: شرم الشيخ مؤتمر شرم الشيخ قمة شرم الشيخ المرحلة الأولى من اتفاق غزة فی شرم الشیخ
إقرأ أيضاً:
شرم الشيخ.. مدينة السلام التي تحتضن الأمل من جديد
من جديد تثبت مصر أنها قلب العروبة النابض وعنوان السلام الدائم، فها هي مدينة شرم الشيخ، مدينة السلام، تحتضن جولة جديدة من اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب على غزة، لتعيد إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من المواقف المصرية الثابتة، التي لا تتغير بتغيّر الزمن ولا بتبدّل الظروف.
منذ عقود، كانت مصر — ولا تزال — هي الوسيط النزيه، والضمير العربي الحي، الذي لا يسعى لمصلحةٍ ضيقة، بل يعمل من أجل إنقاذ الإنسان قبل أي شيء. من كامب ديفيد إلى اتفاقات الهدنة، ومن دعم القضية الفلسطينية في كل محفل دولي إلى استقبال المفاوضات على أرضها، أثبتت القاهرة أن السلام بالنسبة لها ليس شعارًا يُرفع، بل مسؤولية تاريخية وإنسانية.
وها هي اليوم، شرم الشيخ — المدينة التي شهدت مؤتمرات للسلام والتنمية والبيئة والسياحة — تفتح ذراعيها لتحتضن الأمل في وقف نزيف الدم، وإعادة الحقوق لأصحابها، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمن الحروب والدمار لسنوات طويلة.
دور مصر لم يكن يومًا عابرًا، بل متجذر في تاريخها الممتد منذ آلاف السنين، حين كانت أرضها مأوى للأنبياء وممرًا للرسل، ومهدًا للحضارة الإنسانية. واليوم، تواصل مصر هذا الدور بوعي قيادتها السياسية وحكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي رفع دائمًا شعار “لا حل إلا بالسلام العادل والشامل، وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”.
إن ما يجري في شرم الشيخ اليوم هو رسالة جديدة للعالم: أن السلام لا يولد إلا من أرضٍ تعرف معنى الحرب، وأن من ذاق مرارة الفقد هو الأقدر على تقدير قيمة الحياة.
فمصر التي خاضت الحروب من أجل كرامتها، تعرف كيف تبني الجسور من أجل إنقاذ الآخرين.
شرم الشيخ إذا ليست مجرد مدينة ساحلية جميلة، بل هي رمزٌ متجدد لسلامٍ مصريٍّ أصيل، سلامٍ يصون الحقوق ولا يساوم على الكرامة، سلامٍ يُكتب اليوم بأيدٍ مصرية تحمل شرف التاريخ وأمانة المستقبل.