في لحظة سياسية حرجة ومليئة بالتجاذبات الداخلية والإقليمية، أقدمت حكومة نواف سلام اللبنانية على خطوة مفصلية أثارت صدمة واسعة على الصعيد اللبناني والإقليمي، بإعلانها قرار نزع سلاح حزب الله، القوة التي طالما اعتُبرت الضمانة الوحيدة بوجه الاعتداءات الصهيونية المستمرة، والركيزة الأساسية في معادلة الردع التي فرضها لبنان على مدى عقدين من الزمن.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

هذا القرار لا يمكن عزله عن البيئة الإقليمية المشحونة، حيث تتسارع مشاريع التطبيع، وتتكثف الضغوط الأميركية على محور المقاومة، في مقابل دعم غير محدود تقدمه واشنطن للعدو الإسرائيلي عسكريًا وسياسيًا، ما يُحول لبنان إلى الساحة الأضعف والأكثر عرضة للاختراق والانقضاض.

الخطوة الحكومية أثارت ردود فعل غاضبة أبرزها من حزب الله، الذي اعتبر القرار خيانة وطنية صريحة وانخراطًا مباشرًا في مؤامرة أميركية – صهيونية تستهدف تجريد لبنان من سلاحه المقاوم، تمهيدًا لتطويعه سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وتحويله إلى دولة مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي الذي لا يخفي طموحه التاريخي للهيمنة على الجغرافيا اللبنانية، والعبث بأمنها ومستقبلها.

يناقش هذا التقرير في محاوره المختلفة أبعاد القرار وتوقيته، وموقف حزب الله منه، لكونه جزءًا من مشروع خارجي أوسع، كما يطرح سؤالًا مصيريًا: ماذا لو نُزع سلاح المقاومة فعلًا؟ وما الذي ينتظر لبنان في ظل تهديدات إسرائيلية دائمة وغياب أي مظلة دولية حقيقية للحماية؟

 

 خطيئة وطنية تُجرد لبنان من عناصر قوته

في بيان ناري، أعلن حزب الله أن الحكومة اللبنانية ارتكبت خطيئة كبرى بقرارها نزع سلاح المقاومة، مؤكدًا أن هذا القرار يُحقق للعدو الإسرائيلي ما عجزت عن تحقيقه عبر عدوانها على لبنان لسنوات، ويُضعف قدرة البلاد على الصمود في وجه المشروع الصهيوني – الأميركي.

الحزب وصف القرار بأنه مخالفة ميثاقية ودستورية واضحة، وضرب للبيان الوزاري الذي أقر بحق لبنان في المقاومة، مشددًا على أن رئيس الحكومة نواف سلام رضخ لإملاءات المبعوث الأميركي “براك”، ما يجعل من الحكومة أداة لتنفيذ مشروع خارجي يستهدف لبنان بالكامل.

وأكد حزب الله في بيانه أن ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان، مؤكداً أنه سيتعامل مع القرار كأنه غير موجود، ووجه رسالة حاسمة للدولة على ضرورة أن تعمل على تحرير جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، لا على تفكيك عناصر القوة التي تردع الاحتلال.

 

القرار بين منطق الدولة ومنطق المقاومة

من جانبها، ترى الحكومة أن قرارها يأتي في إطار فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها، وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، غير أن معارضي القرار من القوى الوطنية المناهظة للعدو الإسرائيلي، يعتبرون هذه المقاربة تجاهلًا للواقع الإقليمي والمعادلات القائمة منذ عقود، وتفريطًا في واحدة من أبرز أوراق القوة التي يمتلكها لبنان في وجه الأطماع الصهيونية.

ففي ظل توازن قوى غير متكافئ، وغياب ضمانات دولية حقيقية لردع الاعتداءات الإسرائيلية، يرى كثيرون أن نزع سلاح المقاومة لا يعزز السيادة بل يُقوضها، ويجعل لبنان مكشوفًا أمام تهديد دائم من كيان لا يعترف أصلًا بوجود لبنان كوطن مستقل.

 

القرار يُثبت تنفيذ الحكومة للإملاءات الأميركية – الصهيونية

يرى مراقبون أن هذا القرار لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث تسعى الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي إلى تصفية محور المقاومة عبر ضغوط سياسية واقتصادية، وتطويق القوى المناهضة لمشروع التطبيع والسيطرة في المنطقة.

وبحسب وجهة نظر حزب الله، فإن ما جرى لا يُعد قرارًا سياديًا مستقلًا، بل هو حلقة من حلقات مؤامرة كبرى تُدار من واشنطن وتل أبيب، هدفها النهائي تفكيك بنية المقاومة في لبنان، وتحويل الدولة إلى كيان تابع خاضع للقرار الخارجي.

وتشير المعطيات إلى أن المبعوث الأميركي براك لعب دورًا حاسمًا في الضغط على الحكومة اللبنانية لتمرير القرار، مقابل وعود بدعم اقتصادي واستقرار مزعوم، ما يُثبت أن الدولة باتت جزءًا من مشروع استسلام سياسي – أمني يعرض لبنان بأكمله للخطر.

 

ماذا لو تم نزع السلاح؟ مصير لبنان بين فكي العدو الإسرائيلي والأمريكي

في حال تم تنفيذ القرار فعليًا وتجريد حزب الله من سلاحه، يُحذر مراقبون من أن لبنان سيدخل مرحلة من الهشاشة الأمنية والسياسية غير المسبوقة، فغياب السلاح المقاوم سيُفقد البلاد عنصر الردع الوحيد أمام عدو لطالما حاول النيل من لبنان، ليس فقط عبر الحروب، بل أيضًا عبر الاعتداءات الحدودية، والضغوط السياسية، والتدخلات في القرار السيادي.

وبدعم أميركي غير مشروط، ستتمكن إسرائيل من فرض وقائع جديدة على الأرض، سواء في ملف الحدود البحرية والبرية، أو في قضايا اللاجئين والتوطين، أو حتى في الصيغ السياسية المستقبلية للبنان وليس ما يحدث في سوريا ببعيد عن لبنان.

ويُخشى أن يؤدي غياب المقاومة إلى فتح الباب أمام محاولات تطبيع قسري مع العدو الإسرائيلي، تحت عناوين التطبيع التي نفذ العدو من خلالها إلى معظم الدول العربية والإسلامية مثل ،السلام الاقتصادي أو ضمان الاستقرار، ما يعني فعليًا نهاية الدور الوطني للبنان وتحوله إلى دولة تابعة ضمن محور المصالح الأميركية – الصهيونية في المنطقة.

 

قرار بلا إجماع ومصير وطن على المحك

قرار نزع سلاح حزب الله، رغم أنه اتخذ من داخل مؤسسات الدولة، يفتقر إلى الإجماع الوطني، ويطرح أسئلة مصيرية عن مستقبل لبنان وهويته ودوره في الصراع العربي – الإسرائيلي، فبين من يرى فيه محاولة لترسيخ الدولة، ومن يعتبره تفريطًا بمقومات الصمود، تبقى الحقيقة أن القرار جاء في لحظة ضعف اقتصادي وانقسام سياسي حاد، قد تجعل لبنان أكثر عرضة للابتزاز والهيمنة.

ويبقى الرهان على وعي اللبنانيين، ومتانة الموقف الوطني، وقدرة القوى الحية على منع تفكك البلاد وتحويلها إلى ساحة منزوعة الإرادة والسيادة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: العدو الإسرائیلی نزع سلاح حزب الله

إقرأ أيضاً:

حزب الله: لا نقبل التخلي عن قوتنا مقابل استمرار العدوان الإسرائيلي

أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم، اليوم الثلاثاء، أنهم لا يقبلوا التخلي التدريجي عن قوة الحزب، مقابل استمرار العدوان الإسرائيلي، معربا في الوقت ذاته عن رفض الضغوط الممارسة عليهم.

وقال قاسم خلال كلمة متلفزة، تزامنت مع عقد الحكومة اللبنانية جلسة لاتخاذ قرار حول آلية تنفيذ محتمة لقضية نزع السلاح، إن "الأولوية ليست لسحب السلاح خدمة لإسرائيل، ولن يحصل حل دون توافق داخلي لبناني".

وتابع قائلا: "العدوان هو المشكلة وليس السلاح، حلوا مشكلة العدوان وبعدها نناقش مسألة السلاح"، مشيرا إلى أن "مصلحة إسرائيل أن لا تذهب لعدوان واسع، لأن المقاومة ستدافع والصواريخ ستتساقط عليها".

واستكمل كلمته: "إذا شنت إسرائيل حربا جديدة على لبنان ستسقط الصواريخ عليها، ونحن قادرون على مواجهة إسرائيل وهزيمتها، وتوم برّاك جاء بإملاءات تقضي بنزع قوة وقدرة حزب الله بالكامل".

وفي وقت سابق، زار وفد من حزب الله يضم النائبين علي فياض ورائد برو ومسؤول العلاقات المسيحية في حزب الله أبو سعيد الخنسا الرابية، والتقى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.

وأكد فياض أن حزب الله "منفتح على المعالجة من قبل اتفاق 1701 واتفاق وقف إطلاق النار"، مشددا على أن لبنان ملتزم بالاتفاق، ويجب الالتزام الصارم بتراتبية الإجراءات حسب ما ورد في البيان الوزاري وخطاب القسم والورقة اللبنانية التي قدمت للوسيط الأمريكي.



وتابع: "الخطوة الأولى يجب أن تكون التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية ووقف الأعمال العدائية وإطلاق الأسرى"، مؤكد أن "هذه هي الخطوات التي لا يمكن قبلها الانتقال إلى البحث في أي شيء آخر".

والثلاثاء، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، أن مجلس الوزراء سيستكمل خلال جلسته الأسبوع المقبل، "بحث بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها بقواها الذاتية حصرا"، في إشارة إلى نزع سلاح "حزب الله"، وحصر السلاح بيد الدولة.

والأحد، جدد المبعوث الأمريكي توماس باراك، دعوته الدولة اللبنانية إلى "احتكار" السلاح في البلاد، في إشارة إلى سلاح "حزب الله".

واعتبر باراك في منشور عبر منصة إكس أن "مصداقية الحكومة اللبنانية تعتمد على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق (..) وكما أكد قادتها مرارا وتكرارا، من الضروري أن تحتكر الدولة السلاح"، مضيفا أنه "ما دام حزب الله محتفظا بالسلاح، فلن تكفي الكلمات".

والأربعاء الماضي، اختتم باراك زيارة إلى بيروت استمرت 4 أيام، تسلم خلالها من الرئيس اللبناني جوزاف عون، الرد على مقترح واشنطن بشأن نزع سلاح "حزب الله" وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوبي البلاد.

وتركز رد بيروت، حسب بيان للرئاسة اللبنانية، على "الضرورة الملحة لإنقاذ لبنان عبر بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية دون سواها، وحصر السلاح في قبضة القوى المسلحة (الجيش) وحدها، والتأكيد على مرجعية قرار الحرب والسلم لدى المؤسسات الدستورية"، دون الكشف عن كامل مضمون الرد.

وفي 4 تموز/ يوليو الماضي، قال الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم: "على مَن يطالب المقاومة (حزب الله) بتسليم سلاحها، المطالبة أولا برحيل العدوان (إسرائيل)، لا يُعقل ألا تنتقدوا الاحتلال، وتطالبوا فقط من يقاومه بالتخلي عن سلاحه".

تلك التطورات تأتي أيضا في وقت يتصاعد فيه التوتر على جبهة جنوب لبنان، وتكرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق مدنية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر 2024.

وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شن الاحتلال عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح.

وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن 262 شهيدا و563 جريحا، وفق بيانات رسمية.

وفي تحد لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • حزب الله: سنتعامل مع قرار الحكومة وكأنه غير موجود ونحن منفتحون على الحوار
  • قيادي بـالثنائي الشيعي اللبناني: ما جرى بجلسة الحكومة خطوة متسرعة وخطيرة جدا
  • أول تعليق من حركة أمل على قرار الحكومة اللبنانية بسحب سلاح حزب الله
  • حزب الله: قرار الحكومة بتجريد لبنان من سلام المقاومة خطيئة كبرى ويحقق مصلحة إسرائيل
  • خطيئة كبرى.. أول تعليق من حزب الله على تجريده من سلاح المقاومة
  • قرار الحكومة يُقرأ من عنوانه
  • حزب الله: لا نقبل التخلي عن قوتنا مقابل استمرار العدوان الإسرائيلي
  • اجتماع حكومي لبناني تحت الضغط الأمريكي لمناقشة مصير سلاح حزب الله
  • ترقّب فرنسي لاجتماع الحكومة وسط انطباعات متشائمة