سالم الطويل.. عندما تعمى البصيرة
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
أحمد بن عيسى الشكيلي
بين فينةٍ وأخرى تُطالعنا شبكات التواصل الاجتماعي بتُرّهات وخُزعبلاتٍ عديدة يسوقها وينعقُ بها أشخاصٌ وهبهم الله العقل، ولكن حرمهم نعمة إحسان استخدامه، ووهبهم الأعيُن فما أبصروا بها إلا ما وافق هواهم، ووهبهم الآذان فما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم فيها كي لا يسمعوا صوت الحق، فما عاد يفصل بينهم وبين الأنعام فاصل، بل هم أضلّ.
مؤخرًا -وليست هي المرة الأولى- يعلو صوت من يُدعى سالم الطويل، متطاولًا بقبيح القول وبذيئه، وهو الذي يُنصِّب نفسه ويصنِّف شخصه على أنه من "العلماء الدعاة"، حسب زعمه، ولكن الواقع أن العلم ما وَجَد إليه سبيلًا، وبينه وبين الدعوة بون شاسع؛ فالدعوة إلى الله مقرونة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن كيف للسانٍ نتنٍ وفكرٍ ضحلٍ ضّال أن يحوز من الحكمة شيئًا يؤهله ليكون صاحب موعظةٍ حسنة.
إنَّ عقدة النقص التي تكمن في نفس هذا المدعو سالم -وليته كان له من اسمه نصيب- يحاول أن يفكّ رباطها بأن يزجّ بعُمان ورموزها في بذيء قوله، وكأنه يحسب بأن ذلك هو السبيل الذي يبلغ به مبالغ أهل العلم، ويسمو به لمرتبتهم، وكأن المكانة تُبنى بانتهاك حُرمات الآخرين، بسبابهم وشتمهم وطردهم من رحمة الله، والتشكيك في عقيدتهم وإسلامهم؛ بل وتكفيرهم، وكأنه اطّلع الغيب فعرف المؤمن الحق، كما عرف نقيضه، وما قول سالم إلّا هذيان الخرِف، وما أشدّ خرفًا منه إلّا من صدَّقه واتّبع هواه، فأصبح كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
سالم الطويل بلوثاته وخزعبلاته وتُرّهاته ليس أكثر من تلوّث صوتي مقيت، لا تتقبله أذن عاقل، ولا تصغي له أذن حكيم، ولا تتوق لسماعه أذن رشيد، فمن سار بين الناس يبث بذور الفتنة والشقاق، ويدعو لتكفير الآخر، ويتهمه بما ليس فيه بنعيقٍ وزعيق غير مبنيٍّ على حقائق مدروسة، فما هو إلّا مرآة للجهل؛ بل هو الجهل بعينه، ولو أنه -برغم الحقد الذي تكنّه نفسه لعُمان ورموزها- أعمل عقله قليلًا لتفنيد الحقائق، وأسهب في دراسة الواقع والبحث في المذهب الإباضي الذي يبدو من طرحه المُتكرِّر إنه يكنّ له ولأهله وعلمائه عداءً غير مبرر، وأمعن فيه وتاريخه وفكره كما أسهب في الشتم والسب والقذف لربما تبيّن له الخيط الأبيض من الأسود، ليس فيما يتعلق بعُمان والمذهب الإباضي فحسب؛ بل حتى فيما يتعلق بقضايا الأمة الإسلامية، ولعل أبرزها قضية غزة، ودفاع فصائل المقاومة فيها وعلى رأسها حماس عن أرضها وعرضها وشرف أهلها، في زمنٍ تخلّى فيه عنهم القريب قبل البعيد إلّا من رحم ربي.
ليته قال من القول ما يكون شاهدًا له لا عليه، لعلّه يُثقّل به ميزانه، لكنه استخدام فكرًا بائدًا ينتقصُ فيه من جهاد أصحاب الأرض والحق، يُثبّط العزائم ليحوّل المسار لما يوافق هواه المُستمد من هوى بني صهيون، ولو أنه كان أحد المتجرِّعين لسموم الاحتلال والمنكوين بناره، لربما كان له من القول غير ذلك، ولكن الجرح ليس في جسده، والألم لا يشعر به إلّا من كابده، لذا دأب على الانتقاص من المقاومة ونعتها بما يراه الغازي المحتل، وما يسعى إليه في سبيل توسيع دائرة احتلاله وشرعنتها، وهو بذلك إضافة إلى كونه بوقًا يُنفَخ بما تريده آلة الاحتلال؛ فهو أداة من أدواته المُسخّرة للنخر في جسد هذه الأمة لتحقيق أجندات معيّنة تسعى لإخماد كل صوت يدعو للحق، والانتقاص من كل فكرٍ يرنو لإثباته، في الوقت الذي تعيش فيه أمتنا في أدنى درجات عزّتها، وتزداد فيه حاجتها إلى ما يوحّد صفّها، ويلمّ شملها، ويُعلي من شأنها، ويوقد عزائمها في سبيل استعادة كرامتها، والحفاظ على مقدراتها ومقدّساتها التي بات العدو الغاصب يعيثُ فيها فسادًا لا يردعه رادع، ولا يقوى على منعه مانع، والله غالبٌ على أمره.
وعلى الرغم من كل الحقائق الماثلة للعيان؛ سواءً ما يتعلق بعُمان ومذاهبها، أو بالمقاومة وجهادها ضد المحتل، سيظل سالم غارقًا في نقصه ما دام بصره لا يتجاوز حدود موطئ قدمه، لا يتقبّل إلا رأيه ولا يتّكئُ إلا على فكره، ولا يسعى إلى أن يزيح الغشاوة من على عينيه، ولكن قبل إزالتها من عينيه فعليه أن يُنظِّف قلبه، ويفتح أبواب عقله، وإلا فما فائدة البصر إن كانت البصيرة عمياء!!
إنَّ ما تلفّظ به بوق الفتنة سالم الطويل بلسانه، القصير بفكره، ليس بالأمر الجديد الذي يطال سلطنة عُمان ورموزها، فقد سبقه كثيرون من أبواق الفتنة والدمار الذين تُزعجهم عُمان بمواقفها المختلفة، سواءً كانت على الصعيد السياسيّ بمواقفها الواضحة والثابتة مع نصرة الحق والدعوة إليه، وما تمثّل في الشأن الفلسطيني مؤخرًا وخصوصًا ما يرتبط بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الغاشم على قطاع غزّة وتنكيلها بأهلها وتعذيبهم وتجويعهم وغيرها من المُمارسات الوحشية التي لا تتوافق مع أي منهجٍ أو عرف أو قانون، وكذلك الحال في الموقف العُماني مع القضية اليمنية أو الإيرانيّة الذي ولّد الكثير من الغوغاء والاتهامات والتخوين لسلطنة عُمان وقيادتها وأهلها، أو من خلال مواقفها مع القضايا الإسلامية المختلفة التي يفترض أن تشغل بال كل مسلم غيور على إسلامه، ومحاولة الزج بكل ما من شأنه أن يفرّق وحدة الصف العُماني، أو يشتت نسيجها الاجتماعي، وهم جاهلون في الحقيقة بأن عُمان لم تركن لمذهب في يومٍ من الأيام على حساب وحدتها، ولن تركن على مذهب، لأن عمادها الإسلام، وفكرها كتاب الله، لا تُفرّق أهلها مذاهب، ولا يُشتِّت جمعهم مشايخ، ولا يدينون إلا للهِ.
إنَّ اتحاد العُمانيين وثباتهم في الموقف هو ما يقضُّ مضجع الحاقدين، هو ما يغيظهم ويُشعل في دواخلهم نيران الحقد والضغينة، ويدفعهم لتكرار حملاتهم المسمومة ضد هذه البلاد وأهلها، لأن مع كل حملة شعواء يشنّها الحاقدون على سلطنة عُمان ينبري لها أبناء عُمان جميعهم، سنة وشيعة وإباضية، ينبرون لها لا مذهبيين؛ بل وطنيين؛ لأن ما يجمعنا على هذه الأرض أكبر من مذاهب وضعها البشر، يجمعنا حب الأرض، حب الوطن، حب عُمان، لأن الأرض هي ما تبقى، أما البشر أيًّا كانت مذاهبهم فهم راحلون.
ورسالة أخيرة نقولها لسالم ومن ماثله، إننا تربَّينا في عُمان على أننا عُمانيون مسلمون، لم ننشأ على أرضها لنكون مذهبيين، رضعنا حُب عُمان من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبًا، تفيّأنا ظلالها، وارتوينا بمائها ولو كان ملحًا أُجاجًا، وأنِست أرواحنا بطيب هوائها، نفترشُ ترابها حريرًا ولو كان في لهيب صيفٍ قائظ، ما زعزع مكانتها في قلوبنا خطبٌ، ولا انتقص من قدرها في نفوسنا أحداثٌ ونوازل، هي الملاذُ والأمان، وعلى ما تربّينا عليه سنمضي لا يفرقنا قولك، ولا نكترثُ بك وأمثالك، والردُ عليك ليس لوضعك في مكانةٍ أكبر من حجمك، أو إنزالك منزلة تفوق قدرك، ولكن لتعلم وأمثالك أن عُمان ثابتة على النهج، وأن شعبها ماضون في سلمهم الاجتماعي، أجسادًا مختلفة تسكنها روح عُمان، مُتآخين مُتعاضدين مُتكاتفين لأجل أرض طيّبة لا تنبتُ إلا طيِّبًا، ولتعلم بأن القافلة ستمضي وإن نبحت الكلاب.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قوافل الإغاثة المصرية تواصل عبورها نحو غزة عبر معبر كرم أبو سالم
أكد أحمد عبدالرازق، مراسل "إكسترا نيوز" من معبر رفح، أن تدفق المساعدات الإنسانية من مصر إلى قطاع غزة لا يزال مستمرًا عبر معبر كرم أبو سالم، في إطار الجهود المتواصلة لدعم الشعب الفلسطيني.
أوضح أن قوافل الإغاثة التي ينظمها الهلال الأحمر المصري، ضمن حملة "زاد العزة"، تواصل الدخول منذ ساعات الصباح الأولى، حيث تشمل شحنات من المواد الغذائية، كالطحين والمعلبات، إضافة إلى المستلزمات الطبية والوجبات الساخنة التي يتم تجهيزها في مركز الدعم الإنساني بمدينة الشيخ زويد.
وأضاف خلال رسالة على الهواء، أن عملية تفويج القوافل تخضع لتنسيق دقيق بين الهلال الأحمر المصري والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، مشيرًا إلى دخول القافلة الحادية عشرة التي تضم نحو 200 شاحنة تحمل 4000 طن من المساعدات، وتخضع عملية التفريغ والتجهيز لمعايير صارمة، بينها تغليف المواد وتوضيبها على قواعد خشبية، وهو ما تلتزم به الفرق الميدانية المدربة التابعة للهلال الأحمر، لتفادي أي اعتراضات من الجانب الآخر من المعبر الخاضع لسيطرة قوات الاحتلال.
وتابع أن معبر رفح من الجانب المصري لم يُغلق لحظة واحدة منذ بداية الأزمة، وأن العمل داخله استمر لاستقبال المصابين ونقلهم للعلاج، لكن تحويل المعبر لمعبر أفراد فقط، في ظل احتلال قوات الاحتلال للجانب الفلسطيني، حتّم الاعتماد الكامل على معبر كرم أبو سالم كممر وحيد لدخول المساعدات.