"حماية الصحفيين" وتهاوي السردية الصهيونية
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
د. يوسف الشامسي**
تابعت عددا من لقاءات الإعلامي البريطاني بيرس مورغان مع ضيوفه الصهاينة الذين لا ينفكّون من تكرار سرديتهم المتهافتة لتبرير القتل والتنكيل الحاصل في غزة، وتقمص دور وصوت ولباس "الضحية" في وقتٍ ما عاد تمثيلهم ينطلي على الجماهير والشعوب الحرة، يطرح مورغان سؤالاً مكررا على ضيوفه الصهاينة عندما يبدؤون في التشكيك بالتقارير الدولية حول "حجم المجاعة" و"دقة ضربات الجيش" وعدد الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء: إذا كنتم تشككون في المعلومات فلماذا تمنعون وسائل الإعلام الدولية من دخول غزة والتحقق من الوضع؟! هنا غالبا ما تأتي الإجابات في نموذجين فجّين لا يخلوان من المناورة والتضليل المعهود في السردية الصهيونية:
تارة يزعم المتحدثون الصهاينة -كما في لقاء آفي هايمان المتحدث السابق لحكومة الكيان الصهيوني، وتسيبي هوتوفلي السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، وقبل أيام داني دانون سفير إسرائيل بالأمم المتحدة، وكذلك قبلها المحامية البريطانية ناتاشا هاسدورف- أن منع الصحفيين من دخول غزة هو لحمايتهم من "خطر حماس".
وهناك في المقابل من يناورون الإجابة بطريقة الإنكار، فينكر المتحدثون الصهاينة منع وسائل الإعلام من دخول غزة، بل ويذهبون أبعد من ذلك، فمنهم من يدعو مورغان مباشرة لزيارة المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل برفقتهم، والحقيقة أن إسرائيل لا تمنع التغطية الإعلامية بالمطلق؛ ولكن تفتح الباب فقط لمن يقبل لعب دور "الدمية"، فهي تطبق آلية "الوصول الانتقائي" المشروط تارة، و"الدعاية السياحية" تارة أخرى في تعاملها مع وسائل الإعلام، فعبر الآلية الأولى قد تسمح إسرائيل فقط للمؤسسات الإعلامية الموالية لها بالوصول تحت حراسة عسكرية، كصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية لينشروا تقارير مُعدة مسبقًا لتبرر الرواية الصهيونية الرسمية، في المقابل تمنع دخول فريق وكالة "رويترز" و"الأسوشيتد برس" و"الجزيرة" وغيرها، وإن سمحت للبعض فلا يتمّ إلا برفقة العساكر الصهاينة، بهذا الأسلوب في تغطية الحرب -أو ما يعرف في دراسات الإعلام بمصطلح embedded journalism الذي برز بشكل أكبر إبّان العدوان الأمريكي على العراق- يقبع الصحفي مسيّرا موجها في نقله للأحداث، فتقتصر تغطيته على مواقع "منتقاة" كتصوير نقاط مساعدات مجهزة بطريقة استعراضية لعدسات الكاميرة فقط، في تجاهل متعمد لحقيقة أن 85% من سكان شمال غزة يواجهون المجاعة حسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي. وأما عبر الآلية الثانية فتموّل إسرائيل "سياحة دعائية" شاملة لبعض الصحفيين وسائل الإعلام، إذ كشفت مؤسسة "بتسليم" أن السلطات الإسرائيلية تقوم بتنظيم جولات لمراسلين غربيين مختارين -خصوصا مراسلي وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية الموالية للصهيونية- إلى حدود غزة، ومنعهم من التحرك بحرية أو لقاء المدنيين الفلسطينيين.
أساليب التضليل هذه تعكس سياسة إعلامية مدروسة لصنع سردية صهيونية موازية، فهي تعزل الصحافة عن جرائم الصهاينة، ثم تشكك في الحقائق التي تنشرها وزارة الصحة الفلسطينية والأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الحقوقية لأنها "لم تشهد الحدث على الأرض"، ثم تروّج روايتها الرسمية بنشرها مشاهد منتقاة عن الوضع لتوحي للمشاهد أن الناس في غزة "مصابون بالتخمة" لكثرة المساعدات والأغذية التي تصلهم حسب المزاعم الوقحة لأحد ضيوف برنامج مورغان. لكن كل هذه الأساليب أضحت مكشوفة على الملأ بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وبفضل من بقي في الداخل من الإعلاميين الذين يضحّون بأنفسكم لنقل الصورة الحقيقية من قلب المأساة، حيث يأكل الناس علف الحيوانات لحفظ رمق حياتهم، ويموت الأطفال والنساء والشيوخ جوعا، وتبث الصور والمقاطع في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولكن لا من قريب معين. مثل هذه الصور باتت تحرك الشعوب الحرة حول العالم للضغط على حكوماتها لوقف دعمها للكيان الصهيوني ووضع حدٍ لهذه المجازر اليومية، ويكفي دلالة على سقوط تلك السردية المزيفة تحذير الرئيس الصهيوني ترامب نفسه قبل أيام لأحد كبار المتبرعين اليهود لإسرائيل -بحسب صحيفة فايننشال تايمز- من ازدياد سخط الكثيرين في حزبه تجاه حكومة نتنياهو قائلا "أتباعي بدأوا يكرهون إسرائيل".
لا غرابة إذن من هذه السياسة المزدوجة والتناقض الدموي الذي يمارسه الكيان مع الصحفيين في غزة، ولا عجب في أن تصنّف شبكة "مراسلون بلا حدود" إسرائيل في ذيل قائمة الدول التي تحترم حرية التغطية في مناطق النزاع، فهي تقمع كل صحفيّ حرّ باعتباره خطرا يجب إخراسه، فلا تنفك من ترويج أكذوبة أو "هراء حماية الصحفيين" كما يصفها مورغان… لأنها تدرك جيدًا أن صورة واحدة حقيقية قد تنسف سرديتها الإعلامية بالكامل.
** أكاديمي بقسم الإعلام الجماهيري بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هيئة الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عربية وعالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ
أعلن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات الكاتب الصحفي ضياء رشوان، أن الهيئة أكملت استعداداتها بشأن تنظيم تغطية وسائل الإعلام الدولية لانتخابات مجلس الشيوخ، التي بدأت بالنسبة للمصريين بالخارج، وتعقد في اللجان داخل مصر خلال يومي الإثنين والثلاثاء 4 - 5 أغسطس الجاري، وذلك عبر غرفة عمليات يقودها رئيس الهيئة.
وقال رشوان في بيان اليوم السبت، أن الغرفة تضم كلاً من المركز الصحفي للمراسلين الأجانب وقطاعي الإعلام الخارجي والمعلومات بالهيئة، مبينا أن هذه الغرفة توفر لكل مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدين من الهيئة الوطنية للانتخابات، من المقيمين والزائرين، عدة آليات للاتصال السريع بها، لتسهيل عملهم في تغطية هذه الانتخابات وتذليل أية عقبات قد تواجههم في هذه التغطية.
وأضاف أن هذه الانتخابات تحظى باهتمام ملحوظ من الإعلام الدولي، حيث تقدم عدد كبير من مكاتب وممثلي وسائل الإعلام العالمية الكبرى بطلبات للحصول على تصاريح لمتابعة العملية الانتخابية، وقد تم بالفعل اعتماد ومنح هذه التصاريح لـ (86) جهة إعلامية عربية وأجنبية، من بينها (82) مؤسسة إعلامية، و(4) شركات خدمات إعلامية، حيث تشمل هذه القائمة (21) وكالة أنباء هي الأكبر والأكثر انتشاراً في العالم، إلى جانب (6) من كبرى شبكات الإذاعة والتليفزيون الإقليمية والدولية، و(25) قناة تلفزيونية، و(23) صحيفة ومجلة، من بينها (3) مواقع إخبارية إلكترونيه شهيرة.
وتابع رئيس هيئة الاستعلامات أن هذه المجموعة من وسائل الإعلام تنتمي إلى (32) دولة من مختلف قارات العالم من بينها: الولايات المتحدة وكندا وكوبا وإسبانيا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وهولندا.. إضافة إلى وسائل إعلام من كل من: روسيا والصين واليابان وتركيا وفيتنام وبنجلاديش، ومن العالم العربي يوجد ممثلون عن وسائل الإعلام في (14) دولة عربية من بينها الإمارات وقطر والأردن والسعودية والعراق والكويت، وتونس والمغرب وغيرها.
وأشار إلى أنه تمت إقامة غرفة عمليات لتنظيم ومتابعة عمل الإعلام الدولي في تغطية الانتخابات، حيث يتولى المركز الصحفي للمراسلين الأجانب بالهيئة المتابعة اللحظية عبر الهاتف ووسائل الاتصال الأخرى مع كافة مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية لحظة بلحظة للتأكد من انتظام عملهم، وقيامهم بمهامهم الإعلامية من خلال التيسيرات اللازمة، وفي الوقت نفسه إمدادهم بالبيانات الرسمية أولاً بأول، والتأكد أيضاً من التزامهم بالمعايير المهنية للعمل الصحفي في مثل هذه التغطيات، واتخاذ الإجراء اللازم لمواجهة أية عقبات تعوق عملهم، أوعند تجاوزهم لمعايير مهنة الصحافة والإعلام المتعارف عليها عالمياً.
وأوضح رشوان، أن هناك مجموعة من الضوابط التي يتعين علي وسائل الإعلام بصفة عامة مراعاتها عند تغطيتها للعملية الانتخابية، من بينها عدم خلط الرأي بالخبر، ومراعاة الدقة والأمانة في نقل المعلومات، والاستناد إلى مصادر معلومة يتم ذكرها وليس إلى مصادر مجهولة، واستخدام عناوين معبرة عن مضمون ما يرد في المادة الإعلامية، وعدم استخدام صور بعيدة عن موضوع الخبر، والتزام الدقة في استخدام المصطلحات والمسميات، وعدم اقتطاع أجزاء من أي بيان أو تصريح.
إضافة إلى أنه محظور إجراء استطلاعات رأي أمام اللجان الانتخابية أو بالقرب منها، واحترام آراء جميع الأطراف عند النشر عن أية واقعة، واحترام حق الرد والتعليق من الأطراف المعنية بالمادة الإعلامية، وعدم استخدام الشعارات الدينية أو التحيز لمرشح أو حزب بعينه، وألا تتم ممارسة تغطية العملية الانتخابية دون حمل التصاريح الخاصة بهذه التغطية.
وأكد رئيس هيئة الاستعلامات، أن قطاعي الإعلام الخارجي والمعلومات بالهيئة يتابعان على مدار الساعة كل ما ينشر ويبث عن هذه الانتخابات في أنحاء العالم، حيث يتم رصد وترجمة وتحليل مضمون كل هذه الأصداء، وتزويد الجهات المعنية بالعملية الانتخابية بنشرات دورية على مدار اليوم، من أجل تقييم ما تم نشره، والمسارعة بتصحيح ما قد يتم تداوله من معلومات مغلوطة أو وقائع غير صحيحة بشأن العملية الانتخابية.. فضلا عن تسهيل عمل المراسلين في تأدية عملهم بتغطية الانتخابات دون عوائق.
وفي هذا الصدد، شدد رئيس هيئة الاستعلامات، على أن الهيئة لديها خبرة كبيرة في سرعة التعامل مع مثل هذه الأمور أولاً بأول لتصحيحها، كما حدث في كل الاستحقاقات الانتخابية الماضية.
اقرأ أيضاًرئيس هيئة الاستعلامات: العراق وسوريا مهددان بقوة إذا انتهت الحرب لصالح إسرائيل
هيئة الاستعلامات: الإعلام الدولي يؤكد سير الاقتصاد المصري في الطريق الصحيح
هيئة الاستعلامات تؤكد رفض مصر القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين