لجريدة عمان:
2025-08-11@18:17:43 GMT

الفتنة.. كلمة لا يفهمها أحد

تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT

استدعى النقاش الذي حدث في مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة حول مشكلة «مذهبية» إلى ذهني استخدام كلمة «الفتنة» في سياقات مختلفة؛ بحيث إن الجميع يستخدمها بطرق مختلفة، وتذكرت ورقة بحثية ألقاها الدكتور أدهم صولي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فبراير 2020 بعنوان «لماذا نخشى الفتنة؟». وما زالت هذه الكلمة تحضر في السياقات المتباينة بتعارضات فجة؛ بحيث إن الجميع يستحضرها في حديثه عن الفِرق، أو الأفكار الأخرى دون أن يفهم أحد معناها.

إن هذه الكلمة لم تبق في سياقاتها اللغوية فحسب، بل تعدت ذلك إلى أن تصبح أداة للتفكير السياسي والمذهبي؛ بحيث إن الجميع يستخدمها بما يخدم مصالحه النفعية أو الفكرية دون أن يكون هناك اتفاق مبدئي على الأقل لدلالاتها المعرفية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتّخذت من خلالها سياسات معينة كانت نتيجة لعدم الاتفاق هذا أولا، وللحمولات التاريخية والدينية التي تحملها الكلمة ثانيًا؛ فإنها وردت في القرآن في سياقات عديدة منها مثلا قوله تعالى: «...وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة» (البقرة:102)، وقوله تعالى: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب» (الأنفال: 25)، وغيرها الكثير كما وردت في الأحاديث النبوية منها «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها». وهكذا تتطور الكلمة وصولا إلى العصر الحديث الذي يستعملها الكثيرون مع حمولاتها الفكرية والتاريخية والدينية، والمتتبع لها يجد أنها تكشف عن أنماط التفكير المختلفة، سواء كانت تلك التي تتعلق بالمذاهب، أو بالسياسة، أو غيرها.

إن الكلمة في حد ذاتها قابلة لإعادة التوظيف في سياقات متباينة، واستعمالها كأداة سلطة؛ بحيث يُحكم على الذي تقال ضده بأنه يجب أن يقصى حتى لا يثير هذه الفتنة. وقد اكتسبت من خلال التوظيف هذا مرونة يُمكن وصفها بعدم البراءة؛ إذ إن هذه الاستخدامات لها أهدافها الفكرية والمذهبية والسياسية التي يُمكن تأويلها من إطلاق هذا الوصف، فيُمكن إقصاء مذاهب أو طوائف أو أفكار سياسية من خلالها. ولم تتوقف عند إطارها اللغوي في اللغة العربية، بل انتقلت إلى لغات أخرى؛ فعلى سبيل المثال أنتج فيلم هولندي في 2008 بعنوان Fitna، وهكذا نجد أن الكلمة بجميع حمولاتها تنتقل إلى لغات أخرى، وتحمل ذات الطابع التحريضي أو التحشيدي الذي تعمل من خلاله في اللغة العربية.

كثيرًا ما تستعمل هذه اللفظة في الخلافات المذهبية أو الدينية، وببحث بسيط على منصة إكس مثلا نجد كلمات مثل «وقف في وجه الفتنة»، «صاحب فتنة»، «مشروع فتنة»، «راية الفتنة»، «مسعر الفتنة» وغيرها، ويستعملها المختلفون ضد بعضهم بعضًا، وهكذا نجد أن استدعاء الكلمة في السياقات المذهبية كثير لإلغاء الآخر المختلف. وكذلك تستدعى في الخطابات الدينية مثل «زمن الفتنة»، أو «فتنة النساء»، أو غيرها، وهذا الاستعمال لا يأتي إلا مشحونًا ومحمّلا بالعواطف في كثير من الأحيان، وفي هذه الحالة تكون الاختلافات المعقدة ذات التاريخ الطويل في تطوّرها الفكري مختزلة في صورة أخلاقية أو عقائدية أحادية بهدف الاستنقاص من الآخر.

كذلك تستعمل الخطابات السياسية الكلمة لوصف المختلف أو المعارض على أنه مثير للفوضى أو بشكل حرفي «لهذه الفتنة»، وفي هذه الحالة غالبًا ما يكون المعنى مختلفا عن المعنى في السياق الديني؛ إذ يوصف به من يريد التغيير السياسي إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ فبنظرة على الخطابات السياسية في ثورات الربيع العربي نجد أن الرئيس السابق بشار الأسد قد استعمل الكلمة في خطابه فقال عن الاحتجاجات إنها «مشروع فتنة»، وأكد أن «إطفاء الفتنة واجب وطني وديني»؛ لإضفاء الطابع المؤمراتي على الاحتجاجات. وكذلك في خطاب الرئيس معمر القذافي الذي قال فيه «عملاء يجرون البلاد إلى فتنة دموية»، ودعا إلى «سحق الفتنة قبل أن تنتشر». وكذلك استخدمت الكلمة قوى المعارضة، فوصفت المعارضة المصرية مثلا استمرار المظاهرات أنه «يفتح باب الفتنة بين الجيش والشعب». فنجد أن الجميع يصف طرفه المقابل له بإفشاء الفتنة، وبالطريقة ذاتها استخدمتها القوات دون الدولة لوصف الدول المضادة لها، واستخدمتها هذه الدول كذلك ضد هذه القوات.

والأثر البارز لهذا أنها تزيد من تعميق الخلاف؛ إذ تضع الموصوف في حالة الداعي للفوضى، وعليه فتجب محاربته، والقضاء عليه حتى يتم القضاء على الفوضى أو «الفتنة» التي يسببها. وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق بين الأطراف على دلالة الكلمة؛ فإن استخدامها يشير لنمط التفكير الذي يستند إليه في وصف مخالفه، وبهذا تزيد الحمولات على الكلمة، حتى تقع في منتصف تناقضات لا يُمكن فهمها إلا من خلال تفكيكها.

هذا الغياب الموضوعي لتعريف الكلمة يضخم من الصراع، ويزيد من تعقيده، وصولا إلى صناعة الخوف في المتلقين؛ بحيث إن الموصوف -وفي الحالة الدينية أو الحالة السياسية في الدول العربية يجد الجميع نفسه موصوفًا بإثارة الفتنة التي لا يعرف أحد ما هي- هو الصانع الوحيد للفوضى التي حصلت دون الالتفات إلى الأسباب الموضوعية لوقوع الصراع، ودراستها بحيث يُمكن حلها. هذا يدل على أن هناك ضعفا واقعا في المجال التداولي النقدي في الدراسات العربية التي لم تستطع حتى تاريخ كتابة هذا المقال الاتفاق على دلالة واضحة وبينة لماهية الفتنة هذه، وبالتالي فإنها «ملكٌ عام» يحق للجميع استخدامها بما يتناسب مع سياقاته التي ينطلق منها ما يزيد من التعقيد والتضخيم، حتى يقف المحايد بين مفترق أسئلة متناقضة فيتساءل مثلا: ما هذه الفتنة التي يحذر منها الجميع؟ وكيف يكون الشيء ونقيضه مثيرًا للفتنة؟ وكيف يُمكن معرفة الفتنة من غيرها؟

إن الكلمات المشحونة تاريخيًّا بحاجة لإعادة نظر وتدقيق في مدلولاتها اللغوية والدينية والسياسية، وإعادة مساءلتها على ضوء المتغيرات الدينية والسياسية التي تعيش فيها المجتمعات العربية، وبالتالي بطريقة أو بأخرى يُمكن فصلها من حمولاتها التاريخية والدينية؛ بحيث تكون الفتنة في القرآن والحديث النبوي مختلفة عن الفتنة السياسية، فتستعمل في مكانها كلمات أخرى أكثر موضوعية ودقة في معناها ومدلولها مثل كلمة فوضى أو حرب؛ لأن استمرارية استعمالها في سياقات متناقضة ومتباينة لا يوضح معناها، بل يزيده تعقيدًا. وهكذا أزعم بأن هذه الكلمات بحاجة لتفكيك لمعرفة معناها المجرد أولا، ثم فصلها عن المصاديق التي نتجت بعد ذلك من كثرة استعمالها وصولاً إلى الوقت الراهن؛ حتى لا نقع في الإلغاء من خلال استعمال كلمات مشحونة تاريخيًّا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی سیاقات التی ی نجد أن

إقرأ أيضاً:

الزمالك كلمة السر.. أحمد حسن يكشف عن مفاجأة بشأن كوكا

كشف الإعلامي أحمد حسن مفاجأة بشأن اللاعب أحمد نبيل كوكا.

وكتب أحمد حسن عبر فيسبوك:"خاص.. أحد وكلاء اللاعبين عرض على أحمد نبيل كوكا الانضمام للزمالك الموسم المقبل مجانا".

وأكمل أحمد حسن :"كوكا رفض وأكد أن أولويته الاحتراف الخارجي أو تجديد عقده مع الأهلي".

وكان قد قال الإعلامي جمال الغندور،إن أحمد نبيل كوكا لاعب النادي الأهلي، اُبلغ مسؤولي القلعة الحمراء، بموافقته على التجديد لمدة خمس مواسم مع الفريق بعد فشل انتقاله إلى قاسم باشا التركي.

وتابع الغندور خلال برنامج ستاد المحور:" كوكا رفض الضغط على الأهلي في قصة الرحيل خاصًة بعد رجوع فريق قاسم باشا في اتفاقه مع الأهلي".

وأضاف:" الاتفاق كان على دفع النادي التركي 800 ألف دولار و20% من إعادة البيع وامتيازات على أن يكون دفع المبلغ على قسطين، ولكن الأهلي تفاجأ بتغير النادي التركي للاتفاق وطلب الدفع على أربع أقساط على سنة ونصف تقريبًا وهو ما رفضه الأهلي".

طباعة شارك كوكا الاهلي الزمالك

مقالات مشابهة

  • دينا أبو الخير تكشف أخطر مفاهيم البدعة التي تثير الفتنة بين المسلمين.. فيديو
  • المفتي قبلان استقبل بهاء الحريري: لمنع الفتنة السياسية والطائفية
  • درس من عُمان
  • أنس يُسلِّم الكلمة للأحرار.. "الوصية الأخيرة"
  • اغتيال خيمة الصحفيين في غزة: جريمة بحق الكلمة والصورة وصمت يفضح العالم
  • الزمالك كلمة السر.. أحمد حسن يكشف عن مفاجأة بشأن كوكا
  • شوبير: الشناوي يهدد بالرحيل عن الأهلي؟: شياطين بيزرعوا الفتنة
  • أمين الفتوى: الكلمة قد تكون كسب حلال أو حرام
  • دعاء الصباح لك ولمن تحب .. 12 كلمة تفتح لك أبواب السماء والأرزاق