جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-03@09:45:43 GMT

توقف.. كي لا تتوقف تمامًا

تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT

توقف.. كي لا تتوقف تمامًا

 

 

سلطان بن محمد القاسمي

بينما كنت أتصفح هاتفي في لحظة من لحظات التوقف القليلة، مرت أمامي تغريدة للدكتور أسامة الجامع، كانت تغريدة لا ترفع الصوت ولا تطرق الباب، لكنها دخلت إلى قلبي بهدوء، وجلست هناك طويلًا. قال فيها ما معناه: "تخيل أنك تقود سيارتك نحو هدف، وترفض أن تتوقف للتزود بالوقود حتى لا تتأخر، فتتفاجأ بأنَّ السيارة توقفت قبل أن تصل.

لا وصلت لهدفك، ولا حافظت على طاقتك."

كانت تلك الكلمات كأنها كُتبت لي أو عني، وكأنها مرايا تعكس حالًا يعيشه كثيرون دون أن يعترفوا به. كم مرة قلنا: "سأرتاح لاحقًا"، ولم يأتِ ذلك اللاحق أبدًا؟ كم مرة قدّمنا العمل على أنفسنا، وركضنا خلف المسؤوليات حتى تآكلت أرواحنا؟

تذكرت وقتها شابًا عرفته عن قرب. لم يكن موظفًا عاديًا، بل مثالًا نادرًا في الجدية والالتزام. كان أول الواصلين إلى المكتب، وآخر من يُغادره. إن دخل في مشروع، انغمس فيه بكل جوارحه، يكتب التقارير، يراجع التفاصيل، يتحقق من كل صغيرة وكبيرة، يتطوع للمهام الطارئة، ولا يرفض طلبًا يُطلب منه. كان تلميذًا نجيبًا في مدرسة العمل بلا توقف.

حتى في إجازاته القليلة، كان يحمل الحاسوب معه، ويضع هاتفه على الطاولة في حالة طوارئ دائمة. لم يكن يعرف للراحة طريقًا، وكان يقول دائمًا: "لا أريد أن يُقال يومًا أنني قصرت، ولا أريد أن أشعر بالذنب إذا فاتني شيء."

مرت السنوات وهو على هذا النهج، يكسب ثناء المديرين، وإعجاب الزملاء، لكنه في داخله كان يخسر شيئًا فشيئًا. لم يكن يدري أن الضريبة ستُدفع من صحته، من هدوئه، من علاقته بأسرته، من روحه التي باتت لا تفرّق بين الليل والنهار.

ذات يوم، استيقظ وهو يشعر أن كل شيء ثقيل. لا لشيء بعينه، بل لأن الجسد والعقل والروح جميعهم قالوا له: كفى. لم يشأ أن ينهض من سريره، لم يستطع أن يفتح حاسوبه، ولا أن يرد على رسالة. جلس أمام النافذة طويلًا، ثم قال بصوت مسموع: "أنا تعبت من كل شيء."

في تلك اللحظة، لم يكن ضعيفًا كما قد يظن البعض، بل كان في قمة قوته. لأنه ولأول مرة، اختار أن ينقذ نفسه. قرر أن يتوقف. لا لأنه استسلم، بل لأنه لم يعد يريد أن ينتصر على حساب ذاته.

بدأ رحلة العودة إلى نفسه، خطوة بخطوة. قلص مهامه، استعاد إجازاته، جلس مع عائلته كضيف طال غيابه. عاد إلى القراءة، إلى المشي، إلى الهدوء. ولم يخسر عمله، بل أصبح أكثر وعيًا بتوازنه، أكثر وضوحًا في عطائه.

قصته ليست نادرة، لكنها تُروى قليلًا. لأن من يعيشها غالبًا لا يملك الوقت للبوح، أو لا يدرك ما يحدث له إلا بعد فوات الأوان.

وقد علّمنا الإسلام مبدأ التوازن من أصوله. قال الله تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا"، في دعوة واضحة إلى ألا يُنسينا الطموح حقنا في الحياة الطيبة. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن لبدنك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا"، يُؤكد المعنى ذاته، فالنفس ليست مجرد وسيلة للإنجاز، بل أمانة يجب صونها.

وعندما بالغ بعض الصحابة في العبادة حتى ظنوا أن هذا هو كمال الإيمان، علّمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الاتزان هو سُنّته، وقالها بوضوح: "فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وقد لا يدرك البعض أن العطاء المتوازن أكثر أثرًا من العطاء المستنزِف. فالنفس عندما تُكرَه على الاستمرار في العطاء دون أن تنال حقها في الترويح، تُصبح كالأرض اليابسة التي أُرهقت من الزرع دون أن تُسقى. خذ من نفسك، لكن لا تتركها خاوية.

وكم من المشاريع أُحبطت، ليس بسبب سوء التخطيط، بل لأن القائمين عليها لم يصمدوا نفسيًا، لأنهم أهملوا وقودهم الداخلي، وراهنوا على طاقتهم وكأنها لا تنضب، فالتوقف المؤقت ليس تعطيلًا، بل هو تأمين لاستمرار أطول، وجودة أعلى.

إن الحياة ليست ساحة سباق لا تتوقف فيها إلا عند النهاية، بل هي درب طويل يحتاج إلى محطات للراحة، للتأمل، لإعادة التوازن، ومن لا يتوقف باختياره، قد يُجبره الإنهاك على التوقف رغمًا عنه.

فيا من تكدّ ليل نهار، وتُنجز بصمت، وتؤجل راحتك مرارًا... تذكّر أن العمل نعمة، لكنه لا يجب أن يبتلعك. وأن الإخلاص لا يعني الاستنزاف، وأن الاتقان لا يقتضي أن تُهمل نفسك.

قف، خذ نفسًا. لا تنتظر لحظة الانهيار لتقول "كفى". اغلق هاتفك ليوم، قل "لا" لمهمة يمكن أن تنتظر، اجلس مع من تحب دون جدول، واخرج مع نفسك إلى مكان لا تطلب فيه من الحياة شيئًا سوى الهدوء.

التوقف لا يُعيبك، بل يحفظك. وإن أعظم النجاة، أن تنقذ نفسك وأنت في منتصف الطريق، قبل أن تذبل، قبل أن تتلاشى.

توقّف... كي لا تتوقف تمامًا. وتذكّر في نهاية الطريق، لن يبقى معك سوى صحتك وعائلتك. لا المنصب، ولا التصفيق، ولا رسائل الشكر ستمنحك الدفء إن انهرت. وحدهم من يحبونك لذاتك، ووحدها راحتك الداخلية، هي التي تستحق أن تُؤجل العالم من أجلها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

موعد مباريات دور ربع نهائي بطولة كأس العالم للأندية

انتهت منافسات دور ال16 من بطولة كأس العالم بعد فوز بوروسيا دورتموند على منافسه مونتيري المكسيكي.

وتأهلت 8 فرق للتواجد في دور ربع نهائي بطولة كأس العالم للأندية وهم بالميراس البرازيلي وتشيلسي وباريس سان جيرمان وبايرن ميونخ وفلومنينيسي البرازيلي والهلال السعودي وريال مدريد وبوروسيا دورتموند

موعد مباريات دور ال8 بكأس العالم للأندية

من المقرر أن يفتتح الهلال السعودي منافسات دور ال8 بكأس العالم للأندية أمام فلومينينسي البرازيلي يوم الجمعة 4 يوليو في تمام الساعة العاشرة مساء بتوقيت القاهرة.
ويلعب تشيلسي الإنجليزي أمام بالميراس يوم السبت 5 يوليو الجاري في تمام الساعة 4 فجرا بينما يواجه باريس سان جيرمان منافسه بايرن ميونخ يوم السبت 5 يوليو في تمام الساعة السابعة مساء.
ويختتم ريال مدريد منافسات دور ال8 أمام منافسه بوروسيا دورتموند يوم السبت 5 يوليو في تمام الساعة 11 مساء 

طباعة شارك باريس سان جيرمان بوروسيا دورتموند كأس العالم للأندية ريال مدريد الهلال

مقالات مشابهة

  • أذكار الصباح الواردة عن النبي.. حصن نفسك وطمئن قلبك
  • الحرب في الظل لم تتوقف..”تصيد ذكي”.. إيراني يستهدف خبراء وتقنيي دولة الاحتلال
  • مجازر لا تتوقف بحق النازحين ومنتظري المساعدات.. أكثر من 140 شهيدا في غزة
  • موعد عرض الحلقة الـ 16 من مسلسل فات الميعاد
  • 32 شهيدا في غارات إسرائيلية لا تتوقف على قطاع غزة
  • موعد مباريات دور ربع نهائي بطولة كأس العالم للأندية
  • تعرّف على توقيتات الصلاة في أسوان .. اليوم
  • "دلّل نفسك".. ترامب يطلق عطرًا جديدًا تكريمًا له كرئيس لأمريكا فكم تساوي القارورة؟
  • قنوات ومواعيد عرض الحلقة الـ 15 من مسلسل فات الميعاد