اقتصاد ما بعد الريع: طريق التنمية بوابة العراق إلى العصر اللوجستي
تاريخ النشر: 2nd, August 2025 GMT
2 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: في مشهد استراتيجي يعيد رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة، يبرز “طريق التنمية” وميناء الفاو الكبير كمفصل تحوّل في الوظيفة الجيو-اقتصادية للعراق، ويؤشران إلى خروج تدريجي من قفص الاقتصاد الريعي نحو فضاء أوسع من التكامل والتشابك الإقليمي.
وتبدو معالم المشروع أقرب إلى هندسة سياسية جديدة، حيث لا يُقرأ بوصفه مجرد بنية تحتية، بل كأداة جيوسياسية متعددة الأوجه، تقاطع فيها الاقتصاد مع الجغرافيا، والإقليم مع العالم، والاستثمار مع الأمن.
ويعكس تقليص زمن نقل البضائع إلى أقل من النصف، وتخفيض التكاليف اللوجستية بنسبة تُناهز 40%، ليس فقط كفاءة المشروع، بل حجم الرهان عليه في تعديل منظومة سلاسل الإمداد العالمية. فالدول المشاركة، خصوصًا تركيا ودول الخليج، لا تنظر إليه كـ”خط عبور”، بل كبنية استراتيجية لإعادة توجيه تدفقات التجارة والطاقة والصناعات التحويلية.
وفي الوقت الذي يتقدم فيه الإنجاز الميداني للميناء بنسبة تفوق 90%، تترسخ ملامح شراكة إقليمية جديدة، تتجاوز الخطابات السياسية إلى تعاقدات اقتصادية فعلية، تُعيد تعريف موقع العراق بوصفه عقدة لوجستية لا يمكن تجاوزها في أي حسابات مستقبلية للنقل والتوزيع.
وما يُضاعف من القيمة الرمزية للمشروع، أنه يأتي في ظل بيئة إقليمية مأزومة، يُعاد فيها تعريف أمن الطاقة، وتُختبر فيها موثوقية الممرات البحرية، مما يمنح “طريق التنمية” صفة البديل الجيوسياسي لا اللوجستي فقط، في حال أي اختناق في الممرات التقليدية.
ومع تجاوز المشروع للبُعد الاقتصادي نحو صياغة هوية جديدة للدولة العراقية، يصبح التحدي الحقيقي ليس في الإنجاز الهندسي، بل في القدرة على تحويله إلى روافع للنمو، وأدوات لخلق الوظائف، ومساحات لتجسير الانقسامات الجغرافية والسياسية، وتكريس صورة العراق كـ”جسر لا خندق”.
وفي زمن لم يعد فيه الموقع الجغرافي كافياً للعب أدوار كبرى، فإن العراق، عبر هذا المشروع، لا يكتفي باستثمار موقعه، بل يعيد إنتاج وظيفته في النظام الاقتصادي الدولي، ويخطو نحو مرحلة ما بعد النفط بشروط لوجستية وسيادية جديدة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
انتخابات العراق: مرشحو الأحلام يغرقون الواقع بالوعود البرّاقة
12 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: يتنقل الناخب العراقي بين وعدٍ يُطلق في الهواء وآخر يُكتب على لافتات ملونة، فيما تتصاعد حرارة الانتخابات المحلية التي تكشف عن وجوه مرشحين يبدعون في صياغة المواقف وتسويق الأحلام. وتتعدد الوعود بين توفير فرص عمل وتوزيع هدايا عينية، فيما يبقى السؤال: هل هي مسرحية انتخابية أم محاولات حقيقية لخدمة المواطن؟.
وعود تحت الأضواء: فرص العمل في مرمى الجميعيطلق مرشح يُدعى ……. وعداً طناناً في ساحة عامة ببغداد، ويجزم أمام حشد من الناخبين بأنه سيوفر فرص عمل لكل عاطل في دائرته الانتخابية. وقال ….، وهو يلوح بيده بحماس: “نعرف أزمة البطالة، ونعدكم بمشاريع استثمارية ستفتح أبواب الرزق للشباب”.
وأضاف، بنبرة واثقة: “لن يبقى عاطل واحد في منطقتنا بعد فوزي”. يتردد صدى كلامه بين الحاضرين، لكن شاباً عشرينياً يهمس لصديقه: “كم مرة سمعنا هذا الكلام؟ يعدون ويختفون بعد الانتخابات”.
ويشارك مرشح آخر، يُدعى ….، في نفس السباق الانتخابي، ويرفع شعاراً مغرياً: “افتح أبواب التعيين لكل عاطل”.
وأعلن … خلال لقاء: “لدي خطة لتفعيل القطاع الخاص وإجبار الشركات على توظيف الشباب العاطلين بقوانين جديدة”.
و يثير وعده هذا جدلاً بين المواطنين، إذ يرى البعض أن هذه الوعود تفتقر إلى آليات تنفيذية واضحة، فيما يتمسك آخرون بالأمل. وتعلق سيدة في الأربعين من عمرها، وهي أم لثلاثة شباب عاطلين: “لو تحقق وعد واحد من هؤلاء، لكفاني ذلك”.
النائب الخدمي: بطل متعدد الأغراضيبرز في المشهد الانتخابي من يُطلق عليه الناخبون لقب “النائب البرمكي”، وهو مرشح يُدعى …، يقدم نفسه كـ”خادم للمواطنين في عموم العراق”. ووزّع …. منشورات دعائية تبرز نشاطاته المتعددة، من افتتاح مشاريع صغيرة إلى توزيع مساعدات غذائية.
وقال …… في لقاء مع ناخبين: “أنا لست مجرد نائب، بل أخ وصديق يقف معكم في السراء والضراء”. وأضاف، وهو يشير إلى مشروع لتأهيل طريق ريفي: “هذه بداية فقط، سأجعل كل قرية في العراق تنعم بالخدمات”.
ويصف المحلل السياسي علي التميمي، هذه الظاهرة بأنها “تسويق انتخابي يعتمد على العواطف”. وأوضح التميمي: “المرشحون يعرفون أن الناخب العراقي متعب من الوعود الفارغة، لذا يحاولون تقديم أنفسهم كأبطال خارقين متعددي المواهب، لكن التحدي يكمن في التنفيذ بعد الفوز”.
يبقى أمثال هؤلاء ، محط أنظار الناخبين الذين يتساءلون: هل هو فعلاً “النائب الخدمي” أم مجرد بطل في مسرحية انتخابية؟
بطانيات وهواتف: تسويق الانتخابات بالهداياتتصدر مرشحة تُدعى…. المشهد بأسلوب لافت، إذ تقف وسط جمع غفير في إحدى ضواحي بغداد، وتوزع بطانيات فرو فاخرة تحمل شعار حملتها الانتخابية. وتقف إلى جانبها شاحنة ممتلئة بالأدوات المنزلية والهواتف الصينية الرخيصة، في محاولة لجذب الناخبين.
وقالت … ، وهي تبتسم: “هذه الهدايا رمز لاهتمامي بكم، وستتبعها مشاريع كبرى لتحسين حياتكم”. يتفاعل الحشد معها بحماس، لكن سيدة مسنة تتذمر قائلة: “بطانية اليوم لن تحل مشكلة الكهرباء غداً”.
ويثير هذا الأسلوب جدلاً واسعاً، إذ يرى البعض أنه محاولة لشراء أصوات الناخبين. وعلق المحلل السياسي التميمي: “توزيع الهدايا ليس جديداً، لكنه يعكس ضعفاً في البرامج الانتخابية، إذ يعتمد المرشح على جذب الناخب عاطفياً بدلاً من تقديم حلول جذرية”.
وتتساءل الناخبة أم حيدر، وهي تحمل بطانية جديدة: “هل ستتذكرنا هذه المرشحة بعد الانتخابات؟”.
نعيم الوعود: شعارات تُباع بالكيلووتبرز هذه الشعارات كجزء من مسرحية انتخابية تجمع بين الكوميديا والتراجيديا.
ويؤكد التميمي أن “الشعارات الرنانة تستهدف الناخب البسيط الذي يبحث عن الأمل، لكنها غالباً لا تعكس رؤية سياسية واضحة”. ويضيف: “الناخب العراقي بدأ يدرك أن الوعود الكبيرة غالباً ما تكون مجرد هواء”.
ديمقراطية المفاجآت: بين الجد والهزلوتتكشف الانتخابات العراقية عن مفاجآت لا تخلو من الغرابة، إذ يتنافس المرشحون في تقديم صورة مثالية تجمع بين الخدمة والكرم والطموح. ويبقى الناخب هو الحكم الأخير في هذا المسرح السياسي.
ويرى مراقبون أن هذه المواقف، رغم طرافتها أحياناً، تعكس تحديات عميقة تواجه العملية الديمقراطية في العراق، من ضعف الثقة بين الناخب والمرشح إلى غياب برامج انتخابية واقعية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts