التجويع حتى الموت.. وخيانة ملوك الطوائف!
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
المساكين من البشر في هذا الكويكب هم الذين يصدّقون اليوم بوجود قانون دولي فيه ذرة من العدالة الإنسانية، أو تشريعات إنسانية، أو مظلة قانونية تنطلق منها الدول الكبرى الغربية تجاه الغير، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، الراعية الأولى لدولة الكيان الصهيوني الغاصب، ومُقوِّضة السلام الدولي عبر العقود، لكونها تُقاد من قِبل عصابة من "الصقور" أوصلتهم الدعاية والأكاذيب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض.
وما تلك الحملات الانتخابية إلا إعلانات مدفوعة من "إيباك"، هذه المنظمة الصهيونية التي تخترق جميع مفاصل الدولة الأمريكية.
ولكي نكون أكثر دقة في هذه المقدمة التي تعبر عمّا يدور في صدورنا وقلوبنا من مرارة عن واقع حال الأمة، فحدث بلا حرج عن تبلد مشاعرنا نحن العرب وقلة حيلتنا وضعفنا أمام التحديات والكوارث التي تحيط بنا من كل صوب؛ حكاما ومحكومين على حد سواء؛ من هنا تنتابني مشاعر الأسف والحزن حول ما يخيم علينا من انكسار وخوف ليس فقط على مستوى عامة الناس بل وصل بنا الأمر أن يعلن بابا الفاتيكان رفضه ويوبخ الكيان الصهيوني المجرم بسبب سياسة التجويع القاتل للأطفال والنساء في غزة، بينما يصمت بعض علماء الدين والمشايخ الذين يشار لهم بالبنان في العالم الإسلامي طوال عشرين شهر، مُطبِّقين مبدأ الخذلان المتمثل في المثل الشعبي الشهير "أذن من طين وأخرى من عجين" باستثناء سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وعدد من الدعاة والأئمة حول العالم، الذين وقفوا بعزم وثبات مع المقاومة التي تجاهد دفاعا عن شرف أمة محمد وعن المقدسات في فلسطين المحتلة منذ طوفان الأقصى المبارك الذي أعاد للأمة شيئًا من الكرامة.
ولا شك أن قرار قتل سكان غزة وتهجيرهم ليس بالعمل السري، بل كانت البداية عند وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية والذي أعلن عن خطة جاهزة لتهجير سكان غزة للدول المجاورة بقوة السلاح لكي يحول القطاع إلى ما يعرف بـ"ريفييرا الشرق الأوسط" وهو مشروع تجاري استثماري يضم شركات لترامب وبعض رجال الأعمال الأمريكيين من اللوبي الصهيوني، والذين يهدفون من هذا العمل الاستعماري بالدرجة الأولى إلى التهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم، وذلك للاستفادة من مخزون الغاز الذي يقدر بألف مليار متر مكعب (حسب بعض التقديرات) موجود في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ منها 30 مليار متر مكعب في بحر قطاع غزة، هذا فضلا عن التفكير بشق قناة بديلة لقناة السويس المصرية، لربط خليج العقبة مع البحر الأبيض المتوسط؛ على أن يتبع ذلك خطة أخرى لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، في إطار ما يُعرف بـ"صفقة القرن" التي يؤيدها بعض العرب ويعملون ليل نهار على تنفيذها على أرض الواقع، وكأنها الخلود الأبدي لعروشهم، دون أن يدركوا مخاطر ذلك على أوطانهم.
بالطبع، كانت الخطة البديلة -حسبما نرى- أن يتظاهر حُكّام العرب برفضهم لخطة ترامب لتهجير الغزاويين، بهدف ذر الرماد في عيون شعوبهم، والتمويه على ذلك من خلال إيجاد أداة قتل جديدة للجياع، بحيث يتم استدراجهم إلى فخ الموت الذي تديره ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الخيرية"، التي تتولاها عصابة مجرمة من الأمريكيين، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، بهدف قتل أكبر عدد من الشعب الفلسطيني، وتجويع الآخرين حتى الموت، بالإضافة إلى القصف الجوي والتطهير العرقي الذي تقوده آلة الحرب الإسرائيلية، بالسلاح الأمريكي، وتحت الغطاء القانوني في المحافل الدولية.
هكذا هي جريمة التطهير العرقي والتجويع حتى الموت، لأكثر من مليوني إنسان من سكان قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 19 سنة، من قِبل الكيان الصهيوني، في جريمة نكراء لا نجد لها مثيلًا في التاريخ، إلا ما كان من ملوك الطوائف قبل سقوط الأندلس، تكتمل وتُنفَّذ بكل حذافيرها.
إذ ما يحصل اليوم في فلسطين المحتلة، وخاصة غزة، يُذكّرنا بخيانات الحكّام في الأندلس؛ فعندما حاصر النصارى طليطلة أربع سنوات، واستسلم أهلها بعد ذلك نتيجة الجوع والعطش، سُئل أهلها: لماذا صبرتم كل هذه السنوات؟ فكان جوابهم أنهم كانوا ينتظرون المدد والمساعدة من زعماء الطوائف. فردّ الإسبان: هؤلاء الخونة كانوا معنا في حصاركم!
وبالفعل، بعد سقوط طليطلة، تم استهداف دويلات الأندلس التي سقطت تباعًا في عهد الملوك الكاثوليكيين أمثال إيزابيلا وفرديناند.
في الختام، وفي هذه الظروف الكارثية التي تُحيط بالمسلمين من كل جانب، هل يمكن لنا أن نطرح سؤالًا مشروعًا حول موقف القوى الإقليمية من المقاومة؟ ولماذا لا تُوجَّه ترسانتها الصاروخية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الفلسطينيين؟ أو تلك الدول التي تملك قوة سياسية ودبلوماسية عالمية، لماذا لا تستخدمها على النحو الأمثل؟!
لكن الواقع المرير يقول: "أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا"، ولعلّ العربدة الإسرائيلية في غزة وسوريا خير مثال على تقزيم أدوار القوى الإقليمية أمام إسرائيل.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الموت الإسفيري!
* لم يعد سريان الشائعات التي ينسج خيوطها أصحاب القلوب المريضة خبرًا، ولكن الخبر أن تطرق (شائعة الوفاة) أذن صاحبها؛ فيصبح في حيرة من أمره، والاتصالات تنهال على هاتفه من كل بقاع الأرض، ومجرد سماع صوته يُطمِئن المُهاتِفين بأنه- وبحمد الله- لا يزال (حيًا يرزق).
* فنانة معروفة وجدتها نفسها قبل عدة أيام مطالبة بإثبات أنها لا تزال على قيد الحياة، لأن شائعة مجهولة المصدر تشير لوفاتها، تم تناقلها عبر السوشال ميديا، والخبر ينتشر بسرعة في زمن يتفرغ فيه ضعاف النفوس؛ لضخ الأكاذيب وصياغة الوهم والتخاريف، فويل لأصحاب الضمائر المنزوعة ممن ينسجون خيوط تلك الأراجيف.
* أينما كنت تدركك شائعات الموت التي تفتل حبالها شبكة لتصطادك، معظم أصدقائك ومعارفك وزملائك ومحبيك یتحولون بحسن نیة إلي (موصل جيد) لنقل تلك الأكاذيب بدوافع الحب والخوف، دون أن يدروا بأنهم يساهمون في انتشارها، فالقلق يسيطر عليهم تمامًا عند سماع شائعة مزعجة، ولأن الأعمار بيد الله وحده، والمرء يغادر الدنيا ما بين طرفة عين وانتباهتها، لا يجد من یسكنهم القلق وسيلة للاطمئنان عليك ومعرفة الحقيقة سوى طرح الأسئلة عبر الوسائط المختلفة، ومن لا يملك إجابة تضمد جراح استفهام السؤال المزعج يبحث عن شخص ممن يعتقد أن عنده (الرد اليقين) لتبدأ رحلة القلق والتساؤلات، وتزداد رقعة انتشار المخاوف والشائعات!!.
* السؤال الذي ينبغي ألا ننسى طرحه على أنفسنا: هل خوفنا على من یهمنا أمرهم من أصدقائنا وبعض الشخصیات العامة يدفعنا لتداول الشائعات بسرعة البرق، ونفيها ساعة تلو الأخرى، أم أن هناك من يسعى بتخطيط رخيص لبث الرعب في أفئدة الناس بنشر سموم الأكاذيب، واغتيال الأحياء بسهام الأراجيف، ورؤية الحزن الخاطف- حتى ولو للحظات- يسيطر على أهلهم ومحبيهم، والأسى يسكن ضلوع أصدقائهم ومعجبيهم؟.
* كثیرة هی الشائعات بالوسط الفني والحقل الإعلامي؛ ولكن أكثرها سخفًا شائعات الموت التي تنتشر سريعًا، وإن كان عمر صمودها قصير جدًا (ولو طال) لأن المستهدف بالشائعة ومن هم حوله حتمًا سيقومون بنفيها، والمؤسف أن التعامل مع هذا النوع من الشائعات صعب جدًا لحساسیتها، وسرعة انتشارها وصعوبة السیطرة علیها لحظة إطلاقها في ظل عصر الطفرة التقنیة والحیاة الإسفیریة؛ والتقصي حول مصدر تلك الشائعات ضرورة قصوى؛ ومقاضاة من ساهموا في تدشینها ونشرها دون أن یتأكدوا، هو الطریق الوحید لوضع حدٍ لمثل هذه الظواهر، فمن یتم استخدامه في الترویج بجهل منه أو بسابق علم، فإنه لا یقل خطورة عمن نسج الشائعة، ولولاه لظلت حبیسة داخل العقل المریض الذي أنتجها؛ لذا یصبح التشدد والحسم ضرورة مع (هواة النقل الطائش) من الباحثین عن (انفراد) لا معنی له لمجموعاتهم في (الواتساب)، أو الفوز بسبق خبري مجهول المصدر؛ لیضعه أحدهم في صفحاته علی وسائل التواصل الاجتماعي، فلو تحلی الواحد من هؤلاء بقلیل حكمة وصبر لظفر بالخبر الیقین، و(قد یدرك المتأني بعض حاجته وقد یكون مع المستعجل الزلل).
نفس أخير
* لسان المـرء شهـد تشتهيه…. وإمّا حنظل لا حلو فيه
ومن مَلَك اللسان فذاك غُنم…. وليـس الغنم مالاً تقتنيه
اذا حمل الوشاة اليك سوءًا…. تبيَّنْ لا تُصدِّق حامليه.